
26-07-2025, 09:48 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الحديد
الحلقة (1309)
صــ 161 الى صــ170
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ) قال: الروح: الرحمة، والرَّيحان: يتلقى به عند الموت.
وقال آخرون منهم: الرَّوْح: الرحمة، والرَّيحان: الاستراحة.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ) الرَّوْح: المغفرة والرحمة، والرَّيحان: الاستراحة.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن منذر الثوريّ، عن الربيع بن خثيم (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) قال: هذا عند الموت (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ) قال: يُجاء له من الجنة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) قال: ذلك في الآخرة، فقال له بعض القوم قال: أما والله إنهم ليرون عند الموت.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد، قال: ثنا قرة، عن الحسن، بمثله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي: قول من قال: عني بالرَّوْح: الفرح والرحمة والمغفرة، وأصله من قولهم: وجدت روحا: إذا وجد نسيما يستروح إليه من كرب الحرّ. وأما الريحان، فإنه عندي الريحان الذي يتلقى به عند الموت، كما قال أبو العالية والحسن، ومن قال في ذلك نحو قولهما، لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه.
وقوله: (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) يقول: وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وجنة نعيم قال: قد عُرِضت عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) }
يقول تعالى ذكره: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ) الميت (مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) الذين يؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) .
ثم اختلف في معنى قوله: (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) فقال أهل التأويل فيه ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلام من عند الله، وسلمت عليه ملائكة الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) قال: سلم مما يكره.
وأما أهل العربية، فإنهم اختلفوا في ذلك (1) فقال بعض نحوَّيي البصرة (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) : أي فيقال سلم لك. وقال بعض نحوَّيي الكوفة: قوله: (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) : أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت "أن" ونوى معناها، كما تقول: أنت مصدّق مسافر عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل، ومصدّق عن قليل. قال: وقوله: (فَسَلامٌ لَكَ) معناه: فسلم لك أنت من أصحاب اليَمِين. قال: وقد
(1) جمهور كلام المؤلف الذي نقله عن أهل العربية من نحاة الكوفة هنا: هو من كلام الفراء في معاني القرآن، (الورقة 325 من مصورة الجامعة) نقل بعضه بنصه وتصرف في بعضه بلفظه.
يكون كالدعاء له، كقوله: فسُقيًا لك من الرجال. قال: وإن رفعت السلام فهو دعاء، والله أعلم بصوابه.
وقال آخر منهم قوله: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فإنه جمع بين جوابين، ليعلم أن أمَّا جزاء: قال: وأما قوله: (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) قال: وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا، ثم حذفت "أن" وأقيم "مِنْ" مَقامها. قال: وقد قيل: فسلام لك أنت من أصحاب اليَمِين، فهو على ذاك: أي سلام لك، يقال: أنت من أصحاب اليمين، وهذا كله على كلامين.
قال: وقد قيل مسلم: أي كما تقول: فسلام لك من القوم، كما تقول: فسُقيًا لك من القوم، فتكون كلمة واحدة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين، ثم حُذفت واجتزئ بدلالة مِنْ عليها منها، فسلمت من عذاب الله، ومما تكره، لأنك من أصحاب اليمين.
وقوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ) يقول تعالى: وأما إن كان الميت من المكذّبين بآيات الله، الجائرين عن سبيله، فله نزل من حميم قد أغلي حتى انتهى حرّه، فهو شرابه. (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) يقول: وحريق النار يحرق بها؛ والتصلية: التفعلة من صلاة الله النار فهو يصليه تصلية، وذلك إذا أحرقه بها.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) }
يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أخبرتكم به أيها الناس من الخبر عن المقرّبين وأصحاب اليمين، وعن المكذّبين الضالين، وما إليه صائرة أمورهم (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) يقول: لهو الحقّ من الخبر اليقين لا شكّ فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) قال: الخبر اليقين.
0حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) حتى ختم، إن الله تعالى ليس تاركا أحدا من خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القران. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا، فنفعه ذلك يوم القيامة. وأما الكافر، فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.
واختلف أهل العربية في وجه إضافة الحقّ إلى اليقين، والحق ليقين، فقال بعض نحويي البصرة، قال: حقّ اليقين، فأضاف الحق إلى اليقين، كما قال (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي ذلك دين الملَّة القيمة، وذلك حقّ الأمر اليقين. قال: وأما هذا رجل السَّوء، فلا يكون فيه هذا الرجل السَّوء، كما يكون في الحق اليقين، لأن السوء ليس بالرجل، واليقين هو الحقّ. وقال بعض أهل الكوفة: اليقين نعت للحقّ، كأنه قال: الحقّ اليقين، والدين القيم، فقد جاء مثله في كثير من الكلام والقرآن (وَلَدَارُ الآخِرَةُ * والدارُ الآخِرَةُ) قال: فإذا أضيف توهم به غير الأوّل.
وقوله: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) يقول تعالى ذكره: فسبح بتسمية ربك العظيم بأسمائه الحسنى.
آخر تفسير سورة الواقعة
تفسير سورة الحديد
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) }
يعني تعالى ذكره بقوله: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) أن كلّ ما دونه من خلقه يسبحه تعظيما له، وإقرارا بربوبيته، وإذعانا لطاعته، كما قال جلّ ثناؤه (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) .
وقوله: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يقول: ولكنه جلّ جلاله العزيز في انتقامه ممن عصاه، فخالف أمره مما في السموات والأرض من خلقه (الْحَكِيمُ) في تدبيره أمرهم، وتصريفه إياهم فيما شاء وأحبّ.
وقوله: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والأرض وما فيهنّ ولا شيء فيهنّ يقدر على الامتناع منه، وهو في جميعهم نافذ الأمر، ماضي الحكم.
وقوله: (يُحْيِي وَيُمِيتُ) يقول: يحيي ما يشاء من الخلق، بأن يوجده كيف يشاء، وذلك بأن يحدث من النطفة الميتة حيوانا، بنفخ الروح فيها من بعد تارات يقلبها فيها، ونحو ذلك من الأشياء، ويميت ما يشاء من الأحياء بعد الحياة بعد بلوغه أجله فيفنيه: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقول جلّ ثناؤه: وهو على كل شيء ذو قدرة، لا يتعذّر عليه شيء أراده، من إحياء
وإماتة، وإعزاز وإذلال، وغير ذلك من الأمور.
القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) }
القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) }
يقول تعالى ذكره: (هُوَ الأوَّلُ) قبل كل شيء بغير حدّ، (وَالآخِرُ) يقول: والآخر بعد كل شيء بغير نهاية. وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال جلّ ثناؤه: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ) . وقوله: (وَالظَّاهِرُ) يقول: وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه. (وَالْبَاطِنُ) يقول: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقال به أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك، والخبر الذي روي فيه:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) ، ذُكر لنا أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بينما هو جالس في أصحابه، إذ ثار عليهم سحاب، فقال: هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنَّها الرَّقِيعَ (1) مَوْجُ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ
(1) فيه سقط كما لا يخفي وفي الدر وابن كثير: قال هذا العنان، هذه روايا الأرض يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه، ثم قال تدرون ما فوقكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال فإنها الرقيع. إلخ
مَحْفُوظٌ، قال: فَهَلَ تَدوْرُنَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: مَسيرةُ خَمْس مِئِةِ سَنَةٍ، قال: فَهَلْ تَدْرُوْنَ ما فَوْقَ ذلكَ؟ فقالوا مثل ذلك، قال: فَوْقَها سَماءٌ أخرْىَ، وَبَيْنَهُما مَسِيرةُ خَمْسِ مِئةِ سَنَةٍ، قال: هَلْ تَدْرُوْنَ ما فَوْقَ ذلك؟ فقالوا مثل قولهم الأوّل، قال: فإنَّ فَوْقَ ذلكَ العَرْشَ، وَبَيْنَهُ وَبَينَ السَّماءِ السَّابِعَةِ مثْلُ ما بَيَن السَّماءَيْن، قال: هَلْ تَدْرُوْنَ ما الَّتِي تَحْتَكُمْ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنَّها الأرْضُ، قال: فَهَلْ تَدْرُون ما تَحْتَها؟ قالوا له مثل قولهم الأوّل، قال: فإنَّ تَحْتَها أرْضًا أخْرَى، وبَيْنهُما مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِِ سَنَةٍ، حتى عدّ سبع أرضين، بين كلّ أرضيْن مسيرة خمس مئة سنة، ثم قال: وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّد بيَدِهِ، لَوْ دُلِّيَ أحَدكُمْ بِحَبْل إلى الأرْضِ الأخْرى لَهَبَطَ على الله، ثُمَّ قرأ: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
وقوله: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يقول تعالى ذكره: وهو بكلّ شيء ذو علم، لا يخفى عليه شيء، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا في كتاب مبين.
وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) يقول تعالى ذكره: هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين، فدبرهنّ وما فيهنّ، ثم استوى على عرشه، فارتفع عليه وعلا.
وقوله: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) يقول تعالى ذكره: مخبرا عن صفته، وأنه لا يخفى عليه خافية من خلقه، (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ) من خلقه. يعني بقوله: (يَلِجَ) : يدخل، (وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ) إلى الأرض من شيء قطّ. (وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا) ، فيصعد إليها من الأرض. (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ) يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع، (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يقول: والله بأعمالكم التي تعملونها من حسن
وسيئ، وطاعة ومعصية، ذو بصر، وهو لها محص، ليجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، (وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) }
يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والأرض نافذ في جميعهنّ، وفي جميع ما فيهنّ أمره. (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) يقول جلّ ثناؤه: وإلى الله مصير أمور جميع خلقه، فيقضي بينهم بحكمه.
وقوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ) ، يعني بقوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ) يدخل ما نقص من ساعات الليل في النهار، فيجعله زيادة في ساعاته، (وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) يقول: ويدخل ما نقص من ساعات النهار في الليل، فيجعله زيادة في ساعات الليل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وقد ذكرنا الرواية بما قالوا فيما مضى من كتابنا هذا، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر هنالك إن شاء الله تعالى.
حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) قال: قصر هذا في طول هذا، وطول هذا في قصر هذا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) قال: دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) قال: قصر أيام الشتاء في طول ليله، وقصر ليل الصيف في طول نهاره.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|