عرض مشاركة واحدة
  #1372  
قديم 27-07-2025, 05:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإنسان
الحلقة (1372)
صــ 101 الى صــ110






* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في: (إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) قال: العَبوس: الشرّ، والقَمْطَرير: الشديد.
وقوله: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا)
يقول جل ثناؤه: فدفع الله عنهم ما كانوا في الدنيا يحذرون من شر اليوم العبوس القمطرير بما كانوا في الدنيا يعملون مما يرضي عنهم ربهم، لقَّاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل،
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) قال: نَضْرة في الوجوه، وسرورا في القلوب.
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم.
حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) قال: نعمة وسرورا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا (13) } .
يقول تعالى ذكره: وأثابهم الله بما صبروا في الدنيا على طاعته، والعمل بما يرضيه عنهم جنة وحريرا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) يقول: وجزاهم بما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصيته ومحارمه، جنة وحريرا.
وقوله: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) يقول: متكئين في الجنة على السُّرر في
الحجال، وهي الأرائك واحدتها أريكة. وقد بيَّنا ذلك بشواهده، وما فيه من أقوال أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته، غير أنا نذكر في هذا الموضع من الرواية بعض ما لم نذكره إن شاء الله تعالى قبل.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) يعني: الحِجال.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) كنا نُحدَّث أنها الحجال فيها الأسرّة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) قال: السُّرُر في الحجال. ونصب (مُتَّكِئِينَ) فيها على الحال من الهاء والميم.
وقوله (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا) يقول تعالى ذكره: لا يرَوْن فيها شمسا فيؤذيهم حرّها، ولا زمهريرا، وهو البرد الشديد، فيؤذيهم بردها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد، قال: الزمهرير: البرد المفظع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا) يعلم أن شدّة الحرّ تؤذي، وشدّة القرّ تؤذي، فوقاهم الله أذاهما.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن السُّدِّيّ، عن مرّة بن عبد الله قال في الزمهرير: إنه لون من العذاب، قال الله: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّها، فَقالَتْ: رَبّ، أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَنَفِّسْنِي، فأذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عامٍ بِنَفَسَيْنِ؛ فأشَدَّ ما تَجِدُونَ مِنَ البَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ وأشَدَّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ" .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) } .
يعني تعالى ذكره بقوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا) وقَرُبت منهم ظلال أشجارها.
ولنصب دانية أوجه: أحدها: العطف به على قوله: (مُتَّكِئِين فِيها) . والثاني: العطف به على موضع قوله: (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا) لأن موضعه نصب، وذلك أن معناه: متكئين فيها على الأرائك، غير رائين فيها شمسًا. والثالث: نصبه على المدح، كأنه قيل: متكئين فيها على الأرائك، ودانية بعد عليهم ظلالها، كما يقال: عند فلان جارية جميلة، وشابة بعد طرية، تضمر مع هذه الواو فعلا ناصبا للشابة، إذا أريد به المدح، ولم يُرَد به النَّسَق؛ وأُنِّثَتْ دانيةً لأن الظلال جمع. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بالتذكير: (وَدَانِيا عَلَيْهِمْ ظِلالُها) وإنما ذكر لأنه فعل متقدّم، وهي في قراءة فيما بلغني: (وَدَانٍ) رفع على الاستئناف.
وقوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) يقول: وذُلِّل لهم اجتناء ثمر شجرها، كيف شاءوا قعودا وقياما ومتكئين.
وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) قال: إذا قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلَّت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلَّت حتى ينالها، فذلك تذليلها.
حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) قال: لا يردُّ أيديَهم عنها بُعد ولا شوك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) قال: الدانية: التي قد دنت عليهم ثمارها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) قال: يتناوله كيف شاء جالسا ومتكئا.
وقوله: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ) يقول تعالى ذكره: ويُطاف على هؤلاء الأبرار بآنية من الأواني التي يشربون فيها شرابهم، هي من فضة كانت قواريرًا، فجعلها فضة، وهي في صفاء القوارير، فلها بياض الفضة وصفاء الزجاج.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ) يقول: آنية من فضة، وصفاؤها وتهيؤها كصفاء القوارير.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد (من فضة) ، قال: فيها رقة القوارير في صفاء الفضة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: صفاء القوارير وهي من فضة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) أي صفاء القوارير في بياض الفضة.
وقوله: (وأكْوَابٍ) يقول: ويُطاف مع الأواني بجرار ضِخام فيها الشراب، وكلّ جرّة ضخمة لا عروة لها فهي كوب.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وأكْوَابٍ) قال: ليس لها آذان.
وقد حدثنا ابن حميد: قال: ثنا مهران، عن سفيان بهذا الحديث بهذا الإسناد عن مجاهد، فقال: الأكواب: الأقداح.
وقوله: (كَانَتْ قَوَارِيرَ) يقول: كانت هذه الأواني والأكواب قواريرًا، فحوّلها الله فضة. وقيل: إنما قيل: ويطاف عليهم بآنية من فضة، ليدلّ بذلك على أن أرض الجنة فضة، لأن كل آنية تُتَّخذ، فإنما تُتَّخذ من تُرْبة الأرض التي فيها، فدلّ جلّ ثناؤه بوصفه الآنية متى يطاف بها على أهل الجنة أنها من فضة، ليعلم عباده أن تربة أرض الجنة فضة.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله "قوارير، وسلاسل" ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة غير حمزة: سَلاسِلا وقواريرا (قَوَارِيرًا) بإثبات الألف والتنوين وكذلك هي في مصاحفهم، وكان حمزة يُسْقط الألِفات من ذلك كله، ولا يجري شيئا منه، وكان أبو عمرو يُثبت الألف في الأولى من قوارير، ولا يثبتها في الثانية، وكلّ ذلك عندنا صواب، غير أن الذي ذَكَرت عن أبي عمرو أعجبهما إليّ، وذلك أن الأوّل من القوارير رأس آية، والتوفيق بين ذلك وبين سائر رءوس آيات السورة أعجب إليّ إذ كان ذلك بإثبات الألفات في أكثرها.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا (18) } .
يقول تعالى ذكره: (قَوَارِيرَا) في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض (1) .
كما حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: قال الحسن، في قوله: (كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: صفاء القوارير في بياض الفضة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله الله (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: بياض الفضة في صفاء القوارير.
حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا ابن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: (كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: كان ترابها من فضة.
وقوله: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: صفاء الزجاج في بياض الفضة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: (قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: لو احتاج أهل الباطل (2) أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: هي من فضة، وصفاؤها: صفاء القوارير في بياض الفضة.
(1)
الخبر 144- الحسين بن داود: اسمه "الحسين" ولقبه "سنيد" ، بضم السين المهملة وفتح النون. واشتهر بهذا اللقب، وترجم به في التهذيب 4: 244- 245، وفي الجرح والتعديل 3 / 1 / 326. وحجاج: هو ابن محمد المصيصي، من شيوخ الإمام أحمد. وهذا الأثر عن مجاهد، سيرويه الطبري في تفسير آية الأعراف (9: 18 بولاق) - بإسناد آخر.

(2)
الحديث 145- هو حديث لا أصل له. وهو جزء من الحديث الموضوع الذي روى الطبري بعضه فيما مضى 140، بهذا الإسناد. وفصلنا القول فيه هناك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) قال: على صفاء القوارير، وبياض الفضة.
وقوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) يقول: قدّروا تلك الآنية التي يُطاف عليهم بها تقديرا على قَدْر رِيِّهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قُدّرت لريّ القوم.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قدر ريِّهم.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: لا تنقص ولا تفيض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: لا تَترع فتُهراق، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) لريِّهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قدرت على ريّ القوم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قدّروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: ممتلئة لا تُهَراق، وليست بناقصة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قدّروها على قدر الكفّ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه،
عن ابن عباس: (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) قال: قدرت للكفّ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: (قَدَّرُوها) بفتح القاف، بمعنى: قدّرها لهم السُّقاة الذين يطوفون بها عليهم. ورُوي عن الشعبيّ وغيره من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك بضم القاف، بمعنى: قُدّرت عليهم، فلا زيادة فيها ولا نقصان.
والقراءة التي لا أستجير القراءة بغيرها فتح القاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقوله: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) يقول تعالى ذكره: ويُسْقَى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة كأسا، وهي كلّ إناء كان فيه شراب، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له: كأس، وإنما يقال له: إناء، كما يقال للطبق الذي تهدى فيه الهدية: المِهْدَى مقصورا ما دامت عليه الهدية فإذا فرغ مما عليه كان طبقا أو خِوَانا، ولم يكن مِهْدًى (كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) يقول: كان مزاج شراب الكأس التي يُسقون منها زنجبيلا.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: يمزج لهم شرابهم بالزنجبيل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) قال: تمزج بالزنجبيل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) قال: يأثُرُ لهم ما كانوا يشربون في الدنيا. زاد الحارث في حديثه: فَيُحَبِّبُهُ إليهم.
وقال بعضهم: الزنجبيل: اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) رقيقة يشربها المقرّبون صِرْفا، وتمزج لسائل أهل الجنة. وقوله: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) يقول تعالى ذكره: عينا في الجنة تسمى سلسبيلا. قيل: عُنِي بقوله سلسبيلا سلسة مُنقادا ماؤها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) عينا سلسة مستقيدا ماؤها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) قال: سلسة يصرفونها حيث شاءوا.
وقال آخرون: عُني بذلك أنها شديدة الجِرْيَةِ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) قال: حديدة الجِرْية.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سلسة الجرية.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) حديدة الجِرْية.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
واختلف أهل العربية في معنى السلسبيل وفي إعرابه، فقال بعض نحويِّي البصرة، قال بعضهم: إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل. وقال بعضهم: إنما أراد عينا تسمى سلسبيلا أي: تسمى من طيبها السلسبيل أي: توصف للناس كما تقول: الأعوجّي والأرحبيّ والمهريّ من الإبل، وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى الخيل المعروفة المنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى، لأن القرآن نزل على كلام العرب، قال: وأنشدني يونس:
صَفْرَاءُ مِنْ نَبْعٍ يُسَمَّى سَهْمُها ... مِنْ طُولِ ما صَرَعَ الصُّيُودَ الصَّيِّبُ (1)
(1)
قوله: "أن يقال" من تمام قوله في السطر الثالث "ولكن الواجب-" خبر لكن.

فرفع الصَّيِّبُ لأنه لم يرد أن يسمى بالصَّيب، إنما الصَّيب من صفة الاسم والسهم، وقوله: "يسمى سهمها" أي يذكر سهمها. قال: وقال بعضهم: لا بل هو اسم العين، وهو معرفة، ولكنه لما كان رأس آية، وكان مفتوحا، زيدت فيه الألف، كما قال: (كَانت قَوارِيرا) . وقال بعض نحويِّي الكوفة: السلسبيل: نعت أراد به سلس في الحلق، فلذلك حَرِيّ أن تسمى بسلاستها.
وقال آخر منهم: ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكروا أنه صفة للماء لسلسه وعذوبته؛ قال: ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر، ولم نر أحدا ترك إجراءها وهو جائز في العربية، لأن العرب تجري ما لا يجرى في الشعر، كما قال متمم بن نويرة:
فَمَا وَجْدُ أظْآرٍ ثَلاثٍ رَوَائمٍ ... رأيْنَ مخَرًّا مِنْ حُوَارٍ ومَصْرَعا (1)
فأجرى روائم، وهي مما لا يُجرَى.
والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله: (تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) صفة للعين، وصفت بالسلاسة في الحلق، وفي حال الجري، وانقيادها لأهل الجنة يصرّفونها حيث شاءوا، كما قال مجاهد وقتادة؛ وإنما عني بقوله (تُسَمَّى) : توصف.
(1)
الأضداد لابن الأنباري: 163، والخزانة 4: 490، وقال: "لم أقف على تتمته وقائله، مع أنه مشهور، قلما خلا منه كتاب نحوي، والله أعلم" .

وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لإجماع أهل التأويل على أن قوله: (سَلْسَبِيلا) صفة لا اسم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) } .
يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء الأبرار ولدان، وهم الوصفاء، مخلَّدون.
اختلف أهل التأويل في معنى: (مُخَلَّدُونَ) فقال بعضهم: معنى ذلك: أنهم لا يموتون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) أي: لا يموتون.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: عني بذلك (وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) مُسَوّرون.
وقال آخرون: بل عني به أنهم مقرّطون. وقيل: عني به أنهم دائم شبابهم، لا يتغيرون عن تلك السنّ.
وذُكر عن العرب أنها تقول للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره: إنه لمخلَّد؛ كذلك إذا كبر وثبت أضراسه وأسنانه قيل: إنه لمخلد، يراد به أنه ثابت الحال، وهذا تصحيح لما قال قتادة من أن معناه: لا يموتون، لأنهم إذا ثبتوا على حال واحدة فلم يتغيروا بهرم ولا شيب ولا موت، فهم مخلَّدون. وقيل: إن معنى قوله: (مُخَلَّدُوَن) مُسَوّرون بلغة حِمْير؛ وينشد لبعض شعرائهم:
وَمُخَلَّدَاتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّمَا ... أعْجازُهُنَّ أقاوِزُ الْكُثْبانِ (1)
(1)
لا تمانع: أي لا اختلاف بينهم، يدعو بعضهم إلى دفع ما يقوله الآخر.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]