تحت العشرين -1278
الفرقان
الشباب والمسؤولية الاجتماعية
المسؤوليةَ التزامٌ أخلاقىٌّ يبدأُ بالوعى بأن يعرفَ الشاب دورَه والمطلوبٌ منه؛ فيُلزِمَ به نفسَه، وهي قيمةٌ منوطةٌ بالشبابِ بالدرجة الأولى؛ لأنَّهم قاطرةُ عمليات التغيير في المجتمعات، وفى عُزلتهم تراجعُ الأمة وضعفُها.
ونحن عندما نقول: «شاب مسؤول» نعنى بذلك مسؤوليته ذات الأبعاد المختلفة المتصلة به وببيئته وبمجتمعه ثم بأمّته، وإذا استقرَّ الإحساسُ بالمسؤولية في قلب الإنسان، انبثق من هذا المعنى شعور عميق بعظم ما يتحمّله ويؤديه، فيسعى جاهدًا للقيام بما تفرضه المسؤولية من أعمالٍ على أكمل وجه بما لديه من استعداد فطرى، والمسؤولية الاجتماعية مفهومٌ أصيل في الإسلام، وهى واجب ديني، وضرورة حياتية، لا تستغنى عنها المجتمعات، وإن قيام الشباب بأداء هذه المسؤولية المجتمعية هو نوع من العبادة الواجبة، ولا تتوقّف المسؤولية المجتمعية عند نوع واحد من أنواع العطاء والنفع، وإنما تتعدَّى العمل الخيرى والتطوعي أو الهبات المالية إلى بناء المساجد والمراكز التعليمية والصحة وكفالة الأيتام والأرامل ورعاية المسنين، والحفاظ على حقوق الأجراء، وكذلك حماية الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة من مختلف أنواع الفساد، والمشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. أسباب الحيرة والتردُّد لدى الشباب
- نقص الخبرة وضعف التوجيه: الكثير من الشباب يفتقدون الخبرات العملية الحقيقية التي تساعدهم على اتخاذ قرارات صائبة.
- الخوف من الفشل: الخوف هو أحد أكبر معوقات اتخاذ القرار لدى الشباب، يخاف بعضهم من أن يندم لاحقًا، أو أن يُلام من المجتمع إن أخطأ، فيؤثر السلامة ويمشي مع التيار دون تفكير مستقل.
- التشوش الناتج عن كثرة الخيارات: في العصر الحديث، كثرت البدائل والانفتاح على العالم، وهذا أضاف عبئًا نفسيًّا على الشباب؛ إذ أصبح عليهم الاختيار من بين عشرات المجالات والمسارات.
- ضعف الثقة بالنفس: قد يمتلك الشاب قدرًا جيدًا من المعرفة أو الموهبة، لكنه أحيانًا لا يثق بقراراته، ويتردد باستمرار؛ لأنه لم يُشجَّع يومًا على تحَمُّل المسؤولية منذ الصغر.
- فوضى المحتوى الإعلامي والرقمي: وسائل الإعلام والسوشيال ميديا تُقدِّم للشباب عشرات القصص والآراء المتناقضة يوميًّا؛ مما يُسبِّب تشوشًا فكريًّا، ويؤثر في قراراتهم دون وعي.
الشباب والعمل التطوعي
يُعَدُّ العمل التطوعي من أبرز المجالات التي يمكن أن يعبِّر فيها الشباب عن طاقاتهم الإيجابية، ويُسهموا من خلالها في خدمة مجتمعاتهم وبناء شخصياتهم، فهو لا يقتصر فقط على تقديم المساعدة للآخرين، بل يتعَدَّى ذلك ليصبح أسلوب حياة يُعزِّز القيم الإنسانية، ويُنمِّي روح المبادرة والانتماء. متطلّبات قيام الشباب بالمسؤولية الاجتماعية
- فَهم الهدف الحقيقي من الحياة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
- القيام بواجب الاستخلاف في الأرض وعمارتها وحُكمها وفق شرعه -تعالى-.
- السعي لصَقل شخصيتك وتنمية قدراتك وتوظيف اختصاصك ومهاراتك في خدمة أمتك.
- استشعار هموم المسلمين، والسعي لتقديم كل أنواع الدعم المعنوي والمادي لهم ومعايشة قضاياهم.
- العمل في إطارٍ اجتماعيٍّ يعينك على طاعة الله، وينمّي فيك الشخصية الاجتماعية ومهارة التعامل مع الآخرين والاستفادة منهم.
- التحلي بروح المبادرة التي تُسهم في تطوير الأعمال داخل المجتمع.
لماذا يتطوَّع الشباب؟
1- الرغبة في التأثير الإيجابي: كثير من الشباب يمتلكون طموحًا حقيقيًّا لصناعة الفارق فيمن حولهم، والعمل التطوُّعي يمنحهم هذه الفرصة دون انتظار مقابل مادي، بل بحث عن الأثر. 2- اكتساب المهارات والخبرات: يُعَدُّ التطوُّع طريقًا فعَّالًا لاكتساب خبرات عملية في مجالات متنوِّعة مثل القيادة، والعمل الجماعي، والتواصل، وإدارة الوقت، وهي مهارات يصعب تعَلُّمها نظريًّا. 3- الارتقاء بالنضج الشخصي: من خلال التفاعل مع فئات مختلفة من المجتمع، يتعَلَّم الشاب التسامح، والتواضع، وتقدير النعم؛ مما يُسهم في بناء شخصية أكثر توازنًا وتعاطفًا. 4- تعزيز الانتماء والشعور بالهُوِيَّة: حين يشارك الشاب في أنشطة مجتمعية تخدم بيئته المحلية أو قضاياه الشخصية، يشعر بأنه فاعل لا مجرد متفرِّج؛ مما يُقوِّي ارتباطه بوطنه وثقافته. 5- الهروب من الفراغ السلبي: في ظل ارتفاع نسب البطالة وتقلُّص الفرص الاقتصادية، يجد كثيرٌ من الشباب في العمل التطوُّعي وسيلة لملء الوقت بما هو مفيد، بدلًا من الانغماس في السلبية أو الإدمان الرقمي. الأخوة الصادقة
قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: أخوك من نصحك وذكّرك ونبّهك، وليس أخوك من غفل عنك وأعرض عنك وجاملك، ولكن أخاك في الحقيقة هو الذي ينصحك ويعظك ويذكرك، ويدعوك إلى الله، ويبين لك طريق النجاة حتى تسلكه، ويحذرك من طريق الهلاك ويبين لك سوء عاقبته حتى تجتنبه. احذر إيذاء المسلمين
قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: كما أنَّ الإسلام استسلام لله بالعبودية صلاةً وصياماً وصدقةً فهو في الوقت نفسه قيامٌ بحقوق المسلمين وبعدٌ عن أذاهم، فمن تعدى وتجاوز وألحق بإخوانه المسلمين شيئا من الأذى أو التعدي أو الظلم أو نحو ذلك، فقد عرض إسلامه للنقص والضعف بحسب ذلك مما يعرِّض نفسه بذلك لعقوبة الله -سبحانه وتعالى-. عناية الإسلام بالشباب
عُنى الإسلام بالشَّبابِ عنايةً تامَّةً، فأعلى من قيمتِهم، وزكَّى نفوسهم، ووجَّه قلوبهم وأفكارهم ومشاعرَهم، وراعى طاقاتِهم، ووضع السُّبلَ الَّتي تُعينهم على تسخيرِ تلك الطَّاقةِ في الخيرِ والمعروفِ، وبما يعود عليهم بالفائدةِ في أنفسِهم وأوطانِهم، وبما ينفعُهم في الدُّنيا والآخرةِ. شاب في سبيل الله
يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ طَلَعَ شَابٌّ مِنَ الثَّنِيَّةِ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ رَمَيْنَاهُ بِأَبْصَارِنَا، فَقُلْنَا: لَوْ أَنَّ هَذَا الشَّابَّ جَعَلَ شَبَابَهُ وَنَشَاطَهُ وَقُوَّتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَنَا، فَقَالَ: «وَمَا سَبِيلُ اللَّهِ إِلا مَنْ قُتِلَ؟ مَنْ سَعَى عَلَى وَالِدَيْهِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ سَعَى عَلَى عِيَالِهِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ سَعَى مُكَاثِرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ». خطورة الصحبة السيئة
الصحبة السيئة من أخطر المشكلات التي تواجه الشباب؛ ولذا يقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، وقال أبو حاتم بن حبان: وما رأيت شيئا أدل على شيء- ولا الدخان على النار- مثل الصاحب على الصاحب! ولخطورة ذلك يوضح النبي- صلى الله عليه وسلم - صفات الصديق الطيب فيقول: «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقيٌّ».