القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 31
– ما كان أكثر نفعاً كان أكثر فضلاً
نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية.
التوضيح والبيان :
ما كان أكثر نفعاً كان أكثر فضلاً (1)، قاعدة ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر، ومعها قولهم: الثواب على قدر المشقة، والأصل في هذه القاعدة ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «أجرك على قدر نصيبك».
وفي إغاثة المحتاج والجهد الذي يبذل فإنه فيه أجرٌ عظيم من رب العالمين وكذلك ما كان أكثر نفعاً كان أكثر فضلاً وأجراً، فالأعمال الخيرية كلما زاد الجهد فيها زاد الأجر.
فأفضل الوقف أبقاه وأعمَّه نفعاً، وأشده احتياجاً؛ لذا يرجع تفضيل الوقف إلى سببين:
- الأول: هو أن يكون أكثر دواماً وبقاءً، وأعم نفعاً.
- والثاني: أن يكون أشد ما يُحتاج إليه.
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه «منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين» (باب: الوقف) : وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم، وأفضله: أنفعه للمسلمين»(2)
وجاء في كتاب «إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف»: «إن أفضل الأوقاف: وقف شيء يحس الناس أنهم بحاجة ماسة له»(3).
وفي ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف: «أفضل الوقف، أبقاه وأعمه نفعاً، وأشده احتياجاً.
ولهذا فالأولوية والأفضلية في الصدقة والوقف لا تكون مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، فاختلاف الأفضل باختلاف الزمان والمكان والحال؛ وأفضل الصدقة ما كانت أكثر نفعاً في زمنها، يحتاجها الناس وتلبي متطلباتهم، وتحفظ كرامتهم.
التطبيقات العملية :
في حال النوازل تقدم الإغاثة على المشاريع الأخرى؛ لأن ما يخشى فواته أولى مما لا يخشى فواته، فيقدم ما يحفظ النفوس على غيره، وكذلك الطعام والملابس وما يقي من البرد من وسائل تدفئة وغيرها
وتدريب العاملين في المؤسسات الخيرية وتعليمهم القواعد والضوابط الشرعية والفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية، أكثر فضلاً من الاهتمام بالقوانين والنظم الغربية في إدارة المؤسسات الخيرية.
وكذلك لو أريد أن يُشترى – مثلاً – للمسجد زيت أو حصير، وجب شراء أحوجهما للمسجد، إلا إذا ما تساوت حاجة المسجد إلى الزيت والحصير معًا، فيكونان إذ ذاك على درجة واحدة في الأفضلية(4).
ولو كَفَت عين الماء الموجودة حاجة أهل القرية من الماء، ولم يكن في هذه القرية مدرسة أو مستشفى، مع وجود ما يكفي لإدارة كلٍّ منهما، ولبقائهما من الواردات فضل إنشاء المستشفى الذي تحتاج إليه القرية على إنشاء السقاية فيها(5).
وإقامة المظلات لتقي المنتظرين للحافلات على قارعة الطريق من شدة حر الشمس، أولى من إنشاء المظلات للسيارات.
وإقامة المدارس في مجتمع يحتاج لها أولى من إقامة الحدائق والملاعب للترفيه، فالعلم أكثر فضلاً من غيره.
وتوزيع وحدات التبريد للفقراء في بلد صيفه شديد الحرارة أكثر نفعاً من توزيع الأثاث والمفروشات. وتوزيع الدواء لمرض وبائي طارئ، أكثر نفعاً من أقامة مراكز صحية عامة.
الهوامش
(1) القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر اسماعيل، ص 423.
(2) منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين، عبد الرحمن السعدي، (ص 62-63)
(3) إتحاف الأحلاف في أحكام الأوقاف، عمر حلمي، (ص 5).
(4) انظر: ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، علي حيدر أفندي، المادة201 .
(5) انظر: ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، علي حيدر أفندي، المادة201 .
اعداد: عيسى القدومي