نوع من النساء
نور الهدى سعد تكتب عن: نوع من النساء
إخوان أون لاين - 05/03/2007
رفعت خصلةً من شعرها، واعتدلت في جلستها، وضغطت بشفتيها المصبوغتَين حروف كلامها، وقالت: اتصل بي الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة وقال لي: سأكلفك بأمر وأرجو ألا ترفضيه، أجبته: سيادتك أستاذي وما دام الأمر مهمةً علميةً فأنا موافقةٌ مبدئيًّا، وعندما أبلغني بترشيحي لعمادة الكلية: قلت له: إذن.. أمهلني حتى أستأذن زوجي.
كانت الأستاذة الجامعية تتحدث في برنامج تليفزيوني عن قصة اختيارها كأول عميدة لكلية عريقة بإحدى الجامعات المصرية ولم أتابع باقي كلامها؛ إذ نبشت جملتُها الأخيرة ذاكرتي لتُخرجَ منها موقفًا مرَّت عليه سنوات وكنت أظنني نسيته.
إذ زارتني إحدى الجارات المنتقبات، علَّقت على أن شعر طفلتي خفيف ومتقصِّف، وأشارت عليَّ بقصه ليتغذَّى وينمو كثيفًا، وباغتني ردُّ فعلها حينما قلت لها بهدوء: زوجي لا يحبُّ قصَّ الشعر، ولا بد أن أستشيره أولاً.. فقد قفزت من مقعدها، ورفعت يدها وكأنها تخطب في محفل نسائي: تستشيرينه؟! يا فرحتي بك!! ما دخله هو في هذا الأمر؟ لعلمك لو أخذتِ رأي زوجك في الصغيرة والكبيرة "سيشرب ماءك" ويأخذ عليك ويستصغرك!!
ابتلعت دهشتي وسألتها: وهل احترام الزوج يُصغر زوجته في عينيه؟ لا يفعل ذلك سوى قليل الدين والخلق، أما المسلم الحق- وأحسب زوجي كذلك والحمد لله- فتكبر زوجته لديه أكثر حين تضعه في حجمه، وتعطيه حقه في التوقير والمهابة.
هزَّت رأسها وقالت: يا بنتي أنا أكبر منك وخبرتي أكثر طبعًا، شوفي.. يمكن أن يغضب زوجك من أي تصرُّف، وتعرفين قبل أن تفعليه أن سيُغضبه ومع ذلك فببعض الدَّلال وفستان يحبه، وصوت ناعم ينسَى زوجك كلَّ شيء أتفهمينني؟!
وأكملَت: ولماذا أذهب بعيدًا؟ زوجي أنا أيضًا لا يحب الشعر القصير، ولكنني أردت قصَّ شعري فأحضرت المقص أمامه.. ثار وغضب وتوعَّدني، ولكن أختك الناصحة امتصَّت غضبه، والمهم أنني فعلت ما أريد.
لم تنتظر جارتي رأيي وكأنها اعتبرت كلامها مسلَّمًا به.. انصرفت وأنا أكثر اقتناعًا بما أفعل، حتى بعد أن رفض زوجي قصَّ شعر طفلتي وحتى بعد أن زاد تقصفًا، فقد فوجئت به يطلب مني بعد ذلك أن أقصَّ شعرها؛ لأن طبيبًا صديقًا نصحه بذلك، ثم ربت كتفي وهو يقول: إياكِ أن تظني أنني تعسَّفت معك حين رفضت رغبتك من قبل، لقد كان رأيُ الطبيب فيصلاً بين موقفَينا فلا تغضبي مني!!
لماذا تذكرت تلك الواقعة البعيدة يوم شاهدت هذا البرنامج؟ هل لأنني سمعت من الأستاذة الجامعية العلمانية ما توقَّعت أن أسمعه من جارتي شديدة التمسك بالنقاب؟ هل دفنت شواغل الحياة ما قالته جارتي في أعماق ذاكرتي دون أن يكون قد فقد تأثيره الأقرب إلى الصدمة عليَّ؟!
تناقُض المرأتين عمَّق إحساسي بالصدمة والدهشة وأيضًا الغيرة طوعًا لتتشبث بها وتفخر أخريات يتمسكن بها من باب الذوق وحسن معاملة الزوج والحفاظ على البيوت، وخارج أذهانهن تمامًا أن هذه قيمة تفرَّد بها الإسلام.
سأظلُّ أذكر كلام الأستاذة الجامعية وربَّة البيت وأغمض عيني على حلم بأن تتبادلا موقعَيهما لتعود لي سكينتي، ولأصدِّق ما يقال عن استهتار العلمانيات بحقوق أزواجهن وأسرهن وصون المسلمات لهذه الحقوق.. هل هذا تصنيف جائر وتعميم خاطئ أو أن المرأتين المتناقضتين استثناءٌ لقاعدة لن يغيِّرها الزمن؟ وإن كانتا كذلك فمن يا تُرى المسئول عن هذا الاستثناء الفج.. المستفزّ؟!
التعديل الأخير تم بواسطة قاصرة الطرف ; 07-03-2007 الساعة 12:01 PM.
|