
26-07-2025, 04:44 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القمر
الحلقة (1290)
صــ 571 الى صــ580
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) }
يقول تعالى ذكره: وكذّب هؤلاء المشركون من قريش بآيات الله بعد ما أتتهم حقيقتها، وعاينوا الدلالة على صحتها برؤيتهم القمر منفلقا فلقتين (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يقول: وآثروا اتباع ما دعتهم إليه أهواء أنفسهم من تكذيب ذلك على التصديق بما قد أيقنوا صحته من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وحقيقة ما جاءهم به من ربهم.
وقوله (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) يقول تعالى ذكره: وكلّ أمر من خير أو شرّ مستقر قراره، ومتناه نهايته، فالخير مستقرّ بأهله في الجنة، والشرّ مستقرّ بأهله في النار.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) : أي بأهل الخير الخير، وبأهل الشرّ الشرّ.
وقوله (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) يقول تعالى ذكره: ولقد جاء هؤلاء المشركين من قريش الذين كذّبوا بآيات الله، واتبعوا أهواءهم من الأخبار عن الأمم السالفة، الذين كانوا من تكذيب رسل الله على مثل الذي هم عليه، وأحلّ الله بهم من عقوباته ما قصّ في هذا القرآن ما فيه لهم مزدجر، يعني: ما يردعهم، ويزجرهم عما هم عليه مقيمون، من التكذيب بآيات الله، وهو مُفْتَعَلٌ من الزَّجْر.
وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مُزْدَجَرٌ) قال: مُنتهى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) : أي هذا القرآن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) قال: المزدَجَر: المنتهى.
وقوله (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ) يعني بالحكمة البالغة: هذا القرآن، ورُفعت الحكمةُ ردّا على "ما" التي في قوله (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) .
وتأويل الكلام: ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدَجَر، حكمة بالغة. ولو رُفعت الحكمة على الاستئناف كان جائزا، فيكون معنى الكلام حينئذ: ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدجر، ذلك حكمة بالغة، أو هو حكمة بالغة فتكون الحكمة كالتفسير لها.
وقوله (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) وفي "ما" التي في قوله (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) وجهان: أحدهما أن تكون بمعنى الجحد، فيكون إذا وجهت إلى ذلك معنى الكلام، فليست تغني عنهم النذر ولا ينتفعون بها، لإعراضهم عنها وتكذيبهم بها. والآخر: أن تكون بمعنى: أنى، فيكون معنى الكلام إذا وجهت إلى ذلك: فأي شيء تُغني عنهم النُّذر. والنُّذر: جمع نذير، كالجُدُد: جمع جديد، والحُصُر: جمع حَصير.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) }
القول في تأويل قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) }
يعني تعالى ذكره بقوله (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) : فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين من قومك، الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا: سِحْر مستمرّ، فإنهم يوم يدعو داعي الله إلى موقف القيامة، وذلك هو الشيء النُّكُر (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ) يقول: ذليلة أبصارهم خاشعة، لا ضرر بها (يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ) وهي جمع جدث، وهي القبور، وإنما وصف جلّ ثناؤه بالخشوع الأبصار دون سائر أجسامهم، والمراد به جميع أجسامهم، لأن أثر ذلة كل ذليل، وعزّة كل عزيز، تتبين في ناظريه دون سائر جسده، فلذلك خصّ الأبصار بوصفها بالخشوع.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (خَاشِعًا أَبْصَارُهُمْ) : أي ذليلة أبصارهم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (خَاشِعًا أَبْصَارُهُمْ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض المكيين الكوفيين (خُشَّعًا) بضم الخاء وتشديد الشين، بمعنى خاشع; وقرأه عامة قرّاء الكوفة وبعض البصريين (خَاشِعًا أَبْصَارُهُمْ) بالألف على التوحيد اعتبارا بقراءة عبد الله، وذلك أن ذلك في قراءة عبد الله (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ) ، وألحقوه وهو بلفظ الاسم في التوحيد، إذ كان صفة بحكم فَعَلَ ويَفْعَل في التوحيد إذا تقدّم الأسماء، كما قال الشاعر:
وشَبابٍ حَسَنٍ أوْجُهُهمْ ... مِنْ إيادِ بنِ نزارِ بْنِ مَعَد (1)
فوحد حَسَنا وهو صفة للأوجه، وهي جمع; وكما قال الآخر:
يَرْمي الفِجاجَ بِها الرُّكبانَ مُعْترِضًا ... أعْناقَ بُزَّلِها مُرْخَى لَها الجُدُلُ (2)
فوحد معترضا، وهي من صفة الأعناق، والجمع والتأنيث فيه جائزان على ما بيَّنا.
وقوله (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) يقول تعالى ذكره: يخرجون من قبورهم كأنهم في انتشارهم وسعيهم إلى موقف الحساب جراد منتَشر.
(1) البيت للحارس بن دوس الإيادي، ويروى لأبي داود الإيادي، (هامش القرطبي 17: 129) والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 317) قال: إذا تقدم الفعل قبل اسم مؤنث، وهو له، أو قبل جمع مؤنث مثل الأنصار والأعمار وما أشبهها جاز تأنيث الفعل وتذكيره وجمعه، وقد أتى بذلك في هذا الحرف، فقرأه ابن عباس: "خاشعا أبصارهم" حدثني بذلك هشيم وأبو معاوية، عن وائل بن داود، عن مسلم بن يسار، عن ابن عباس، أنه قراه "خاشعا" . قال: وحدثني هشيم، عن عوف الأعرابي، عن الحسن وأبي رجاء العطاردي: أن أحدهما قال: "خاشعا" والآخر: "خشعا" قال الفراء: وهي في قراءة عبد الله (ابن مسعود) : "خاشعة أبصارهم" . وقرأ الناس بعد: "خشعا أبصارهم" ، وقد قال الشاعر: "وشباب حسن ..." البيت.
(2) وهذا الشاهد كذلك من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 317) على أنه إذا تقدم الفعل وشبهه قبل اسم مؤنث (جمع تكسير) مثل الأنصار والأعمار وما أشبهها جاز تأنيث الفعل وتذكيره وجمعه. وقال الفراء تعليقًا على هذا البيت: الجدل: جمع الجديل: وهو الزمام. فلو قال معترضات أو معترضة، لكان صوابا، ومرخاة ومرخيات أ. هـ.
وقوله (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) يقول: مسرعين بنظرهم قِبَلَ داعيهم إلى ذلك الموقف. وقد بيَّنا معنى الإهطاع بشواهده المغنية عن الإعادة، ونذكر بعض ما لم نذكره فيما مضى من الرواية.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عثمان بن يسار، عن تميم بن حَذْلم قوله: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) قال: هو التحميج.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سفيان، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) قال: التحميج.
قال: ثنا مهران، عن سفيان (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) قال: هكذا أبصارهم شاخصة إلى السماء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) : أي عامدين إلى الداعي.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (مُهْطِعِينَ) يقول: ناظرين.
وقوله (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) يقول تعالى ذكره: يقول الكافرون بالله يوم يدع الداعي إلى شيء نكُر: هذا يوم عسر. وإنما وصفوه بالعسر لشدة أهواله وبَلْباله.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) }
وهذا وعيد من الله تعالى ذكره، وتهديد للمشركين من أهل مكة وسائر من أرْسَل إليه رسولَه محمدا صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه، وتقدم منه إليهم إن هم لم ينيبوا من تكذيبهم إياه، أنه محلّ بهم ما أحل بالأمم الذين قصّ قصصهم في هذه
السورة من الهلاك والعذاب، ومنجّ نبيه محمدا والمؤمنين به، كما نجَّى من قبله الرسل وأتباعهم من نقمه التي أحلَّها بأممهم، فقال جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كذّبت يا محمد قبل هؤلاء الذين كذّبوك من قومك، الذين إذا رأوْا آية أعرضوا وقالوا سحر مستمرّ - قوم نوح، فكذّبوا عبدنا نوحا إذ أرسلناه إليهم، كما كذّبتك قريش إذ أتيتهم بالحقّ من عندنا وقالوا: هو مجنون وازدجر، وهو افْتُعِل من زجرت، وكذا تفعل العرب بالحرف إذا كان أوّله زايا صيروا تاء الافتعال منه دالا من ذلك قولهم: ازدجر من زجرت، وازدلف من زلفت، وازديد من زدت.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي زَجَروه، فقال بعضهم: كان زجرهم إياه أن قالوا: استُطِير جنونا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) قال: استطير جنونا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَازْدُجِرَ) قال: استُطير جنونا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في هذه الآية (وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) قال: استعر جنونا.
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: وأخبرني شعبة بن الحجاج، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: بل كان زجرهم إياه وعيدهم له بالشتم والرجم بالقول القبيح.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) قال: اتهموه وزجروه وأوعدوه لئن لم يفعل ليكوننّ من المرجومين، وقرأ (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) .
وقوله (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) يقول تعالى ذكره: فدعا نوح ربه: إن قومي قد غلبوني، تمرّدوا وعتوا، ولا طاقة لي بهم، فانتصر منهم بعقاب من عندك على كفرهم بك.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) }
يقول تعالى ذكره (فَفَتَحْنَا) لما دعانا نوح مستغيثا بنا على قومه (أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) وهو المندفق، كما قال امرؤ القيس في صفة غيث:
رَاحَ تَمْريه الصبا ثُمَّ انْتَحَى ... فِيهِ شُؤْبُوبُ جنوبٍ مُنْهَمِرْ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1) البيت لامرئ القيس بن حجر، من مقطوعة في ثمانية أبيات يصف فيها غيثا: (مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي 110 - 111) قال شارحه: راح: عاد السحاب بالمطر آخر النهار. وتمريه: تستدبره، وأصله من مرى الضرع، وهو مسحه باليد ليدر، والسحاب حين تضربه ريح الصبا الباردة، يتجمع ويتكاثف، فيسقط مطرا، ثم جاءت الجنوب عندهم محملة بالأمطار من بحر الهند، فأضافت إلى هذا السحاب شؤبوبا آخر جنوبيًّا، فتضاعف المطر وانهمر انهمارًا. أ. هـ. وموضع الشاهد في البيت: أن المنهمر في قوله تعالى: "بماء منهمر" معناه: المتدفق. الشديد الانصباب أ. هـ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) قال: ينصبّ انصبابا.
وقوله (وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا) يقول جلّ ثناؤه: وأسلنا الأرض عيون الماء.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله (وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا) قال: فجَّرنا الأرض الماءَ وجاء من السماء (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) يقول تعالى ذكره: فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله وقضاه.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) قال: ماء السماء وماء الأرض. وإنما قيل: فالتقى الماء على أمر قد قدر، والالتقاء لا يكون من واحد، وإنما يكون من اثنين فصاعدا، لأن الماء قد يكون جمعا وواحدا، وأريد به في هذا الموضع: مياه السماء ومياه الأرض، فخرج بلفظ الواحد ومعناه الجمع. وقيل: التقى الماء على أمر قد قُدر، لأن ذلك كان أمرا قد قضاه الله في اللوح المحفوظ.
كما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب قال: كانت الأقوات قبل الأجساد، وكان القدر قبل البلاء، وتلا (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) }
يقول تعالى ذكره: وحملنا نوحا إذ التقى الماء على أمر قد قُدر، على سفينة ذات ألواح ودُسُر. والدسر: جمع دسار، وقد يقال في واحدها: دسير، كما
يقال: حَبِيك وحِباك; والدَّسار: المسمار الذي تشدّ به السفينة; يقال منه: دسرت السفينة إذا شددتها بمسامير أو غيرها.
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، أخبرني ابن لهِيعة، عن أبي صخر، عن القُرَظي، وسُئل عن هذه الآية (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) قال: الدُّسُر: المسامير.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) حدثنا أن دُسُرَها: مساميرها التي شُدَّت بها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (ذَاتِ أَلْوَاحٍ) قال: معاريض السفينة; قال: ودُسُر: قال دُسِرت بمسامير.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَدُسُرٍ) قال: الدسر: المسامير التي دُسرت بها السفينة، ضُربت فيها، شُدّت بها.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: 0 ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَدُسُرٍ) يقول: المسامير.
وقال آخرون: بل الدُّسُر: صَدْر السفينة، قالوا: وإنما وصف بذلك لأنه يدفع الماء ويدْسُرُه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلية، عن أبي رجاء، عن
الحسن، في قوله (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) قال: تدسُر الماء بصدرها، أو قال: بِجُؤْجُئِها.
حدثنا بشر. قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول في قوله (وَدُسُرٍ) جؤجؤها تدسر به الماء.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن أنه قال: تدسر الماء بصدرها.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَدُسُرٍ) قال: الدُّسُر: كَلْكَل السفينة.
وقال آخرون: الدسر: عوارض السفينة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد (ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) قال: ألواح: السفينة ودسر عوارضها.
وقال آخرون: الألواح: جانباها، والدُّسُر: طرفاها.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) أما الألواح: فجانبا السفينة. وأما الدُّسُر: فطرفاها وأصلاها.
وقال آخرون: بل الدُّسُر: أضلاع السفينة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن نجيح، عن مجاهد، قوله (وَدُسُرٍ) قال: أضلاع السفينة.
وقوله (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) يقول جلّ ثناؤه: تجري السفينة التي حملنا نوحا فيها بمرأى منا ومنظر.
وذُكر عن سفيان في تأويل ذلك ما حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) يقول: بأمرنا (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|