عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 27-05-2007, 01:29 PM
معاذ احمد ياسين معاذ احمد ياسين غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
مكان الإقامة: فلسطين
الجنس :
المشاركات: 30
الدولة : Palestine
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي نوّر قلوبنا بنور القرآن، وصلى الله على من كان القرآنُ نوراً وهدىً وشفاءً له، سيدنا ومولانا وقرة أعيننا محمد وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً. اللهم اجعل كل حرف في هذا البحث خالصاً لوجهك الكريم.

بداية الرحلة

ما أكثر الآيات التي استوقفتني طويلاً، فوقفتُ أمامها خاشعاً في محراب جلالها وجمالها، متأمِّلاً دقّة بنائِها وإحكامها، وروعةَ أسلوبها وسحرها، ومتدبِّراً دِلالاتها ومعانيها، ومتفكِّراً في عجائبها وعلومها ومعجزاتها.

كيف لا أقف هذا الموقف وأنا أمام أعظم وأجمل وأروع كتاب على الإطلاق، ألا وهو الكتاب الذي وضع الله تعالى فيه علمَه فقال: (لـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً)[النساء: 166]، إنه علم الله الذي يعلم أسرار الكون والذي أودع في كتابه هذه الأسرار، وقال عنه: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)[الفرقان: 6].

ومن هذه الآيات قوله تعالى عن السماء: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)[الذاريات: 7]. لقد قرأتُ هذه الآية منذ سنوات وكرّرتها مراراً في محاولة لفهم معنى (الْحُبُكِ)، فكانت توحي إليّ هذه الكلمة بالنسيج المحبوك!

ولكن رجعتُ إلى أقوال المفسرين رحمهم الله تعالى، ووجدتُ أن أكثرهم قد فهم من كلمة(الْحُبُكِ)النسيج المحبوك والشديد والمحكم، وقالوا بأن قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) أي ذات الشكل الحسن وذات الشدة وذات الزينة وذات الطُّرُق (1).ولكنني كنتُ أتساءل: أين هذا النسيج المحكم في السماء ونحن لا نرى إلا النجوم والكواكب؟ وبحثت في بعض المراجع التي تتناول علم الفلك وبنية الكون، ولم أعثر على ما يشير إلى أي نسيج وقتها.

وبقيت هذه الآية في ذاكرتي عدة سنوات ولا أجد لها تفسيراً دقيقاً، حتى قبل أيام من كتابة هذا البحث، عندما كنتُ أتصفَّح بعض المواقع العالمية عن بنية الكون، وآخر ما وصلوا إليه من حقائق يقينية وثابتة عن السماء، وكانت المفاجأة الكبرى عندما قرأتُ خبراً أطلقه المرصد الأوروبي الجنوبيEuropean Southern Observatory من خلال موقعه على الإنترنت عنوانه:"لمحة عن النسيج الكوني المبكر جداً" (2).



وبعدما قرأت الأسطر الأولى من هذه المقالة أدركتُ بأن القرآن الكريم قد سبق هؤلاء العلماء بأربعة عشر قرناً في الحديث عن هذا النسيج الكوني وسمَّاه (الْحُبُكِ)، بل إن الله تعالى قد أقسم به.

بين اللغة والتفسير

ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، فنحن أمام كتاب الله تبارك وتعالى، والقول في كتاب الله بغير علم يُهلك صاحبه ويعرِّضه لغضب الله عزّ وجلّ. وأنه لا يجوز لي أبداً أن أحمِّل هذه الآية معنىً لا تحتمله، ولا ينبغي أن أسوق نفسي باتجاه فهم جديد لهذه الآية أو غيرها من آيات الله تعالى، إلا إذا أيقنتُ حقيقةً أن الله تعالى يقصد هذا المعنى تماماً.

بل إن التسرُّع في تفسير آية من آيات القرآن بالاعتماد على نظريات علمية قد يثبت خطؤها في المستقبل، قد يمسُّ كتاب الله تعالى، ويكون حجَّة بيد أعداء الإسلام للنيل من هذا الدين الحنيف، بهدف التشكيك في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.

لذلك كان لا بد من اللجوء أولاً إلى اللغة العربية التي نزل بها القرآن، والبحث عن معاني هذه الكلمة، وهذا ما فعلته. فبعد رحلة في عالم المعاجم اللغوية (3)، وجدتُ بأن هذه الكلمة قد جاءت من الفعل (حَبَكَ) وأن العرب تقول: "حبك النساج الثوب" أي نَسَجَه، و(حَبَكَ) الحائكُ الثوبَ أي أجاد صنعه وشدّه وأحكمه، و(الحُبُك) هي جمع لكلمة (حبيكة) وهي الطريق.

ونرى من خلال المعاني اللغوية لهذه الكلمة أن كلمة (الحُبُك) تتضمن معاني أساسية تدور حول النسيج والخيوط المحبوكة بإحكام والمشدود بعضها إلى بعض. ولكن المفسرين رحمهم الله تعالى لم يدركوا أبعاد هذا المعنى لأن العصر الذي عاشوا فيه لم تتوفر لديهم علوم الفلك الحديثة، بل إن فكرة النسيج الكوني حديثة جداً لا يعود تاريخها إلا إلى بضع سنوات فقط!

مفاجأة جديدة

لقد أيقنتُ من خلال هذا المعنى اللغوي أن شكل هذا النسيج الكوني لابدَّ أن يكون كالنسيج ذي الخيوط المتشابكة والمربوطة ببعضها. وقد كانت المفاجأة الثانية عندما رأيتُ صورة هذا النسيج كما رسمته أضخم أجهزة الكمبيوتر (4)،وكان تماماً عبارة عن خيوط مترابطة بنسيج رائع ومحكم يدل على عظمة الخالق سبحانه!
ولكن هذه المقالة العلمية حول ملامح النسيج الكوني لا تكفي أبداً، فقد تكون نظرية وليست حقيقة علمية، وأنا كمؤمن ينبغي أن أتأكد من أية معلومة جديدة وأتثبت من صدقها قبل أن أقتنع بها لأبني عقيدتي على أسس علمية سليمة.

لذلك بدأتُ بمطالعة مئات الأبحاث حول النسيج الكوني والخيوط الكونية وجميعها صدر منذ بضع سنوات. ووجدت بأن جميع العلماء يؤكدون هذه الحقيقة بل هي من أهم الحقائق الواضحة والمؤكدة في القرن الحادي والعشرين.

وبعد أن رأيتُ هذا النسيج بالمعادلات الرقمية والصور التي رسمها الكمبيوتر، أدركتُ بأن القرآن تحدّث صراحة عن النسيج الكوني cosmic webالذي يفتخر علماء الغرب اليوم بأنهم هم أول من تحدث عنه (5).

بحث لا بدّ من الإطلاع عليه

ولكن قبل المضي في هذا التفسير العلمي للآية وحرصاً على كتاب الله تعالى وتوخّياً للدقة والأمانة العلمية كان لا بدّ من الإطلاع على ما كتبه علماؤنا المحدثين من أمثال الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار حفظه الله.

فقد وجدتُ بحثاً لهذا العالِم الجليل تناول فيه هذه الآية بشكل رائع (6)،وقد فسَّر هذه الآية بأربع نقاط:

‏1‏ ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق‏.

‏‏2‏ ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم‏.‏

‏3‏ ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها‏.‏

‏4‏ ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها‏‏.
ووجدتُه يقول عن النسيج المحكم في بحثه هذا: "وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء‏,‏ بأنها ذات حُبُك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها‏,‏ من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة‏,‏ إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي إلى كل الكون"‏.

ووجدت بأن الدكتور زغلول لم يتناول النسيج الكوني بمفهومه الحالي، والسبب في ذلك أن حقيقة النسيج الكوني لم يتم تأكيدها مئة بالمئة بلغة الأرقام إلا في هذا العام أي 2005، وهذا يدلّ على حرص علمائنا على عدم إقحام أي نظرية علمية لم ترقَ لمستوى الحقيقة في كتاب الله تعالى.

والنقاط الأربعة التي تناولها هذا العالِم جميعها صحيحة وتفسّر بعض معاني الآية، فالكون محكم البناء وقد أبدع الخالق العظيم في كل شيء فيه. والسماء ذات روابط محكمة تربط جميع أجزائها بحقول من الجاذبية والقوى الأخرى. والسماء ذات تباين واختلاف في توزع وكثافة المادة، فتجد فيها الثقوب السوداء ذات الوزن الضخم، وتجد فيها شبه الفراغ بين النجوم. والسماء ذات مدارات محددة، وكل نجم وكل مجرة تسبح في فلك محدد.

مزيد من المعاني والدلالات

ولكن هنالك المزيد من الدلالات والمعجزات، فقبل الشروع في تأمل المعاني الغزيرة التي تحملها هذه الآية ينبغي أن نتأمل أولاً ما كشفته أبحاث القرن الحادي والعشرين في مجال العلوم الكونية. فقد لاحظ العلماء في السنوات القليلة الماضية أن كل ما نراه في هذا الكون لا يشكل إلا أقل من 5 بالمئة، وأن أكثر من 95 بالمئة من الكون يتألف من مادة غير مرئية لا نبصرها هي المادة المظلمة (7).


وتذكَّر معي هنا قولَ الحقّ تبارك وتعالى: (فلا أُقْسٍمُ بما تُبْصٍرونَ * وما لا تُبْصِرونَ)[الحاقة: 38-39]. فقد أنبأنا القرآن عن أشياء لا نبصرها بل وأقسم بها أن القرآن حقّ، أل تتضمن هذه الآية إشارة غير مباشرة للمادة المظلمة التي يكتشفها العلماء اليوم؟

علماء الفلك يستخدمون تعابير القرآن!

ولكن السؤال: كيف استطاع علماء الغرب اكتشاف المادة المظلمة إذا كنا لا نبصرها؟ وكيف اكتشفوا النسيج الكوني؟ بل من أين جاءت هذه التسمية وهم لم يطّلعوا على القرآن؟ وهنا كان من الضروري القيام برحلة جديدة من رحلات البحث في أحدث ما وصل إليه العلماء في هذا المجال. وكانت المفاجأة المذهلة من جديد عندما قرأت تأكيداً على لسان العلماء الذين اكتشفوا هذا النسيج ورأوه للمرة الأولى (8) يقولون فيه:

"We have little doubt that for the first time, we are here seeing a small cosmic filament in the early universe".

"كان لدينا شك للوهلة الأولى, إننا نرى هنا خيطاً كونياً صغيراً في الكون المبكر".

ثم يقولون بعد ذلك بالحرف الواحد:

"We see it at a time when the universe was only about 2 billion years old".

نحن نراه(هذا الخيط) في زمن عندما كان عمر الكون فقط 2 بليون سنة.

ثم يتابعون مؤكدين رؤيتهم ورؤية علماء الفلك لتوزع هذه المادة في مرحلة مبكرة من عمر الكون:

Astronomers can "see" the distribution of matter in the early universe.

الفلكيون يمكنهم أن "يروا" توزع المادة في الكون المبكر.

ولكن الذي لفت انتباهي أن هؤلاء العلماء يستخدمون كلمة "نرى" بل ويضعون هذه الكلمة ضمن قوسين للدلالة على أنها كلمة جديدة الاستخدام مع العلم أن هذه الصور التي يرونها لهذا النسيج تعود إلى 13 بليون سنة!

وبعد تفكير طويل في السبب الذي جعل هؤلاء العلماء يصرون على رؤيتهم لملامح هذا النسيج [7]، تذكرتُ قول الحق تعالى مخاطباً هؤلاء المنكرين لكتابه المجيد: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْناهُمَا)؟[الأنبياء: 30].

فسبحان الله!! إن الله عز وجل يقول: (أولم يرَ)، وهم يقولون "إننا نرى" We seeوكأنهم يرددون كلام الله تعالى وهم لا يشعرون! والله يقول: (الذين كفروا)وهم يعترفون بإلحادهم وعدم إيمانهم بالقرآن. والله تعالى يحدد الزمن بكلمة (كانتا)أي في الماضي، وهم يقولون: "الكون المبكر" early universe..والله تعالى يقولرَتْقاً) وهم يعترفون بأنهم بدأوا برؤية أول خيط في هذا الرتق بقولهم: "خيطاً كونياً صغيراً" small cosmic filament.

أليست هذه معجزة قرآنية ينبغي على كل مؤمن أن يتفكر فيها؟ بل ويفتخر بهذا الكتاب العظيم الذي هو بحق كتاب العجائب والحقائق، وليس كما يدّعون أنه كتاب أساطير وخرافات.

وأمام هذه المعجزة القرآنية، معجزة خطاب القرآن للكفار بأنهم سيرون هذا الرتق الكوني في بداية الكون، وهم قد رأوا هذا النسيج فعلاً من خلال أجهزتهم وحواسبهم. أفلا يستيقنون بأن هذا القرآن هو من عند الله تعالى الذي خلقهم ويسَّر لهم هذا الاكتشاف وحدثهم عنه في كتابه قبل أن يكتشفوه بأربعة عشر قرناً! لقد اكتشفوا بداية هذا النسيج وتتراءى لهم ملامح هذه الخيوط الكونية، ولكننا نراهم يستمرون بالبحث عن هذا الرتق الكوني . لذلك نجد البيان الإلهي في هذه الآية الكريمة يسألهم: (أفَلا يؤمنون)؟؟؟

وكما نعلم من معاجم اللغة العربية(9) كلمة الرتق تعني السدّ والفتق تعني الشق وكلتا الكلمتين تتضمن إشارة صريحة إلى النسيج. والسؤال: أليس هؤلاء العلماء يردّدون هذه الآية وهم لم يطلعوا عليها؟

وعندما صرح القرآن بأن الكون كان رتقاً أي نسيجاً متماسكاً كالسد المنيع، نرى علماء هذا العصر يؤكدون وبشدة أنهم يرون هذا النسيج في المراحل المبكرة من عمر الكون!! بل إن هؤلاء العلماء لا يشكون أبداً في وجود هذا النسيج، حتى إنهم بدأوا يتساءلون عن الكيفية التي حُبكت فيها هذه الخيوط الكونية العظمى (11). وتأمل معي هذا النسيج الذي رسمه الكومبيوتر على شبكة ثلاثية الأبعاد لجزء كبير من الكون المرئي ونرى فيه بوضوح أن ما نبصره في هذا الكون أقل بكثير مما لا نبصره!

حقائق علمية يقينية

والآن ينبغي علينا أن نتعرّف على الكيفية التي جعلت علماء الفلك يجزمون بهذا النسيج، بل ويجمعون على ذلك. وتبدأ القصة عندما بدأ علماء الكون برسم خرائط للنجوم والمجرات ولاحظوا وجود مناطق تتجمع فيها هذه المجرات بما يسمى عناقيد المجرات galaxy clusters ووجدوا بأن هذا الكون يحوي أكثر من مئتي ألف مليون مجرة!

وعندما توفرت إمكانية الحسابات الضخمة باستخدام السوبر كومبيوتر فكَّر العلماء بإدخال جميع المعلومات اللازمة إلى هذا الكومبيوتر العملاق والتي تتضمن بيانات رقمية حول موقع المجرة وبعدها عنا بالسنوات الضوئية وشدة إشعاعها، بالإضافة إلى معلومات حول التجمعات المجرية الضخمة ومعلومات أخرى تشمل أكثر من مليون مجرة.

وعندما نفّذ الكومبيوتر العمليات الرقمية كانت الصورة الناتجة تشبه النسيج، وهذا ما جعل العلماء مباشرة يطلقون عليها اسم النسيج الكوني cosmic web.

المجرات كاللآلئ التي تزين الكون!

والآن تأمل معي هذه الصورة للنسيج الكوني، والطريقة التي نسج الله تعالى بقدرته هذه المجرات وجعلها بناءً محكماً يزين السماء.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.87 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]