وأنا والله أتعجب من غفلة هؤلاء الدعاة ، فأمرهم مع الحكومة السعودية واضحٌ جليٌ لذي عينين ، فالحكومة عندما تحتاج لهم لجمع الشعب حولها تطلق لهم العنان ليتكلموا ويحاضروا ، فإذا انتهت منهم رجعت وألقت بهم في السجن ، هذا إذا لم يهادنوا وتلِنْ عريكتهم وتتغير أفكارهم خلال فترة التزاوج !! ، وما جرى قبل مدة من فصل الأئمة والخطباء الذين فصلهم صالح آل الشيخ خير دليل على ذلك ، فبعد سلسلة من الكذب المتبادل بين الحكومة وبعض الخطباء فصلتهم الحكومة رغم إخلاصهم لها !! وهكذا حكومتنا في كل أزمة تستخدم الدعاة مطيّة لتنفيذ أغراضها ثم توثقهم بالأدهم الغليظ ، ولعمري لو رأى القاضي الجرجاني هؤلاء لزاد في قصيدته المشهورة بضعة أبيات ! :
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما ..... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ..... عظّموه في الصدور لعُظِّما
ولكن أهانوه فهانوا ودنّسوا ..... مُحيّاه بالأطماع حتى تجهّما
أأشقى به غرساً وأجنيه ذِلّةً ..... إذاً فاتّباع الجهل قد كان أحزما
مثال على التبدل المريع !!
مرّ معنا عرضٌ تاريخي لكيفية تغيّر دعاة الصحوة ، ومن صور هذا التغيّر وأمثلته ما أسوقه هنا للتدليل على ما ذكرت سابقاً ، فبعضهم للأسف كان يقول :
" إن الحديث عن الحقوق المشروعة والقرارات الدولية الذي استنزف ويستنزف من الإعلام العربي ما يملأ البحار لم يجد أذنًا - ولا عُشرَ أذن - كتلك التي أحدثها انفجار مشاة البحرية في بيروت والهجوم على ثكناتهم في مقديشو ، بهذه اللغة وحدها يسحب الكفر أذيال الهزيمة وتنحني هامات (الخواجات) العتية أمام مجموعات طائفية وعصابات قبلية وليست جيوشًا دولية ، وإن استرداد بضعة قرى ومدن في البوسنة قلب المؤشر الصليبي وأرغمه على إعادة حساباته , وإن أي خطاب للكفر لا يستخدم هذه اللغة هو لغو من القول وزور من العمل " ..
كلامٌ جميل لعله دفع بشبابٍ لعل منهم أحد منفذي هجمات الثلاثاء الأبلج إلى ظلال السيوف ، تأمل أخي في كلامه السابق ثم انظر إلى الحالي :
" فهناك لغتان (أي أسلوبان في دفع العدوان) :
1- لغة الاستجداء والضعف التي تقتصر على الشجب والمطالبة بالقرارات الدولية من الحكام وتقتصر على البيانات الخطابية من العلماء والمثقفين ..
2- لغة القوة وهي التي تضع البرامج العملية للنكاية في العدو والتأثير عليه ليس عسكريا فقط بل واقتصاديا وإعلاميا وقانونيا أيضا وفق تخطيط محكم ومن أهدافها شدُّ أزر الشعوب الإسلامية وبيان مشروعية مقاومتها ونقل أخبارها والدفاع عن قضاياها أمام العالم وفضح خطط العدو , وكل عاقل يعلم أن هذا من أهم أسباب القوة وأعظم أنواع السلاح ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث حسّاناً وكعب بن مالك رضي الله عنهما على هجاء المشركين ويقول : " اهجهم وروح القدس معك " , وأخبر أن ذلك أشد على المشركين من وقع النبل وهو صلى الله عليه وسلم كان عمره كله مجاهداً في سبيل الله مع أن أيام المعارك معدودة على الأصابع " ..
سبحانك ربي !!! الذين كانوا ينظّرون للمواجهة أصبحوا ينظرون للقعود ... ثم إن هذا الكلام منقوض عروةً عروة ..
التقدم عن طريق السلم !! (جاهدوا بأقلامكم اليوم يا قوم !!)
فنحن ربما كنا نستطيع إيجاد المخرج للشيخ سفر في كلامه الثاني لكن التطبيق ضد ما قاله تماماً ، وإلا فلسنا ضد مقاومة العدوان بالطرق الثقافية والاقتصادية ، ولكننا نعيب على من قال ذلك وحصر المقاومة فيه ورمى السلاح ومع ذلك لم يقاومهم لا ثقافياً ولا اقتصادياً ، فهذه البيانات تصدر عن هؤلاء المشايخ وهذه خطبهم ومحاضراتهم تعج بها التسجيلات الإسلامية ، ولكننا لم نرها تدفع بوش عن غزو أفغانستان ولا العراق ، ولم تثن الصليبيين عن ارتكاب جرائم حرب مروعة في حق إخواننا في الدين والعقيدة بل واللسان !! ..
ثم إني أقول : لِمَ المغالطة ؟ ولِمَ يستخدم الدعاة هذا الأسلوب في خلط الأوراق ؟ ألأن المتلقي هم شباب الصحوة المتحمس لمشايخه والذي لا يعلم عن حقيقة الصراع سوى ما يتلقفه منهم ؟ إن من المغالطة الكبيرة استخدام الشيخ سفر لأسلوب الإسقاط النفسي في كلامه السابق لإقناع المتلقي بأن الجزء الأكبر من الجهود في الجهاد يجب أن تصرف على المواجهة الاقتصادية والثقافية والسياسية !! ولكنه لا يستطيع أن ينقض حقائق الإسلام فقال على استحياء :
" للنكاية في العدو والتأثير عليه ليس عسكريا فقط بل واقتصاديا وإعلاميا وقانونيا أيضا وفق تخطيط محكم ومن أهدافها شدُّ أزر الشعوب الإسلامية وبيان مشروعية مقاومتها ونقل أخبارها والدفاع عن قضاياها أمام العالم وفضح خطط العدو " ..
فتم ذكر القتال في المقال على استحياء ، والمعلوم عند العقلاء أن آلة المواجهة الأولى بين أي قوتين متصادمتين هي الآلة العسكرية والقتال والنزال ، وعلى هامشها تقومُ حربٌ اقتصادية وثقافية !! أما أن يأتي بوش بدباباته وطائراته ليقصف المسلمين العُزّل ويبيدهم ويقتل رجالهم ويستحيي نساءهم ثم نرد عليه بأساليب اقتصاديةٍ وثقافيةٍ وتوعيةٍ بخططه ، فعندئذٍ لن تجد سوى الأصفار ..
وامتداداً لأسلوب الإسقاط النفسي ومن المغالطات الكبيرة في الفقرة الصغيرة التي نقلتها آنفاً من كلام سفر قوله :
" ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث حسّاناً وكعب بن مالك رضي الله عنهما على هجاء المشركين ويقول : " اهجهم وروح القدس معك " , وأخبر أن ذلك أشد على المشركين من وقع النبل وهو صلى الله عليه وسلم كان عمره كله مجاهداً في سبيل الله مع أن أيام المعارك معدودة على الأصابع " ..
سبحان الله .. محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل " .. نبيٌ كريم هذا شأنه تأتي لتقول عنه إن أيام معاركه معدودة ؟!! ..
إنه بيّن هنا السبب في أن أيام معاركه معدودة وهو أنه لا يريد أن يكسر قلوب أصحابه الفقراء الذين لا يستطيعون الغزو معه ، بعد هذا تأتي لتقول إنه اهتم بحسان وكعب وكانت معاركه معدودة ؟؟ , سبحان الله .. لماذا هذا التضليل النفسي للمتلقي والقارئ ؟؟ ..
ومع ذلك فقد كانت معاركه صلى الله عليه وسلم كثيرة فالمدّة التي قضاها بعد الهجرة قرابة العشر سنوات ومع ذلك فعدد الغزوات والسرايا فيها يزيد على الثلاثين بمعدل 3 معارك أو سرايا في كل عام وكان يقول صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سريةٍ تغزو في سبيل الله أبداً ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني " . رواه مسلم ، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ..
النقطة الثانية في الرد على كلام الشيخ سفر : أن الذي عهدناه من أعدائنا أنهم أذكى من أن يدعوا لنا أي مجال للتقدم عسكرياً أو اقتصادياً أو في أي مجال من مجالات القوة ..
ففي الجانب العسكري نلاحظ أموراً مهمة منها : ما هو النظام العربي أو الإسلامي الوحيد الذي يمكن أن يكون ليس بخائنٍ أو عميلٍ للغرب ؟ والذي بالتالي يمكن من خلاله أن تحصل الأمة - أو ذلك البلد - على تقنيات المجال العسكري وإمكاناته المتطورة ؟ ..
ثم لو سلمنا بأن هناك بعض الحالات الشاذة الباحثة عن السلاح المتطور الفتاك فتعالوا لننظر كيف تعامل الغرب مع بعض هذه الحالات ..
فعلى سبيل المثال الدكتور يحي المشد الذي كان متعاوناً في البرنامج النووي العراقي وجد مذبوحاً بشقته في باريس ... والقصة بكاملها موجودة في كتاب ( عن طريق الخداع صورة مروعة للموساد من الداخل ) ..
وهناك دكتورة مصرية بارعة كان عندها مشروع جبار جداً وهو إنتاج الطاقة الذرية من مواد خام غير (اليورانيوم) مثل النحاس وغيره ، واسمها د. سميرة موسى لقيت نفس المصير الأليم وقيل إن الموضوع عبارة عن حادث سيارة ..
وهناك كثير من العلماء العرب مورست عليهم ضغوط كبيرة ليوافقوا على منحهم جنسيات غربية وبالتالي بذل كافة التسهيلات لهم وفتح أبواب المعامل والمختبرات لهم والحصيلة بالطبع لهذا البلد الغربي ، فاستسلم كثير منهم لهذه الضغوط خصوصاً أن الحكومة لديه في بلده الأصلي لو علمت بما لديه لاعتقلته فوراً !! ..
وكل هذه الضغوط وإهدار الطاقات إنما أتى من خيانة الحكام لأمتهم ، وانصياعهم للغرب الكافر ، ورفضهم أن تمارس أممهم عملية التقدم والازدهار إلا في ركاب الكافرين وفي جوانب ضيقة أيضاً ، ليس منها بالتأكيد جوانب السيطرة العسكرية ..
فحصل من هذه الأمثلة أننا كلما أردنا التقدم في المجال العسكري عبر الطرق السلمية والتعلّم والجهود الذاتية وقف الغرب حجر عثرة لهذه الجهود ، فكيف يمكننا أن نتطور ونتقوى عسكرياً ؟؟ - وأما قنبلة باكستان فنسأل الله سبحانه أن يطلق سراحها من أيدي الخونة - ..
وفي المجال الاقتصادي هاهي ماليزيا - النمر الآسيوي المستقل - حاولت النهوض والارتقاء اقتصادياً ، ونجحت نجاحاً باهراً ولكن ضربة واحدة من عصابة المرابين العالميين ممثلةً في التاجر اليهودي ( سورس ) أرجعت الاقتصاد الماليزي إلى الوراء سنوات وسنوات ..
وفي المجال الثقافي - إن صح التعبير - كلما حاول هؤلاء الدعاة أو غيرهم العودة بالأمة إلى الله وتسوية الصف ونبذ المعاصي والموبقات والكفريات انفتحت عليهم أبواب الجحيم ! ، سجونٌ ومعتقلات وسياطٌ وكلاب وحالٌ بئيسة ، أضف إلى ذلك تسلط الآلة الإعلامية الغاشمة والتي هي غالباً بيد الحاكم على المسلمين ، ومحاولتها مسخ دينهم وهويتهم وثقافتهم - فضلاً عن ترسيخ فكرة مقاومة عدوهم أو حتى تحييدها ، بل تجدها تحض على الركون والذل ، وتشجع على الحوار بين مختلف الديانات ، وهكذا دواليك في سيل دعوات شتى صاغت عقول جهلة المسلمين وأثرت عليهم تأثيراً بالغاً - ..
وحتى عندما حاول هؤلاء الدعاة إدارة بعض الوسائل الإعلامية - تحت إشراف طاغوت الحرمين - خرجت هذه الوسائل ضعيفة باهتةً في حجمها التقني أولاً ثم في صدعها بالحق ثانياً ثم في تمييعها لقضايا الأمة - خوفاً من مقص الرقيب - في أحايين وفي أحايين كثيرة فساداً في الفكر وجبناً واستسلاماً ، وأيضاً ارتكب عرّابوها الكثير من المحاذير الشرعية ، كل هذا مقابل آلة إعلامية جبارة يديرها يهود هذا العالم وتعربّها لنا حكوماتنا ويحرصون على إعطائنا جرعةً يوميةً منها كل الحرص فلها مفعول على الشعب كمفعول الأفيون !! ..
ولو أن منصفاً تأمل في الأثر الكبير والهائل الذي أحدثته غزوات نيويورك وواشنطن في قلوب المسلمين ، وكيف ساهمت في عودة كثير من الشباب إلى دينهم بل والتحاقهم بركب المجاهدين ، لعلم السبيل الصحيح لإيقاظ الأمة ، ولتأكد من قوله صلى الله عليه وسلم : " حتى ترجعوا إلى دينكم " ، إن هذه الغزوة المباركة لو نظر إليها المنصف من جانب إعلامي وفكري فقط لعلم أن أثرها على الأمة أكبر بكثير من أثر تلك المشاريع السلمية المتخاذلة ، سواء كان هذا الأثر على صعيد إحياء الأمة الإسلامية ، أو على صعيد الدعوة - وهو ما يدندنون حوله - ودخول الناس في دين الله أفواجا ، ورحم الله الذهبيَّ إذ يقول : ( الإنصاف عزيز ) ..