عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-10-2025, 12:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,707
الدولة : Egypt
افتراضي مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ

مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ


الْحَمْدُ للهِ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ بِقَدَرٍ، وَرَزَقَ عِبَادَهُ بِقَدَرٍ، {وَلَو بَسَطَ اللهُ الْرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مُبْدِئُ الْنِّعَمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَومِ الْدِّينِ. أَمَّا بَعْدُيَا أَيُّهاَ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
عِبَادَ اللهِ: نَقِفُ اليومَ مَعَ رَجُلٍ باتَ يَتَقلَّبُ على فِرَاشِهِ، قَدْ عَلاهُ الهمُّ والغَمُّ وَحَاصَرَتْهُ الأَفْكَارُ، وَعَدَ أَخْلَفَ، وَحدَّثَ فَكَذَبَ، لَعَلَّكُمْ عَرَفْتُمُوهُ؟! إنَّهُ أَخَانَا صَاحِبُ الْبَيتِ الْمُسْتَأْجَرِ الذي تَعَذَّرَ تَسْدِيدُ أَجَارِهِ لِقَلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، فَهو مُكتَئِبٌ مُحْتَارٌ، يَشْعُرُ دَومَاً أنَّ عَلَيهِ مِن النَّاسِ رَقِيبٌ، إلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ فَمِنَ الْمُسْتَأجِرينَ مَنْ وُفِّقَ بَرَجُلٍ سَمْحٍ مُنْظِرٍ كَرِيمٍ مُتَمَثِّلاً قَولَ اللهِ تَعَالىَ: «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ». وَقَولَهُ تَعَالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. مُتَطَلِّعًا لِلأَجْرِ الْعَظِيمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلى التِّيْسِيرِ وَمُرَاعَاةِ إخْوَانِهِ الْصَّادِقِينَ الْمُعْوِزِينَ كَمَا بَشَّرَ نَبِيُّنَا صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
وَقَدْ بَشَّرَ نَبِيُّنَا صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ فَقَالَ: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ أَقْبَلُ مِنَ الْمُوسِرِ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ» (رَوَاهَا البُخَاريُّ).
عِبَادَ اللهِ: نَعْلَمُ يَقِينَاً أنَّ كُلَّ أحَدٍ قَدْ يَمُرُّ عليهِ أزَمَاتٌ يحْتَاجُ بِسبَبِهَا أنْ يَسْتَدِينَ، أَو يَسْتَمْهِلَ صَاحِبَ الْحَقِّ! فَعَلينَا بِالْصَّبْرِ الْجَمِيلِ وَالْقَولِ وَالْفِعْلِ الْجَمِيلِ. فَاحْمَدُوا اللهَ عَلى نِعَمِهِ وَأَكْثِرُوا مِنْ الاسْتِعَاذَةِ باللهِ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ! فَقَدْ كانَ رَسُولُنا صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كثيراً ما يَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ. وَضَلَعُ الدَّينِ هو شِدَّتُه وثِقلُهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، وَالأَخْلاَقِ السَّيِّئَةِ الَّتِي اتَّصَفَ مَنْ غَفَلَ عَنْ مُرَاقَبَةِ رَبِّهِ، وَإبْعَادِ نَفْسِهِ عَمَّا يُدَنِّسُهَا: خُلُقُ الْجَشَعِ وَالطَّمَعِ فِي التَّكَسُّبِ، وَخُصُوصًا فِي الْقِطَاعِ الْعَقَارِيِّ الَّذِي بَالَغَ بَعْضُ مُلاَّكُ الْعَقَارِ فِي رَفْعِ الإِيجَارَاتِ؛ مِمَّا تَسَبَّبَ فِي الإِضْرَارِ بِالْمُسْتَأْجِرِينَ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ فِي مَعِيشَتِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ؛ نَتِيجَةَ حِرْصِهِمْ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى مَالٍ قَدْ يُفْسِدُ دِينَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ؛ فَإِنَّ الدُّنيا أَقَلُّ شَأنًا مِن أَنْ نَجعَلَهَا هَدَفًا لَنا، وَنَتَّخِذَهَا غَرَضًا نَسْعَى لأجْلِهَا! أمَا سَمِعْتُمْ بِالْمَثَلِ العَجِيبِ الذي ضَرَبَهُ لَنا نَبيُّنَا صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لا أَفسَدَ لِدِينِ الْمَرءِ مِن حِرصِهِ عَلَى الدُّنيا والْمَالِ؟ حِينَ قَالَ: «مَا ذِئبَانِ جَائِعَانِ أُرسِلا في غَنَمٍ بِأَفسَدَ لها مِن حِرصِ الْمَرءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ». تَصَوَّروا ذِئبَانِ أهْلَكَهُما الجُوعُ، وَقَدْ وَجَدَا قَطِيعَاً مِن الأَغْنَامِ بِدونِ رَاعٍ ولا حَامٍ، تُرى مَاذا سَيفْعَلانِ بالغَنَمِ؟ بالتَّأكيدِ سَيأكُلانِ جُزْءً وَيَعْبَثَانِ بِالبَاقِي تَخْرِيبَاً وَإفسْادًا! هَكَذا حَالُ بْعْضِ أَصْحَابِ الْعَقَارِ صَارَ يَفْتَرِسُ الْمُسْتَأَجِرَ بِلا رَحْمَةٍ وَلا إنْسَانِيَّةٍ مَنْطِقُهُ: إمَّا تُوَافِقُ وَإلَّا فَاخْرُجْ!
حَتَّى هَيَّئ اللهُ فِي بِلاَدِنَا قِيَادَةً حَكِيمَةً تَسْعَى لِتَحْقِيقِ التَّوَازُنِ فِي الْقِطَاعِ الْعَقَارِيِّ، وَتَهْدِفُ إِلَى تَأْمِينِ سَكَنٍ كَرِيمٍ لِلْمُوَاطِنِينَ وَالْمُقِيمِينَ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ، مُنْطَلِقِينَ مِنْ قَولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ» (حسَّنَهُ الألبانيُّ). وَقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» (رَواهُ مُسْلِمٌ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: دِينُنَا اَلْحَنِيفُ يَدْعُونا إِلَى أَنْ يَكُونَ الإنْسَانُ سَهْلاً لَيِّنًا، رَحِيمًا كَرِيمًا، مُتَّصِفًا بِالْقَنَاعَةِ لِيَحْصُلَ عَلَى الأَجْرِ الْعَظِيمِ. فَلَيْسَ مِنْ خُلُقِ الْمُسْلِمِ اسْتِغْلالُ ضَعْفِ أَخِيهِ وَتَزَايُدُ الضُّغُوطِ عَلَيْهِ بِرَفْعِ الإِيجَارِ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَكُونُ شَابًّا فِي مُقْتَبَلِ حَيَاتِهِ، أَوْ لاَ يَتَحَمَّلُ دَخْلُهُ زِيَادَةً على أعْبَائِهِ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (صحيح الترمذي).

عِبَادَ اللهِ: الغِنَى حَقِيقَةً هو غِنَى النَّفسِ وقَنَاعَتُهَا، وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ! فَعن أَبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الغِنَى عَن كَثرَةِ العَرَض، وَلكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ». وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ» وقَالَ: «يَا حَكِيمُ، إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أخَذَهُ بإشرافِ نَفسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى».
عِبَادَ اللهِ: مِن مَظَاهِرِ الْجَشَعِ التَّضْييقُ عَلى الآخَرِينَ، وَضَعفُ اليَقِينِ بِرِزْقِ اللهِ، مُتَنَاسِينَ أَنَّ فَضلَ اللهِ وَاسِعٌ، وَأنَّهُ لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ فَضَّل بَعْضَنا على بَعْضٍ في الرِّزْقِ، فَهَوِّنْ على نَفْسِكَ واسْتَمْعْ لِقَولِ رَبِّكَ: أَوَلم يَرَوا أَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقدِرُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ.
يَا مُؤمِنُونَ: مَا أَجملَ أَن نَتَحَلَّى بِالقَنَاعَةِ وَسَمَاحَةِ النَّفْسِ، فَنَطلُبُ الرِّزقَ مِن وَاهِبِهِ وَنَسأَلُهُ مِن فَضلِهِ، ولا نَسْتَغِلَّ حَاجَةَ النَّاسِ! أَنَسِينَا أَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ، وَأَنَّ خَزَائِنَهُ مَلأَى لا تَغِيضُ؟ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رَوعِي أَنَّ نَفسًا لَنْ تَمُوتَ حتَّى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلا يحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَنْ يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ».
فَيَا أيُّها الظَّلُومُ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ". وَتَذَكَّرَ قَولَ اللهِ تَعَالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. وَيَقُولُ نَبِيُّ الهُدَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».
_________________________________
الكاتب: خالد محمد القرعاوي









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]