عرض مشاركة واحدة
  #133  
قديم 09-08-2025, 03:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (134)

- {قل لله الشفاعة جميعا} (1-2)


من الحقائق الشرعية الثابتة أن الشفاعة للكفار بالنجاة من النار، والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم
يقرأ المسلم في القرآن الكريم آيات تنفي الشفاعة والشافعين كقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } (غافر:18)، وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ } (البقرة:254)، وقوله سبحانه: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (المدثر:48)، وقوله تعالى عن أصحاب النار أنهم يقولون: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} (الشعراء:100).
ويقرأ آيات أخرى تثبت الشفاعة كقوله تعالى: {منْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة:255)، وقوله سبحانه: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ} (الأنبياء:28)، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ} (النجم:26).
ولبيان وجه التوفيق بين الآيات المذكورة وغيرها لابد من وقفات:
الوقفة الأولى: تعريف الشفاعة:
- الشفاعة في اللغة: انضمام شيء إلى شيء آخر. قال الشيخ ابن عثيمين: «الشفاعة مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً، مثل أن نجعل الواحد اثنين، والثلاثة أربعة وما أشبهها.
- أما معناها فهي: التوسط للآخر بجلب منفعة أو دفع مضرة، يعني أن يقوم الشافع بين المشفوع إليه والمشفوع له واسطة، ليجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة».
فالشفاعة تكون في الدنيا والآخرة، والمقصود هنا الشفاعة في الأخرة، وهي طلب الرسول صلى الله عليه وسلم –أو غيره– من الله تعالى في الدار الآخرة حصول منفعة لأحد من الخلق، بأن يدخله الله تعالى الجنة أو ينقذه من النارمثلا.
الوقفة الثانية: الشفاعة ملك لله سبحانه وحده:
قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (الزمر:44)، قال ابن عاشور: «ولما نفى أن يكون لأصنامهم شيء من الشفاعة في عموم نفي ملك شيء من الموجودات عن الأصنام، قوبل بقوله: { لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ} أي الشفاعة كلها لله. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول ذلك لهم ليعلموا أن لا يملك الشفاعة إلا الله، أي هو مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحق.
وتقديم الخبر المجرور وهو لله على المبتدأ لإفادة الحصر. واللام للملك، أي قصر ملك الشفاعة على الله تعالى لا يملك أحد الشفاعة عنده.
و(جميعا) حال من الشفاعة مفيدة للاستغراق، أي لا يشذ جزئي من جزئيات حقيقة الشفاعة عن كونه ملكا لله، وجملة {له ملك السماوات والأرض} لتعميم انفراد الله بالتصرف في السماوات والأرض الشامل للتصرف في مؤاخذة المخلوقات وتسيير أمورهم».
وبناء عليه فلا تطلب الشفاعة إلا من الله تعالى، كما لا يسأل الرزق والشفاء إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأنه سبحانه مالك كل شيء ومليكه، فلا يسأل إلا هو ولا يدعى أحد سواه.
الوقفة الثالثة: لا شفاعة لغير المسلمين:
من الحقائق الشرعية الثابتة أن الشفاعة للكفار بالنجاة من النار، والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم، فقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأبي طالب اقتداءً بإبراهيم، وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة:113).
وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب أنت وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله عز وجل: إني حرّمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: انظر ما تحت رجليك فينظر، فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار».
وفي مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي».
الوقفة الرابعة: الشفاعة لأصحاب الكبائر يوم القيامة:
وهذا الموضع افترق الناس فيه ثلاث فرق: طرفان، ووسط.
فذهبت طائفة إلى أثبات الشفاعة التي نفاها القرآن، وهي الشفاعة الشركية.
وذهب الخوارج والمعتزلة: إلى إنكار شفاعة نبيناصلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} (البقرة:254)، وبقوله تعالى: {{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (غافر:18).
وأما سلف الأمة وأئمتها، ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة، فأثبتوا ما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من شفاعته لأهل الكبائر من أمته، وغير ذلك من أنواع شفاعاته، وشفاعة غيره من النبيين والملائكة.
قال الشيخ ابن عثيمين: «والشفاعة نوعان: شفاعة ثابتة وصحيحة، وشفاعة باطلة لا تنفع أصحابها.
أما الشفاعة الثابتة الصحيحة: فهي التي أثبتها الله تعالى في كتابه، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه».
وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة:
الشرط الأول: رضا الله عن الشافع.
والشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له.
والشرط الثالث: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع.
وهذه الشروط مجموعة في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ} (النجم:26)، ومفصلة في قوله تعالى: {منْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة:255)، وفي قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } (طه:109)، وقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ} (الأنبياء:28)، فلابد من هذه الشروط حتى تتحقق الشفاعة.
وبناء على ذلك نعرف النوع الثاني، وهي الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (المدثر:48)؛ وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم؛ لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله -عز وجل- والله عز وجل لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم التي يعبدونها ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بعداً.
ثم إن الشفاعة الثابتة النافعة، ذكر العلماء رحمهم الله أنها تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة.
ومعنى العموم: أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم.
والخاصة: التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمها: الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب مالا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم، فيذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، وكلهم لا يشفع، حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويشفع عند الله عز وجل أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم، فيجيب الله دعاءه ويقبل شفاعته وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (الاسراء:79).



اعداد: د.وليد خالد الربيع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]