ب ـ التقاليد والموروثات:
تحول الأعراف والتقاليد والمفاهيم المتسالم عليها، وما تتناقله الأجيال من قيم وعادات وأفكار وأنماط ثقافية،
دون التبصّر بكلِّ جديد أو مستجدّ، وكثيراً ما يحصل الصدّ والإعراض رأساً ودون نقاش لمجرد معرفة الملتزمين بالتقاليد
أن ثمة شيئاً جديداً يعمل على زحزحة الراكد. فالمرء مسكون بمشاعر الانبساط والرضى والتسليم بما هو قائم ومتداول،
وقد يشعر بالضيق والانكسار إذا ما تعرَّض النسيج المفاهيمي والقيمي للاختراق، وغالباً ما يندفع، بصورة تلقائية،
لمقاومته، لمساسه بالسكونية، التي ألفها ودرج عليها. ولهذا يواجه الإصلاحيون، والمفكرون النقديون، موقفاً معترضاً من الجمهور
العريض، قد يحملهم، في معظم الأحيان، على الانكفاء والإقلاع عن دعوتهم المغيرة، إذا لم يحسن القراءة والفهم
أو لم يتمتع بطاقة هائلة على التحمل والاستيعاب والتجاوز. وكثيراً ما يذهب هؤلاء ضحايا الأفكار والمشاريع الإصلاحية،
والتاريخ مليء بالشواهد، والقرآن الكريم ينقل لنا من الأمثلة والنماذج التي ضحَّت بنفسها لقاء تأدية رسالتها.
والمؤكد وفق العرض القرآني، أنّ الأنبياء كلهم كانوا ممن تعرضوا لحالي الإعراض والصدّ، وآخرهم نبيّنا محمد (صلى الله عليه وسلم).
والمنطق الذي واجههم كان واحداً: (إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون)[الزخرف/23].
والتاريخ يختزن الكثير من الوقائع التي رفض فيها الناس أفكار مصلحين وعلماء في مجالات مختلفة،
كما هو حال "غاليلو" و "كوبرنيكس". ولا يستثنى عصرنا الحالي، الذي يمتاز بفسحة لا بأس بها من الحرية،
من حالات الملاحقة والقتل والتشريد والمحاكمة، وسنترك للقارئ ولذاكرته أن تستدعي ما تشاء من صور ونماذج واكبها وعايشها عن قرب.
|