خواطر الكلمة الطيبة .. الإيمان بالقضاء والقدر بلسم القلوب
لا شك أن القلوب تمرّ بفترات من الجفاف، وتعتريها قسوةٌ من حينٍ إلى آخر، فتحتاج إلى ما يلينها ويحييها وقد أنزل الله -عزوجل- الوحي ليكون بلسمًا للقلوب، وشفاءً للصدور، وهدايةً للعقول، فكلام الله -تعالى- وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الدواء الذي يداوي الأرواح، ويعالج النفوس، ويهذب السلوك، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} ((يونس:57).
وما من قضية إيمانية أو عقائدية، أو أمرٍ في العبادات والمعاملات، أو خلقٍ وسلوكٍ، إلا وهي بلسمٌ لهذا القلب، ورواءٌ لهذه الروح، ونورٌ لهذا العقل، يظهر أثرها في أقوال الإنسان وأفعاله وتصرفاته.
واليوم، أقف مع جزئية صغيرة في ظاهرها، عظيمة في معناها، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الاضطرابات النفسية، وتاهت فيه الأرواح، إنها قضية الإيمان بالقضاء والقدر، التي وصفها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- بأنها «البلسم الذي يمنح المسلم الطمأنينة»، وقد علّق -رحمه الله- على «متن الأصول الثلاثة» لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- حين تناول مسألة القضاء والقدر، فقال ما معناه: «لو آمن الكفار بعقيدة القضاء والقدر، لما انتحروا، ولا لجؤوا إلى مستشفيات الأمراض النفسية، فجلّ مشكلات الدنيا ناتجة من الجهل بهذه الجزئية من جزئيات العقيدة»، كلمةٌ عميقة، تدل على علمٍ وفهمٍ، قد تمرّ على بعضنا مرور الكرام، ولكن من تأملها وجد أن القضية ليست بالهينة.
إن الإيمان بالقضاء والقدر ركنٌ من أركان الإيمان، كما جاء في حديث جبريل -عليه السلام- حين سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما الإيمان؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فهذا الإيمان يمنح الإنسان سكينةً في قلبه، وثباتًا في مواقفه، ورضًا في نفسه؛ لأنه يعلم أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بتقدير الله، وبعلمه، وبحكمته.
قال -تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49)، وقال أيضًا: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22).
فإن لم يستقرّ في قلب الإنسان هذا الإيمان، فقد يضيق صدره بالحياة، ويقنط من رحمة الله، فيلجأ إلى الإلحاد أو الانتحار، والعياذ بالله، وقد أظهرت منظمة الصحة العالمية إحصائية مفزعة: كل أربعين ثانية، ينتحر شخصٌ في هذا العالم، ولو آمن هؤلاء بأن الله هو المدبر، وأنه كتب مقادير الخلق بعلمه، لما ضاقت صدورهم، ولما فقدوا الأمل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك».
إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني الاستسلام السلبي، بل هو يقينٌ بأن الله يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يقع شيءٌ إلا بإرادته، وهذا اليقين يمنح المؤمن قوةً في مواجهة البلاء، وصبرًا عند المحن، ورضًا في كل الأحوال، قال -تعالى-: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} ا(لأنعام:59).
اعداد: د. خالد سلطان السلطان