لا تُعسّروا..!
الإسلام دين واضح لا لبس فيه ولا غموض، وهو يسير لمن يسّره الله عليه؛ كما قال -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا». ومن مظاهر يسر الإسلام ما يلي:
1- سعة باب التوبة والمغفرة: وذلك كما قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48)، وقوله سبحانه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (الأنفال: 38)، وهذه الرحمة الإلهية تمثل جوهر اليسر في الإسلام؛ حيث لا يُغلق الباب أمام المخطئ ما دام في قلبه رجوع إلى الله.
2- تشريعات الإسلام في متناول الجميع: وذلك كما قال -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286)، وقوله -سبحانه-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (الحج: 78)، كما جعل الله أعظم ما يُتقرَّب به المسلم الإيمان بالقلب، والنطق بالشهادة: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله»، وهي كلمة التوحيد التي يدخل بها المرء الإسلام بسهولة ويسر؛ فيحرم بها دمه وماله وعِرضه، وذلك كما جاء في الحديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام» (متفق عليه).
3- عظمة ذكر الله ويسره: جعل الله الذكر من أعظم الأعمال وأيسرها، فقال -تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (البقرة: 152)، وقوله -سبحانه-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا بلى، قال: ذكر الله -تعالى-».
4- رفع الحرج والتخفيف عند المشقة: فإن من تمام يسر الإسلام أنه حيثما وجدت المشقة جاء التيسير، كما في قَصر الصلاة للمسافر، والفِطر في رمضان للمريض والمسافر، والمسح على الخفين، وغيرها من الرخص ، وذلك كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب أن تؤتى رُخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه».
5- النهي عن التشدد والتنطع: فإن من أعظم ما حذَّر منه الإسلام التشدد في الدين والغلو في العبادة؛ لأن ذلك يخالف مقصود الشريعة المبني على اليسر ورفع الحرج؛ كما قال -تعالى-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} (المائدة: 77)، وتحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك تحذيرًا شديدًا بقوله:»إياكم والغلوّ في الدين! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».
خلاصة القول: إن اليسر في الإسلام ليس مجرد شعار؛ بل هو منهج حياة شامل، يراعي ضعف الإنسان، ويعالج واقعه، ويفتح أمامه أبواب الخير، ويحميه من مشقة العنت والتشدد، وهذا من أعظم دلائل رحمة الله بعباده، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين»، وإني لأعجب من أقوام يتنطعون في الدين، ويشدّدون على أنفسهم بغير حقّ، ويسلكون أصعب الطرائق في العبادة وأشقّها، والدين من ذلك براء؛ فالتشدد المذموم لا يقتصر على زيادة الأعمال فوق المشروع؛ بل يشمل أيضًا التضييق على النفس أو الناس في أمور أباحها الله، حتى تصبح الحياة عبئًا ومشقة، وهذا مخالف لقول الله -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (النساء: 28)؛ فالله -عز وجل- يغفر الذنوب جميعًا يوم القيامة إلا أن يشرك به.
اعداد: سالم الناشي