عرض مشاركة واحدة
  #1413  
قديم 27-07-2025, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ العلق
الحلقة (1413)
صــ 511 الى صــ520






وقال آخرون: بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد يدخلون في الذين ردّوا إلى أسفل سافلين، لأن أرذل العمر قد يردّ إليه المؤمن والكافر. قالوا: وإنما استثنى قوله: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) من معنى مضمر في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) قالوا: ومعناه: ثم رددناه أسفل سافلين، فذهبت عقولهم وخرفوا، وانقطعت أعمالهم، فلم تثبت لهم بعد ذلك حسنة (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فإن الذي كانوا يعملونه من الخير، في حال صحة عقولهم، وسلامة أبدانهم، جار لهم بعد هرمهم وخَرَفهَم.
وقد يُحتمل أن يكون قوله: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) استثناء منقطعا، لأنه يحسن أن يقال: ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لهم أجر غير ممنون، بعد أن يردّ أسفل سافلين.
* ذكر من قال معنى هذا القول:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال: فأيما رجل كان يعمل عملا صالحا وهو قوي شاب، فعجز عنه، جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) يقول: إذا كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها، ثم كبر حتى ذهب عقله، كُتب له مثل عمله الصالح، الذي كان يعمل في شبيبته، ولم يُؤاخذ بشيء مما عمل في كبره، وذهاب عقله، من أجل أنه مؤمن، وكان يطيع الله في شبيبته.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) قال: إلى أرذل العمر، فإذا بلغ المؤمن إلى أرذل العمر، كُتِبَ له كأحسن ما كان يعمل في شبابه وصحته، فهو قوله: (فَلَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فإنه يكتب له من الأجر، مثل ما كان يعمل في الصحة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: إذا بلغ من الكبر ما يعجز عن العمل، كُتِب له ما كان يعمل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فإنه يُكتب لهم حسناتهم ويُتجاوز لهم عن سيئاتهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رَزين عن ابن عباس (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: هم الذين أدركهم الكبر، لا يؤاخذون بعمل عملوه في كبرهم، وهم هَرْمَى لا يعقلون.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سُئل عكرمة، عن قوله: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال: يوفيه الله أجره أو عمله، ولا يؤاخذه إذا رُدّ إلى أرذل العمر.
حدثني يعقوب، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت الحكم يحدّث، عن عكرِمة (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: الشيخ الهرم لم يضرّه كبره إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: من أدركه الهرم، وكان يعمل صالحا، كان له مثل أجره إذا كان يعمل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم رددناه أسفل سافلين في جهنم، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون، فعلى هذا التأويل: إلا الذين آمنوا
وعملوا الصالحات مستثنون من الهاء في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ) ، وجاز استثناؤهم منها إذ كانت كناية للإنسان، وهو بمعنى الجمع، كما قال: (إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا) : إلا من آمن.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) : في النار (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال الحسن: هي كقوله: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة، قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال صحتهم وشبابهم، فلهم أجر غير ممنون بعد هرمهم، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة لما وصفنا من الدلالة على صحة القول بأن تأويل قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) إلى أرذل العمر.
اختلفوا في تأويل قوله: (غَيْرُ مَمْنُونٍ) فقال بعضهم: معناه: لهم أجر غير منقوص.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) يقول: غير منقوص.
وقال آخرون: بل معناه: غير محسوب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) : غير محسوب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال: غير محسوب.
قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال: غير محسوب.
وقد قيل: إن معنى ذلك: فلهم أجر غير مقطوع.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: فلهم أجر غير منقوص، كما كان له أيام صحته وشبابه، وهو عندي من قولهم: جبل مَنِين: إذا كان ضعيفا؛ ومنه قول الشاعر:
أعْطَوْا هُنَيْدَة يَحْدُوها ثَمَانِيَة ... ما فِي عَطائِهمُ مَنٌّ وَلا سَرَف (1)
يعني: أنه ليس فيه نقص، ولا خطأ.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ) فقال بعضهم معناه: فمن يكذّبك يا محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها، بالدين، يعني: بطاعة الله، وما بعثك به من الحقّ، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: "ما" في معنى "مَنْ" ، لأنه عُنِيَ به ابن آدم، ومن بعث إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما يكذّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، قال: قلت لمجاهد: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) عني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! عُني به الإنسان.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عمن سمع مجاهدا يقول: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) قلت: يعني به: النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إنما يعني به الإنسان.
(1)
رواه القرطبي في تفسيره 1: 128 "الصراط الواضح" .

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) أعني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إنما عُنِيَ به الإنسان.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبيّ (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) ؟ إنما يعني الإنسان، يقول: خلقتك في أحسن تقويم، فما يكذّبك أيها الإنسان بعد بالدين.
وقال آخرون: إنما عني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل له: استيقن مع ما جاءك من الله من البيان، أن الله أحكم الحاكمين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) أي استيقن بعد ما جاءك من الله البيان (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى "ما" معنى "مَنْ" ، ووجه تأويل الكلام إلى: فمن يكذبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين؟ يعني: بطاعة الله، ومجازاته العباد على أعمالهم. وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية بمعنى: فما الذي يكذّبك بأن الناس يدانون بأعمالهم؟ وكأنه قال: فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب، بعد ما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا.
واختلفوا في معنى قوله: (بِالدِّينِ) فقال بعضهم: بالحساب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الرحمن بن الأسود الطُّفاوي، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن النضر بن عربيّ، عن عكرِمة، في قوله: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) قال: الحساب.
وقال آخرون: معناه: بحكم الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) يقول: ما يكذّبك بحكم الله.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: الدين في هذا الموضع: الجزاء والحساب، وذلك أن أحد معانى الدين في كلام العرب: الجزاء والحساب؛ ومنه قولهم:



كما تدين تُدان. ولا أعرف من معاني الدين "الحكم" في كلامهم، إلا أن يكون مرادا بذلك: فما يكذّبك بعد بأمر الله الذي حكم به عليك أن تطيعه فيه؟ فيكون ذلك.
وقوله: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول تعالى ذكره: أليس الله يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه، وفصل قضائه بين عباده؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك فيما بلغنا قال: بَلى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: "بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين" .
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، قال: كان ابن عباس إذا قرأ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) قال: سبحانك اللهمّ، وبلى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: كان قتادة إذا تلا (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، أحسبه كان يرفع ذلك؛ وإذا قرأ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ؟ قال: بلى، وإذا تلا (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) قال: آمنت بالله، وبما أنزل.
آخر تفسير سورة والتين



تفسير سورة اقرأ باسم ربك



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) } .
يعني جل ثناؤه بقوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك (الَّذِي خَلَقَ) ثم بين الذي خلق فقال: (خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) يعني: من الدم، وقال: من علق؛ والمراد به من علقة، لأنه ذهب إلى الجمع، كما يقال: شجرة وشجر، وقصَبة وَقصَب، وكذلك علقة وعَلَق. وإنما قال: من علق والإنسان في لفظ واحد، لأنه في معنى جمع، وإن كان في لفظ واحد، فلذلك قيل: من عَلَق.
وقوله: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ) يقول: اقرأ يا محمد وربك الأكرم (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) خَلْقَهُ للكتابة والخط.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) قرأ حتى بلغ (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) قال: القلم: نعمة من الله عظيمة، لولا ذلك لم يقم، ولم يصلح عيش. وقيل: إن هذه أوّل سورة نزلت في القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أحمد بن عثمان البصري، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي،
قال: سمعت النعمان بن راشد يقول عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة أنها قالت كان أوّل ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة؛ كانت تجيء مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، فكان بغار حراء يتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ثم يرجع إلى أهله فيتزوّد لمثلها، حتى فجأه الحق، فأتاه، فقال: يا محمد أنت رسول الله، قال رسول الله: "فَجَثَوْتُ لِرُكْبَتيَّ وأنا قائِمٌ، ثُمَّ رَجَعْتُ تَرْجُفُ بَوَادِرِي، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلى خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، حتى ذَهَبَ عنِّي الرَّوْعُ، ثُمَّ أتانِي فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، أنا جِبْرِيُل وأنْتَ رَسُولُ اللهِ، قال: فَلَقَدْ هَمَمْت أنْ أطْرَحَ نَفسِي مِنْ حالِقٍ [مِنْ جَبَلٍ] ، فَتَمَثَّل إليَّ حِينَ هَمَمْتُ بذلكَ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، أنا جِبْرِيلُ، وأنْتَ رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قالَ: اقْرأ، قُلْتُ: ما أقْرأ؟ قال: فأخَذَنِي فَغطَّنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ، حتى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ قالَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فَقَرأتُ، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقَلْتُ: لَقَدْ أشْفَقْتُ عَلى نَفْسِي، فأخْبَرْتُها خَبرِي، فَقالَتْ: أبْشِرْ، فَوَاللهِ لا يُخْزِيكَ الله أبدًا، وَوَاللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتُؤَدِّي الأمانَةَ، وَتحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلى نَوَائِبِ الْحَقّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِي إلى وَرَقَةَ بنِ نَوْفَل بنِ أسَدٍ، قالَتْ: اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ، فَسأَلنِي، فأخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقالَ: هَذا النَّامُوسُ الَّذِي أُنزلَ عَلَى مُوسَى صَلى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، لَيْتَنِي فِيها جَذَعٌ، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، قُلْتُ: أوَ مُخْرِجيَّ هُمْ؟ قال: نَعَمْ، إنَّهُ لَمْ يَجِئ رَجُلٌ قَطّ بِمَا جِئْتَ بِهِ، إلا عُودِيَ، وَلَئِنْ أدْرَكَنِي يَوْمُك أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ كانَ أوَّل ما نزلَ عَليَّ مِنَ القُرْآنِ بَعْدَ (اقرأ) : (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) و (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) ."
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: ثني عروة أن عائشة أخبرته، وذكر نحوه، غير أنه لم يقل: "ثم كان أوّل ما أنزل عليّ من القرآن ... الكلام إلى آخره."
حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال: ثنا عبد الله بن شدّاد، قال: أتى جبريل محمدا، فقال: يا محمد اقرأ، فقال:
"وما أقرا؟" قال: فضمه، ثم قال: يا محمد اقرأ، قال: "وما اقرأ؟" قال: (بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) حتى بلغ (عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) . قال: فجاء إلى خديجة، فقال: "يا خديجة ما أراه إلا قد عرض لي" ، قالت: كلا والله ما كان ربك يفعل ذلك بك، وما أتيت فاحشة قطّ؛ قال: فأتت خديجة ورقة فأخبرته الخبر، قال: لئن كنت صادقة إن زوجك لنبيّ، ولَيَلْقَينّ من أمته شدة، ولئن أدركته لأومننّ به، قال: ثم أبطأ عليه جبريل، فقالت له خديجة: ما أرى ربك إلا قد قلاك، فأنزل الله: (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]