
26-07-2025, 07:33 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الرحمن
الحلقة (1297)
صــ 41 الى صــ50
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.
وأما تأويله: فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغنّ لك، وسأتفرّغ لك، بمعنى: سأجدّ في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له: قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي: أي أخذت فيه، وأقبلت عليه، وكذلك قوله جلّ ثناؤه: (سَنَفْرغُ لَكُمْ) : سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ) ، قال: وَعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه تلا (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ) قال: دنا من الله فراغ لخلقه.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جُويبر، عن
الضحاك (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ) ، قال: وعيد، وقد يحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى: سنفرغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب.
وقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) : فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعمها عليكم، من ثوابه أهل طاعته، وعقابه أهل معصيته تكذّبان؟.
وقوله: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا) : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) ، فقال بعضهم: معنى ذلك: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم؛ فجوزوا ذلك، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم. قالوا: وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة. قالوا: ومعنى الكلام: سنفرغ لكم أيها الثقلان، فيقال لهم (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: "إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشقَّقت بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالأرض ومن عليها بالثانية، ثم بالثالثة، ثم بالرابعة، ثم بالخامسة، ثم بالسادسة، ثم بالسابعة، فصفوا صفا دون صف، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبِّته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض ندوّا، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قول الله (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) ، وذلك قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) ، وقوله: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) ، وذلك قوله: (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) ."
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض، فانفذوا هاربين من الموت، فإن الموت مُدرككم، ولا ينفعكم هربكم منه.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ) .... الآية، يعني بذلك أنه لا يجيرهم أحد من الموت، وأنهم ميتون لا يستطيعون فرارا منه، ولا محيصا، لو نفذوا أقطار السموات والأرض كانوا في سُلطان الله، ولأخذهم الله بالموت.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) يقول: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه، لن تعلموه إلا بسلطان، يعني البينة من الله جلّ ثناؤه.
وقال آخرون: معنى قوله: (لا تَنْفُذُونَ) : لا تخرجون من سلطاني.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) : يقول: لا تخرجون من سلطاني.
وأما الأقطار فهي جمع قُطْر، وهي: الأطراف.
كماحدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ
تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) قال: من أطرافها.
وقوله جلّ ثناؤه (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا) يقول: من أطرافها.
وأما قوله: (إلا بسُلْطانٍ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم معناه: إلا ببينة وقد ذكرنا ذلك قبل.
وقال آخرون: معناه: إلا بحجة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن عكرِمة (لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) قال: كلّ شيء في القرآن سلطان فهو حجة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (بسُلْطانٍ) قال: بحجة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا بملك وليس لكم ملك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة (فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) قال: لا تنفذون إلا بملك، وليس لكم ملك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) قال: إلا بسلطان من الله، إلا بملكة منه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) ، يقول: إلا بملكة من الله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: إلا بحجة وبينة، لأن ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب، وقد يدخل الملك في ذلك، لأن الملك حجة.
وقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ، يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما تكذّبان معشر الثقلين التي أنعمت عليكم -من التسوية بين جميعكم، لا يقدرون على خلاف أمر أراده بكم- تكذّبان.
القول في تأويل قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) }
يقول تعالى ذكره (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا) أيها الثقلان يوم القيامة (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) ، وهو لهبها من حيث تشتعل وتؤجَّج بغير دخان كان فيه ومنه قول رُؤْبة بن العجَّاج:
إنَّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنا أقْياظا ونارُ حَرْب تُسْعِرُ الشُّوَاظا (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) ، يقول: لَهَب النار.
(1) البيتان في ديوان العجاج (طبع ليبسج 81) ، وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة (الورقة 173) ولم يظهر اسم الشاعر، قال عند قوله تعالى (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) : شواظ (بضم أوله) وشواظ (بكسر أوله) (ضبط قلم) : واحد.وهو النار التي تأجج لا دخان فيها.
قال: "إن لهم من وقعنا" ... البيتين، وفي (اللسان: شوظ) والشواظ والشوظ (بضم الأول وكسر الثاني) : اللهب الذي لا دخان فيه. وقال رؤبة: "إن لهم ... البيتين" . وفي التنزيل العزيز: (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) . قال الفراء: أكثر القراء قرءوا شواظ (بالضم) وكسر الحسن الشين، كما قالوا لجماعة البقر صوار صوار. اهـ.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) يقول: لهب النار.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) قال: لهب النار.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزُّبيري، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) قال: اللهب المتقطع. (1)
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) قال: الشُّواظ: الأخضر المتقطع من النار.
قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) قال: الشواظ: هذا اللهب الأخضر المتقطع من النار.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) قال: الشواظ: اللهب الأخضر المتقطع من النار.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك: (الشُّوََاظُ) : اللهب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) : أي لهب من نار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) قال: لهب من نار.
(1) المتقطع: كذا في الأصل. وهو كذلك بالشوكاني (5: 134) .
وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) قال: الشواظ: اللهب، وأما النحاس فالله أعلم بما أراد به.
ذكر من قال ذلك:
وقال آخرون: الشُّواظ: هو الدخان الذي يخرج من اللهب.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) : الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (شُوَاظٌ) ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة، غير ابن أبي إسحاق (شُوَاظٌ) بضم الشين، وقرأ ذلك ابن أبي إسحاق، وعبد الله بن كثير (شِوَاظٌ مِنْ نارٍ) بكسر الشين، وهما لغتان، مثل الصوار من البقر، والصّوار بكسر الصاد وضمها. وأعجب القراءتين إليّ ضمّ الشين، لأنها اللغة المعروفة، وهي مع ذلك قراءة القرّاء من أهل الأمصار.
وأما قوله: (ونُحاسٌ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم: عُنِي به الدخان.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله: (وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ) قال: النحاس: الدخان.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: (ونُحاسٌ) : دخان النار.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (ونُحاسٌ) : قال: دخان.
وقال آخرون: عني بالنحاس في هذا الموضع: الصُّفر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (ونُحاسٌ) قال: النحاس: الصفر يعذّبون به.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (ونُحاسٌ) قال: يذاب الصفر من فوق رءوسهم.
قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد (ونُحاسٌ) قال: يذاب الصفر فيصبّ على رأسه.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، (ونُحاسٌ) : يذاب الصفر فيصبّ على رءوسهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، (ونُحاسٌ) قال: توعدهما بالصُّفر كما تسمعون أن يعذّبهما به.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ) قال: يخوّفهم بالنار وبالنحاس.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بالنحاس: الدخان، وذلك أنه جلّ ثناؤه ذكر أنه يرسل على هذين الحيَّين شواظ من نار، وهو النار المحضة التي لا يخلطها دخان. والذي هو أولى بالكلام أنه توعدهم بنار هذه صفتها أن يُتبع ذلك الوعد بما هو خلافها من نوعها من العذاب، دون ما هو من غير جنسها، وذلك هو الدخان، والعرب تسمي الدخان نُحاسا بضم النون، ونحاسا بكسرها، والقرّاء مجمعة على ضمها، ومن النُّحاس بمعنى الدخان، قول نابغة بني ذُبيان:
يَضُوءُ كَضَوْء سِرَاج السَّلي ط لْم يجْعَل اللهُ فيهِ نُحاسا (1)
يعني: دخانا.
وقوله: (فَلا تَنْتَصِرَانِ) يقول تعالى ذكره: فلا تنتصران أيها الجنّ والإنس منه، إذا هو عاقبكما هذه العقوبة، ولا تُستنقذان منه.
كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَلا تَنْتَصِرَانِ) قال: يعني الجنّ والإنس.
قال: وقوله: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) يقول تعالى ذكره: فإذا انشقَّت السماء وتفطَّرت، وذلك يوم القيامة، فكان لونها لون البرذون الورد الأحمر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال: كالفرس الورد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) يقول: تغير لونها.
حدثنا عبد الله بن أحمد بن حيوية، قال: ثنا شهاب بن عباد، قال:
(1) البيت لنابغة بني جعدة مجاز القرآن (الورقة 173 - ب) وحرف الناسخ اسمه، فقال كنابغة بني ذبيان في تفسير المؤلف هذا. قال أبو عبيدة عند قوله تعالى: "ونحاس" : نحاس ونحاس (بضم أوله وكسره، ضبط قلم) والنحاس: الدخان، قال نابغة بني جعدة "تضيء كضوء.... البيت" وفي أوله: تضيء بالياء، لا بالواو، كما كتبه ناسخ التفسير. (وفي اللسان ضوأ) ضاء السراج يضوء، وأضاء يضيء. قال: واللغة الثانية هي المختارة. اهـ.
ثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي صالح في قوله: (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال: كلون البرذون الورد، ثم كانت بعد كالدهان.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) يقول: تتغير السماء فيصير لونها كلون الدابة الوردة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) : هي اليوم خضراء كما ترون، ولونها يوم القيامة لون آخر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا ابن العوّام، عن قتادة، في قوله: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال: هي اليوم خضراء، ولونها يومئذ الحمرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال: إنها اليوم خضراء، وسيكون لها يومئذ لون آخر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، فى قوله: (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) ، قال: مشرقة كالدهان.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (كالدّهانِ) ، فقال بعضهم: معناه كالدهن صافية الحمرة مشرقة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال: كالدهن.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (كالدّهانِ) يعني: خالصة.
وقال آخرون: عني بذلك: فكانت وردة كالأديم، وقالوا: الدهان:
جماع، واحدها دهن.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني به الدهن في إشراق لونه، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب.
وقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول تعالى ذكره: فبأيّ قدرة ربكما معشر الجنّ والإنس -على ما أخبركم بأنه فاعل بكم- تكذّبان.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|