المرأة والأسرة – 1283
الفرقان
الأسرة المسلمة
الأسرة المسلمة تبنى على السكينة والمودة، والسعادة الحقيقية تنبع من قلبين اجتمعا على طاعة الله، وسارا في درب الإيمان معًا، فلنحرص أن تكون بيوتنا بيت ذكرٍ وصلاةٍ وخلقٍ حسن، فهو جنة الدنيا ومزرعة الآخرة.
القِوامةُ تكليفٌ ومسؤولية
القِوامةُ ليست تَسلُّطًا؛ بل هي تكليفٌ من الله -تعالى- ومسؤوليةٌ عظيمةٌ حمّلها الرجلَ؛ ليقومَ برعاية المرأة وصونها والإنفاق عليها، قال -تعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.
فالرجلُ مُطالَبٌ بالسعي والكسب وبذل الجهد في ميادين الحياة؛ ليؤمّن لبيته مقومات العيش الكريم، وهذه وظيفتُه الأساسية خارج البيت، بها يُحقّق معنى القِوامة في النفقة والرعاية والحماية، أمّا المرأةُ، فهي السكن والمأوى الذي يأوي إليه الرجل بعد عناء الدنيا، وهي موضع الطمأنينة والرحمة التي جعلها الله أساس الحياة الزوجية، كما قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، ومهامها الرئيسة في بيتها من أعظم المهام؛ إذ عليها غرس الإيمان والخلق في نفوس الأبناء؛ لأنها تُنشئ جيلًا صالحًا يحمل رسالة الأمة. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ؛ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ؛ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ»، فإذا أدّى الأب والأمّ رسالتَهما على الوجه الصحيح، اجتمعت القِوامة والرعاية على أساس من التكامل لا التنازع، وأثمرت أسرةً متماسكةً ومجتمعًا قويًّا قادرًا على البناء والقيادة، وهذا هو مراد الله -تعالى- في خلق الذكر والأنثى؛ أن يتكاملا لا يتصارعا، ويتعاونا على إعمار الأرض وفق سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذي جعل لكلٍّ دوره ومكانه، فقال: «استوصوا بالنساء خيرًا»؛ فصلاح الأسرة هو الأساس لنهضة الأمة، وإذا صلحت القِوامة، واستقامت التربية، نشأ جيلٌ يعرف مسؤوليته، ويحمل رسالته، ويقودُ العالم على بصيرةٍ وعدلٍ ورحمة. المرأة المسلمة وصناعة الجيل الواعي
الأمة لا تنهض إلا إذا نهضت أمهاتها، ولا تُبنى العقول إلا بأيدٍ مؤمنة مخلصة، والمرأة المسلمة اليوم مدعوة لتكون صانعة وعي، تبني فكر أبنائها على الإسلام الصافي، وتُحصّنهم من التيارات الهدّامة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (التحريم: 6)، فالمسؤولية تبدأ من بيت صغير، لكنها تمتد لتبني أمة كبيرة. القدوة الصامتة
ليست التربية دائمًا بالكلمات، بل لا بد أن تصاحبها الأفعال والمواقف؛ فابتسامة الأم عند الغضب، وصبرها عند الشدة، وصدقها عند المعاملة، كلها دروس يتلقاها الأبناء دون أن تنطق، وخير قدوة لنا جميعًا في ذلك رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، قال -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب:21)، فلتكن المرأة المسلمة قدوةً في بيتها كما كان نبيها - صلى الله عليه وسلم - قدوةً لأمته. توجيهات إلى الفتاة المسلمة في الجامعة
- احفظي هويتك، واجعلي الإسلام عنوانك في كل مكان؛ فالعلم لا يزدهر إلا في ظل الإيمان، قال -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11).
- كوني قدوة في الخلق والسلوك، في حجابك، وصدقك، واحترامك للآخرين.
- اطلبي العلم بنية صالحة، لتخدمي دينك ومجتمعك، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة».
- احفظي قلبك من الفتن، ولا تجعلي الجامعة بابًا للانفتاح غير المنضبط؛ فالعفة زينة لا تُشترى.
- نظّمي وقتك واجعلي لكل يوم هدفًا، ووازني بين الدراسة، والعبادة، والراحة، وصلة الأرحام.
- اختاري الصحبة الصالحة؛ فالصديقة الصالحة عون على الثبات والطاعة، والرفيقة السيئة تجرّ إلى الغفلة والضياع، قال - صلى الله عليه وسلم -: «المرء على دين خليله».
توازن راقٍ بين البيت والعمل
إذا اضطرت المرأة المسلمة للخروج للعمل وفق الضوابط الشرعية، لا يكون ذلك مسوغا لها للتخلي عن دورها الأسري ومسؤوليتها داخل البيت؛ فالتوازن هو سر النجاح؛ فعليها أن تعمل ما استطاعت دون أن يشغلها العمل عن مسؤوليتها الأولى: صناعة جيل مؤمن، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، فلتؤدِّ عملها بإحسان في كل ميدان، داخل البيت وخارجه، ما دامت تسير على ضوء الشرع ورضا الله. أخطاء شائعة بين النساء
من الأخطاء التي تقع فيها بعض النساء المسلمات الانشغال بالمظاهر على حساب الجوهر، والانفتاح المفرط على وسائل التواصل دون ضوابط شرعية، والتقصير في مسؤولية التربية والوقت، والانجرار وراء تقليد غير المسلمين في العادات واللباس، والمرأة المسلمة حقًّا هي التي تُوازن بين زينتها الظاهرة وزينة باطنها بالإيمان والخلق، تحفظ وقتها، وتصون نفسها، وتستشعر مسؤوليتها أمام الله عن بيتها وأبنائها. تربية البنات مسؤولية عظيمة
تربية البنات أمانة كبرى، تحتاج حنانًا وحكمة وصبرًا؛ فهي ليست مجرد إعدادٍ للحياة، بل إعداد للآخرة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار»؛ فليكن هدف الأم المسلمة أن تُنشئ بناتها على الحياء والعلم والإيمان؛ فهنّ أمهات الغد وصانعات الجيل. الأم مدرسة الإيمان
الأم المسلمة لا تكتفي بتربية أبنائها جسديا فقط، بل تُغذي قلوبهم بالإيمان، وعقولهم بالعلم، وألسنتهم بالذكر؛ بأن تغرس في أبنائها حب القرآن، وتعلّمهم أن الحياة الحقيقية هي في طاعة الله، وأن التفوق الحقيقي يكون في التقوى؛ فيا أيتها الأم، أنت صانعة الأجيال، وبهداية أبنائك يُصلح الله الأمة. الدعوة داخل البيت
المرأة الداعية ليست فقط من تلقي المحاضرات أو تكتب المقالات، بل كل امرأة تُذكِّر أبناءها بالصلاة، وتغرس في زوجها الصبر، وتنشر بين أهلها الخير، فهي داعية في ثوب أمٍّ وزوجةٍ وأخت، قال - صلى الله عليه وسلم -: «بلِّغوا عني ولو آية»، فابدئي دعوتك من بيتك، فكم من بيتٍ أنار الله نوره بدعوة أمٍّ صالحة! من روائع الحكمة
القناعة كنز لا يفنى؛ لذا فعلى المرأة المؤمنة أن تتعلم من هذه الحكمة أن الزهد في الكماليات يورث راحة القلب وسعة الصدر، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس»، فليكن بيتك بسيطًا في دنياه، غنيًّا بإيمانه ورضاه. ساعة خلوة مع الله
في زحمة الحياة، تحتاج المرأة إلى لحظاتٍ من السكون تراجع فيها قلبها وتناجي ربها، فتستعيد صفاءها وقوتها، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)؛ فاجعلي لكِ وردًا من القرآن وركعاتٍ في جوف الليل، فهناك يتنزّل النور وتُجبر القلوب.
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان