سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 25- المفرط ضامن
نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية .
«المفرط ضامن» (1) قاعدة المراد فيها أن كل من تحقق منه نوع تفريط فيما كان عليه من التزام معنوي كالعهود والوعود أو مادي كالأمانة والعين المؤجرة من وقف وغيره ونحوه فقد لزمه الضمان والعوض في كل بحسبه حفظاً للحقوق ورعاية العهود، وجبراً للأضرار وزجراً للجناة وحداً للاعتداء.
وقد شدد الفقهاء في إجبار المعتدي على الوقف أن يعيده كما كان وإن لم يكن ذلك تؤخذ منه القيمة ليشتري بها وقفا مكانه ولهذا على المعتدي الضمان بالقيمة(2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن كان قد أتلفه بفعله أو بتفريطه أو عدوانه فهو ضامن؛ لأن غايته أن تكون يده يد أمانة، ويد الأمانة إذا أتلفت شيئاً أو تلف بتفريطها أو عدوانها ضمنته كيد المستأجر والمودع والمضارب والوكيل(3).
وقال ابن فرحون رحمه الله : «ومن كسر خشبا من خشب المسجد فعليه أن يرد البنيان والخشب كما كان، ولا تؤخذ منه القيمة؛ خوفا من أن تؤخذ القيمة فلا يرد على حاله، فيؤدي ذلك إلى تغيير هيئة الحبس»(4).
وقال ابن تيمية في شأن الناظر : فإن كان قد أتلفه بفعله أو بتفريطه أو عدوانه فهو ضامن؛ لأن غايته أن تكون يده يد أمانة، ويد الأمانة إذا أتلفت شيئاً أو تلف بتفريطها أو عدوانها ضمنته كيد المستأجر والمودع والمضارب والوكيل(5).
ومنهم من يرى أن التعدي العمد يلزم إعادته كما كان، وفي الخطأ تؤخذ القيمة، وبعض العلماء ينص على تغريم المعتدي على الوقف زيادة على تضمينه، جاء في كتاب ابن عابدين: «ألزم بهدم ما صنع وإعادة الوقف إلى الصفة التي كان عليها بعد تعزيره بما يليق بحاله»(6). والتعزير مرده إلى ولي الأمر، وما يضع من أحكام تكفل وتضمن المحافظة على الوقف وصيانته من أيدي العابثين.
ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة:
وجوب الضمان على الناظر الذي فرط في حماية الوقف والدفاع عن المسلمين فلحقهم ضرر بتركه فوجب الضمان للمضمون له(7).
من ترك الاحتياط لوقايةٍ الأموال الوقفية ضد المخاطر، وضمان أمنها وسلامتها عن طريق وسائل تشريعية وقانونية أو مادية، وهو متولٍّ لذلك، فهو ضامن .
الوقف إذا أتلفه متلف فإنه يؤخذ منه عوضه يشترى به ما يقوم مقامه(8).
لو غصب الوقف غاصب فتلف تحت يده العادية فعليه ضمانه باتفاق العلماء(9). ويلزم المعتدي أن يضمن ما تُلف منه .
الترك كالفعل في باب الضمان؛ فلو ترك القيم والمتولي لأمر الوقف رعاية الوقف وتلف عينه أو ريعه فإنه ضامن.
إذا أجر الناظر عين الوقف بقيمة أقل من سعر المثل تفريطاً منه فهو ضامن للنقص، وكذلك إذا باع أقل قيمة المثل وسلم المبيع فهو كذلك ضامن للنقص.
إذا ترك الناظر والمتولي على الوقف جيران الوقف البناء على جدار الوقف ما يضر به، فإنه ضامن، فليس لأحد أن يبني على جدار الوقف ما يضر به باتفاق المسلمين»(10).
والضمان لا يجب بالاحتمال، وذلك لأن الأصل براءة الذمة»(11)، فلا يضمن إلا إذا تيقن وثبت التفريط في حفظ الأمانة.
وكل من يعمل في المؤسسات الوقفية والخيرية فهو ضامن إذا تسبب بإفراطه وإهماله في تضييع رعاية وحفظ وتوزيع ما أؤتمن عليه .
ومن أساء استخدام المرافق الوقفية وتسبب بأعطال فيها فإنه يضمنها.
والمؤسسات الوقفية والخيرية، أمينة فيما في يدها، فإن أخذ وصودر المال الذي بحوزتها من غير تفريط، بل بقرارات جائرة واتهامات باطلة، فلا تضمن ذلك المال؛- لأنها لم تفرط .
الهوامش:
1 - مجموع الفتاوي (31/200) وذكرها بلفظ «متى فرط العامل في المال أو اعتدى فعليه ظمانه» كما في (30/88)، وانظر الأم للشافعي (3/190) الفروق للقرافي ( 2/207)؛ حيث وردت عنده بلفظ (التسبب موجب للضمان) قال: لكن حصل الاتفاق من حيث الجملة ثم ذكرها، وراجع إعلام الموقعين (4/43)، والطرق الحكمية (ص126) بلفظ «من تسبب إلى إتلاف مال غيره وجب عليه ضمانه»، وفتاوي ابن الصلاح (1/331و337)، وفتح الباري لابن حجر (5/98) بلفظ «الترك كالفعل في باب الضمان».
2 - ينظر أحكام الأوقاف ص202 .
3 - مجموع الفتاوي (29/197).
4 - تبصرة الحكام (2/173).
5 -مجموع الفتاوي (29/197).
6 - حاشية ابن عابدين ( 6/523).
7 - راجع مجموع الفتاوي (28/184-185).
8 - الفتاوي الكبرى (3/542) ومجموع الفتاوي (31/265،230).
9 - الفتاوي الكبرى (3/542) ومجموع الفتاوي (31/265).
10 - مجموعة الفتاوي (31/199).
11 - مجموع الفتاوي (31/79)، وراجع الهداية مع فتح القدير (10/304)، والمغني لابن قدامة (12/62).
اعداد: عيسى القدومي