عرض مشاركة واحدة
  #360  
قديم 07-12-2025, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,800
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء
(10)
تفسير سورة المؤمنون
من صـ 96 الى صــ 110
الحلقة (360)





وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا ابن بكير حدثني عطاء بن دينار حدثني سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : "خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش - تبارك وتعالى - اكتب فقال القلم وما أكتب قال علمي في خلقي إلى يوم الساعة فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة" فذلك قوله للنبي صلى الله عليه وسلم : "ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض" وهذا من تمام علمه تعالى أنه علم الأشياء قبل كونها وقدرها وكتبها أيضا فما العباد عاملون قد علمه تعالى قبل ذلك على الوجه الذي يفعلونه فيعلم قبل الخلق أن هذا يطيع باختياره وهذا يعصي باختياره وكتب ذلك عنده وأحاط بكل شيء علما وهو سهل عليه يسير لديه ولهذا قال تعالى "إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير" .
ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير (71)
ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير
يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا يعني حجة وبرهانا كقوله "ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" ولهذا قال ههنا "ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم" أي ولا علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا حجة وأصله مما سول لهم الشيطان زينه لهم ولهذا توعدهم تعالى بقوله "وما للظالمين من نصير" أي من ناصر ينصرهم من الله فيما يحل بهم من العذاب والنكال .
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير (72)
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير
ثم قال "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات" أي وإذا ذكرت لهم آيات القرآن والحجج والدلائل الواضحات على توحيد الله وأنه لا إله إلا هو وأن رسله الكرام حق

وصدق "يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا" أي يكادون يبادرون الذين يحتجون عليهم بالدلائل الصحيحة من القرآن ويبسطون إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء "قل" أي يا محمد لهؤلاء أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا "أي النار وعذابها ونكالها أشد وأشق وأطم وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا وعذاب الآخرة على صنيعكم هذا أعظم مما تنالون منهم إن نلتم بزعمكم وإرادتكم وقوله" وبئس المصير "أي وبئس النار مقيلا ومنزلا ومرجعا وموئلا ومقاما" إنها ساءت مستقرا ومقاما "."
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب (73)
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب
يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها "يا أيها الناس ضرب مثل" أي لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به "فاستمعوا له أي أنصتوا وتفهموا إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له" أي لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك كما قال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة مرفوعا قال "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا مثل خلقي ذرة أو ذبابة أو حبة" وأخرجه صاحبا الصحيح من طريق عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق"

كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة "ثم قال تعالى أيضا" وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه "أي هم عاجزون عن خلق ذباب واحد بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه لو سلبها شيئا من الذي عليها من الطيب ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها ولهذا قال" ضعف الطالب والمطلوب "قال ابن عباس : الطالب الصنم والمطلوب الذباب واختاره ابن جرير وهو ظاهر السياق وقال السدي وغيره الطالب" العابد والمطلوب "الصنم ."
ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز (74)
ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز
ثم قال ما قدروا الله حق قدره أي ما عرفوا قدر الله وعظمته حين عبدوا معه غيره من هذه التي لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها "إن الله لقوي عزيز" أي هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه "إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد" "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" وقوله "عزيز" أي قد عز كل شيء فقهره وغلبه فلا يمانع ولا يغالب لعظمته وسلطانه وهو الواحد القهار.
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير (75)
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير
يخبر تعالى أنه يختار من الملائكة رسلا فيما يشاء من شرعه وقدره ومن الناس لإبلاغ رسالاته "إن الله سميع بصير" أي سميع لأقوال عباده بصير بهم عليم بمن يستحيي ذلك منهم كما قال "الله أعلم حيث يجعل رسالته ."
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور (76)
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور
وقوله "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور" أي يعلم ما يفعل برسله فيما أرسلهم به فلا يخفى عليه شيء من أمورهم كما قال "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا" - إلى قوله - وأحصى كل شيء عددا "فهو سبحانه رقيب عليهم شهيد على ما يقال لهم حافظ لهم ناصر"

لجنابهم "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" الآية .
يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون (77)
يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم
اختلف الأئمة - رحمهم الله - في هذه السجدة الثانية من سورة الحج هل هو مشروع السجود فيها أم لا ؟ على قولين وقد قدمنا عند الأولى حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم "فضلت سورة الحج بسجدتين فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما" .
وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير (78)
وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير
وقوله "وجاهدوا في الله حق جهاده" أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم كما قال تعالى "اتقوا الله حق تقاته" وقوله "هو اجتباكم" أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع "وما جعل عليكم في الدين من حرج" أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا فالصلاة التي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربع وفي السفر تقصر إلى اثنتين وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة كما ورد به الحديث وتصلى رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها والقيام فيها يسقط لعذر المرض فيصليها المريض جالسا فإن لم يستطع فعلى جنبه إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات ولهذا قال عليه السلام "بعثت"

بالحنيفية السمحة "وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن" بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا "والأحاديث في هذا كثيرة ولهذا قال ابن عباس في قوله" وما جعل عليكم في الدين من حرج "يعني من ضيق وقوله" ملة أبيكم إبراهيم "قال ابن جرير نصب على تقدير" ما جعل عليكم في الدين من حرج "أي من ضيق بل وسعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم قال ويحتمل أنه منصوب على تقدير الزموا ملة أبيكم إبراهيم" قلت "وهذا المعنى في هذه الآية كقوله" قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا "الآية وقوله" هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا "قال الإمام عبد الله ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله" هو سماكم المسلمين من قبل ": قال الله عز وجل وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل ابن حيان وقتادة وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم" هو سماكم المسلمين من قبل "يعني إبراهيم وذلك لقوله" ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك "قال ابن جرير وهذا لا وجه له لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين وقد قال الله تعالى هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا" قال مجاهد : الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر "وفي هذا" يعني القرآن وكذا قال غيره "قلت" وهذا هو الصواب لأنه تعالى قال "هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج" ثم
حثهم وأغراهم إلى ما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه عليه بأنه ملة أبيهم الخليل ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان

فقال هو سماكم المسلمين من قبل "أي من قبل هذا القرآن" وفي هذا "روى النسائي عند تفسيره هذه الآية أنبأنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب أنبأنا معاوية بن سلام أن أخاه زيد بن سلام أخبره عن أبي سلام أنه أخبره قال أخبرني الحارث الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم "قال رجل يا رسول الله وإن صام وصلى قال" نعم وإن صام وصلى "فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله وقد قدمنا هذا الحديث بطوله عند تقسيم قوله" يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون "من سورة البقرة ولهذا قال" ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس "أي إنما جعلناكم هكذا أمة وسطا عدولا خيارا مشهودا بعدالتكم عند جميع الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس" لأن جميع الأمم معترفة يومئذ بسيادتها وفضلها على كل أمة سواها فلهذا تقبل شهادتهم عليهم يوم القيامة في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم والرسول يشهد على هذه الأمة أنه بلغها ذلك وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "وذكرنا حديث نوح وأمته بما أغنى عن إعادته وقوله" فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "أي قابلوا هذه النعمة العظيمة بالقيام بشكرها فأدوا حق الله عليكم في أداء ما افترض وطاعة ما أوجب وترك ما حرم ومن أهم ذلك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهو الإحسان إلى خلق الله بما أوجب للفقير على الغني من إخراج جزء نذر من ماله في السنة للضعفاء والمحاويج كما تقدم بيانه وتفصيله في آية الزكاة من سورة التوبة وقوله واعتصموا بالله" أي اعتضدوا بالله واستعينوا به وتوكلوا عليه وتأيدوا به "هو مولاكم" أي حافظكم وناصركم ومظفركم على أعدائكم "فنعم المولى ونعم النصير" يعني نعم الولي ونعم الناصر من الأعداء
قال وهيب بن الورد "يقول الله تعالى : ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فلا أمحقك فيمن أمحق وإذا"
ظلمت فاصبر وارض بنصرتي فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك "رواه ابن أبي حاتم والله أعلم

آخر تفسير سورة الحج ولله الحمد والمنة ."
تفسير سورة المؤمنون

مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم

قد أفلح المؤمنون (1)
قد أفلح المؤمنون
قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرني يونس بن سليم قال أملى علي يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال سمعت عمر بن الخطاب يقول كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال "اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا - ثم قال - لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة" ثم قرأ "قد أفلح المؤمنون" حتى ختم العشر ورواه الترمذي في تفسيره والنسائي في الصلاة من حديث عبد الرزاق به وقال الترمذي منكر لا نعرف أحدا رواه غير يونس بن سليم ويونس لا نعرفه

وقال النسائي في تفسيره أنبأنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر عن أبي عمران عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فقرأت "قد أفلح المؤمنون - حتى انتهت إلى - والذين هم على صلواتهم يحافظون" قالت هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد وأبي العالية وغيرهم لما خلق الله جنة عدن وغرسها بيده نظر إليها وقال لها تكلمي فقالت "قد أفلح المؤمنون" قال كعب الأحبار لما أعد لهم من الكرامة فيها وقال أبو العالية فأنزل الله ذلك في كتابه وقد روي ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا فقال أبو بكر البزار حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرسها وقال لها تكلمي فقالت "قد أفلح المؤمنون" فدخلتها الملائكة فقالت طوبى لك منزل الملوك ثم قال وحدثنا بشر بن آدم وحدثنا يونس بن عبيد الله العمري حدثنا عدي بن الفضل حدثنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك - قال البزار ورأيت في موضع آخر في هذا الحديث - حائط الجنة لبنة ذهب ولبنة"
فضة وملاطها المسك فقال لها تكلمي فقالت "قد أفلح المؤمنون" فقالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك "ثم قال البزار لا نعلم أحدا رفعه إلى عدي بن الفضل وليس هو بالحافظ"
وهو شيخ متقدم الموت وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن علي حدثنا هشام بن خالد حدثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت "قد أفلح المؤمنون" بقية عن الحجازيين ضعيف وقال الطبراني حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا حماد بن عيسى العبسي عن إسماعيل السدي عن أبي صالح عن ابن عباس يرفعه " لما خلق الله جنة عدن بيده ودلى فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ثم نزل إليها فقال "قد أفلح المؤمنون" قال وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل "وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن المثنى البزار حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا يعيش بن حسين عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها انطقي قالت "قد أفلح"

المؤمنون "فقال الله وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" وقوله تعالى "قد أفلح المؤمنون" أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف .
الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)
الذين هم في صلاتهم خاشعون
"الذين هم في صلاتهم خاشعون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "خاشعون" خائفون ساكنون وكذا روي عن مجاهد والحسن وقتادة والزهري وعن علي بن أبي طالب "الخشوع خشوع القلب وكذا قال إبراهيم النخعي وقال الحسن البصري كان خشوعهم في قلوبهم فغضوا بذلك أبصارهم وخفضوا الجناح وقال محمد بن سيرين كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزلت هذه الآية" قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون "خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم قال محمد بن سيرين وكانوا يقولون لا يجاوز بصره مصلاه فإن كان قد اعتاد النظر فليغمض رواه ابن جرير وابن حاتم ثم روى ابن جرير عنه وعن عطاء بن أبي رباح أيضا مرسلا أن رسول الله كان يفعل ذلك حتى نزلت هذه الآية والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها وحينئذ تكون راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال" حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة "."
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "يا بلال أرحنا بالصلاة"

وقال الإمام أحمد أيضا ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم ابن أبي الجعد أن محمد بن الحنفية قال : دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار فحضرت الصلاة فقال يا جارية ائتني بوضوء لعلي أصلي فأستريح فرآنا أنكرنا عليه ذلك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" .
والذين هم عن اللغو معرضون (3)
والذين هم عن اللغو معرضون
وقوله "والذين هم عن اللغو معرضون" أي عن الباطل وهو يشتمل الشرك كما قاله بعضهم والمعاصي قاله آخرون وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعالى "وإذا مروا باللغو مروا كراما" قال قتادة : أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك .
والذين هم للزكاة فاعلون (4)
والذين هم للزكاة فاعلون
وقوله "والذين هم للزكاة فاعلون" الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية "وآتوا حقه يوم حصاده" وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ههنا زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" وكقوله "وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة" على أحد القولين في تفسيرهما وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال قاله من جملة زكاة النفس والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا والله أعلم وقوله .
والذين هم لفروجهم حافظون (5)
والذين هم لفروجهم حافظون
"والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط لا يقربون سوى أزواجهم

التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ومن تعاطي ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال "فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك" أي غير الأزواج والإماء "فأولئك هم العادون" أي المعتدون وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن قتادة : أن امرأة اتخذت مملوكها وقالت تأولت آية من كتاب الله "أو ما ملكت أيمانهم" فأتي بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له ناس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله عز وجل على غير وجهها قال فضرب العبد وجز رأسه وقال أنت بعده حرام على كل مسلم هذا أثر غريب منقطع ذكره ابن جرير في تفسير أول سورة المائدة وهو ههنا أليق وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها والله أعلم وقد استدل الإمام الشافعي - رحمه الله - ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين وقد قال الله تعالى "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور حيث قال : حدثني علي بن ثابت الجزري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النار في أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه : الناكح يده والفاعل والمفعول به ومدمن الخمر والضارب والديه حتى يستغيثا والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه والناكح حليلة جاره" هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته والله أعلم .
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6)
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين
"والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال "فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك" أي غير الأزواج والإماء "فأولئك هم العادون" أي المعتدون وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن قتادة : أن امرأة اتخذت مملوكها وقالت تأولت آية من كتاب الله "أو ما ملكت أيمانهم" فأتي بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له ناس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله عز وجل على غير وجهها قال فضرب العبد وجز رأسه وقال أنت بعده حرام على كل مسلم هذا أثر غريب منقطع ذكره ابن جرير في تفسير أول سورة المائدة وهو ههنا أليق وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها والله أعلم وقد استدل الإمام الشافعي - رحمه الله - ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين وقد قال الله تعالى "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور حيث قال : حدثني علي بن ثابت الجزري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النار في أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه : الناكح يده والفاعل والمفعول به ومدمن الخمر والضارب والديه حتى يستغيثا والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه والناكح حليلة جاره" هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته والله أعلم .
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7)
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون
"والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال "فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك" أي غير الأزواج والإماء "فأولئك هم العادون" أي المعتدون وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن قتادة : أن امرأة اتخذت مملوكها وقالت تأولت آية من كتاب الله "أو ما ملكت أيمانهم" فأتي بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له ناس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله عز وجل على غير وجهها قال فضرب العبد وجز رأسه وقال أنت بعده حرام على كل مسلم هذا أثر غريب منقطع ذكره ابن جرير في تفسير أول سورة المائدة وهو ههنا أليق وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها والله أعلم وقد استدل الإمام الشافعي - رحمه الله - ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين وقد قال الله تعالى "فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور حيث قال : حدثني علي بن ثابت الجزري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النار في أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه : الناكح يده والفاعل والمفعول به ومدمن الخمر والضارب والديه حتى يستغيثا والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه والناكح حليلة جاره" هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته والله أعلم .
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8)
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون
وقوله "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" أي إذا اؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها إلى أهلها وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك لا كصفات المنافقين الذين قال




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]