عرض مشاركة واحدة
  #1303  
قديم 26-07-2025, 08:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,232
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الواقعة
الحلقة (1303)
صــ 101 الى صــ110





وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، وذكرنا ما فيه من الرواية.
وقوله: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) يقول تعالى ذكره: يطوف على هؤلاء السابقين الذين قرّبهم الله في جنات النعيم، ولدان على سنّ واحدة، لا يتغيرون ولا يموتون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُخَلَّدُونَ) قال: لا يموتون.
وقال آخرون: عني بذلك أنهم مقرّطون مسوّرون.
والذي هو أولى بالصواب في ذلك قول من قال معناه: إنهم لا يتغيرون، ولا يموتون، لأن ذلك أظهر معنييه، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد، وإنما هو مفعل من الخلد.
وقوله: (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ) والأكواب: جمع كوب، وهو من الأباريق ما اتسع رأسه، ولم يكن له خرطوم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (بِأَكْوَابٍ) قال: الأكواب: الجرار من الفضة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ) قال: الأباريق: ما كان لها آذان، والأكواب ما ليس لها آذان.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الأكواب ليس لها آذان.
حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل الحسن عن الأكواب، قال: هي الأباريق التي يصبّ لهم منها.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، قال: مر أبو صالح صاحب الكلبي قال: فقال أبي، قال لي الحسن وأنا جالس: سله، فقلت: ما الأكواب؟ قال: جرار الفضة المستديرة أفواهها، والأباريق ذوات الخراطيم.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (بِأَكْوَابٍ) قال: ليس لها عرى ولا آذان.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ) والأكواب التي يغترف بها ليس لها خراطيم، وهي أصغر من الأباريق.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ) قال: الأكواب التي دون الأباريق ليس لها عُرًى.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: الأكواب جرار ليست لها عرى، وهي بالنبطية كوبا، وإياها عنى الأعشى بقوله:
صَرِيفيٌَّةٌ طَيِّبٌ طَعْمُها لَهَا زَبَدٌ بَينَ كُوب ودَنٌ (1)
وأما الأباريق: فهي التي لها عرى.
وقوله: (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) وكأس خمر من شراب معين، ظاهر
(1)
وهذا الشاهد كذلك لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعة القاهرة 17) والصريفية: الخمر المنسوبة إلى صريفون، وهو موضع بالعراق مشهور بجودة خمره. وقيل سماها صريفية لأنها أخذت من الدن ساعتئذ، كاللبن الصريف. وقيل نسبت إلى صريفين، وهو نهر يتخلج من الفرات. والصريف أيضا: الخمر التي لم يمزج بالماء. والكوب: الكوز لا عروة له. والدن: وعاء الخمر. والزبد ما يعلو الخمر من الرغوة إذا تحركت في الدن، أو صبت من الإبريق في الكأس.

العيون، جار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) : قال الخمر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي من خمر جارية.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) الكأس: الخمر.
حدثنا أبو سنان، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) قال: الخمر الجارية.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، مثله.
وقوله: (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) يقول: لا تصدع رءوسهم عن شربها فتسكر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني إسماعيل بن موسى السديّ، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد، قوله: (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) قال: لا تصدّع رءوسهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) ليس لها وجع رأس.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة (لا
يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) قال: لا تصدع رءوسهم.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) يقول: لا تصدّع رءوسهم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) يعني: وجع الرأس.
وقوله: (وَلا يُنزفُونَ) اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأت عامة قرّاء المدينة والبصرة (يُنزفُونَ) بفتح الزاي، ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنزف عقولهم. وقرأته عامة قرّاء الكوفة (لا يُنزفُونَ) بكسر الزاي بمعنى: ولا ينفد شرابهم.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب فيها الصواب.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء فيه. وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم في ذلك، وبيَّنا الصواب من القول فيه في سورة الصافات، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا سنذكر قول بعضهم في هذا الموضع لئلا يظنّ ظانّ أن معناه في هذا الموضع مخالف معناه هنالك.
* ذكر قول من قال منهم: معناه لا تنزف عقولهم:
حدثنا إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد (وَلا يُنزفُونَ) قال: لا تنزف عقولهم.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَلا يُنزفُونَ) قال: لا تنزف عقولهم.
وحدثنا ابن حُميد، مرة أخرى فقال: ولا تذهب عقولهم.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا يُنزفُونَ) لا تنزف عقولهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (وَلا
يُنزفُونَ) قال: لا يغلب أحد على عقله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، في قوله: (وَلا يُنزفُونَ) قال: لا يغلب أحد على عقله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة في قول الله (وَلا يُنزفُونَ) قال: لا تغلب على عقولهم.
وقوله: (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) يقول تعالى ذكره: ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على هؤلاء السابقين بفاكهة من الفواكه التي يتخيرونها من الجنة لأنفسهم، وتشتهيها نفوسهم (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) يقول: ويطوفون أيضا عليهم بلحم طير مما يشتهون من الطير الذي تشتهيه نفوسهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (25) إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا (26) }
اختلف القرّاء في قراءة قوله: (وَحُورٌ عِينٌ) فقرأته عامة قراء الكوفة وبعض المدنيين (وحُورٍ عِينٍ) بالخفض إتباعا لإعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم، وإن كان ذلك مما لا يُطاف به، ولكن لما كان معروفا معناه المراد أتبع الآخر الأوّل في الإعراب، كما قال بعض الشعراء.
إذَا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْما وَزَجَّجْن الْحَوَاجِبَ والعُيُونا (1)
(1)
هذا الشاهد من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 323) وتقدم الكلام عليه مع الشاهد "ورأيت زوجك الوغى.... البيتين" . وفي (اللسان: زجج) وزجت المرأة حاجبها بالمزج: دققته وطولته. وقيل: أطالته بالأثمد. وقوله: إذا ما الغانيات ... البيت "إنما أراد: وكحلن العيونا، كما قال: * شراب ألبان وتمر وأقط *"

أراد: وآكل تمر وأقط، ومثله كثير.
قال الشاعر: "علفتها تبنا.... البيت" أي وسقيتها ماء باردا. يريد أن ما جاء من هذا، فإنما يجيء على إضمار فعل أخر يصح المعنى عليه. ومثله قول الآخر: "يا ليت زوجك.... البيت" تقديره: وحاملا رمحا. قال ابن بري ذكر الجوهري عجز بيت على زججت المرأة حاجبيها * وزججن الحواجب والعيونا *
قال: هو للراعي وصوابه: يزججن. وصدره: وهِزَّةِ نشْوَةٍ مِنْ حيّ صِدْقٍ ... يُزَجِّجْنَ الْحَوَاجِبَ والْعُيُونا
وبعده: أنَخْنَ جِمَالُهنَّ بذَاتِ غِسْلٍ ... سَرَاةَ اليَوْمِ يَمْهَدْنَ الكُدُونا
ذات غسل: موضع. ويمهدن: يوطئن. والكدون: جمع كدن، وهو ما توطئ به المرأة مركبها، من كساء ونحوه.
فالعيون تكَحَّل. ولا تزجَّج إلا الحواجب، فردّها في الإعراب على الحواجب، لمعرفة السامع معنى ذلك وكما قال الآخر:
تَسْمَعُ للأحَشْاءِ مِنْهُ لَغَطَا وللْيَدَيْنِ جُسأةً وَبَدَدَا (1)
والجسأة: غلظ في اليد، وهي لا تُسمع.
وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة ومكة والكوفة وبعض أهل البصرة بالرفع (وحُورٍ عِينٍ) على الابتداء، وقالوا: الحور العين لا يُطاف بهنّ، فيجوز العطف بهنّ في الإعراب على إعراب فاكهة ولحم، ولكنه مرفوع بمعنى: وعندهم حور عين، أو لهم حور عين.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان
(1)
البيت من شواهد الفراءء في معاني القرآن (الورقة 323) . وفي (اللسان: لغط) اللغط (بسكون الغين وتحريكها) : الأصوات المبهمة المختلفة، والجلبة لا تفهم. وفي (اللسان: جسأ) : جسأ الشيء يجسأ جسوءا فهو جاسئ: صلب وخشن. وجسأت يده من العمل تجسأ جسأ: صلبت. والاسم الجسأة، مثل الجرعة. والجسأة في الدواب: يبس المعطف، ودابة جاسئة القوائم. وفي (اللسان: بدد) : وفرس أبد: بين البدد أي بعيد ما بين اليدين. وقيل هو الذي في يديه تباعد عن جنبيه، وهو البدد، وبعير أبدا، وهو الذي في يديه فتل (بالتحريك) وموضع الشاهد في البيت: أنه عطف الجسأة والبدد. وهما مما يرى لا مما يسمع، على "لغطا" وهو ما يسمع، وذلك على تقدير فعل،أي وترى لليدين جسأة وبددا. فهو إذن كناظائره من الشواهد التي ذكرها الفراء في هذا الموضع. وفي الأصل (دئدا) في موضع (بددا) وهو من تحريف النساخين.

قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء مع تقارب معنييهما، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيب. والحور جماعة حَوْراء: وهي النقية بياض العين، الشديدة سوادها. والعين: جمع عيناء، وهي النجلاء العين في حُسن.
وقوله: (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) يقول: هنّ في صفاء بياضهنّ وحسنهن، كاللؤلؤ المكنون الذي قد صين في كِنٍّ.
وقوله: (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقول تعالى ذكره: ثوابا لهم من الله بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، وعوضا من طاعتهم إياه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام الرفاعيّ، قال: ثنا ابن يمان، عن ابن عيينة، عن عمرو عن الحسن (وَحُورٌ عِينٌ) قال: شديدة السواد: سواد العين، شديدة البياض: بياض العين.
قال ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك (وَحُورٌ عِينٌ) قال: بيض عين، قال: عظام الأعين.
حدثنا ابن عباس الدوريّ، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: الحُور: سُود الحَدَق.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا إبراهيم بن محمد الأسلميّ، عن عباد بن منصور الباجيّ، أنه سمع الحسن البصريّ يقول: الحُور: صوالح نساء بني آدم.
قال ثنا إبراهيم بن محمد، عن ليث بن أبي سليم، قال: بلغني أن الحور العين خُلقن من الزعفران.
حدثنا الحسن بن يزيد الطحان، قال: حدثتنا عائشة امرأة ليث، عن ليث، عن مجاهد قال: خلق الحُور العين من الزعفران.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا عمرو بن سعد، قال: سمعت ليثا، ثني عن مجاهد، قال: حور العين خُلقن من الزعفران.
وقال آخرون: بل معنى قوله: (حُورٌ) أنهنّ يحار فيهنّ الطرف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد (وَحُورٌ عِينٌ) قال: يحار فيهنّ الطرف.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ) قال أهل التأويل، وجاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا أحمد بن الفرج الصَّدفيّ الدِّمْياطيّ، عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أمّ سلمة قالت: قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) قال: "صفاؤُهُن كَصَفاء الدُّرّ الَّذيِ فِي الأصْدَافِ الَّذيِ لا تَمُسُّهُ الأيْدي" .
وقوله: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا) يقول: لا يسمعون فيها باطلا من القول ولا تأثيما، يقول: ليس فيها ما يُؤثمهم.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا) والتأثيم لا يُسمع، وإنما يُسمع اللغو، كما قيل: أكلت خبزا ولبنا، واللبن لا يُؤكل، فجازت إذ كان معه شيء يؤكل.
وقوله: (إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا) يقول: لا يسمعون فيها من القول إلا قيلا سلاما: أي أسلم مما تكره.
وفي نصب قوله: (سَلامًا سَلامًا) وجهان: إن شئت جعلته تابعا للقيل، ويكون السلام حينئذ هو القيل؛ فكأنه قيل: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا سلاما سلاما، ولكنهم يسمعون سلاما سلاما. والثاني: أن يكون نصبه
بوقوع القيل عليه، فيكون معناه حينئذ: إلا قيلَ سلامٍ فإن نوّن نصب قوله: (سَلامًا سَلامًا) بوقوع قِيلٍ عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ) وهم الذين يُؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين، الذي أُعطوا كتبهم بأيمانهم يا محمد (مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) أيّ شيء هم وما لهم، وماذا أعدّ لهم من الخير، وقيل: إنهم أطفال المؤمنين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام المخزوميّ، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا الأعمش، قال: ثنا عثمان بن قيس، أنه سمع زاذان أبا عمرو يقول: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) قال: أصحاب اليمين: أطفال المؤمنين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) : أي ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم، ثم ابتدأ الخبر عما ذا أعدّ لهم في الجنة، وكيف يكون حالهم إذا هم دخلوها؟ فقال: هم (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) يعني: في ثمر سدر موقر حملا قد ذهب شوكه.
وقد اختلف في تأويله أهل التأويل، فقال بعضهم: يعني بالمخضود: الذي قد خُضد من الشوك، فلا شوك فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: خضده وقره من الحمل، ويقال: خُضِد حتى ذهب شوكه فلا شوك فيه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: زعم محمد بن عكرِمة قال: لا شوك فيه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن عكرمة، في قوله: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: لا شوك فيه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن قسامة بن زُهَير في قوله: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: خُضِد من الشوك، فلا شوك فيه.
حدثنا أبو حُميد الحمصي أحمد بن المغيرة، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عمرو بن عمرو بن عبد الله الأحموسيّ، عن السفر بن نُسَير في قول الله عزّ وجلّ (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: خُضِد شوكه، فلا شوك فيه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: كنا نحدّث أنه المُوقَر الذي لا شوك فيه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا قتادة، في قوله: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: ليس فيه شوك.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: لا شوك له.
حدثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عكرمة (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال: لا شوك فيه.
وحدثني به ابن حُميد مرّة أخرى، عن مهران بهذا الإسناد، عن عكرمة، فقال: لا شوك له، وهو المُوقَر.
وقال آخرون: بل عُنِي به أنه المُوقَر حَمْلا.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]