عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 29-09-2025, 04:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,725
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير آيات الصيام







تفسير آيات الصيام (5) الغرض تحقيق التقوى وليس تعذيب عباده المكلفين – امتن الله -تعالى- على عباده ببيان تيسيره عليهم في أمر الصيام وسائر أحكام الشريعة


قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(البقرة: 185).
معاني المفردات:
- (شهر): يطلق الشهر في اللغة ويراد به الوضوح والإضاءة في الأمر، قال ابن فارس: «الشين والهاء والراء أصل صحيح يدل على وضوح في الأمر وإضاءة، من ذلك الشهر، وهو في كلام العرب الهلال، ثم سُمي كل ثلاثين يوماً باسم الهلال، فقيل: شهر».
والشهر: مأخوذ من الشهرة يقال، شَهَرَ الشيء إذا ظهر، ويطلق على العدد المعروف من الأيام؛ وسمي بذلك لِأَنَّهُ يُشْهَر بالقمر، وَفِيه عَلامَة ابْتِدَائه وانتهائه، وَالْجمع أشْهُرٌ وشُهُورٌ.
- (رمضان) من الرَّمْض؛ وهو شدة الحر، ومنه سمي رمضان؛ لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيامَ شدة الحر ورمضه، وكان هذا قبل الإسلام.
- (القرآن) مصدر مشتق من (قَرَأَ) وأصله من «القَرْء» بمعنى الجمع والضم، يُقال: «قرأت الماء في الحوض»، أي جمعته فيه، وسمي القرآن قرآنًا؛ لأنه يجمع الآيات والسور ويضم بعضها إلى بعض، قال تعالى: {إِنَّ علينا جَمْعه وقُرآنه} أَي جَمْعَه وقِراءَته {فَإِذا قَرَأْنَاهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، أَي قِراءَتَهُ.
وروي عن الإمام الشافعي أنه كان يقول: (القرآن) اسم لكتاب الله وليس بمشتق من قَرَأْتُ.
- وقال الفرّاء: «هو مشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا، ويشابه بعضها بعضا وهي قرائن).
- (بينات) جمع بينة مأخوذ من (البَيْن) وهو الوضوح، والمعنى أنه واضح الدلالة، وفي اللغة: البّيِّنَةُ: الحجَّةُ الوَاضِحَةُ. وسُميت آيات القرآن بيِّنَات لوضوح دلالتها ولإبانتها باطل ما كان عليه المشركون.
- (الفرقان) مصدر (فَرَقَ) الذي يدل على التمييز بين الشيئين، ثم أُطْلق على كل ما فُرق به بين الحق والباطل، ومن معانيه: الحجة والبرهان، وهما بمعنى واحد؛ لأن الحجة تفرق بين الحق والباطل، ومن معانيه الهداية والنور ومنه قوله تعالى: {إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}(الأنفال: 29)، و(الفرقان) اسم من أسماء القرآن الكريم، قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } (الفرقان: 1)؛ وسمي بذلك؛ لأنه فرق بين الإيمان والكفر والهدى والضلالة، وكل الكتب السماوية يصْدُق عليها هذا الاسم، ومنه قوله تعالى في حق التوراة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ}
- (شَهِدَ) الشين والهاء والدال أصل يدل على الحضور والعِلم والإعلام، وقوله {فمن شَهِدَ منكم الشهر} أي حضر الإعلان عن رؤيته، من الشهادة ضد الغيَبة.وقيل معناه: شَاهَدَ، لكن يرد عليه إشكال ذكر الشهر، فالشهر مدة ما بين الهلالين، والمدة لا تشاهد، وقد يقال: إن في الآية حذفاً تقديره {فمن شهد منكم هلال الشهر}، لكن حمل المعنى على الحضور أولى لعدم الحذف. وتفسير (شهد) بالمشاهدة مردود أيضاً بإشكال آخر وهو أن الناس لا يشترط في وجوب الصوم عليهم أن يرى كل واحد منهم الهلال، بل يكفي في ذلك رجلان يشهدان برؤيته، ويرجحه أيضا قوله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر} أن السفر يقابل الحضر.
- (العِدَّة) مصدر (عَدَّ): وتطلق العدة ويراد بها المعدود، والمقصود بها في الآية أيام رمضان.
المعنى الإجمالي:
بعد أن أوجب الله -سبحانه وتعالى- في الآيتين السابقتين الصيام في أيام معدودات، جاء هنا ليكمل البيان ويوضح المقصود بأن الأيام المعدودات التي أُطْلِقَتْ في الآية الأولى هي شهر رمضان.
ثم ذهب يبين سبب اختيار هذا الشهر من بين الشهور وأنه شهر مبارك أنزل الله فيه القرآن هداية للناس فهم يستدلون به على ما ينفعهم في دينهم، ودنياهم؛ لأنه مشتمل على الآيات البينات التي يهتدي بها الناس إلى الحق فهو جامع بين الهداية، والبراهين الدالة على صدق ما جاء فيه من الأخبار، وعلى عدل ما جاء فيه من الأحكام.
وبعد أن بين فضيلته، الحكمة في تخصيصه عَيَّن صيامه على المقيم الصحيح، ثم لما كان النسخ للتخيير، بين الصيام والفداء خاصة، أعاد الرخصة للمريض والمسافر> لئلا يتوهم أن الرخصة أيضا منسوخة فقال: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام آخر}.
ثم امتن الله -تعالى- على عباده ببيان تيسيره عليهم في أمر الصيام وسائر أحكام الشريعة, وأن الغرض من ذلك تحقيق التقوى وليس تعذيب عباده المكلفين، وأن هذا التيسير في العبادة والهداية إليها يستوجب الشكر ويكون بالإتيان بها على النحو الذي يُرضي الله -تعالى- وبإتمام عدتها دون نقص، ثم بتعظيمه وتكبيره فإن فعل العبد ذلك فقد حقق التقوى المقصودة من العبادة، وحقق مقام الشكر الذي أراده الله قال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(آل عمران:123).
مسائل وأحكام
المسألة الأولى: تعلق الأحكام الشرعية بالشهر العربي.
الشهر العربي هو الشهر المرتبط بالهلال وليس بالحساب، وبه يحسب التاريخ الهجري، وهو التاريخ الذي شرعه الله لجميع الشرائع السماوية، لكن اليهود والنصارى تركوه وابتدعوا التأريخ الشمسي والميلادي؛ ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام؛ إنما هي على حساب القمر وسَيْرِه ونزوله، لا على حساب الشمس وسيرها حكمةً من الله ورحمة، وحفظاً للدين وأهله لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والخطأ ما دخل في دين أهل الكتاب.قال القرطبي في تفسير قوله -تعالى-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ}(التوبة: 36): «هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعدها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً؛ لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر, وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج.

المسألة الثانية: كيفية ثبوت الشهر العربي.
يعرف دخول الشهر العربي أو خروجه بالأهلة، ولم تكن للعرب قديما وسيلة في معرفة دخول الشهر وخروجه إلا رصد القمر، الذي يبدأ هلالاً ينمو ويكبر حتى يكتمل بدرًا، ثم يتناقص ويصغر حتى يعود دقيقًا كالعرجون القديم، ثم يختفي ليظهر من جديد هلالاً يبدأ دورة ثانية، وهكذا تتم دوراته تستغرق كل منها شهرًا، تتكون وحداته من أيام ترتبط بالليل والنهار اللذين يحددهما جغرافيًّا مشرق الشمس ومغربها.
ثم جاء الإسلام وأقر هذه الوسيلة فقال سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }(البقرة:189)، ثم جاء بتشريعات تؤدى في أوقات محدودة، منها الصيام والحج، وعدة النساء وغيرها قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(البقرة: 185)، وقال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}(البقرة:197).
وقال أيضاً: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ..}(الطلاق:4).وعَنِيَ أيضاً بضبط عدة أيام الشهر حتى لا يجتهد مجتهد فيُغيرها عن حقيقتها كما غيرها اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم : «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا» يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين)



اعداد: د. ناظم المسباح









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]