-69-
الإســـلام
بَطَشْتَ وَكُنْْتَ القويَّ المُهابا
قَسَوْتَ فصرتَ مُطاعاً مُجابا
وما ارتجف القلبُ منك لخوفٍ
وما عَرَفَ الدمعُ للعينِ بابا
أَبا الحفصِ كم ارتكبتَ ذنوباً
ولم تَخْشَ في ذي الحياةِ عقابا
وكنت كما الراسياتُ شُموخاً
وصخراً فما لنت يوماً خطابا
فلمّا هُديتَ فلاحاً ورشداً
سَمَوْتَ بدينكَ غَيْثاً سحابا
غدا القلبُ منك كلمسِ الحريرِ
رقيقاً، رحيماً وشهداً رضابا
على وجنتيك بدا مَجْريانِ
لدمعكَ مزَّقَ ستراً حجابا
وَفُقْتَ بعدلِكَ بَعْد النبيِّ
جميعَ الهُداةِ شيوخاً شبابا
وَمَهَّدْتَ للمتقين سبيلاً
وسطّرتَ في الزهدِ نَهْجاً كتابا
وفي كلِّ طَرْفةِ عَيْنٍ خشيتَ
وخفتَ من اللهِ سوءَاً حسابا
فسبحان ربِّ السماءِ هداكا
فَفُزْتَ كريماً، وَطِبْتَ مآبا
وخيرُ الأَنامِ أَنارَ الطريقَ
فَجُزْتَ الصراطَ وكان سرابا
-70-
غَزْوَةُ حُنَيْن
وإذ أَعجب المسلمين العَدَدُ
فما مثلهم من جموعٍ أَحَدُ
فمن ذا سيغلبهم في حُنَيْنٍ
وقد كثّرتهم جُيوشٌ جُدُدُ
نسوْا أَنَّهُ اللهُ من ينصرهم
ومن ذا سواهُ العزيزُ الصَمَدُ..؟!
فسرعانَ ما انقضَّ جَيْشُ الأَعادي
عليهم كما الرعدُ حتّى ارتعدوا
وفرّوا وهم يطلبون النجاةَ
بأَرواحهم إذ تهاوى المَدَدُ
ولم يبقَ إلاّ النبيُّ الكريمُ
يصدُّ الفوارسَ ذاك الأَسَدُ
كما الحصنُ يثبت مثلَ الأَشمِّ
له عند ضربِ الرقابِ الجَلَدُ
إذا ما حَمِيَ الوطيسُ يلوذُ
به الصحبُ سدَّاً منيعاً وَرَدُوا
وصاح النبيُّ بخيرِ الرجالِ
هلُّموا وجنَّاتِ عَدْنٍ ففدوا
فعاد القليلُ ولكْن أُسوداً
أُباةً بكلِّ شموخٍ صعدوا
لنيلِ الشهادةِ رضوانِ ربٍّ
كريمٍ أو النصرِ ذا ما وُعِدوا
فكان النجاحُ وفوزٌ عظيمٌ
وبالحُسْنَيَيْنِ هُمُ قد سعدوا
-71-
سجايـا الرسـول
أَنا لو ملكتُ القراطيسَ وادا
وماءَ السحابِ جَعَلْتُ المدادا
وطال بيَ العُمْرُ دهراً طويلاً
أُسطِّر فكري، به العقلُ جادا
وأَزرعُ من كلِّ نَبْتٍ ووردٍ
سجايا الرسولِ سهولاً مِهادا
لما كنتُ أُحصي له من خلالٍ
ولا أَجمعنْ من هداهُ الحصادا
ولا أَعلمنْْ كم له من عطورٍ
تفوحُ عبيراً وُحبّاً ودادا
فلو قالَ حرفاً لصارَ كتاباً
ولو خطّ أَمراً لأَضحى جهادا
وإذ أَشرق الوَجْهُ منهُ بنورٍ
أَضاءَ الوجودَ وطالَ العبادا
فمن ذا سَيُحصي شُعاعَ النفوسِ
وفي كلِّ نفسٍ هَدَاها جوادا
روى كُلَّ ذي ظمأٍ عَذْبَ ماءٍ
وكم بَصَّرَ القلبَ أَجلى السوادا
نبيٌّ وبالمؤمنين رحيمٌ
كما النورُ بالحبِّ مَلَكَ الفؤادا
فقلْ للمضلِّين في كلِّ نادٍ
كفاكم جُحوداً وَذُبّوا العنادا
وإنْ لا فموتوا بغيظٍ ورعبٍ
وأَعينكُمْ فاملأوها رمادا
-72-
دينٌ ودنيا
سلامٌ على المُصطفى والسراجِ
يُحيِّيهِ قلبي بكلِّ ابتهاجِ
أَقام على الأرضِ خيْرَ الصراطِ
وجاءَ شِفاءً وَحُسْنَ العلاجِ
وجاهد في اللهِ حقّ الجهادِ
وكم عانقتهُ جميعُ الفجاجِ
وقادَ الجيوشَ، وبَعَثَ السرايا
يُقاوم أَمواجَ بحرٍ لُجاجِ
فكم من غُزاةٍ كليثٍ غزاها
ففرَّ الطغاةُ كمثلِ النعاجِ
وكم عَرَفَتْهُ الصحاري شُجاعاً
وقد كرَّ في الحربِ بين العُجاجِ
يردُّ هناك من الكافرينَ
جبابرةً قد غَدَوْا من زُجاجِ
وفي كلِّ شبرٍ أذلَّ العُصاةَ
فَطَهّرها الأرضَ من كلِّ هاجِ
ورغم المعاركِ كمِّ الحُروبِ
دعا للولائم عندّ الزواج
وحضّ على الإحتفال بعيدٍ
لفطرٍ وأَضحى، بِحُسْنِ المزاج
فأكلٌ وشربٌ وأيّامُ ذكرٍ
لربّ السماءِ عظيمِ الخراجِ
فعلّمنا كيف نحيا كراماً
بلا أيِّ هَمٍّ، ولا إنزعاجِ
-73-
خير القرون
لقد كان قرنك خيرَ القرونِ
فأَنت الذي كنت نورَ العُيونِ
وهذَّبتَ في الناسِ ما ساءَ طبعاً
وحرّرْتهم من ظلامٍ، سُجونِ
هو الجهلُ كم فيهِ من ظُلُماتٍ
وحقدٍ وبغضِ، وَفُحْشٍ الظُنونِ
ففيهم نَهَضْتَ تُعَلِّمُ عَمْراً
طريقَ النجاةِ بغيرِ شُجونِ
وَسَعْداً رَقَيْتَ فأَضحى هُماماً
وقادَ جيوشاً لدكِّ الحُصونِ
وَزَيْداً هَدَيْتَ فصار شهيداً
ولم يخشَ في اللهِ سيفَ المنونِ
وذاكَ الذي رام فُحْشاً فقلتَ
أَترضاهُ..؟! ثُمَّ نجا من فُتونِ
فكم من دواءٍ وَصَفْتَ لقومٍ
وكم من هُدىً جئتَ في كلِّ حينِ
ولامستَ نُصْحاً شغافَ القلوبِ
فشُدَّت إليكَ بنوطِ الحنينِ
وما رَغِبَتْ عنك نفسٌ جُفاءً
فكنت لها مثلَ ملءِ الجُفونِ
فأَخْرَجْتَ للعالمين هُداةً
بنوْا أُمةً بالكتاب المصونِ
فأَنعمْ بما قد هَدَيْتَ فَفُزْتَ
ومن ذا كمثلِ النبيِّ الأَمينِ..؟!
-74-
خير أُمّة
مَلأُتَ الورى أُمةً ورجالا
فكانوا هُداةً، وزادوا جلالا
وصاروا علي الأَرضِ مثلَ الشُموعِ
تَُضيءُ الليالي، وتسمو جمالا
فمن مثلهم حازحُسْنَ السجايا
وفازَ علي العالمين خلالا
وربُّ السماءِ أَحلَّ عليهم
رضاهُ مَديحاً، ففاقوا مثالا
فأُنْتَ الذي قَدْ بنَيْتَ الرجالَ
هَدَيْتَ النفوسَ، تطولُ الجبالا
فما نمتَ في ذاتِ يومٍ خُمولاً
ولا ارتحتَ في البيتِ مثَلَ الكُسالى
نَشَرْتَ تعاليمَ دينٍ حنيفٍ
بقولٍ كريمٍ يفيض كمالا
وبالسيفِ أَدَّبتَ من جاءَ يغزو
وَخُضْتَ مع الكُفرِ حَرْباً سجالا
وكم كُنْتَ تَرْغبُ أَن يستنيروا
بهدْيِ الكتابِ- سنيناً طوالا
ولكنّهم قاوموكَ بعنفٍ
وثاروا عليك بحقْدٍ جهالا
وَمِنْ ثَمَّ قد أخرجوك طُغاةً
أَذاقوكَ مُرَّ العذابِ جِدالا
أَما جالدوكَ بسيفٍ بُغاةً
وهم أرغموكَ- وراموا- القتالا..؟!
-75-
الوحْـي
أجبريلَ جئت بنعْيِ الرسولِ..
بقرآنِ ربِّ السماءِ الجليلِ..؟
نَزَلْتَ بآياتِ ذكْرٍ حكيمٍ
كلاماً يُنيرُ جميعَ العقولِ
إذا ما انجلى الكُفْرُ عن كلِّ قلبٍ
فتهفوا النفوسُ إلى خيْرَ قيلِ
عَرَفْتُكَ أَنْتَ أَمينُ السماءِ
أَخاً للحبيبِ الأَمينِ النبيلِ
فكم زُرْتَهُ في أمانٍ سلاماً
نَضَحْتَ له الودَّ نُصْحَ الخليلِ
فأَشرقتما مثلَ بدريْنِ نوراً
وبلّغتما خَيْرَ وَحْي النُزولِ
فيا خيرَ صحبِ النبيِّ صلاةً
عليهِ، عليك بشوْقٍ جميلِ
غَدَتْ من صفائكما الأَرضُ ورداً
ففاحَ الربيعُ بعطرٍ أَسيلِ
وحبُّكما قد سرى في عروقي
كما الشهدُ بات شِفاءَ العليلِ
فَمَنْ بَعْدَ ربِّ السماءِ هدانا
لنورِ الكتابِ، جلاءَ السبيلِ..؟!
لك الحمدُ يا ربّنا ما حيينا
على ذا العطاءِ بشكرٍ جزيلِ
فحسبي رضاك فأَنت الكريمُ
وأَنت الحكيم، ونعمَ الوكيلِ
-76-
العام الأخير
وفي حُجّةٍ للوداعِ الأَخيرِ
على عرفاتٍ ،ويَوْمَ النفيرِ
خَطَبْتَ جُموعَ الحجيجِ حكيماً
وَوَضّحْتَ للناسِ خيْرَ الأُمورِ
وَقُلْتَ لعلّي أنَا لا أَراكم
ومن بعد عامي..بحكمِ القديرِ
وَوَصَّيْتَ بالمؤمنين رؤوفاً
وصايا غَدَتْ مثلَ نبعٍ غزيرِ
كما الدرُّ يُحْفَظُ فَوْقَ الرؤوسِ
وذي حفْظُها في خبايا الصدورِ
وبّينتَ هَدْيًا، وَنَهْجاً قويماً
ومن كلِّ أَمرٍ عظيمٍ خطيرِ
وَشَيَّدْتَ للدينِ حصناً منيعاً
بَلَغْتَ الذُرى للبناءِ الكبيرِ
وأَتْمَمْتَ رسمَ طريقِ النجاةِ
من الُموْبقاتِ بشرعٍ مُنيرِ
فأَكملتَ ما جئتَ تدعو إليهِ
سنيناً مَضَتْ بعذابٍ مريرِ
وكلّلتَ بالغارِ نصراً مُبيناً
وفزتَ الأَمينَ، وخيرَ النصيرِ
على أُمّةِ المسلمين خشيتَ
عذابَ الجحيمِ، ونارَ السعيرِ
خَتَمْتَ ألا هَلْ وَعَيْتُمْ بلاغي..؟
أَياربِّ فاشهدْ بلاغَ النذيرِ
-77-
أهل البقيع
تسلَّلتَ في الليلِ نحو البقيعٍ
وقلتَ سلاماً بقلبٍ وجيعِ
وخاطبتَ قَوْماً غدوْا فى سُباتٍ
وبعد السجودِ، وإثر الركوعِ
تُحدِّثُ من مات إذ يسمعون
وما فى العبادِ لهم من سميعِ
أَيا أَهلَ دارٍ مضوْاُ مؤْمنينا
سَبَقْتَمْ، لِنَلْحَقَ مثلَ الجميعِ
عسى الله أَنْ يغفرنَّ الذنوبَ
وفيهِ الرجاءُ لعبدٍ مُطيعِ
وتذرفُ عيناك دمعاً غزيراً
فيا للتُقى فيك، يا للدموعِ
على أُمَّةِ الحقِّ تَخْشى كثيراً
وتبكي من النارِ بين الضلوعِ
يذوبُ الورى من أَنينك حُزْناً
فذي أُمَّتي مثلَ طلعِ الربيعِ
أَلا أُمّتي—أُمّتي يا إلهي
قِها النارَ ربِّي وشرَّ الوقوعِ
لتحفظْها ياربِّ من كلِّ سوءٍ
وأَكرمْها يا ذا المقامِ الرفيعِ
تَضَرَّعْتَ للهِ تَرجوهُ عَفْواً
فما أَغناكَ بهذا الصنيعِ
فصلَّى عليك الإلهُ الكريمُ
فما مثْلَهُ من مُجيبٍ بديعِ
-78-
المـرض
أيا نفسُ بات الحبيبُ يُعاني
من المشـركين طُغاةِ الزمانِ
وَفُجْـرِ الملوكِ يتيهون كِبْـراً
يرومون ظُلْماً وفي كلِّ آنِ
هـي الأَرضُ قدْ إعتلاها الفسـادُ
وفاضت بشرٍّ وذلِّ الهوانِ
ففي الشرقِ فُرْسٌ وفي الغرب رومٌ
وَقَيْصَرُ هاجَ بغيرِ عنـانِ
أَطاشَ العقولَ ظهورُ النبـيِّ
عزيزاً قويّاً كسـيفٍ يمـانِ
غدا للبُـغاةِ عـدوّاً مُبيـناً
فهبُّوا إليـهِ قُسـاةَ الجَنَـانِ
فسـيَّر للمجرمين جيـوشاً
تَصُدُّ الذئابَ بكلِّ سنـانِ
ولم تُثـنهِ عن ركوبِ الصعابِ
أَحاسيسُ شكوى بَدَتْ للعيـانِ
وفي كلِّ يومٍ تزيدُ عنـاءً
وَعَرَقٌ تَصَبَّبَ مثـلَ الجُمانِ
فما تَرَكَ النُصْحَ للمسلمينا
يُعلِّمُ ، يهدي لدربِ الأمانِ
وزادَ بهِ السُمُّ أَضحى عليلاً
وما للأَحاسيسِ من تُرْجمانِ
فللّهِ درّ الذي قد هدانا
سبيلَ الفلاحِ، وخيرَ الجنانِ
-79-
وفاةُ الرسول
وماتَ الرسولُ، وعاشَ هُداهُ
ولم يعرفِ القلبُ روضاً سواهُ
هو الفَذُّ قائدُ كُلِّ الكرامِ
من الخلقِ ربُّ السماءِ اجتباهُ
حباهُ بخيرِ الرسالاتِ مَجْداً
تليداً فَجَلَّ الذي قد حباهُ
سراجاً منيراً وَهَدْياً مُبيناً
يشعُّ على العالمين سناهُ
بَكَتْهُ العيونُ، جميعُ القلوبِ
فؤادي بدمعٍ غزيرٍٍ بكاهُ
إذا ما أَلمَّتْ بيَ الذكرياتُ
لموتِ الذي رُّبنا إِصطفاهُ
وجاءَ أميناً وبعثاً رحيماً
ومات كريماً، عظيماً نداهُ
فيا للبشيرِ وخَيْرِ الأَنامِ
سما في الورى ذكرهُ, كم تراهُ..؟!
بكى جِذْعُ نَخلٍ فراقَ النبيِّ
إذا ما صَعَدَ الحبيبُ عداهُ
وذاك البَعيرُ شكا ظُلْمَ عَبْدٍ
فمن ظُلْمهِ ذو السجايا وقاهُ
وَحَنَّ إليهِ الحصى فاض شوقاً
وصار يئنُّ إذا ما رآهُ
فمن يملك الصبرَ عند الفراقِ
إذا ما الرسولُ ليومٍ جفاهُ
-80-
بكاءُ العيون
بَكَتْكَ العيونُ ليالٍ طوالا
جرى الدمعُ منها غزيراً سجالا
وتلك القلوبُ بكتْكَ دماءً
تسيلُ مع الدمعِ تبدو هلالا
ألا أَيُّها الزعفرانُ النقىُّ
وروضُ الزهور سَمَوْتَ جمالا
طَلَعْتَ علينا كشمسِ الصباحِ
وبعد الدُجى كم زماناً توالى
حملتَ إلينا النعيمَ بشيراً
وللكفْرِ أَنذرتَ سوءاً مآلا
فيا للمُحبيِّن ماذا عساهم
يقولون حين رأَوْكَ هُزالا..؟!
ويا للصحابةِ لَمّا أهالوا
عليك الترابَ , وكان مُحالا
كمِ انخلعتْ من حشاها القلوبُ
لرؤوياكَ تمضي, أَتغدوخيالا ..؟!
أما كُنْتَ للناس غوْثا مُعيناً
وللخلْقِ قد جئت ماءً زُلالا .. ؟!
وفاقت سجاياك حُسْناً ونُبْلاً
وَجُزْتَ ذوي الفضلِ حُبّاً وصالا
سَمَوْتَ على العالمين جواداً
وَفُقْتَ الأَنامَ تُقىً وجلالا
فكيفَ هَجَرْتَ من الصحبِ جَمْعاً
أحبّوك كيف تركت بلالا ..؟!
-81-
بكاءُ الصحابة
بكاك الصحابةُ زادوا نحيبا
وما كان ذاكَ البكاءُ عجيبا
فأَنتَ الذي عشتَ أَوْفى صديقٍ
لصحبك قُمْتَ أَميناً حبيبا
جَمَعْتَ الرفاقَ على خيرِ دربٍ
وَجُزْتَ بهم كلَّ صعبٍ مُصيبا
وأَخرجتهم من عذابٍ وجهلٍ
إلى نورِ علمٍ فصارَ قريبا
بنيْتَ بهم أُمّةَ المسلمين
وبعد اختلافٍ، وكانوا شُعوبا
فأَلَّفْتَ بين القلوبِ جميعاً
وعالجتها كالشفاءِ طبيبا
زَرَعْتَ الصحاري فأَضحتْ جناناً
وحرثُك بالماءِ صارَ خصيبا
لدينِ السلامِ أقمتَ حُصوناً
بها قد مَلَكْتَ النفوسَ، القلوبا
فهلْ قبلَ بعثِكَ مَنَ ظَنَّ أّنَّ
جموعَ الحُفاةِ تنيرُ الدروبا..؟!
لقد غيّروا الأرضَ عَدْلا وحبّاً
فحلّ الأمانُ نديّاً طروبا
دعاك الإلهُ إليهِ بودٍّ
فلبَّيْتَ ربَّ السماءِ مُجيبا
رحلتَ إلى خيرِ دارٍ جنانٍ
فَعًدْتَ إليهِ تقيّاً مُنيبا
-82-
مثوى الرسول
ألا تسأًلنْ كيف قَبْرُ الحبيبِ..؟!
جناناً غدا في رحابِ الطيوبِ
فيا فَوْزَ من ذاك صلَّى عليهِ
هو المُصطفى نورُ كلِّ القلوبِ
لهُ في النفوسِ صَفيُّ الودادِ
وحبٌّ عظيمٌ كسحرٍ عجيبِ
فيا قبرُ كيف احْتضَنْتَ الضياءَ
فبات الدُجى في جميعِ الدروبِ
وأسكنْتَ في القلبِ منك الجمالَ
فيا شوقنا للربيعِ الخصيبِ
جَمَعْتَ لديك الندى والبهاءَ
وبدراً يضيءُ بغيرِ مغيبِ
وصرْتَ مَزاراً وَقُدْساً شريفاً
لموجِ الحجيجِ كبحرٍ رحيبِ
فكم طبتَ مثوىً كريماً تقيَّاً
وفزتَ بقربِ الحبيبِ المهيبِ
ومن ذاك مثلك أَضْحى جلالاً
كهالةِ بدرٍ بَدَتْ من قريبِ
ألستَ بفردوسِ جَنَّاتِ عدْنٍ
وأَشرف ما في الثرى من كثيبِ
أُحيِّيك في كلِّ آنٍ سلاماً
ونُجِّيتَ من حادثاتٍ خُطوبِ
وإنّي أُصلّي على خيْرِ هدْيٍ
فيا جَنَّةَ الخُلْدِ هلْ من مُجيبِ...؟!