عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-10-2025, 04:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مُجدّد المائة الثانية الإمام الشافعي رحمه الله


قدرته على المناظرة والحِجَاج:
قال ابن عبد الحكم: «ما رأيت الشافعي يناظر أحدًا إلا رحمته، ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك، وهو الذي علَّم الناس الحُجَج»[59]، و عن هارون بن سعيد الأيلي، قال: «لو أن الشافعي ناظَر على أن هذا العمود الحجر خشب لغلب؛ لاقتداره على المناظرة»[60].
وقال الشافعي: «ما ناظرت أحدًا إلا على النصيحة»[61]، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: «ما ناظرت أحدًا على الغلبة، إلا على الحق عندي»[62].
لم تكن هذه النصوص المنقولة عن الشافعي، عبارات وشعارات لا حقيقة لها، بل كانت واقعًا عمليًّا، ومن ذلك المناظرة التي جرت له مع أبي عبيد، في بيان المراد بالقُرْء هل هو الحيض أم الطُّهر؟ فكان الشافعي يقول: إنه الحيض، وأبو عبيد يقول: إنه الطُّهر، فلم يزل كلّ منهما يُقرِّر قوله؛ حتى تفرَّقا، وقد انتحل كلٌّ منهما مذهب صاحبه، وتأثر بما أورده من الحجج والشواهد[63].
علَّق على هذا السبكي، فقال: «وإن صحَّت هذه الحكاية، ففيها دلالة على عظمة أبي عبيد، فلم يبلغنا من أحد أنه ناظر الشافعي ثم رجع الشافعي إلى مذهبه»[64]، وهي في واقع الأمر مدح وثناء للشافعي؛ رحم الله الجميع.
تواضع الشافعي وخضوعه للحق وبذله النصح:
قال الأصمعي: سمعت الشافعي يقول: «العالِمُ يَسأل عما يَعلم وعما لا يَعلم؛ فيُثَبِّت ما يعلم ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلم، ويأنف من التعليم»[65]، وأخبر الشافعي أن «ضياع العالِم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما مَن واخَى مَن لا عقل له»[66]، وقال أبو ثور سمعت الشافعي يقول: «ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه؛ تواضعًا لله وشكرًا له»[67].
قال البويطي: سمعت الشافعي يقول: «إذا رأيتُ رجلاً من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم »، زاد البويطي: قال الشافعي: «جزاهم الله خيرًا؛ فهم حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا فَضْل»[68].
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: «وددت أن كل عِلْم أُعلِّمه تَعلمه الناس، أُوجَر عليه ولا يحمدوني»[69]. وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: «أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح فأعْلِمْني حتى أذهب إليه، كوفيًّا كان أو بصريًّا أو شاميًّا»[70].
قال الشافعي: «وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه-، على أن لا يُنْسَب إليَّ منه شيء»[71]، وقال أيضًا: «إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقولوا بسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوا ما قلتُ»[72].
وقال حرملة: قال الشافعي: «كل ما قلته فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما صح؛ فهو أَوْلَى، ولا تقلدوني»[73]، قال الشافعي: «كلّ حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني»[74]، وقال أيضًا: «إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط»[75].
قال يونس بن عبد الأعلى للشافعي: «ما شيء أثقل عليّ من أن أخالف حديثًا، قد استعمله عامة من المفتين. فقال لي: ما يمنعك من ذلك إلا التوفيق»[76].
وقال ابن أبي حاتم: سمعت الربيع، قال لي الشافعي: «لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابًا لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني، ولا أُحِبّ أن يُنْسَب إليَّ منه شيء»[77].
علَّق الذهبي على هذا الكلام، فقال: «قلت: هذا النَّفَس الزَّكيّ متواتر عن الشافعي»[78].

الإغلاظ والإنكار على مَن رَدَّ النصوص الشرعية:
كان الشافعي مُعظِّمًا لنصوص الشريعة، وقَّافًا عند الحق، ونُقِلَ عنه في ذلك أقوال وأفعال، ومن ذلك قوله: «ما كابرني أحد على الحق ودافع إلا سقط من عيني، ولا قَبِله إلا هِبْته، واعتقدت مودته»[79]، وقال رجل للشافعي: «تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبدالله؟ فقال: متى رويتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا صحيحًا ولم آخذ به؛ فأشهدكم أن عقلي قد ذهب»[80].
وقال الحميدي: روى الشافعي يومًا حديثًا فقلت له: أتأخذ به؟ فقال: «رأيتني خرجت من كنيسة، أو عليَّ زنّار، حتى إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لا أقول به؟!»[81]، كما قال الشافعي: «أيّ سماء تظلني وأيّ أرض تقلني، إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فلم أقل به؟!»[82].
كان الشافعي يفتي الناس في مكة، وكان من الحاضرين أحمد وإسحاق، فاعترض إسحاق على استدلال الشافعي بحديث على إحدى المسائل، فقال إسحاق: بأنّ هناك مَن لا يراه، فقال الشافعي: مَن هذا؟ قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ابن راهويه، فقال الشافعي: «أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم! ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بِعَرْك أُذُنَيْك، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت تقول: عطاء وطاووس ومنصور وإبراهيم والحسن، وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجّة؟!»[83].
وللحديث عن الإمام الشافعي صلة ووقفات أخرى في عدد قادم إن شاء الله تعالى.
--------------------------------------------------------


[1] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 46).
[2] يوجد عدد من الدراسات المعاصرة حول الشافعي جديرة بالاطلاع، مثل: جهود الشافعية في تقرير توحيد العبادة، للدكتور عبدالله العنقري، (وهي رسالة دكتوراه)، ثم لَخَّصها في رسالة قيِّمة بعنوان: اعتقاد الإمام الشافعي من نصوص كلامه وإيضاح أصحابه، وهناك اهتمام مُوفَّق للدكتور مشاري الشثري بهذا الموضوع، في بعض مؤلفاته، مثل: مُجرَّد مقالات الشافعي في الأصول، وعبقرية الإمام الشافعي.
[3] اعتمدت على التعريف الوارد في: جهود الشافعية في تقرير توحيد العبادة، عبدالله العنقري، (ص13).
[4] انظر: آداب الشافعي ومناقبه، ابن أبي حاتم، (ص58).
[5] انظر: توالي التأسيس، ابن حجر العسقلاني، (ص99).
[6] للاستزادة، انظر: آداب الشافعي ومناقبه، ابن أبي حاتم، (17-29)، مناقب الشافعي، البيهقي، (1/ 71-155)، (2/ 291-299)، سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 6-16)، مناقب الشافعي، ابن الأثير، (70-87)، مناقب الشافعي، ابن كثير، (65-94، 247-260).
[7] انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 6-9)، كما ذكر الذهبي أنه برع في الشعر والأنساب وأيام العرب والفراسة والطب.
[8] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 49).
[9] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 49).
[10] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 49).
[11] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 73).
[12] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 47).
[13] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 81).
[14] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 48).
[15] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 73-74).
[16] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 48).
[17] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 36).
[18] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 37).
[19] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 37).
[20] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 37).
[21] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 37).
[22] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 39).
[23] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 39).
[24] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 37).
[25] آداب الشافعي ومناقبه، ابن أبي حاتم، (ص155).
[26] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 49).
[27] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 53).
[28] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 91).
[29] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 36).
[30] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 36).
[31] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 35).
[32] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 35).
[33] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 35).
[34] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 83).
[35] أحكام القرآن، البيهقي، (2/ 190-191).
[36] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 81).
[37] عبقرية الإمام الشافعي، مشاري الشثري، (ص107).
[38] أحكام القرآن، البيهقي، (1/ 20).
[39] مناقب الشافعي، البيهقي، (1/ 281).
[40] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 15).

[41] مناقب الشافعي، البيهقي (2/ 291).
[42] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 38).
[43] توالي التأسيس، ابن حجر العسقلاني، (ص149).
[44] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 15).
[45] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 16).
[46] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 17).
[47] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 42).
[48] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 89).
[49] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 17).
[50] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 23).
[51] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 15-16).
[52] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 46).
[53] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 47).
[54] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 17).
[55] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 47).
[56] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 47).
[57] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 48).
[58] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 48).
[59] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 49-50).
[60] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 50).
[61] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 29).
[62] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 29).
[63] طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السبكي، (2/ 159).
[64] طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السبكي، (2/ 159).
[65] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 41).
[66] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 42).
[67] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 53).
[68] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 69).
[69] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 55).
[70] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 33).
[71] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 29).
[72] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 77-78).
[73] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 33).
[74] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 35).
[75] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 35).
[76] آداب الشافعي ومناقبه، ابن أبي حاتم، (ص231).
[77] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 31).
[78] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 31).
[79] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 33).
[80] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 34).
[81] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 34).
[82] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 35).
[83] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (10/ 68-69).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]