عرض مشاركة واحدة
  #58  
قديم 13-11-2025, 02:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

خواطر الكلمة الطيبة.. نبذ التعصّب المذهبي


  • أصحاب المنهج السلفي جمعوا الناس على الأصل الجامع وهو: الاتباع لا الابتداع، والدليل لا التقليد، وقول الله وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم
من القضايا المهمّة التي يركّز عليها أهل العلم، ودوّنها علماء المدرسة المباركة مدرسة السلف الصالح، أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين قضية التعلّم في ضوء الدليل ونبذ التعصّب المذهبي، فلم يكن أحد من الأئمّة الأربعة -رحمهم الله -حين يتحدّث عن العلم، يقصد علمًا مذهبيًّا محضًا. فلم يقل الإمام الشافعي مثلًا: تعلّموا مذهبي، ولا قال الإمام مالك ذلك، بل حين عُرض عليه أن يُلزم الناس بالموطّأ قال كلمته المشهورة: «كيف أحمل الناس على شيء من طريقي، وقد بلغهم علم غيري؟».
وهكذا كان شأن الإمام أبي حنيفة، والإمام أحمد بن حنبل -رحمهم الله جميعًا-، لم يخصّ أحد منهم الناس بعلمه دون غيره، بل نشروا العلم كما تلقّوه من الرواية والاستنباط، مؤكدين أصلا متينا وهو: وجوب الاتباع، لا التقليد، قالوا جميعًا بعبارات متقاربة: «لا تقلّدني ولا تقلّد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي، وخذ من حيث أخذوا».
اتباع الدليل
إنهم أرادوا من الأمة أن تتبع الدليل، وأن تتعلّم العلم من منابعه الأصيلة: قال الله، وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالأمة بعد رسولها - صلى الله عليه وسلم - لم تُكلّف باتباع مذهب معيّن؛ إذ لم يكن في زمن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مذاهب تُعرف، وإنما كان الناس إذا اختلفوا رجعوا إلى الدليل، فيسأل بعضهم بعضًا: من أين لك هذا؟ أهو من السنة؟» فيُذكر الدليل ويُحتج به، فكان الخلاف علميا منضبطًا بالدليل لا بالعصبية.
ظهور المدارس الفقهية
ثم جاءت القرون بعدهم، وظهرت المدارس الفقهية، فدُوِّن الفقه فيها وازدهرت علومها، غير أنّ بعض المنتسبين إليها جعلوا من التمذهب التزامًا شخصيا وحصروا الناس في نطاقه، حتى تمحورت الأمة في قرون متتابعة حول مذاهب محدّدة، فصار في كل بلد مذهب يغلب عليه، فهذه بلاد للأحناف، وتلك للشافعية، وأخرى للمالكية، ورابعة للحنابلة، وهذا - بلا شك - كان من أسباب تفرّق الأمة؛ إذ تحوّل الاختلاف الفقهي المشروع إلى تعصّب مذهبي مذموم، أفضى إلى التنازع والخصومة، بل وصل في بعض العصور إلى ألا يُصلّي أتباع مذهب خلف غيرهم، ولا يزوّجون من يخالفهم في المذهب، بل قاس بعضهم ذلك على زواج المسلم من أهل الكتاب! وقد أشار ابن القيّم -رحمه الله- إلى خطورة هذا المسلك؛ فقال في بيتين جميلين:
ما العلم نصبُك للخلافِ سفاهةً
ولا الكلامُ بينَ رسولٍ وفقيهِ
أي ليس من العلم أن تضع قول الفقيه في مواجهة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فالقول المقدم هو قوله - صلى الله عليه وسلم - وحده، وقد كان الأئمّة الكبار أنفسهم مثالًا للتجرّد من التعصّب، فمع أنّ كُلًّا منهم نشأ في بيئة فقهية معيّنة، إلا أنهم تجاوزوا حدود المذهب حين اتّسع علمهم، فصاروا يتّبعون الدليل ولو خالف مذهبهم. فليس في الشرع ما يُلزم أحدًا باتّباع مذهب بعينه، ولا يُسأل العبد يوم القيامة: «على أيّ مذهب كنت؟»، بل السؤال سيكون عن اتّباع الحق؛ فلقد كان التعصّب المذهبي سببًا في ضعف الأمة وتفرّقها، حتى بلغ ببعضهم أن يخاصم ويجادل ويبغض لأجل الانتماء المذهبي.
أصحاب المنهج السلفي
أما أصحاب المنهج السلفي، فإنهم جمعوا الناس على الأصل الجامع وهو: الاتباع لا الابتداع، والدليل لا التقليد، وقول الله وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - فوق كل قول؛ ولهذا يتميّز المنهج السلفي ليس في أبواب العقيدة والمنهج فحسب، بل كذلك في الفروع الفقهية؛ إذ لا يرتبط المنتسب إليه بمذهب محدّد، بل يتّبع الدليل حيث كان. ومن الأمثلة على ذلك كبار علماء العصر: الشيخ الألباني- رحمه الله-، مع أنه درس الفقه الحنفي في بداياته، والشيخ ابن باز- رحمه الله- مع خلفيته الحنبلية، والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، فكلّهم تجردوا عن التقليد، وكانوا يقدّمون النصّ على كل قول؛ فالميزان عندهم: الدليل لا الانتماء، والاتباع لا التعصّب. ولذلك نقول: لا حرج في دراسة المذاهب والاستفادة من علومها، ولكن الحرج كل الحرج أن يتحوّل التمذهب إلى عصبية تُقدّم على النص، أو ولاء وبراء على أساسها، فالعلم الحق هو ما قام على الدليل، وأضاء بصيرة صاحبه، وأبعده عن الهوى والتعصّب، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: إذا خالف قولي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فاضربوا بقولي عرض الحائط، وهذا هو سبيل السلف، وبه تنهض الأمة، ويزول عنها ما دبّ فيها من الخلاف والفرقة، والله المستعان.
خطورة التقليد بغير دليل
التقليد الأعمى الذي لا يقوم على دليل هو آفة ابتلي بها كثير من الناس ومن طلبة العلم، وهو أحد موانع قبول الحق، كما قال الله -تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} (البقرة: 170)، يقول العلامة السعدي -رحمه الله-: «أخبر -تعالى- عن حال المشركين إذا أُمِروا باتِّباع ما أنزل الله على رسوله -ممَّا تقدَّم وصفه- رغبوا عن ذلك، وقالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}؛ فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل النَّاس، وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهة -لردِّ الحقِّ- واهيةٌ؛ فهذا دليلٌ على إعراضهم عن الحقِّ، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هُدُوا لرُشْدِهم، وحسن قصدهم، لكان الحقُّ هو القَصْد، ومن جعل الحقَّ قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا، واتَّبعه إن كان مُنصفًا». ونظرا لخطورة التقليد بغير دليل ولا بصيرة، فقد كان العلماء يحذرون منه، يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: «أَلَا لا يقلِّدنَّ أحدكم دينه رجلًا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، وإن كنتم لابدَّ مقتدين، فاقتدوا بالميِّت؛ فإنَّ الحيَّ لا يُؤمن عليه الفتنة»، وقال - رضي الله عنه -: «ليوطِّننَّ المرء نفسه على أنَّه إن كفر مَن في الأرض جميعًا لم يكفر، ولا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قيل: وما الإمَّعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع النَّاس؛ إنَّه لا أسوة في الشَّرِّ»، وكان الفضيل بن عياض -رحمه الله- يقول: «اتَّبع طريق الهدى، ولا يضرك قلَّة السَّالكين، وإيَّاك وطرق الضَّلالة، ولا تغتـرَّ بكثرة الهالكين»، وقال ابن القيم -رحمه الله-: وكانوا يُسَمُّون -أي: الصحابة والتابعون- المقلد الإمعة، وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح. وهذا الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- يقول: «إذا قلت قولا يخالف كتاب الله -تعالى- وخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فاتركوا قولي»، وكان الإمام مالك -رحمه الله- يقول: «ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -». ويقول: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه»، أما الإمام الشافعي -رحمه الله- فكان من أقواله: «أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحل له أن يدعها لقول أحد، ويقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: «من رد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة».


اعداد: د. خالد سلطان السلطان





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]