بسم الله الرحمن الرحيم
فلسفة السعادة
لعل القارئ يستغرب هذا العنوان الغامض بعض الشيء، وأنا لا أستنكر ها الاستغراب، فقد قرأنا الكثير عن المواضيع المتعلقة بالسعادة، سواء أكانت عن مصادر السعادة، أم حقيقة السعادة، أم أنواع السعادة، فكل ما قرأتُ لا ينسجم تماما مع فلسفتي الشخصية حول السعادة المتبلورة بعد مضي بعض السنوات من سِنيّ حياتي التي لا أعلم إن كانت ستطول أم ستقصر،فهذا ليس بموضوعنا، ولا يمت للسعادة بصلة.
فمع مرور الوقت و زيادة خبرة الانسان بالحياة، تتبين له جوانب أخرى للحياة وما نتعرض له من مشاعر متضاربة أم أحاسيس قد تسعفه مرة، و تخذله مرات، قد نلوم أنفسنا أننا أخطأنا التعبير، أو في عذر آخر، أننا أخطأنا التقدير، أو أخطأنا الشعور، وكثيرا ما نمثل دور الطفل البريء المنتهكة حقوقه من قبل شخص آخر متسلط، وهنا ، أنا لا أنفي حقيقة هذه الأعذار أو دقتها، على العكـس تماما، فأنى أجد المبرر و التفسير المنطقي لهكذا أعذار قد تبدو للــ "أفلاطونيين" و ذوي النظرة المثالية أنها مجرد أعذار واهية للتهرب من الموقف، مما حدا بي الى وضع تصور يكاد يكون أقرب للنظرية يتلخص بمفهوم أن السعادة هي شيء وهمي لا وجود له.
لربما ينتقد البعض النزعة التشاؤمية لدي، أو لربما يقول البعض أنني عامل إحباط في المجتمع، و يقول ثالث: ابتعدوا عن هذا الإنهزامي، إنه فاشل و يكره الناجحين، وأيضا هنا أجد لهم العذر في رأيهم بنظريتي، فهي غريبة جديدة تخالف العديد من الحقائق والتجارب.. لكنهم يغفلون عن أن انتقادهم لي هو تدعيم لنظريتي. فهي شكل من أشكال نفي مفهوم السعادة.
قد ينبري لي شخص ويقاطعني الحديث، أو أن يحدث نفسه مستهجنا ما يسميه هذياني، ويقول ألا يفقه هذا حقيقة أن السعادة باتباع تعاليم الإسلام؟ وقد يجول في فكر أحدكم أن ما أقوله محض مشاعر عابرة لا قرار لها، فيقول أن السعادة بالمال، أو بالقرب من الخليل، أو أقلها أن تحوز على ما ترغب.. ولكنكم أيضا بانتقادكم لي تدعمون نظريتي، ليس عنادا مني بقدر ما هو تقليب دقيق و صريح للأمور و حقيقة الحياة.
فالسعادة شيء وهمي أفلاطوني يشكل الأساس لمدينته الفاضلة، فمن يعتبر أن السعادة بالإسلام، أقول له نعم، نحن نفخر بإسلامنا و نعتز به و نؤمن بكل تعاليمه دُقها و جلّها، ولكن ما يعكر صفو المزاج أن لا أحد منا ملتزم بتعاليم الإسلام كما طلب منا!! ألا توافقونني الرأي بأننا لا يمكن أن نحوز على السعادة بهذا التصور؟ ليس لنقص في تعاليم ديننا الحنيف، بل لطبيعة انسانية فينا.
وأما من يقول أن السعادة تتأتى بالمال، فنحن في زمن الناس فيه طبقتين، فقراء أو أغنياء، الفقراء فاقدون هذه السعادة لانعدام المال، و الأغنياء فاقدوها أيضا لطمعهم بجمع المزيد من المال و اعتقادهم بأن ما لديهم لا يكفي لمستلزمات الحياة الأساسية، فتتكسر هنا مفاهيم السعادة المنشودة.
و أسمع صوتا جديدا يقول أن السعادة في الصحة، و هنا لن أطيل التوضيح لأن لا حد منا يتمتع بصحة يرضى بها، فمن كانت صحته في أوجها، بكل تأكيد أنه سيعتبر أي خدش في بشرته كالطاعون، فتتلاشي هنا أسس السعادة أيضا.
لا أعلم إن كان يجدر بي أن أطرح المزيد من الأمثلة التي تدعم نظريتي الجديدة و الغريبة والحقيقية في وجهة نظري. فكل ما حولنا يشير الى إنعدام شيء اسمه "السعادة" فنحن ننشد شيئا وهميا غير موجود وغير واقعي، فلن نحوز عليه، طالما أننا نقتنع بوجوده.
مشكورين إخواني في الله على مروركم