بسم الله نكمل على بركه الله
ثانياً : الذنب المعتاد .
وهو فقه أخصّ من سابقه .
إذ أنه قد يُتوهم أن مشاهد العبودية المترتبة على الوقوع في المعصية والذنب إنما تكون حين يقع الذنب مرة واحدة !
فجاء هذا الفقه النبوي ليبين أن هذه العبودية تتجدد وتكون كلّما وقع الذنب .
ثبت في الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم :
- " إن عبداً أصاب ذنباً ـ وربما قال : أذنب ذنباً ـ فقال : رب أذنبت ذنباً ـ وربما قال " أصبت ـ فاغفر ، فقال ربه : أعَلِِم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ؛ ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً ـ أو أذنب ذنباً ـ فقال : رب أذنبت ـ أو أصبت آخر ـ فاغفره ، فقال : أعَلِم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ! ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً ـ وربما قال : أصاب ذنباً ـ فقال : رب أصبت ـ أو قال : أذنبت ـ آخر فاغفره لي فقال : أعَلِم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ! ثلاثاً فليعمل ما شاء " رواه البخاري ومسلم .
- " ما من مؤمن إلا و له ذنب، يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه، حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا، توابا، نسيا، إذا ذكر ذكر" صحيح الجامع 5735
فتأمل قوله : " فليعمل ماشاء " طالما أنه يستشعر عظم ذنبه وعظمة ربه فيتوب إليه ويؤوب فإن ذلك لا محالة مطهر له من ذنبه حاجز له عن أن يصرّ عليه .
وطالما أن ذلك يحقق له هذه الأنواع من العبودية لله فإن ذلك حقاً هو الحالة السلوكية الواقعية - المثالية - للبشر في الأرض .
" يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم "
ثالثاً : العفو عن حديث النفس والخواطر .
فإنه لما كانت النفس مفطورة على الخطأ ركّب الله فيه خواطر تعتور فكره وهي إما خواطر رحمانية أو شيطانية أو نفسانية .
ولمّأ كان العبد غير قادر على أن يحجم خواطره من أن تخطر على باله وفكره فقد عفى الله تعالى عن ذلك .
جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به نفسها مالم تكلم به أو تعمل به "
بل أعظم من ذلك فإن الانتهاء عن داع النفس والخاطرالسيء يورث أجراً من الله الكريم المنان . فقد قال صلى الله عليه وسلم : " من همّ بالسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة " .
رابعاً : الذنوب سبب الهلاك والإهلاك .
وذلك حين لا تتحقق الواقعية - المثالية - من هذا القضاء والقدر ..
حين لا يتحقق " الاستغفار " والعبودية لله ..
حين تحدث المعصية إرتكاساً وعمىً ..
حين لا يورّث الذنب ذلاً وخضوعاً . .
حينها يستحقون الهلاك ويقع الإهلاك . .
إن الله جل وتعالى إنّما قدر هذه الذنوب والمعاصي لتحدث أثراً إيجابياً في واقع الحياة والسلوك من معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وتحقيق العبودية له .
أمّأ حين تكون طغياناً وجبروتاً واستهزاءً واستعجالاً للعذاب . .
تكون هي رجسة الشيطان ، وذلك لا يكون إلا ممن تسلّط عليه إبليس فملك منه لبّه وعقله وفؤاده - أجارنا الله وإياكم من ذلك - .
تلك أربع قواعد في فقه الذنب والمعصية . فكن منها على بصيرة وعلم .
يتبع