
26-07-2025, 11:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المجادلة
الحلقة (1316)
صــ 231 الى صــ240
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدى، قال: ثنا أشعث، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسًا أن يغشى المظاهر دون الفرج.
حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد، قال، قال سفيان: إنما المظاهرة عن الجماع. ولم ير بأسًا أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج، أو حيث يشاء، أو يباشر.
وقال آخرون: عني بذلك كلّ معاني المسيس، وقالوا: الآية على العموم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا وهيب، عن يونس، قال: بلغني عن الحسن أنه كره للمظاهر المسيس.
وقوله: (ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ) يقول تعالى ذكره: أوجب ربكم ذلك عليكم عظة لكم تتعظون به، فتنتهون عن الظهار وقول الزور. (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم التي تعملونها أيها الناس ذو خبرة، لا يخفى عليه شيء منها، وهو مجازيكم عليها، فانتهوا عن قول المنكر والزور.
القول في تأويل قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا
ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
يقول تعالى ذكره: فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحرّرها، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا; والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيئ منهما إلا من عذر، فإنه إذا كان الإفطار بالعذر ففيه اختلاف بين أهل العلم، فقال بعضهم: إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر، بنى على ما مضى من الصوم.
وقال آخرون: بل يستأنف، لأن من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين.
ذكر من قال: إذا أفطر بعذر وزال العذر بنى وكان متابعًا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجل صام من كفارة الظهار، أو كفارة القتل، ومرض فأفطر، أو أفطر من عذر، قال: عليه أن يقضي يومًا مكان يوم، ولا يستقبل صومه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، بمثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في المظاهر، الذي عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرًا، ثم أفطر، قال: يتمّ ما بقي.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب في رجل صام من كفارة الظهار شهرًا أو أكثر ثم مرض، قال: يعتدّ بما مضى إذا كان له عذر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سالم بن نوح، قال: ثنا عمر بن عامر، عن
قتادة، عن الحسن، في الرجل يكون عليه الصوم في قتل أو نذر أو ظهار، فصام بعضه ثم أفطر، قال: إن كان معذورًا فإنه يقضي.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن، قال: إن أفطر من عذر أتمّ، وإن كان من غير عذر استأنف.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن حجاج، عن عطاء، قال: من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر، قال: يقضي ما بقي عليه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جُرَيْج، عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار في الرجل يفطر في اليوم الغيم، يظنّ أن الليل قد دخل عليه في الشهرين المتتابعين، أنه لا يزيد على أن يبدّله، ولا يستأنف شهرين آخرين.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك، عن عطاء قال: إن جامع المعتكف، وقد بقي عليه أيام من اعتكافه، قال: يتمّ ما بقي، والمظاهر كذلك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن جُرَيح، عن عطاء، قال: إذا كان شيئًا ابتلي به بنى على صومه، وإذا كان شيئًا هو فعله استأنف، قال: سفيان: هذا معناه.
حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في رجل ظاهر، فصام شهرين متتابعين إلا يومين ثم مرض، قال: يتمّ ما بقي.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل عن الشعبي بنحوه.
حدثنا أبو كُرَيب ويعقوب قالا ثنا هشيم، عن إسماعيل، عن الشعبي في رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام فمرض فأفطر، قال: يقضي ولا يستأنف.
ذكر من قال: يستقبل من أفطر بعذر أو غير عذر:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم في رجل عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر، قال: يستأنف، والمرأة إذا حاضت فأفطرت تقضي.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا مرض فأفطر استأنف، يعني من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا هشيم، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: يستأنف.
وأولى القولين عندنا بالصواب قول من قال: يبني المفطر بعذر، ويستقبل المفطر بغير عذر، لإجماع الجميع على أن المرأة إذا حاضت في صومها الشهرين المتتابعين بعذر، فمثله، لأن إفطار الحائض بسبب حيضها بعذر كان من قِبل الله، فكلّ عذر كان من قِبل الله فمثله.
وقوله: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) يقول تعالى ذكره: فمن لم يستطع منهم الصيام فعليه إطعام ستين مسكينًا، وقد بينا وجه الإطعام في الكفارات فيما مضى قبل، فأغنى ذلك عن إعادته.
وقوله: (ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) يقول جلّ ثناؤه: هذا الذي فرضت على من ظاهر منكم، ما فرضت في حال القدرة على الرقبة، ثم خففت عنه مع العجز بالصوم، ومع فقد الاستطاعة على الصوم بالإطعام، وإنما فعلته كي تقر الناس بتوحيد الله ورسالة الرسول محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ويصدّقوا بذلك، ويعملوا به، وينتهوا عن قول الزور والكذب، (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: وهذه الحدود التي حدّها الله لكم، والفروض التي بينها لكم حدود الله فلا تتعدّوها أيها الناس، (وَلِلْكَافِرِينَ) بها، وهم جاحدو هذه الحدود وغيرها -من فرائض الله أن تكون من عند الله-، (عَذَابٌ أَلِيمٌ) يقول: عذاب مؤلم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) }
يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون الله في حدوده وفرائضه، فيجعلون حدودًا غير حدوده، وذلك هو المحادّة لله ولرسوله.
وأما قتادة فإنه كان يقول في معنى ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يقول: يعادون الله ورسوله.
وأما قوله: (كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فإنه يعني: غيظوا وأخزوا كما غيظ الذين من قبلهم من الأمم الذين حادوا الله ورسوله، وخزُوا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) خزوا كما خزي الذين من قبلهم.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معنى (كُبِتُوا) : أهلكوا.
وقال آخر منهم: يقول: معناه غيظوا وأخزوا يوم الخندق، (كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يريد من قاتل الأنبياء من قبلهم.
وقوله: (وَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) يقول: وقد أنزلنا دلالات مفصلات، وعلامات محكمات تدل على حقائق حدود الله.
وقوله: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) يقول تعالى ذكره: ولجاحدي تلك الآيات البيِّنَات التي أنزلناها على رسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ومنكريها عذاب يوم القيامة، مهين: يعني مذلّ في جهنم.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) }
يقول تعالى ذكره: وللكافرين عذاب مهين في يوم يبعثهم الله جميعًا، وذلك (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا) من قبورهم لموقف القيامة، (فَيُنَبِّئُهُمْ) الله (بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) . يقول تعالى ذكره: أحصى الله ما عملوا، فعدّه عليهم، وأثبته وحفظه، ونسيه عاملوه. (والله على كل شيء شهيد) يقول: (وَاللَّهُ) جل ثناؤه (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) عملوه، وغير ذلك من أمر خلقه (شَهِيدٌ) يعني: شاهد يعلمه ويحيط به، فلا يعزب عنه شيء منه.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ألم تنظر يا محمد بعين قبلك فترى (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) من شيء، لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره؛ يقول جلّ ثناؤه: فكيف يخفى على من كانت هذه صفته أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم، ثم وصف جلّ ثناؤه قربه من عباده وسماعه نجواهم، وما يكتمونه الناس من أحاديثهم، فيتحدثونه سرًا بينهم، فقال: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ) من خلقه، (إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ) ، يسمع سرّهم ونجواهم، لا يخفى عليه شيء من أسرارهم، (وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ
سَادِسُهُمْ) يقول: ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك، (وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ) يقول: ولا أقل من ثلاثة (وَلا أَكْثَرَ) من خمسة، (إِلا هُوَ مَعَهُمْ) إذا تناجوا، (أَيْنَمَا كَانُوا) يقول: في أيّ موضع ومكان كانوا.
وعني بقوله: (هُوَ رَابِعُهُمْ) ، بمعنى: أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه. كما حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثني نصر بن ميمون المضروب، قال: ثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك، في قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ) ... إلى قوله: (هُوَ مَعَهُمْ) قال: هو فوق العرش وعلمه معهم (أَيْنَمَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
وقوله: (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يقول تعالى ذكره: ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل، مما يحبه ويسخطه يوم القيامة. (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يقول: إن الله بنجواهم وأسرارهم، وسرائر أعمالهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده عليم.
واختلفت القراء في قراءة قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ) ، فقرأت قرّاء الأمصار ذلك (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى) بالياء، خلا أبي جعفر القارئ، فإنه قرأه (مَا تَكُونُ) بالتاء. والياء هي الصواب في ذلك، لإجماع الحجة عليها، ولصحتها في العربية.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى) من اليهود، (ثُمَّ يَعُودُونَ) ، فقد نهى الله عز وجل إياهم عنها، ويتناجون بينهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى) قال: اليهود.
قوله: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ) يقول جلّ ثناؤه: ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه من النجوى، (وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) يقول جلّ ثناؤه: ويتناجون بما حرّم الله عليهم من الفواحش والعدوان، وذلك خلاف أمر الله، ومعصية الرسول محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَيَتَنَاجَوْنَ) فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين والبصريين (وَيَتَنَاجَوْنَ) على مثال يتفاعلون، وكان يحيى وحمزة والأعمش يقرءون (وَيَنْتَجُونَ) على مثال يفتعلون. واعتلّ الذين قرءوه (يَتَنَاجَوْنَ) بقوله: (إِذَا تَنَاجَيْتُمْ) ولم يقل: إذا انتجيتم.
وقوله: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وإذا جاءك يا محمد هؤلاء الذين نهوا عن النجوى، الذين وصف الله جلّ ثناؤه صفتهم، حيوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية، وكانت تحيتهم التي كانوا يحيونه بها، التي أخبر الله أنه لم يحيه بها فيما جاءت به الأخبار، أنهم كانوا يقولون: السام عليك.
ذكر الرواية الواردة بذلك:
حدثنا ابن حُميد وابن وكيع قالا ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: "جاء ناس"
من اليهود إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم وفعل، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا عائشة إنَّ الله لا يُحِبُّ الفُحش، فقلت: يا رسول الله، ألست ترى ما يقولون؟ فقال: "ألست ترينني أرد عليهم ما يقولون؟ أقول: عليكم" وهذه الآية في ذلك نزلت: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: "كان اليهود يأتون النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيقولون: السام عليكم، فيقول: عليكم، قالت عائشة: السام عليكم وغضب الله، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:" إنَّ الله لا يحبُّ الفاحشَ المُتَفحِّشَ "، قالت: إنهم يقولون: السام عليكم، قال:" إني أقول: عليكم "، فنزلت: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) قال: فإن اليهود يأتون النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيقولون: السام عليكم."
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) قال: كانت اليهود يأتون النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيقولون: السام عليكم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) ... إلى (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا حيوه: سام عليكم، فقال الله: (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح.
عن مجاهد، في قوله: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) قال: يقولون: سام عليكم، قال: هم أيضًا يهود.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) قال: اليهود كانت تقول: سام عليكم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري أن عائشة فطنت إلى قولهم، فقالت: وعليكم السامة واللعنة، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "مهلا يا عائشة إن الله يحِبُّ الرّفْقَ في الأمرِ كُلُّه" ، فقالت: يا نبيّ الله ألم تسمع ما يقولون؟ قال: "أفلم تسمعي ما أردُّ عليهم؟ أقول: عليكم" .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أنّ نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بينما هو جالس مع أصحابه، إذ أتى عليهم يهوديّ، فسلم عليهم، فردوا عليه، فقال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "هَلْ تَدْرُونَ ما قَال؟" قالوا: سلم يا رسول الله، قال: "بَلْ قَالَ: سأْمٌ عليْكُمْ، أي تسأمون دينكم، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:" أَقُلْتَ سَأمٌ عليْكُمْ؟ قَالَ: نعم، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إذا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكَ" : أي عليك ما قلت.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) قال: هؤلاء يهود، جاء ثلاثة نفر منهم إلى باب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فتناجوا ساعة، ثم استأذن أحدهم، فأذن له النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: السام عليكم، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "عَلَيْكَ" ، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الثَالِثُ قال ابن زيد: السام: الموت.
وقوله جلّ ثناؤه: (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ) يقول جل ثناؤه: ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود: هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيعجل عقوبته لنا على ذلك، يقول الله: حَسْب قائلي ذلك يا محمد جهنم، وكفاهم بها يصلونها يوم القيامة، فبئس المصير جهنم.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) }
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|