-25-
فـي الغــار
أما طاردتك جموعُ قُريْشٍ
فصارتْ كمثلِ الوحوشِ الضواري..؟
طَغَتْ في عدائك، ثارَتْ عليكَ
وهاجَتْ تباعاً كموجِ البحارِ
ولّما نَويْتَ الرحيل فراراً
بدينكَ هبّوا كأُسدِ البراري
أذاقوكَ من كلِّ بأسٍ مراراً
وعابوا عليكَ حكيمَ القرارِ
كأنَّ الذي بات يَدْعوا لخيرٍ
يُسبُّ ويكوْى بجمْرٍ ونارِ
وأنْتَ دَعَوْتَ لربٍّ كريمٍ
فردّوا عليكَ بكلِّ احتقارِ
ثلاثَ ليالٍ أقمْتَ بغارٍ
وقلبُ أبي بكرَ كالمستثارِ
يَخافُ عليكَ جنونَ الذئابِ
تطولُ الجبالَ وكلَّ القفارِ
وقد كشَّرتْ عن قبيحِ الفعالِ
لتطمسَ بالجهلِ ضوءَ النهارِ
ففرسانُ مكّةَ كادوا يروْنَ
نبيَّ الهُدى بينَ أحضانِ غارِ
فَشَكَّ أبو بكرَ أنْ يقتلوكَ
فناجاك بثّاً بغيرِ اصْطبارِ
فلو أنهَّم ينظرون إلينا
إذنْ لرأوْنا بغير سِتارِ
-26-
اليقيــن
فَقُلْتَ بكلِّ يقينٍ مُجيباً
فما الظنُّ في اثْنَيْنِ والله باري
وثالثُ إثْنيْنِ ربٌّ كريمٌ
وربُّ الجبالِ، وربُّ البحارِ
فسرعان ما نَسَجَ العنكبوتُ
خُيوطاً فصارتْ لهُ مثلَ دارِ
على البابِ ثَمَّ الحمامةُ باضتْ
فباءَ الطغاةُ بذلٍّ وعارِ
بأَضعفِ جُنْدِ العظيمِ أُهينوا
وكادَ لكَ الله جُنْدَ الدمارِ
حياتُكَ كانتْ مثالاً عظيماً
ولم تخشَ يوماً فحولَ الديارِ
فما مِنْ مَليكٍ سوى اللهِ تَخْشى
ولا مِنْ أُسودٍ ولا مِنْ عشارِ
ولم تَطْرِفِ العينُ منكَ لخوْفٍ
فأَنْتِ الشُجاعُ كريمُ الجُوارِ
وكنْتَ إِذا اشتدَّ بالناسِ كرْبٌ
تُزيلُ الهُمومَ بكلِّ اقْتدارِ
وفي الحَرْبِ كُنْتَ تُكرُّ كليثٍ
ولاذ جبابرةٌ بالفرارِ
إذا ما رآك العدوّ اسْتدارو
وكلٌّ يصيحُ حذارِ .. حذارِ
نُصرْتَ وبالرعبِ عن بُعْدِ شهْرٍ
فيا لك من سيِّدٍ ذي وقارِ
-27-
عـام الحُـزن
بُليتَ وَمَنْ مثل بلواك يُبْلى
بقومٍ غلاظٍ يثورون جَهْلا
تُخاطبهُم بالكلامِ الحكيمِ
فكانوا إليكَ يسيئون قَوْلا
فهم قد جمعوا غباءَ العقولِ
وضيق النفوسِ، وَضَعْفاً وذلاّ
وقلَّةَ علمٍ، فباتوا جُفاةً
إذا قلت حقّاً أَحاروك سؤْلا
وذاك يُعاديك إن قلت ربّي
هو الله مولاىَ أَغْنى وأَعْلى
فهم يعبدون على الجهلِ إفكاً
أآلهةً لا يردّون جُعْلا..؟!
يبولَ على الصنمِ الثُعْلُبانُ
فسحْقاً لمن ذا يُخَضَّبُ بْولا
وأَهلُ ثقيفٍ بكلِّ سفيهٍ
بصبيانهم قد أَذا قوكَ وَيْلا
وأَدموْكَ بل أَنكروكَ كداعٍ
إلى الله لم تسأَلِ الأَجرَ نَيْلا
وماتتْ خديجةُ تلك النقاءُ
فيا للفجيعة، فالهمُّ حلاّ
ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ فماتَ
أَبو طالبٍ كان شَيْخاً وَ فَحْلا
وإذ نصراك بجِهدٍ وحزْمٍ
فذا عامُ حُزْنٍ عليكَ أَطلاّ
-28-
ليلـة الإسـراء
فَقَدْتَ نصيريْك بين الأَنامِ
وَتُهْتَ، و بالحزْنِ وسطَ الزحامِ
حملتَ على كتفيك ثقيلاً
وذقـتَ مرارةَ موْتٍ زؤوامِ
وأَصْبَحْتَ مابين صدَّ الطغاةِ
وَفَقْـدِ الأَحبــّةِ صَحْـبٍ كرامِ
تُجابهُ شَرَّاً، وَحَرْباً ضَروساً
من الكفــرِ، والآثميــن اللئـامِ
وكم من جُفاةٍ غلاظٍ كصخرٍ
بهـم ارتطمـت وأَّيّ ارتطــامِ
وظنّ البُغاةُ بأَنّكَ صرْتَ
بغيــر ِمُعيــنٍ كطفــلٍ غُلامِ
فَشَدّوا عليكَ بجورٍ و ظلْمٍ
وصحْبـُك ذا قوا مريرَ الصِــدامِ
فقتلٌ، وذلٌّ، عذابٌ مهينٌ
وفي القلبِ نارٌ غَدَتْ في اضطرامِ
فجاءَك من مالكِ الملُكِ غوْثاً
وَنَصـراً، وعزّاً رفيـعَ المقــامِ
فنلتَ الذي لم ينلْهُ عظيمٌ
ولا مَلَكٌ زُرْتَ عرشَ السـلامِ
رأَيت من المُعْجزات كثيراً
وتلك النجـوم جَرَت في انتظامِ
وأَعطاك ربُّك من كلَّ خَيْرٍ
صلاةً، وفضلاً و مسـكَ الختامِ
-29-
الهــجـرة
جفاكَ القريبُ، وثارَ البعيدُ
عليــكَ فأَنت العــدوُّ اللدودُ
أَسفَّهت أَحلامَ قَومٍ عُتاةٍ
وَحَقَّرتَ آلهةً لا تُفيـــدُ...؟!
وأَصنامُهم لا تَضُرُّ بشيءٍ
وما نَفَعَتْ، كيف تلك تسودُ...؟!
َفهَبَّوا عليكَ كَعَصفِ الرياحِ
تُدَمَّــرُ، تَسْحَــقُ، ثُمَ تُبيـدُ
فكم من سنينٍ أَذاقوك مُرّاً
وَصَحبُكَ ذُلّوا، وللأَسرِ قيـدوا
فكنت كما الطودُ تزدادُ صبراً
وتمضي إلى حيث شاء المجيدُ
هو الله قد اجتباك رسولاً
فصارتْ بك المكرماتُ تجـودُ
ولما استطالت عليك قريشٌ
بظلمٍ، و قهـرٍ أَتتكَ الجُنــودُ
فجبريلُ جاءَك بالإذنِ هاجرْ
قضى الأَمرَ ربُّ السماءِ الحميدُ
وما العنكبوتُ، وطيرُ الحمامِ
حصانُ سُراقـة حين يميـدُ
سوى جُندِ ربٍّ كريمٍ حليمٍ
عن المؤمنيــن بعلمٍ يَـذودُ
رعاكَ القوىُّ على طولِ مُكْثٍ
و جلاَّك للعالمين الودودُ
-30-
الأنصار
أَتَيْتَ المدينةَ مثْلَ الضياءِ
فَهَبَّ الرجالُ وكلُّ النساءِ
ولا من صبيٍّ ولا من عجوزٍ
تأَخّرَ عن موكبِ الأَوْفياءِ
هُمُ انتظروك ومنذ ليالٍ
يُعدّون أَنفسهم للّقاءِ
فلما رأَوْك استناروا ببدْرٍ
وفاحتْ بعطرٍ ورودُ الرجاءٍ
لقد كنت حُلْماً مثالاً عظيماً
ونورَ البصيرة رمزَ النقاءِ
سَمَوْتَ بدينٍ, وَخُلُقٍ كريمٍ
فأَشْرَقْتَ يا خاتم الأَنبياءِ
وبالخزرجيين أَنعمْ, وأَوْسٍ
أُسودِ الوغى وبحارِ العطاءِ
فهم ناصروك بروحٍ ومالٍ
ودارٍ غدتْ مثل بُرْجِ السماءِ
فكنت لهم نعْمَ من جاءَ يهدي
وهم قد أَتوْك بنعمَ الولاءِ
وأَصلحتَ ما بينهم بعد بُغْضٍ
وحربٍ ضروسٍ ,ونارِ العداءِ
ووثّقْتَ ما بين أَهلِ الديارِ
ومن هاجروا برباطِ الإخاءِ
وأَوّل شيءٍ فعلْتَ أَقمْتَ
بنيتَ لهم مسجداً في قباءِ
-31-
المدينة المنوَّرة
ولما وطئت المدينة هَدْيا
تهلّلَ وجهك للأَتقياءِ
وكلٌّ تمنّاك ضيفاً عليهِ
فتنزل فى داره بالرخاءِ
أَرادوك حِلاًّ مُقيما لديهم
فيا للفخارِ ، ويا للبهاءِ
فأَنت النبىُّ الكريمُ الأمين’
وعلْمك كان غزَير الثراء
وقولُك بان جليّاً حكيمًا
وفكرك فاض بكلّ الصفاءِ
وهدْيُك ما نال منه اعوجاجٌ
صراطٌ غدا مستقيم البناءِ
هناك بَنَيْتَ وللدين حصناَ
أَقمت له’ مسجداَ للثناءِ
لحمدِ الكريمِ على ما حباكا
بنصرٍ على الكفر ِوالأَشقياءِ
جزى الله من زاره أَلفَ خيرِ
وصلّى عليك بدون رياءِ
فأَسّسْتَ خيرَ نظامٍ حكيمِ
وطهّرتَ قوماً بكلّ جلاءِ
فسادوا على العالمين هُداةً
بُناةَ الحضارة والإرتقاءِ
صنعت من المسلمين حُماةً
عَلَوْا فى السماءِ بكلّ لواءِ
-32-
المنـارة
فهلاَّ جلستَ تُعاقُر خَمْرا
وتأكلُ تشربُ شَهْداً وتَمْرا
وتسهرُ لَيْلَكَ بين الكؤوسِ
وبين الحسانِ تعيثون فجْرا
كما يفعلُ الزعماءُ جُنوناً
غُروراً، فهُمْ يستفيضون سحْرا
فكلاَّ، لأنت الحييُّ العفيفُ
ومن ذاك مثلك قد فاحَ طُهْرا
سهرتَ اللياليَ تهدي أُناساً
فعلّمت، هذّبت، أَوْضحتَ أَمْرا
وأَلّفت بين القلوبِ رحيماً
وشمّرتَ تعبدُ ربَّك جَهْرا
وأَعْددت للدينِ جُنداً كراماً
ورهبانَ ليلٍ، وفي الحربِ صُبْرا
وقوّمت في الناسِ كلَّ اعوجاجٍ
فغيّرتَ نهْجاً، وصحَّحْتَ فكْرا
وأَمْسكتَ كلَّ زمامِ الأمورِ
وأَضحيتَ بعدَ دجُى الليلِ فجْرا
ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ ففزتَ
بودِّ القلوبِ أحبَّتْكَ بَدْرا
وحقّقتَ أَعْظمَ فتحٍ مُبينٍ
على الجهلِ والبغيِ سَطَّرتَ نَصْرا
فأنت الذي كنت للمصلحينا
منارةَ علْمٍ، وأَرفعَ قَدْرا
-33-
يـوم الفرقان
وآن الأَوانُ، وجاءَ الحسابُ
وخيّم فوق الربوعِ السحابُ
وكلٌّ تذكّر ظلمَ قُريشٍ
ولم ينسَ ما فَعَلَتْهُ الكلابُ
وهاجتْ بهم ذكرياتُ عذابٍ
وأَيّامُ قَهْرٍ، وتلك الذئابُ
وأَرضٌ، ومالٌ سباهُ الطُغاةُ
وشوْقٌ لمكّةَ كيف يُعابُ..؟!
وقد ضمَّتِ البيتَ، بيتاً حراماً
إِليهِ تُحجُّ، تَذلُّ الرقابُ
فهمّوا بأَنْ يستعيدوا الحقوقَ
وما عاد يُخفي النوايا الحجابُ
وعيرُ قُريشٍ بَدَتْ من بعيدٍ
فساروا إليها، طَوَتْهم هضابُ
وبالعيرِ فرّ بن حَرْبٍ سليماً
وجاءَتْ خيولٌ وصفّتْ حرابُ
بأَلْفٍ من الجُنْدِ هلَّت قُريشٌ
بخيلٍ وبالخُيَلاء استطابوا
وَجُنْدُ النبيِّ أَقلُّ رجالاً
بغيرِ عتادٍ، فمن ذا يَهابُ..؟!
وقد حملوا من همومٍ وفقرٍ
ولكنَّهم للخنا ما استجابوا
فما همّهم في الحياة متاعٌ
إذا ما لربِّ السماءِ أَنابوا
-34-
المعركة
على ماءِ بدْرٍ غدا الجمعانِ
فجمعُ النبيِّ، وجمعُ الهوانِ
ومن كان ينظرُ للمسلمينَ
رآهم ضعافاً بغير حصانِ
فهم يملكون السيوفَ العراةَ
وإِيمانهم ذاك سرُّ الأمانِ
فلمّا احتدم وطيسُ القتالِ
تهاوَتْ رؤوسٌ على الكُثبانِ
وصاروا صناديد مكّةَ عُزْلاً
فبين قتيلٍ، وفي الأسرِ ثانِ
رماهم عظيم السماءِ بجُنْدٍ
أحبّوا الشهادة مَهْرَ الجنانِ
وَجُنْدِ الملائكةِ الأكرمينَ
فجندان خَلْقاً هُما الأَكرمانِ
فأَين مضى الكبرياءُ لعمْروٍ
على الأرض جُنْدِلَ كالثُعْلُبانِ
وذاك الوليد بْنُ عتبة أَينَ
تراهُ غدا بَعْدَ فحشِ اللسانِ
علىُّ بن عمَّ النبيِّ اعتلاهُ
بطعنةِ سيْفٍ مَضَتْ في الجَنانِ
فبات الطغاةُ كأنْ لم يكونوا
وفُجِعَتْ قُريْشٌ بشرِّ الزمانِ
فكيف لطغمةِ كُفْرٍ عُتاةٍ
تُذَلُّ، وتَسْقُطُ يوم الرهانِ
-35-
العقيـدة
أبو القاسمِ المُرْتَجى والشفيعُ
هداهُ الإلهُ البصيرُ السميعُ
وزكّاهُ بالدينِ من بعدِ خلْقٍ
فكان لربِّ السماءِ المُطيعُ
وجاءَ الذي قال عنه افتراءً
كلاماً إذا ما يُقالُ يريعُ
فهم يدّعون بأنّ الرسولَ
علا قائداً طاب منه الصنيعُ
لما خاضهُ من حروبٍ تباعاً
وبالنصرِ يُبنى المقامُ الرفيعُ
وقاد جموعَ العبيدِ جنوداً
وكلَّ ضعيفٍ بهِ اشتدَّ جوعُ
فصاروا حُشوداً تهدُّ الجبالَ
إذا ما يكرّون شابَ الرضيعُ
سعى للسيادةِ بل رامَ مُلكاً
وأَخبارُهُ بالمديحِ تشيعُ
فأيّ غباءٍ سرى في العقول..؟!
فَمَقْتٌ غزاها، وحقدٌ شنيعُ
أما جاءَهُ قوْمُهُ يُهْرعون
إليه، بما يرتضيهِ يُلبّي الجميعُ
فإن شاءَ مُلكاً ، إذن ملّكوهُ
عليهم، وَيُعْطى من المالِ ريعُ
وإن شَغَفَتْهُ النساءُ أَتُوْهُ
بأَجْملهنّ أَطلَّ الربيعُ
-36-
الثباتُ علـى الحـقِّ
أَما قال قوْلاً بكلَّ الوقارِ..؟!
فلا لبسَ فيه كوجْهِ النهارِ
فلو وضعوا الشمس هم في يميني
وإنْ وضعوا قمراً في يساري
فلن أَتْرُكَ الأَمْرَ مهما ابتليتُ
وإنْ أُهْلَكََنْ دونهُ لن أُماري
وما كان يدعمهُ أيُّ جندٍ
وليس لديهِ كنوز البحارِ
وحطّتْ عليه قريشٌ وبالاً
وسامتْه سوءَاً كجمرٍ ونارِ
فلو رام مُلكاً ولو شاءَ فخراً
لأعطوْهُ من كلَّ عزًّ وغارِ
ولو كان في نهجهِ أيّ زيْغٍ
لما أَوصد الدرْبَ باب الحوارِ
ولا عضّهُ الجوعُ دهراً طويلاً
فما من ضياعٍِ لهُ أو ثمارِ
ولا عاش في الفقرِ لم يشكُ يوماً
فلا من عبيدٍ ولا من جواري
ولمّا قضى نحبه لم يورّثْ
دراهَمَ أو صكّ بعضِ العقارِ
وكم جُمعتْ في يديه كنوزٌ
وبعد الفتوحات والإنتصارِ
فباع الرخيصَ بغالٍ ثمينٍ
بجنّاتِ عدْنٍ فما من خيارِ
-37-
الأُسْوَةُ الحسنة
لنا أُسْوَةٌ في الرسولِ الكريمِ
ولمّا أَتانا بقلبٍ سليمِ
فإن مسَّنا الجوعُ قُلنا سلاماً
أَيا نفسُ كفّي لنا لا تلومي
فما نحن جُعنا ولا قد صبرنا
كصبرِ الحبيب الرسولِ العظيمِ
وكم طالهُ الحاقدون بسوءٍ
وقالوا بلا ولدٍ كالعديمِ
فسرعان ما ينطوي ثمَّ يُنْسى
فذا أَبتُر الذكرِ مثل العقيمِ
ومَن مثلهُ في السماءِ حميدٌ
وفي الأَرضِ مَن مثلهُ كالنسيمِ
غدا ذكرُهُ فوْق كلَّ الأَنامِ
وفي كلَّ آنٍ بذكْرِ الحكيمِ
له الذكْرُ مع ربَّنا في الأَذانِ
وجوفِ الصلاةِ فيا للنعيمِ
فلم يشكرِ الناسُ بَعْدَ الإلهِ
سواهُ، وقد فاقَ كلَّ زعيمِ
فبات بهِ يتأَسَّى الدُعاةُ
وكلَُ مُصابٍ، وكلَُ سقيمِ
ومن لطمتهُ نوائبُ دَهْرٍ
فيصبر رغم العذابِ الأَليمِ
ويرضى من اللهِ أَيَّ ابتلاءٍ
فذا الحمدُ للهِ ربًّ رحيمِ
-38-
غـزوة أحد النصر
غدا أحُدٌ في الجبالِ شهيرا
فَمَنْ مثلهُ أستضاف نفيرا
على رأْسهِ قام جُنْدٌ رماةٌ
بأَمرِ الرسولِ فكانوا ظهيرا
فلا تُفَتَحَنْ ثغرةٌ من لدنهمْ
ويصلون مَنْ جاءَ يغزو سعيرا
وقالَ الرسولُ اثبتوا لا تميلوا
إذا ما ملنا وسدّوا الثغورا
وإنْ انكشفنا فلا تنصرونا
ولو خطفتنا النسورُ طُيورا
ولا تتركوا الحصنَ مهما ابتلينا
فيكشف منّا العدوُّ الظهورا
ودار القتالُ، رؤوسٌ تطيرُ
ونهرُ دماءٍ يسيلُ غزيرا
وحمزةُ ليثٌ، وأَسدُ قُريشٍ
يصولُ، يجولُ، قوّياً صبورا
ينادي ألا أيّها الكافرونَ
سأَسقيكم الموْتَ كأْساً مريرا
تعالوْا هلمّوا إلى نصلِ سيفي
فآن أوانُ الحسابِ عسيرا
علا المسلمون رجالاً أُباةً
يجزّون بالسيفِ رأْساً جذورا
فهاجت قريشٌ وماجت فراراً
وباءَتْ بشَرًّ، وساءَتْ مصيرا
-39-
غـزوة أُحد الهزيمة
لقد حقّق المسلمون انتصارا
على الكافرين مُبيناً كبيرا
ثلاثةَ أَمثالهم أثخنوهم
جراحاً، وَمَنْ فرّ صار أَسيرا
فما بين قتلٍ وما بين أَسْرٍ
تداعتْ قريشٌ، وَذُلَّتْ كثيرا
وفرَّ الطغاةُ وتركوا متاعاً
نساءً وذهباً ومالاً حريرا
فصاروا غنائمَ للمسلمينَ
وفاضَ الحصادُ لديهم وفيرا
فسال َلعابُ الرماةِ وظنّوا
بأَنَّ العدوَّ استحال ضريرا
وما عاد يَقْوى على سلَّ سيفٍ
ولا رفعِ رأْسٍ، وخابَ نصيرا
فمالوا يريدون غُنْماً وكسْبا
ولم يسمعوا من عَصَوْهُ أَميرا
فلاحتْ لإِبنِ الوليدِ طريقٌ
وقد كان للكافرينَ وزيرا
وآثر في معزلٍ أَنْ يظلَّ
يراقبُ سيرَ العراكِ خطيرا
فسرعان ما التفّ فظّاً غليظاً
فصارَ على المسلمين زئيرا
وحَصَدَ الرؤوسَ وعقرَ البُطونَ
أَصابَ من الأَتقياءِ النُحورا
-40-
غـزوة أحد العبرة
وعادتْ فلولُ قريشٍ ومالتْ
تجزُّ الرقابَ تشقُّ الصدورا
وأغُتيلَِ أَسَدُ قُريشٍ برمحٍ
بطعنةِ غَدْرٍ تهاوى جريرا
وقتلوا من المؤمنين رجالاً
أُباةً، وذبحوا هُداةً صُقورا
وشجَّوهُ وجْهَ النبيَّ فسالَ
من الوَجْهِ دَمُهُ الزكيُّ طَهورا
وأَلقوْا عليه الحجارةَ رَجْماً
فأدْموْا بظلمٍ سراجاً مُنيرا
فلا أَفْلَحَ القوْمُ لّما أََساءَوا
إليه شيوخاً، إِناثاً، ذكورا
أَمَنْ جاءَ للعالمينَ رحيمًا
يُضئُ الأنامَ نذيراً بشيرا
يُسامُ العذابَ بكلَّ احتقارٍ
وما كان يَوْماً شَقَّياً حقيرا
فذا قَدَرُ اللهِ خيْراً نراهُ
وذا أُحُدٌ قد يتيهُ فخورا
وذي غزوةٌ استفاضتْ عبراً
مواعظَ باتتْ تفوحُ عطورا
فكم من شهيدِ حباهُ الكريمُ
بحسنِ الشهادةِ نام قريرا
ولولا الهزيمةُ ما كان نَصْرُ
وإنّ الظلام يولّدُ نورا
-41-
بلا عتاب
مَضَتْ أُحُدٌ وبغيرِ عتابِ
من المُصْطَفى خَيْرِ داعٍ مُجابِ
ورغم المرارةِ ، رغم العذابِ
ورغم الهزيمةِ ، مُرّ المُصابِ
فمِنْ بَعْدِ نَصْرٍ أُصيبوا بشرٍّ
ونالوا من اللّهِ بعض العقابِ
ولولا الذين عَصَوْهُ لفازوا
بنصرِ العزيزِ سريعِ الحسابِ
فربُّ السماءِ يُحَذِّر قوماً
وَمَنْ يعصِ يُجْزَ بشرِّ المآبِ
كما أَنّنا سوف نزداد شأْناً
إذا ما عركنا جميعَ الصعابِ
فللَّهِ في كلِّ أَمْرٍ سلامٌ
هدانا الصراطَ بنورِ الكتابِ
وجاءَ الرسولُ لنا خَيْرَ هادٍ
فبيّنَ حُكْماً قويَّ الخطابِ
فإسلامُنا عزَّ ديناً قويماً
فجاز الثُريَّا ، نما كالسحابِ
هو الشمسُ إن أَظلَم الجهلُ يَوْمًا
وَمَنْ يستضئُ بنورِ الثقابِ..؟!
سوى العاجزين غلاظِ القلوبِ
وَمَنْ عاش نَسْياً وتحتِ التُرابِ
فلا ارتاح بالكفرِ يوماً شقيٌّ
ومات سفيهاً كموتِ الذبابِ
- 42-
أَهل الكفر
أَشُمُّكَ عطْراً ، أَريجَ الزهورِ
أَيا سيّدي أَنتَ فَخْرُ الدهورِ
سَمَوْتَ بفكرٍ عظيمٍ ونَهْجٍ
قويمٍ على مرِّ كلِّ العصورِ
وأَشْهَرْت سيفاً يشعّ بريقاً
ووجهُك مثلَ ضياءِ البدورِ
ومُذ انتصرتَ ببدرٍ كريماً
فكلُّ الأَعادي غدوْا في الجحورِ
ولكنّهم كالكلابِ وحوشاً
وأَنت كما الليث ، فهدَ النمورِ
فما أَغمضتْ للأَعادي عيونٌ
وهم يستبيحون كلَّ الشرورِ
يكيدون ، لم يعلُ كيْدُ سفيهٍ
يثورون في غضبٍ ، وغرورِ
فذي غزوةٌ ، ثُمَّ ذاكَ صدامٌ
وكم وقعةٍ تحتَ ظُلْمٍ وجورِ
تذبُّ عن المسلمين ذئاباً
تكشِّرُ أَنيابها في فجورِ
وتحمي المدينةَ من شرِّ غازٍ
أَبيّاً تردُّ القنا للصدورِ
تكرُّ على كلِّ عادٍ شُجاعاً
فلا تخشَ في اللهِ بطش الكفورِ
تفاجئُ مَنْ رام غَدْراً بحَرْبٍ
ضروسٍ ، وتنقضُّ مثلَ الصقورِ
-43-
السرايا
بعَثْتَ تَجْوبُ الصحاري السرايا
فتكشفُ ما في النفوسِ الخفايا
مَلَكْتَ من الفكرِ علماً غزيراً
فما اسْتَضْعَفَتكَ همومُ البلايا
تَصَدّيْتَ للُمنكراتِ حكيماً
وباتَ الطُغاةُ لديكَ عرايا
فمالنتَ للكفر يوماً مهيناً
ولا خفتَ حرباً تزفُّ المنايا
علوْتَ وبالسيفِ كلَّ الرقابِ
من المجرمين العتاةِ الخزايا
وَسُدْتَ عليَ المؤمنين رحيماً
رؤوفاً بهم ،فُقْتَ حُسْنَ النوايا
وواصلْتَ حَربَك ضدَّ العُصاةِ
وأَطلقتَ للحقِّ تعدو المطايا
فمن ذا كفرسانكِ اليومَ جُنْدٌ
يردّون كيدَ الغُزاةِ الرزايا
يسومون أَرتال شرْكٍ عذاباً
وينهوْن بالسيفِ أَهلَ الخطايا
فو اللهِ لو كُنْتَ يَوْماً ضعيفاً
لقادوك كالخيلِ مثل السبايا
إذا ما عَفَوْا عنك من أَيِّ قَتْلٍ
وراموا لك الذلّ بين الزوايا
فكم أَثَخنوك جراحاً وهّموا
بقتلك يا خيرَ أَهْلِ العطايا
-44-
الأحزاب
بفلذات ِأَكبادِها قد رمتكا
قريشٌ وهَّمت بدكِّك دكَّا
ففي يوم بدْرٍ أَتَتْكَ جموعاً
ُتريد بأَن تستفزّك فتْكا
فباءَتْ بخسرانها واستُذِلَّتْ
وَهُتِكَتْ مفاخرُها ثَمَّ هتْكا
ومن بَعْدِ أُحُدٍ مع الأحزاب
بجند الأَحابيشِ كُثْرًا أَ تتْكا
وذي غطفانُ رجالٌ فحولُ
فهبّوا يثورون حقداً عليْكا
هُمُ العَرَبُ الجهلاء رموكا
بضربةِ سيفٍ أشاروا إليْكا
بكيدِ يهودٍ سعْوا جاهدين
ليستأصلوك وإلا سبْوكا
كما البحر يَزخُرُ بالموجِ هاجوا
وهم حاصروك فماذا لديْكا
أَتِلك حُشودٌ نَوَتْ قتل فردٍ
لتهدم مجداً وعزّاً وأَيْكا
فأَنْتَ لكلِّ جهولٍ غبيٍّ
وطاغيةٍ صرْت في الحْلقِ شَـوْكا
فوحدك غيرتَ طبع اللئامِ
وَبَعْدُ بما يملكون فدوكا
فصاروا كما المؤمنون كرامًا
بشيء من الأَمرِ هم ما عَصَوْكا
-45-
غزوة الخندق
تشمِّرُ عن ساعد الجدّ دَوْما
ولا تتركنْ للعواذلِ لَوْما
فلما سَمِعْتَ بغزوِ قُريشٍ
وزحف القبائل تنضح ضيْما
نَهَضْتَ تعبِّئُ جيشاً قويّاً
يصدُّ الطغاة ويزداد عزْْما
وسلمانُ حين أشار برأْيٍ
صوابٍ فساد بذا الرأي علْما
أجبت مطيعاً فذا الأمر شورى
وبان السرور على الوجه رسْما
غدا خندقٌ حولَ يثربَ حصناً
فكاد الطغاة يموتون غمّا
وكم كنت فّذًا ذكيَّاً حكيماً
وشاركت في الحفر بل سُدْتَ شَهْما
وواجهت جُندَ الغُزاة عظمياً
تردّ الأَعاديَ بالسهم سَهْما
وقد خذلتك يهودُ بكيدٍ
بنقضِ العهود فزادوك همَّا
بعشرةِ آلافها قد أَتتَكَ
قريشٌ فساءتك رحماً وقوْما
فكم من ليالٍ سهرتَ تُعاني
وما عدت تعرف فيهن نَوْما
حَمَلْتَ عن المسلمينَ هموماً
تجودُ بنفسك ما ارتحت يَوْما
-46-
جُنْدُ الله
حباك الإلهُ بخَيْرِ ابتلاءِ
وأَنْتَ تَحَمَّلتَ شرَّ البلاءِ
فمنذ اجتباكَ رسولاً كريماً
وأَنت تعاني من الأَغبياءِ
ومن كلِّ فظٍّ غليظٍ عُتُلٍّ
يتيهُ على الأرض مثل الحذاءِ
وما ارتحت من شرّهم ذاتَ يومٍ
ولا أَنصفوك بحُسْنِ الوَلاءِ
فكم مرةً لفحوك بنارٍ
وَبَرْدٍ كمثلِ صقيعِ الشتاءِ
وكم مرةً قد أَثاروا عليكَ
جحافلَ كُفْرٍ طَغَتْ في رياءِ
لقد جاءَوك كثيراً كثيراً
كما الموجُ، أَو مثلَ طَيْرِ السماءِ
فما اختلجَ القلبُ طَرْفةَ عَيْنٍ
لديكَ من الخوْفِ عند النداءِ
فكان لك النصرُ عَوْنَ القديرٍ
بجُنْدٍ تكرُّ على الأَشقياءِ
وكم ذلّت الريحُ جُنْدَ الطُغاةِ
فَفَرّوا بذُعْرٍ فما مِنْ لقاءِ
فكم من جنودٍ لربِّ السماءِ
هو اللهُ عالمُ غَيْبِ القضاءِ
فصلَّى عليك الكريمُ نبيّاً
بُعثْتَ لنا خاتَم الأَنبياءِ
-47-
مكر يهود
سلامٌ عليك سَمَوْتَ مَنَارا
وَصِرْتَ لكلِّ النفوسِ عقارا
فطبَّبت كسرَ القلوب خبيراً
وجلّيْتَ وَهْمَ العقولِ فطارا
بهدْيك أَنْتَ شَفَيْتَ الصدورَ
وأبعدْتَ عن كلِّ بيتٍ دمارا
نَهَيْتَ الأَنامَ عن السيّئاتِ
كشفتَ عن الحقٍّ سِتْراً خِمارا
أما قُمْتَ تدعو إلى خيرِ نهْجٍ
بهِ قد هَدَيْتَ صغاراً كبارا
فيا بْنَ الذبيحين تِفديك روحي
عَلَوْتَ، وفي الليلِ صْرتَ نهارا
حَفِظْتَ لأهلِ الكتابِ عهودا
لآلِ يهودَ، وقومِ النصارى
وبالودِّ والحبِّ جئتَ إليهمْ
ولم تُخفِ سرَّاً فقلتَ جهارا
بتوراةِ موسى وإنجيل عيسى
بقرآنِ ربِّي فصارَ الخيارا
ولكنَّ آل يهودَ بمكرٍ
بِظُلْمٍ جَفَوْكَ وكانوا سُكارى
وراحوا يكيدون كيْداً عظيماً
ودسّوا لك السمَّ في الشاةِ نارا
وأَنْتَ الذي ما أسأَتَ إليهمْ
حَلَلْتَ على الدارِ ضيفاً وجارا
-48-
بنو قَيْنُقاع
فمن ذا سينسى بَني قَيْنُقاعا
وما أَجرموهُ فباتوا رعاعا
وما فعلوه بإحدى النساءِ
من المسلماتِ فخابوا طباعا
تمادوْا بظلْمٍ وَخُبْثٍ دهاءً
كما لو علوْا جبروتاً، سباعا
أَرادوا بها السوءَ حتّى استغاثتْ
فوا أحْمداهُ فما الصوتُ ضاعا
فهبَّ من المسلمين هِزَبْرٌ
وثارَ قويَّاً أَبيَّاً شُجاعا
فقتل اليهوديَّ رأسَ البُغاةِ
ومن كان يزهو بمكْرٍ خداعا
ولكنَّ حشداً من المجرمينَ
أَذاقوهُ كأْسَ الحمامِ نزاعا
لقد قتلوهُ ونقضوا العهودَ
وما جار ظُلْماً، ولكنْ دفاعا
فضربَ الرسولُ عليهمْ حصاراً
إلى أنْ تباكوْا حيارى جياعا
فقامَ المنافقُ بْنُ سلولٍ
يُحابي اليهودَ زعيماً مُطاعا
وَخَفَّـفَ عنهم عِقابَ الرسولِ
فَطُردوا إلى الشامِ، تركوا الضياعا
فهم قد جنوْا شرَّ ما زرعوهُ
ومن يظلمِ النحلَ يَجْنِ اللُساعا
-49-
بنو النضير
تَعالَتْ بمكرٍ، وخبثٍ يهودُ
وليستْ لها في الأَنامِ عُهودُ
تفجّرُ أَضغانها إِنْ علاها
أُناسٌ كرامٌ، فشرَّاً تُريدُ
وهذا نبيٌّ أَمينٌ حليمٌ
بخيرٍ أَتاها وعنهُ تحيدُ
وقد أَنكرتهُ بما جاءَ هَدْياً
ولم تُبْدِ ما في الصدورِ يميدُ
فصار يُها دنها رغْم علْمٍ
بما في الخبايا تُسِرُّ تكيدُ
لعلَّ مع الصبرِ يجلوا النفوسَ
وعن غيّها ذات يومٍ تعودُ
وحين استعان بقومِ النضيرِ
على دفعِ ديةٍ عسى أَنْ يجودوا
فأَظهر رسمُ الوجوهِ رضاهم
وأَمّا القلوبُ جفاها الصدودُ
فهُمْ أَضمروا الشرَّ أَنْ يرجموهُ
بضخرتِهمْ من علوٍّ تُبيدُ
فجاءَ إليهِ من اللهِ خَبَرٌ
فقامَ الذي إصطفاهُ الوَدُودُ
ومن ثَمَّ عاد إليهم بجيشٍ
هُمُ المسلمون الأُباةُ الجُنودُ
فأجلاهمُ بعد طولِ حصارٍ
فبادَتْ حصونٌ، وهُدَّتْ سدودْ