بسم الله الرحمن الرحيم
وبالنسبة للابراج اللواتي انهرن في اميركا في 11 سبتمبر
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ
أَيْ أَصْل , وَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّقْرِير . و " مَنْ " بِمَعْنَى الَّذِي , وَهِيَ فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ , وَخَبَره " خَيْر " . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر وَجَمَاعَة " أَسَّسَ بُنْيَانه " عَلَى بِنَاء أُسِّسَ لِلْمَفْعُولِ وَرَفْع بُنْيَان فِيهِمَا . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَجَمَاعَة " أَسَّسَ بُنْيَانه " عَلَى بِنَاء الْفِعْل لِلْفَاعِلِ وَنَصْب بُنْيَانه فِيهِمَا . وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد لِكَثْرَةِ مَنْ قَرَأَ بِهِ , وَأَنَّ الْفَاعِل سُمِّيَ فِيهِ . وَقَرَأَ نَصْر بْن عَاصِم بْن عَلِيّ " أَفَمَنْ أَسَسُ " بِالرَّفْعِ " بُنْيَانِهِ " بِالْخَفْضِ . وَعَنْهُ أَيْضًا " أَسَاس بُنْيَانه " وَعَنْهُ أَيْضًا " أَسُّ بُنْيَانِهِ " بِالْخَفْضِ . وَالْمُرَاد أُصُول الْبِنَاء كَمَا تَقَدَّمَ . وَحَكَى أَبُو حَاتِم قِرَاءَة سَادِسَة وَهِيَ " أَفَمَنْ آسَاس بُنْيَانه " قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا جَمْع أُسّ ; كَمَا يُقَال : خُفّ وَأَخْفَاف , وَالْكَثِير " إِسَاس " مِثْل خِفَاف . قَالَ الشَّاعِر : أَصْبَحَ الْمُلْك ثَابِت الْأَسَاس فِي الْبَهَالِيل مِنْ بَنِي الْعَبَّاس
عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ
قِرَاءَة عِيسَى بْن عُمَر - فِيمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ - بِالتَّنْوِينِ , وَالْأَلِف أَلِف إِلْحَاق كَأَلِفِ تَتْرَى فِيمَا نُوِّنَ , وَقَالَ الشَّاعِر : يَسْتَنّ فِي عَلْقًى وَفِي مُكُور وَأَنْكَرَ سِيبَوَيْهِ التَّنْوِين , وَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا وَجْهه . فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ كُلّ شَيْء اُبْتُدِئَ بِنِيَّةِ تَقْوَى اللَّه تَعَالَى وَالْقَصْد لِوَجْهِهِ الْكَرِيم فَهُوَ الَّذِي يَبْقَى وَيَسْعَد بِهِ صَاحِبه وَيَصْعَد إِلَى اللَّه وَيُرْفَع إِلَيْهِ , وَيُخْبَر عَنْهُ بِقَوْلِهِ : " وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " [ الرَّحْمَن : 27 ] عَلَى أَحَد الْوَجْهَيْنِ . وَيُخْبَر عَنْهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ : " وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات " [ الْكَهْف : 46 ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
" عَلَى شَفَا " الشَّفَا : الْحَرْف وَالْحَدّ , وَقَدْ مَضَى فِي [ آل عِمْرَان ] مُسْتَوْفًى . و " جُرُف " قُرِئَ بِرَفْعِ الرَّاء , وَأَبُو بَكْر وَحَمْزَة بِإِسْكَانِهَا ; مِثْل الشُّغُل وَالشُّغْل , وَالرُّسُل وَالرُّسْل , يَعْنِي جُرُفًا لَيْسَ لَهُ أَصْل . وَالْجُرُف : مَا يَتَجَرَّف بِالسُّيُولِ مِنْ الْأَوْدِيَة , وَهُوَ جَوَانِبه الَّتِي تَنْحَفِر بِالْمَاءِ , وَأَصْله مِنْ الْجَرْف وَالِاجْتِرَاف ; وَهُوَ اِقْتِلَاع الشَّيْء مِنْ أَصْله . " هَارٍ " سَاقِط ; يُقَال . تَهَوَّرَ الْبِنَاء إِذَا سَقَطَ , وَأَصْله هَائِر , فَهُوَ مِنْ الْمَقْلُوب يُقْلَب وَتُؤَخَّر يَاؤُهَا , فَيُقَال : هَار وَهَائِر , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَمِثْله لَاثَ الشَّيْء بِهِ إِذَا دَارَ ; فَهُوَ لَاثٍ أَيْ لَائِث . وَكَمَا قَالُوا : شَاكِي السِّلَاح وَشَائِك السِّلَاح . قَالَ الْعَجَّاج : لَاثَ بِهِ الْأَشَاء وَالْعُبْرِيّ الْأَشَاء النَّخْل , وَالْعُبْرِي السِّدْر الَّذِي عَلَى شَاطِئ الْأَنْهَار . وَمَعْنَى لَاث بِهِ مُطِيف بِهِ . وَزَعَمَ أَبُو حَاتِم أَنَّ الْأَصْل فِيهِ هَاوِر , ثُمَّ يُقَال هَائِر مِثْل صَائِم , ثُمَّ يُقْلَب فَيُقَال هَار . وَزَعَمَ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ مِنْ ذَوَات الْوَاو وَمِنْ ذَوَات الْيَاء , وَأَنَّهُ يُقَال : تَهَوَّرَ وَتَهَيَّرَ .
قُلْت : وَلِهَذَا يُمَال وَيُفْتَح .
" فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم " فَاعِل اِنْهَارَ الْجُرُف ; كَأَنَّهُ قَالَ : فَانْهَارَ الْجُرُف بِالْبُنْيَانِ فِي النَّار ; لِأَنَّ الْجُرُف مُذَكَّر . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الضَّمِير فِي بِهِ يَعُود عَلَى " مَنْ " وَهُوَ الْبَانِي ; وَالتَّقْدِير : فَانْهَارَ مِنْ أُسُس بُنْيَانه عَلَى غَيْر تَقْوًى . وَهَذِهِ الْآيَة ضَرْب مَثَل لَهُمْ , أَيْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى الْإِسْلَام خَيْر أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى الشِّرْك وَالنِّفَاق . وَبَيَّنَ أَنَّ بِنَاء الْكَافِر كَبِنَاءٍ عَلَى جُرُف جَهَنَّم يَتَهَوَّر بِأَهْلِهِ فِيهَا . وَالشَّفَا : الشَّفِير . وَأَشْفَى عَلَى كَذَا أَيْ دَنَا مِنْهُ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي قَوْل تَعَالَى : " فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم " هَلْ ذَلِكَ حَقِيقَة أَوْ مَجَاز عَلَى قَوْلَيْنِ ; [ الْأَوَّل ] أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَة وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَهُدِمَ رُئِيَ الدُّخَان يَخْرُج مِنْهُ ; مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ الرَّجُل يُدْخِل فِيهِ سَعْفَة مِنْ سَعَف النَّخْل فَيُخْرِجهَا سَوْدَاء مُحْتَرِقَة . وَذَكَرَ أَهْل التَّفْسِير أَنَّهُ كَانَ يَحْفِر ذَلِكَ الْمَوْضِع الَّذِي اِنْهَارَ فَيَخْرُج مِنْهُ دُخَان . وَرَوَى عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : جَهَنَّم فِي الْأَرْض , ثُمَّ تَلَا " فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم " . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : أَنَا رَأَيْت الدُّخَان يَخْرُج مِنْهُ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . [ وَالثَّانِي ] أَنَّ ذَلِكَ مَجَاز , وَالْمَعْنَى : صَارَ الْبِنَاء فِي نَار جَهَنَّم , فَكَأَنَّهُ اِنْهَارَ إِلَيْهِ وَهَوَى فِيهِ ; وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَأُمّه هَاوِيَة " [ الْقَارِعَة : 9 ] . وَالظَّاهِر الْأَوَّل , إِذْ لَا إِحَالَة فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم
تفسير القرطبي
معاذ ياسين
|