المرأة والأسرة – 1280
الفرقان
مقومات الاستقرار داخل الأسرة
قال الله -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21)، والاستقرار المنشود والسَّكِينة المرجوَّة لن يتحققا إلا إذا توفر ما يلزم من مقومات من أهمها ما يلي:
- تحصين الأسرة من كيد الشيطان: فالشيطان يسعى جاهدًا لتقويض بنيان الأسرة المسلمة، ومنع استقرارها، بالتحريش بين أهلها، وبثِّ النزاعات بين أفرادها، وقد حذَّرنا المولى -تبارك وتعالى- من كيد الشيطان فقال: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه: 117).
- تنوير البيوت بالقرآن: فإن الشيطان لا يكون له تأثيرٌ في بيت يُتلَى فيه كتاب الله، ومنه بعض سوره المخصوصة، كسورة البقرة؛ فقد قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجعلوا بيوتكم مقابرَ؛ إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة».
- الحرص على الأذكار الشرعية: ومنها أذكار الصباح والمساء، وأذكار الدخول والخروج، وغيرها؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيتَ لكم ولا عَشاء، وإذا لم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء».
- الحرص على الكلمة الطيبة داخل البيت: فإن الشيطان يغتنم كل فرصة لبثِّ النزاع، وإشعال نار العداوة داخل الأسرة، ولو كانت تلك الفرصة مجرد كلمة سيئة؛ قال الله -تعالى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} (الإسراء: 53).
- اتباع هدى الله والاستقامة عليه: إن التزام الهدى الرباني والنبوي على مستوى الأسرة، يحفظ منظومة الحقوق والواجبات الأسرية، ويثمر المودة والرحمة والاحترام بين أفرادها، ويضمن تحقيق حاجاتهم العاطفية والروحية والبدنية، ويُنمِّي السكينة والطمأنينة والاستقرار، ويدفع أسباب الضلال والتعاسة والشقاء؛ كما قال ربنا -جل وعلا-: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (طه:123).
حقوق وواجبات
وَضَعَ الإسلام أُسُسًا للعلاقة بين الزوجين، وحَدَّدَ موقع كلٍّ منهما؛ إدراكًا منه بتلك العلاقة البشرية بين الطرفين، التي تعني حتمية وُقُوع الخلاف نتيجة اختلاف الأمزجة، والتفاوُت بين العقول والمشاعر؛ فالزواج علاقة ل تقوم على الودِّ والحبِّ والحنان؛ يقول الله -تعالى-: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة} (الروم:21). ارتداء الحجاب ليس عادات وتقاليد
قال العلَّامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: نحن ننكر على الذين يقولون: هذه عاداتنا وتقاليدنا، فيجعلون الحجاب وبُعْد المرأة عن الرجل من العادات والتقاليد، هذا كذب وليس بصحيح، وهو أمر له خطورته؛ لأنه يُؤدِّي إلى أن يُغيِّر هذا الحكم الشرعي في يوم من الأيام، ويُقال: إن العادة اختلفت والتقاليد انتفت، ونحن نريد أن نُدخل منهجًا جديدًا وعادة جديدة! ثم يُغيِّرون حكم الله بسبب ما وصفوا هذا الحكم الشرعي بما ليس وصفًا له؛ حيث جعلوه من العادات والتقاليد، والواجب على مَنْ يتكلَّم عن هذه الأمور أن يتكلَّم بالمعنى الصحيح، ويقول: هذا من الدين الذي لا يمكن تغييره، ولا يمكن للعادات أن تُغيِّره. التخفف من المشكلات الأسرية
من المهم أن يدرك الأبوان حاجة الأبناء لظروف أسرية مناسبة، فيها الاستقرار والرعاية والحنو؛ حتى يواصلوا عامهم الدراسي بنجاح وتميز، فمما لا شك فيه أن المشكلات الأسرية تؤثر بالسلب على التحصيل الدراسي للأبناء، وتصيبهم بالقلق والتوتر، وتتفاقم هذه الآثار بقدر ما تتعمق الخلافات الزوجية بين الأبوين؛ ولهذا على الأبوين مراعاة ذلك، والتخفف الكبير من مشكلاتهما الأسرية؛ فيتم تأجيل ما يمكن تأجيله، أو تجاوز ما يمكن تجاوزه، أو الحل المبكر لما يمكن حله، أو على أقل تقدير: عدم مناقشة المشكلات الزوجية بحضور الأبناء، ولا سيما إذا كانوا في سن صغيرة؛ حتى يتم تجنيبهم الآثار السلبية لهذه المشكلات، وانعكاساتها على تحصيلهم الدراسي، فضلًا عن استوائهم النفسي. التعليم مهمة أسرية
من أهم ما يقتضيه وجود طلاب في الأسرة ولا سيما في المراحل التعليمية الأولى، أن ندرك أن التعليم بالأساس مهمة أسرية؛ من حيث تهيئة الظروف المادية والنفسية، وتوفير أجواء النجاح والتفوق، إضافة إلى المتابعة المستمرة مع المدرسة والتواصل مع المعلمين، فأهمية العملية التعليمية، وما فيها من عبء، يقتضي ألا يُترك الطالب للمدرسة وحدها، وألا يُعتَمد على الدروس الخصوصية اعتمادًا كليًّا، وإنما يبقى للبيت دوره الأساس في الإشراف على ذلك، ومتابعة الابن أولًا فأول، مع حثه على المذاكرة وتهيئة الظروف الأسرية المناسبة، وأيضًا تشجيعه على التفوق وإثارة حافز التميز لديه؛ فالمدرسة قد تعجز عن توفير المتابعة المطلوبة لكل تلميذ، نتيجة التكدس أو عدم توافر الإمكانات اللازمة، وهنا، يكون العبء أكبر على الأسرة، من حيث المتابعة واكتشاف أي خلل مبكرا، ثم تعويض ما قد يحصل من نقص؛ إما بمساعدة الأبوين أنفسهم أو بتوفير الدعم الخاص، بمحاضرات على المواقع التعليمية أو بدروس التقوية، المهم أن تتكامل أدوار تعليم البيت والمدرسة في رعاية الأبناء والأخذ بأيديهم للنجاح والتفوق. تعليم أبنائنا القيم الكبرى
مما ينبغي أن نحرص عليه، تعليم الأبناء القيم الكبرى التي يرتبط بها التعليم، حتى يدرك الابن جيدًا أنه يتعلم لا لمجرد الحصول على شهادة تكون سبيله لوظيفة؛ وإنما لأن التعليم جزء من كينونة الإنسان وإنسانيته، وجزء من معادلات الحياة وشروط الحضارة، نحن نتعلم لنترقى لا لنتوظف فحسب، نتعلم لنفهم معنى الحياة لا لنعيشها فقط، نتعلم لأن العلم فريضة من فرائض إسلامنا، وقيمة حضارية كبرى في بنائه الحضاري.. نتعلم لأن العلم سبيل إلى معرفة الله -تعالى- والخشية منه -سبحانه-، نتعلم لأن العلم أداة كبرى للدول في حلبة التنافس أو الصراع الحضاري؛ فالغلبة لمن يراكم ثرواته ولو كانت قليلة ويحوّلها بالعلم إلى أدوات فاعلة ومنتجة في مختلف مظاهر الحياة. قِوامة الرجل في بيته
يجب على الرجل أن يكون حاضرًا متيقظًا، قائمًا بأمر بيته وأسرته، يَقِيها من كل شرٍّ متربِّص بها؛ كما قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (التحريم: 6)، وهو مسؤول عن ذلك أمام الله -عزوجل-؛ ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبدٍ يسترعيه الله رعِيَّة، يموت يومَ يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة». التوافق الزاوجي
التوافق الزواجي هو شعور الزوجين بالانسجام والانتماء العاطفي والمودَّة والمحبة والرحمة المتبادلة بينهما، والشعور بالرِّضا والسعادة والاتفاق في حياتهما الزوجية، والقدرة على التعامل الناجح مع مشكلات الحياة الزوجية، وللتوافق الزوجي أنواع، من أبرزها: التوافق النفسي، والتوافق الديني، والتوافق العمري، والتوافق الاجتماعي والثقافي، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: سمِعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «الأرواحُ جنودٌ مجنَّدةٌ، فما تعارَفَ منها ائتلفَ، وما تناكَرَ منها اختَلَفَ». آثار الإعراض عن هدى الله -تعالى-
الإعراض عن هدى الله -تعالى- سبب رئيس في انحراف الأسرة عن سبيل الرشاد، ويسهُل على الشيطان استدراجها إلى مسالك الشقاء وسُبُلِ التعاسة؛ كما قال الله -عزوجل-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (طه).