سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية- الغـضـــب
يرجو معظم الآباء السيطرة على سلوك الأبناء وتوجيهه حسب رغبتهم، وفي سبيل ذلك يبيحون لأنفسهم جميع الأساليب تحت مسمى التربية والتأديب
الأسرة في الإسلام كيان مقدَّس، وهي اللَّبِنَة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني السليم، ولهذا أَوْلَى الإسلام بناءها عناية فائقة، وأحاط إنشاءها بأحكام وآداب تكفل أن يكون البناء متماسكاً قويّاً، يحقِّق الغاية الكبرى من وجوده، وعند غياب هذه الآداب ووجود ما يخالفها فإن كثيراً من المشكلات والأزمات تحدث بين الزوجين، فتتعرض الأسرة إلى هزَّات عنيفة، قد تؤدِّي إلى زعزعة أركانها وانفصام عراها، وأحاول في هذه السلسلة استعراض بعض السلوكيات السلبية التي سادت في بعض الأسر وأحدثت تمزقًا نفسيًا وعلى إثرها اهتزت العلاقات داخل الأسرة، وفقد الاستقرار والأمان، واليوم نتناول أحد هذه السلوكيات وهو (الغضب).
الغضب هو عاطفة بشرية مؤلمة يصل إليه الفرد بعد مروره بمشاعر عديدة كالضيق والاستياء والسخط والعبوس والحزن وغيرها، وعادة ما يكون صحياً إن كان وفق معايير معينة؛ لأنه لا يمكن للفرد أن يتجنب كافة ما يمر به من أمور أو أشخاص أو ما يثير غضبه على العموم، ولاحظ الباحثون في جامعة (ميتشيغن) في دراسة نشرت في مجلة (الروابط العائلية) أن معدلات الوفيات المبكرة بين من يلجؤون إلى عدم التنفيس عن الغضب هي أعلى من مثيلتها بين من يفعلون خلاف ذلك من الأزواج أو الزوجات، ولكن الخطورة في هذا الانفعال عندما يخرج عن السيطرة، وينجم عنه عواقب غير محمودة تختلف حدتها من موقف لآخر؛ فلابد من إدارة الغضب والعمل على التخفيف من حدة الأحاسيس والتـأثير النفسي الذي تحدثه مسببات الغضب، فهو كالبخار المضغوط في قدر محكم إذا لم يجد منفذاً لخروجه فإنه يصيب الفرد بأمراض نفسية وجسمية كقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون العصبي والصداع العصبي المزمن وغيرها، قال ابن القيم -رحمه الله– «إن الغضب مرض من الأمراض وداء من الأدواء، فهو في أمراض القلوب نظير الحمى والوسواس والصرع في أمراض الأبدان فالغضبان المغلوب في غضبه كالمريض والمحموم والمصروع المغلوب في مرضه والمبرسم المغلوب في برسامه».
الغضب وأثره على الحياة الزوجية
الغضب يبعد المرء عن طبيعته البشرية، ويشلّ تفكيره، ويحرك في نفسه نوازع البغي والشر، ويفقده رشده فيتصرف من غير اتزان بعيداً عن مواطن الحكمة والعقل؛ لأن الشيطان في هذه اللحظة هو الذي يسيطر عليه، ويحركه فيخرجه عن صوابه، وهناك أسباب تدفع بالزوج إلى الغضب والخشونة في معاملته منها تدني مستواه التعليمي والمهني، أو ربما معاناته من البطالة أو بسبب الدخل المادي المنخفض مع وجود مشكلات وصراعات وضغوط نفسية يتعرض لها الزوج في مشوار حياته عموماً، وهنا تعمل الزوجة على تهدئته مشدّدة عليها في حالات غضب زوجها أن تقبل أن تكون هي الطرف الأضعف الذي يعمل على امتصاص حدة الحوار فغضبه مجرد سحابة بهطولها هدأت الأجواء، وأيضاً الزوجة تتصرف بشيء من الغضب إذا لم تجد الفرصة للتعبير عما بداخلها وحينها يشعر الزوج أنها ارتكبت خطأ بحقه بغضبها عليه، ويصعب عليه احتواؤها معتقداً أنه بذلك يقلل من شأنه أمامها، فيتركها بمفردها على أمل أن تهدأ، وينشغل بشيء آخر، وقد يترك البيت ويخرج وهنا تفسر الزوجة هذا التصرف على إنه إهمال منه وعدم محبة والعكس هو الصحيح، فإن استطاع احتواءها بكلمة لطيفة وابتسامة تهدئ من غضبها يظهر بمظهر الشخصية القوية الناضجة، ثم يوضح لها موقفه السليم بعد أن يهدأ غضبها.
ولأن من أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها، هو الطلاق، واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ولماذا؟ سيأتيك الرد: لقد كانت لحظة غضب، ففي حالة الغضب تنطق كلمات غير المقصودة تجرح الطرف الآخر بما ينعكس سلباً على مستقبل العلاقة، وينجم عنه تفكك الأسرة وتشتيت شملها؛ بسبب لحظة غضب؛ لذا ينبغي على كل زوجين أن يكونا قادرين على التعامل مع الصراعات بطريقة بناءة؛ لأن أغلب المشكلات التي تحدث بين الزوجين يمكن حلها مناصفة، وذلك باجتهاد كلا الزوجين في تحمل نصيبه من المسؤولية عن وقوع المشكلة وأيضاً نصيبه من المسؤولية عن حلها، فكلاهما شريك للآخر في الحياة ولا يمكن لأحدهما أن يُعد نفسه ولي أمر الآخر، ويحاول السيطرة عليه مع إنكار حقه في الغضب والثورة عند المطالبة بحقوقه ومعظم الخلافات والغضب تبدأ من هنا؛ ولأن الغضب الشديد بهدف الفوز في النزاع يجعلك الخاسر في النهاية.
غضب الآباء وتأثيره على الأبناء
يرجو معظم الآباء السيطرة على سلوك الأبناء وتوجيهه حسب رغبتهم، وفي سبيل ذلك يبيحون لأنفسهم جميع الأساليب تحت مسمى التربية والتأديب، ولم يدركوا أن الطفل في مرحلته الأولى تأبى شخصيته النامية أن توجه إليه الأوامر بحدة وغضب؛ لأن عدم احترام شخصيته يعد أحد أنواع الاعتداء عليه الذي يثير غضبه، ومع تكرار الأوامر واللهجة الحادة بدون معالجة تزيد من غضب طفلك؛ مما يجعله متوتراً، ومع مرور الوقت يصبح عدوانياً مشاكساً مفتقداَ للهدوء، فاستعمال الغضب بوصفه وسيلة للسيطرة على تصرفات طفلك من أكبر الأخطاء التربوية ولاسيما الأم تراها عابسة وبوجه غاضب طول النهار، وتصرخ بين الحين والآخر وكأن الصراخ هو الوسيلة الوحيدة لتعليم الانضباط، لكن أقول لك ِأنتِ فقط زرعتِ فيه العصبية الثائرة بعكس أن تكونِ هادئة فيتعلم طفلك السلوك المرن الهادئ، فالتشوهات النفسية المصاب بها الآباء تنتقل إلى الأبناء، لكن ليس من الخطأ إظهار غضبكِ أحياناً حتى يعرف المشاعر التي سببها لك من وراء سلوك ما أزعجكِ منه، ولكن إظهار الغضب دائماً هو الخطأ، فضلا عن أنه استنزاف لأعصابك وإرهاق لنفسيتك وإضعاف تدريجي لقيمة الغضب في أعين أطفالك.
وغالباً ما تكون عقوبة الأبناء هي تنفيس لحالة الغضب التي يعيشها المعاقب بسبب توتره من موقف أو مشكلة يعاني منها لا يقدر على مواجهتها فتنعكس على الأبناء؛ وبذلك تمتلئ الأسرة بالتفاعلات الغاضبة، وحين يحدث ذلك يصبح الوالدان أكثر إحباطاً وبؤساً والأولاد أكثر ابتعاداً وغالباً خارج السيطرة، فينتج عن ذلك تشريد الأولاد والندم والخيبة والعيش البائس، ويضيع الأبناء بسبب لحظات غضب هوجاء، فإن غضب الآباء المستمر في البيت من أهم أسباب اختلال التوافق النفسي والاجتماعي للأبناء.
لذا من المهم أن نراقب تصرفاتنا، ونسيطر عليها، ونحاول التخلص من هذا السلوكيات السيئة قبل أن يصبح من المستحيل علاجها فإن لم نتعلم السيطرة عليها سوف تضر أسرة بأكملها، ولكن علينا أن نعي جيداً بأن الغضب عاطفة لا يمكن تلاشيها فالحياة مليئة بالضغوط والإحباطات الخارجة عن سيطرتنا، وما بوسعنا حقاً هو السيطرة على هذا السلوك وكيفية إدارته وكيفية امتصاصه من الطرف الآخر والعمل على تهدئته وتحويل الموقف إيجابيا وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة.
اعداد: إيمان الوكيل