نكمل ان شاء الله
الأدب الثاني : فلا تقعد معهم !! .
كان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام أن يبتعدوا عن دواعي المعصية ما أمكن فقال : " إيّاكم والجلوس في الطرقات" . فقالوا : يارسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها .
فقال :" فإذا أبيتم إلاّ المجلس فأعطوا الطريق حقه ". قالوا : وما حق الطريق ؟ قال : " غض البصر ، وكفّ الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
إن المعصية ليست وليدة الفجأة والمصادفة . . !
إنما لها مقدمات وأسباب إذا حصلت حصل نتاجها . .
وإن إلف العبد وتساهله في ارتياد مواطن المعاصي والذنوب يورث عنده فتوراً عن الورع والحزم والعزم . .
كما يورث في نفسه إقبالاً على المعصية والخطيئة وبُعداً عن التوبة والأوبة . .
ومن هذا الباب ثبت النهي عن ارتياد مواطن العذاب والإهلاك . .
أيها المبارك . .
فارق دواعي المعصية . .
صديقاً كان أو مجلة أو شريطاً أو رقماً في هاتف أو فلماً أو مسلسلاً أو نادياً او مجلساً أو آلة .. !!
واجعل بينك وبين أرباب الذنوب والمعاصي عزلة شعورية . إن لم يمكنك العزلة الجسدية على حدّ قوله جل وتعالى : " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " .
الأدب الثالث : دافع وأصلح خواطرك .
معلوم أن كل أعمال بني البشر إنما أصلها خطرة وفكرة حتى تصير كسباً وعملاً ، والمعصية والخطيئة أصلها خطرة أو فكرة . .
والخواطر كما قسّمها ابن القيم رحمه الله ثلاث خواطر :
* رحمانية . * شيطانية . * نفسانية .
فالخواطر الرحمانية هي كل خاطرة لعمل البر والفضل كالجهاد وطلب العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقات وغير ذلك .
أمّا الخواطر الشيطانية فهي خواطر الفحشاء والمنكر .
أما الخواطر النفسانية فهي الرؤى والأحلام .
والخواطر أمرها عظيم من حيث أنها لا ينفك عنها أي بشر من البشر ، وتكمن الخطورة فيها من جهتين :
- الجهة الأولى : كون أن الله جل وتعالى مطلع عليها فهو جل وتعالى " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " و " يعلم السر وأخفى " !
- الجهة الثانية : من كون الخاطرة هي شرارة العمل الأولى .
فالقلب لوح والخواطر نقوش تنقش فيه .
يقول ابن القيم رحمه الله : وأما الخطرات فشأنها أصعب فإنها مبدأ الخير والشر ، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم ، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب . ومن استهان بالخطرات قادته قهراً إلى الهلكات ....
وهي أضر شيء على الإنسان ويتولّد منها العجز والكسل ، وتولد التفريط والحسرة والندم ، والمتمني لمّا فاتته مباشرة الحقيقة بجسمه حوّل صورتها في قلبه وعانقها وضمها إليه ففتح بوصال صورة وهمية خيالية صورها فكره ، وذلك لا يجدي عليه شيئا ، وإنما مثله مثل الجائع الظمآن يصور في وهمه صورة الطعام والشراب وهو لا يأكل ولا يشرب ، والسكون إلى ذلك واستجلابه يدل على خسارة النفس ووضاعتها ، وإنما شرف النفس وزكاؤها وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها ولا يرضى أن يخطرها بباله ويأنف لنفسه منها .
حتى يقول : .. واعلم أن ورود الخاطر لا يضر وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته !( الجواب الكافي 198 - 199 ) .
و يقول في غير هذا الكتاب : دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة فدافعها فإن لم تفعل صارت همّاً وغرادة فدافع ذلك فإن لم تفعل صار عملاً وسلوكاً فدافع ذلك فإن لم تفعل صار عادة وسجية !! من هنا علمنا خطورة الخواطر واثر مدافعتها وأثر استدعائها . .
ولذا كان لابد من إصلاح الخواطر . وطريق إصلاحها من ثلاث جهات :
الأولى : تفريغ القلب من الخواطر الرديّة بعدم الالتفات أو استدعاء الردي منها .
الثانية : فإذا تفرّغ القلب كان لابد من ملئه .. فاملأه وأشغله بالله وبمحبته وهذا الإشغال له خمس طرق :
أ / الفكرة في آياته المنزلة وتعلقها وفهم مراده منها .
ب / الفكرة في آياته المشهودة والاعتبار بها والاستدلال بها على اسمائه وصفاته وحكمته وإحسانه وبره وقد حض الله على هذا التفكر وذم الغافلين عنه .
جـ / الفكرة في الآئه وإحسانه وإنعامه على خلقه بأصناف النعم وسعة رحمته ومغفرته .
وهذه الأنواع الثلاثة تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجائه .. فأكمل الناس أكثرهم خواطروفكراً وإرادات لذلك .
ولهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تتزاحم عليه الخواطر في مراضي الرب تعالى فربما استعملها في صلاته وكان يجهّز جيشه وهو في الصلاة فيكون قد جمع بين الجهاد والصلاة !!
د / الفكرة في عيوب النفس وآفاتها وفي عيوب العمل ، فهذه الفكرة تكسر النفس الأمارة بالسوء وتحيي النفس المطمئنة .
هـ / الفكرة في واجب الوقت ووظيفته - من مصالح الدين والدنيا - وجمع الهمّ كله عليه .
الثالثة : حماية الخواطر من الحرام والخطيئة . وذلك بطريقين :
- مفارقة دواعي الحرام ومواطنه الحسّية .
- الموازنة والمقارنة ومعرفة العواقب والمآلآت .
وازن بين لذّة الإقبال على الله ولذّة الإقبال على الرذائل !
وازن بين لذّة الذنب ولذّة العفة !
وازن بين لذّة الانتصار على الشيطان وقهره ولذة الظفر بالمعصية والخطيئة !!
وهكذا وازن وتذكّر العواقب والمآلآت فإن ذلك مما يحمي الخواطر من أن تستدعي الحرام الردي .
الأدب الرابع : جالس الأخيار .
المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه !
ولذلك فإن صحبة الأخيار ومجالستهم مما يقي المرء - بإذن الله - من وضر المعاصي وشؤم الخطيئات . .
وكون صحبة الأخيار ووقاية تظهر من جوانب :
الجانب الأول : من جهة أن مجالسة الأخيار حماية من الخلوة والوقوع في أسر الخواطر أو غشيان مواطن المعاصي .
الجانب الثاني : من جهة توجيههم ونصحهم وإرشادهم . فإن الأخوة الصادقة تحتّم على المتآخين أن ينصح بعضهم بعضاً وأن لا يزين بعضهم لبعض تقصير الآخر .
فمن هذا الباب الصحبة الصالحة مكمّلة منقّية واقية .
الجانب الثالث : أن الندم والحسرة والتألم على المعصية إنما تجنيه من الصحبة الصالحة ، وهو من ثمرات صحبتهم ، وإنك حين تفارقهم فسرعان ما يخبت هذا لصوت ويقل أثر هذه اللامة للنفس !!
ومن هنا نعلم أن ترك صحبة الأخيار بحجة الذنوب والمعاصي والخطيئات من أعظم مداخل الشيطان وخواطر المعصية .
هب أنك فارقت الأخيار فهل سيزول ما تشتكي من داء المعصية ؟؟!
أم أنك ستفقد الدواء ويستفحل الداء !!
إن الإنسان لا بد له من صحبة الأخيار ، فإن هو ترك الأخيار فلمن يذهب ! ليس إلاّ إلى من يزيّنون له المعصية ويقحمونه فيها ! !!
الأدب الخامس : فانصب !
يقول أحد العارفين : النفس .. إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية !!
وذلك سرّ من أسرار التوجيه الرباني : " فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) "
إن إشغال النفس بعمل الصالحات ( صلاة .. صيام .. بر وإحسان .. صدقات .. زيارة مريض .. إجابة دعوة .. تحضير كلمة .. سماع شريط .. مباسطة الأهل والإخوان ...) من أهم الوقايات للعبد في هذا الباب .
وإن ترك العمل الدعوي أو ترك الإلتزام والاستقامة على طريق الحق بحجة المعاصي من غوائل الشيطان على العباد .
لاشك أن القول الذي لايصدّقه العمل أمر مذموم ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3) "
وجاء في الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتابه في النار ، فيدور كما يدور الحمار برحاه ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أي فلان ما شأنك ؟
أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟
قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه "
• هل هذا الندم الذي ورد في النصوص ، هو ذم للرجل على دعوته وإنكاره للمنكر ؟ أم ذم له على فعل المنكر مع أنه أولى الناس باجتنابه ؟!
قال ابن كثير رحمه الله : وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له ، بل على تركهم له .
• البشر كلهم خطّاؤون ، مقترفون للذنوب ، فحين نعمم هذه النتيجة فهل يوجد أحد لايقع في المعصية ؟!
وعليه فيلزم أن نقول : أن لا يدعو أحد إلى الله وهو يعصي الله !!
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمـد ؟!
• أن الواجب على المرء تجاه المنكر أمران :
أ / تركه . : : : : ب / النهي عنه .
والواجب عليه تجاه المعروف أمران :
أ / فعله . : : : : ب / الأمر به .
قال ابن كثير : .. فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لايسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف .
أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة المعصية منكر بحد ذاته ! - سبيل النجاة من شؤم المعصية لمحمد الدويش بتصرف -
يتبع