بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق السموات و الأرض و جعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع يزيد في الخلق ما يشاء و هو على كل شيء قدير…
و الصلاة و السلام على معلم البشرية و سيد الأنام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم و على آله و صحبه الكرام…
إخوتي في الله
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
ياأهل القرآن..
إذا ضاقت السبل و نفدت الحيل و خارت القوى و صارت تتقاذفنا أمواج متلاطمة محلولكة السواد ونحن قاب قوسين أو أدنى من الغرق
و جاءتنا جنود الشهوات و الفتن من فوقنا ومن أسفل منا ..
حينها زاغت أبصرنا و بلغت القلوب الحناجر و ظننا بالله الظنون..
من لنا..من لنا..من لنا وقتها؟
هكذا و الله هي أحوالنا في هذا الزمن نسينا أو بالأحرى نتناسى أننا خرجنا من ظهور و أرحام رجال و نساء خير أمة أخرجت للناس.
إخوتي في الله
من لنا غير الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم و دستور الأمة في كل زمان و مكان ألا و هو القرآن ( ذلك الكتاب لا ريب فيه )
و الله إنه سبيل السعادة و جنة الدنيا..
القرآن الكريم..
كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه..
من ذاق حلاوة كتاب الله و وجد السعادة و رأى في الدنيا جنة لامستها شغاف قلبه و جوارحه وجب عليه أن يعلم إخوة له ليذوقوا ما ذاق
فلربما كانت عظة و نصيحة تترك في الوجدان قلوب تهفوا إلى الرحمن
قال الله تعالى ( فاذكروني أذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون ) ..
و قال صلى الله عليه و سلم * مثل الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر ربه مثل الحي و الميت *
يأهل القرآن - ناديتكم بذلك لأنكم بإذن الله أهل له و حملته – ماذا سنقول للرسول - بأبي هو و أمي – صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حينما يشكونا إلى ربه بهذه الآية الكريمة في سورة الفرقان على لسانه ( و قال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )
أي هجروه لم يقرؤه و لم يعملوا به
و قد قال بعض السلف من لم يختم القرآن خلال أربعين ليلة كان من المهجورين له
و قال بعضهم خلال ثلاثين ليلة .. فحسبنا الله و نعم الوكيل..
إخوتي متى كانت آخر مرة ختمنا فيه كتاب الرحمن؟
بل ما هو عذرنا أمام الله ؟
ما موقع أفئدتنا مما جاء فيه من آيات بينات؟
حيث إخوتي لا يكفي أن نقرأه دون تدبر و فهم للمعنى و أيضاً دون العمل به..
فكم نمر على آيات تحث على الصلاة في وقتها و تحذر من عقوبة تركها و التهاون فيها..
بعدها سواءٌ عندنا أصلينا الفجر في وقتها أم صليناها بعد طلوع الشمس أم لم نصلها أصلاً..فهل عملنا به؟!
و كم تمر أسماعنا و أبصارنا على آيات تحرم اللغو و اللهو و السمود – المعازف و الطرب و الغناء – و بعدها تجول أبصارنا و أسماعنا بل و قلوبنا مع هذا المطرب و هذه المطربة..
فهل عملنا به؟! و كم نمر على آيات تحرم الغيبة و النميمة..
بعدها نسب هذا و نلوك عرض تلك..فهل عملنا به؟!
وكم نمر على آيات تحريم الربا..بعدها لا نبالي أأكلنا من حرام أم من حلال..فهل عملنا به؟!
إخوتي:
يؤتى يوم القيامة بأحد من حفظة القرآن ثم يلقى به في النار و يتساءل أهل المحشر هذا من أهل القرآن فعل به ما فعل فكيف بنا نحن؟ حينها ينادي رب العزة – جل في علاه –
( و عزتي و جلالي ما حفظه لأجلي و لكن كي يقال له قارئ فقد قيل )
حسبنا الله و نعم الوكيل أرأيتم..
لم يعمل به لم يتدبره لم يستطعم لذة تلاوته بل ران على قلبه النفاق و الوحشة من خشية الله.
أهل القرآن أتعلمون لم كتبت ما كتبت؟ أنا فتاة عادية عشت طفولتي بين غابات قريتي الصغيرة السعيدة على جبال ظفار الشماء..
هناك حيث الخضرة و أشجار التين تحيط ببيوتنا الصغيرة و كأنها أم تحضن صغارها في حب و حنان و انسجام أبدعه الخالق في أروع صورة فسبحان الله ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه )
و أثناء نموي و ترعرعي في تلك الجنة الخضراء نما في قلبي الصغير حب غريب لخدمة ديني و حب عارم لنبيي صلى الله عليه و سلم و حينها لم أعرف كيف أترجم كل ذلك الحب لهذا الدين العظيم ..
و هكذا سارت بنا الأيام و عرفت كتاب ربي و كنت أتصفحه و أنظر إلى سوره و آياته بشغف شديد و لكني ما تخيلت يوماً ما أني سأحفظه..مرت الأيام تلتها سنوات و أثنائها أصابني الضيق و الهم و القلق بسبب بعدي عن الله و قلة ذكري إياه
و لكن رحمة الله و عنايته شملتني و أحاطت بي من كل جانب حتى أكرمني بحفظ القرآن الكريم و نيلي السند برواية حفص عن عاصم من أحد مشايخ بلدنا...
ما أجلها من نعمة إخوتي الكرام أن يحل كلام الله ( القرآن ) محل مزامير الشيطان ( اللغو و اللهو – الغناء و الطرب - ) لقد استنارت بصيرتي بكلام ربي فتعلمت و علمت و عرفت حقيقة الدنيا و هي أن أجعل الدنيا في يدي و ليس قلبي...
القرآن أدبني فعلمني التواضع و الترفع...
القرآن علمني الصدق في كل جوانب حياتي...
القرآن علمني كيف أختار صويحباتي و رفقتي, و لو ظللت أعد لكم ما تعلمته من كتاب ربي لما أوفيت العد حقه...
كما أكرمني ربي بالقرآن أن صرت داعية في بلدتي...
إخوتي إني أعيش في سعادة و غبطة و سرور لا أستطيع وصفه بعد الضيق و الهم ..
و الله إن الهم و القلق نزعا من حياتي نزعاً بعد أن مشيت في طريق الهداية و أخذت من القرآن تعاليمه و تركت ما دون ذلك...
إن السعادة في قلبي لو وزعت على العالم لوسعته...
يومٌ ما كنت قاعدة مع أخت لي و كنا نقرأ قول أحدهم أنه يعيش في ضنك و نكد و هم..
فنظرت إلى أختي و قلت لها ليت السعادة تهدى حتى أعطيه بعض ما أشعر به فاولله لن ينقص ذلك من سعادتي ...
لأن سعادتي هبة من الله تعالى و ما عند الله لا ينفد..هذه هي جنة الدنيا التي حدثتكم عنها و رأيتها بأم قلبي ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
فحدثوني عن جناتكم..أتضاهي جنتي؟!