د. محمد النعماني
للعقل مكانة في الدين الاسلامي
العلم والاِيمان
تجدر الاشارة إلى أنّ العقيدة تربط العلم بالايمان، فالعلم بدون إيمان كغرس
بلا ثمر، العلم يدعو إلى الايمان، والايمان بدوره يحث على العلم، والفصل بينهما
يؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها.. يقول الشهيد مرتضى المطهري: «قد أثبتت التجارب
التأريخية، أنّ فصل العلم عن الايمان قد أدى إلى أضرار لا يمكن تعويضها، يجب
معرفة الايمان على ضوء العلم، والايمان يبتعد عن الخرافات في نور العلم، وبفصل
العلم عن الايمان يتحول الايمان الى الجمود والتعصب الاَعمى والدوران بشدة حول
نفسه، وعدم الوصول إلى مكان، والمكان الفارغ من العلم والمعرفة ينقلب فيه
المؤمنون الجهلة إلى آلة بيد كبار المنافقين، والذي رأينا ونرى نماذج منهم في
خوارج صدر الاِسلام، والادوار التي تلت بصور مختلفة.. والعلم بلا إيمان سراج في
منتصف الليل بيد لص لسرقة أفضل البضائع، ولهذا فإنّ الاِنسان العالم بلا إيمان
اليوم، لا يختلف عن الجاهل بلا إيمان في الاَمس أقل الاختلاف، من حيث طبيعة
الاَساليب والاَفعال وماهيتها»(2).
وعليه فالعلم بحاجة إلى الايمان كحاجة الجسد إلى روح، لاَنّ العلم لوحده عاجز
بطبيعته عن بناء الاِنسان الكامل، فالتربية العلمية الخالصة تبني نصف إنسان لا
إنساناً كاملاً، وتصنع إنساناً قد يكون قوياً وقادراً ولكنّه ليس فاضلاً
بالضرورة، هي تصنع إنساناً ذا بعد واحد، هو البعد المادي، أما الاِيمان فإنّه
يصوغ الشخصية في مختلف الاَبعاد.
ولقد بلغ اغترار الاَُوربيين بالعلم حداً وصل إلى حد التأليه والعبادة، وإن لم
يقيموا شعائره العبادية في كنائسهم، ولمّا كان الدين يرتكز على قواعد غيبية،
خارج نطاق المادة، اعتبروه ظاهرة غير علمية.
وعلى هذا الاَساس ظهر بينهم داء الفصل بين الدين والعلم، وهو توجّه غريب عن
منهج الاِسلام، «وليس أدل على هذا التماسك بين الايمان والعلم من هذه الدعوة
الملحّة، في الدين إلى طلب العلم والاستزادة منه في كل مراحل العمر، وفي كلِّ
الحالات.. ومن هذه القيمة الكبيرة التي يعطيها الدين للعلم والعلماء.
وإذا كان هناك صراع بين العلم والدين في بعض فترات التأريخ، كما حدث ذلك في
تأريخ المسيحية، فإنّ ذلك لا علاقة له بالدين، وإنّما هو لون من ألوان الانحراف
عن الدين، ولا يكون الدين مسؤولاً عما يرتكب الناس بحقه من انحراف» (1).
ومما يؤسف له، أنّ بعض الاَصوات ترتفع هنا وهناك تنادي بالفصل بين العلم
والدين، بدعوى أنّ أُوربا تنكّرت للدين فتقدمت علمياً وحضارياً، ونحن تمسكنا
بالدين فتخلّفنا، إنّ عقول هؤلاء إما قاصرة عن
إدراك وظيفة العلم الذي هو أداة لكشف الحقائق الموضوعية، وتفسير الواقع تفسيراً
محايداً بأعلى درجة من الدقة والعمق. أو أنّ هذه العقول جاهلة بمنهج الاِسلام
الذي ماانفك يدعو إلى العلم، وأغلب الظن أنها عقول مأجورة تُردد مزاعم الاَعداء
والحاقدين على الاِسلام، وتغضّ الطرف عن العواقب الروحية الجسيمة، التي حصلت من
جرّاء فصل العلم عن الدين: «وأوضح الاَمثلة على ذلك، هذا العصر الذي نعيش فيه،
العصر الذي وصل فيه التقدم العلمي والمادي ذروته، ووصلت الاِنسانية إلى حضيضها
من التقاتل الوحشي والتخاصم الذي يقطع أواصر الاِنسانية، ويجعلها تعيش في رعب
دائم وخوف من الدمار، كما وصلت إلى الحضيض في تصورها لاَهداف الحياة وغاية
الوجود الاِنساني وحصرها في اللَّذة والمتاع، وانحطاطها ـ تبعاً لهذا التصور ـ
إلى أحطّ دركات الانحلال الخلقي والفوضى الجنسية التي يعف عنها الحيوان» (1).
وعليه فإنّ العقيدة الاِسلامية لها فضل كبير على مناهج التربية التي تسعى لبناء
الاِنسان، لتأكيدها على دور الايمان والعلم معاً في بناء شخصية الاِنسان، وبفصل
العلم عن الايمان يغدو الاِنسان كإبرة مغناطيس تتأرجح بين الشمال والجنوب،
وعليه فهو بحاجةٍ ماسة إلى قوة تتمكن من إيجاد ثورة في ضميره، وتمنحه اتجاهاً
أخلاقياً يحقق إنسانيته، وهذا عمل لا يتمكن منه العلم بمعزل عن الدين.
أتمنى أن أكون قد تمكنت من نقل ما يجيب على سؤالك اختي الكريمة
وفقكي الله , وسدد خطاكي و وجعل من اهل جنة النعيم