عرض مشاركة واحدة
  #1253  
قديم 26-07-2025, 12:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,583
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الفتح
الحلقة (1253)
صــ 201 الى صــ 210





حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدّث عن أنس في هذه الآية (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال: الحديبية.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: ما كنا نعدّ فتح مكة إلا يوم الحديبية.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا يعلى بن عبيد، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، قال: تكلم سهل بن حنيف يوم صفِّين، فقال: يا أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد رأيتنا يوم الحديبية، يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبين المشركين، ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بَلى، قال: ففيم نعطى الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنّي رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيَّعَنِي أَبَدًا "، قال: فرجع وهو متغيظ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولمَّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله، لَن يضيعه الله أبدأ، قال: فنزلت سورة الفتح، فأرسل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى عمر، فأقرأه إياها، فقال: يا رسول الله، أوفتح هو؟ قال: نَعَمْ" .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه،
عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خمس عشرة مِئة، والحديبية: بئر.
حدثني موسى بن سهل الرملي، ثنا محمد بن عيسى، قال: ثنا مُجَمع بن يعقوب الأنصاري، قال: سمعت أبي يحدّث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد، عن عمه مجمِّع بن جارية الأنصاري، وكان أحد القرّاء الذين قرءوا القرآن، قال: "شهدنا الحديبية مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما انصرفنا عنها، إذا الناس يهزّون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس، قالوا: أوحي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) فقال رجل: أوَفتح هو يا رسول الله؟ قال: نَعَمْ، والَذِّي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ، قال: فَقُسِّمَت خيبر على أهل الحديبية، لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية، وكان الجيش ألفا وخمسمائة، فيهم ثلاث مئة فارس، فقسمها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على ثمانية عشر سهما، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهما" .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبيّ، قال: "نزلت (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) بالحديبية، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصبه في غزوة، أصاب أن بُويع بيعة الرضوان، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وظهرت الروم على فارس، وبلغ الهَدْيُ مَحِله، وأطعموا نخل خبير، وفرح المؤمنون بتصديق النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وبظهور الروم على فارس" .
وقوله تعالى (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإظهاره إياك على عدوّك، ورفعه ذكرك في الدنيا، وغفرانه ذنوبك في الآخرة (وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) يقول: ويرشدك
طريقا من الدين لا اعوجاج فيه، يستقيم بك إلى رضا ربك (وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) يقول: وينصرك على سائر أعدائك، ومن ناوأك نصرا، لا يغلبه غالب، ولا يدفعه دافع، للبأس الذي يؤيدك الله به، وبالظفر الذي يمدّك به.
القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) }
يعني جلّ ذكره بقوله (هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) الله أنزل السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين بالله ورسوله إلى الإيمان، والحقّ الذي بعثك الله به يا محمد. وقد مضى ذكر اختلاف أهل التأويل في معنى السكينة قبل، والصحيح من القول في ذلك بالشواهد المغنية، عن إعادتها في هذا الموضع.
(لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) يقول: ليزدادوا بتصديقهم بما جدّد الله من الفرائض التي ألزمهموها، التي لم تكن لهم لازمة (إيمانا مع إيمانهم) يقول: ليزدادوا إلى إيمانهم بالفرائض التي كانت لهم لازمة قبل ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) قال: السكينة: الرحمة (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) قال: إن الله جلّ ثناؤه بعث نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدّقوا بها زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، ثم أكمل لهم دينهم، فقال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) قال ابن عباس: فأوثق إيمان أهل الأرض وأهل
السموات وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله.
وقوله (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول تعالى ذكره: ولله جنود السموات والأرض أنصار ينتقم بهم ممن يشاء من أعدائه (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله ذا علم بما هو كائن قبل كونه، وما خلقه عاملوه، حكيما في تدبيره.
القول في تأويل قوله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) }
يقول تعالى ذكره: إنا فتحنا لك فتحا مبينا، لتشكر ربك، وتحمده على ذلك، فيغفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، وليحمد ربهم المؤمنون بالله، ويشكروه على إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم من الفتح الذي فتحه، وقضاه بينهم وبين أعدائهم من المشركين، بإظهاره إياهم عليهم، فيدخلهم بذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، ماكثين فيها إلى غير نهاية وليكفر عنهم سيئ أعمالهم بالحسنات التي يعملونها شكرا منهم لربهم على ما قضى لهم، وأنعم عليهم به (وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) يقول تعالى ذكره: وكان ما وعدهم الله به من هذه العدة، وذلك إدخالهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وتكفيره سيئاتهم بحسنات أعمالهم التي يعملونها عند الله لهم (فَوْزًا عَظِيمًا) يقول: ظفرا منهم بما كانوا تأمَّلوه ويسعون له، ونجاة مما كانوا يحذرونه من عذاب الله عظيما. قد تقدم ذكر الرواية أن هذه الآية نزلت لما قال المؤمنون لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، أو تلا عليهم قول الله عزّ وجلّ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) هذا لك يا رسول الله، فماذا لنا؟ تبيينا من الله لهم ما هو فاعل بهم.
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن
ابن عباس، في قوله (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) ... إلى قوله (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) فأعلم الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام.
قوله (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) على اللام من قوله (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) بتأويل تكرير الكلام (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) ، إنا فتحنا لك ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، ولذلك لم تدخل الواو التي تدخل في الكلام للعطف، فلم يقل: وليدخل المؤمنين.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله، وليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، وليعذّب المنافقين والمنافقات، بفتح الله لك يا محمد، ما فتح لك من نصرك على مشركي قريش، فيكبتوا لذلك ويحزنوا، ويخيب رجاؤهم الذي كانوا يرجون من رؤيتهم في أهل الإيمان بك من الضعف والوهن والتولي عنك في عاجل الدنيا، وصلي النار والخلود فيها في آجل الآخرة (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ) يقول: وليعذب كذلك أيضا المشركين والمشركات (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ) أنه لن ينصرك، وأهل الإيمان بك على أعدائك، ولن يظهر كلمته فيجعلها العليا على كلمة الكافرين به، وذلك كان السوء من ظنونهم التي ذكرها الله في هذا الموضع، يقول تعالى ذكره: على المنافقين والمنافقات، والمشركين والمشركات الذين ظنوا هذا الظن دائرة السوء، يعني دائرة العذاب تدور عليهم به.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة (دَائِرَةُ السَّوْءِ) بفتح السين. وقرأ بعض قرّاء البصرة (دائِرَةُ السُّوءِ) بضم السين. وكان الفرّاء يقول: الفتح أفشى في السين; قال: وقلما تقول العرب دائرة السُّوء بضم السين، والفتح في السين أعجب إليّ من الضم، لأن العرب تقول: هو رجل سَوْء، بفتح السين; ولا تقول: هو رجل سُوء.
وقوله (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) يقول: ونالهم الله بغضب منه، ولعنهم: يقول: وأبعدهم فأقصاهم من رحمته (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ) يقول: وأعدّ لهم جهنم يصلونها يوم القيامة (وَسَاءَتْ مَصِيرًا) يقول: وساءت جهنم منزلا يصير إليه هؤلاء المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات.
وقوله (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول جلّ ثناؤه: ولله جنود السماوات والأرض أنصارا على أعدائه، إن أمرهم بإهلاكهم أهلكوهم، وسارعوا إلى ذلك بالطاعة منهم له (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) يقول تعالى ذكره: ولم يزل الله ذا عزّة، لا يغلبه غالب، ولا يمتنع عليه مما أراده به ممتنع، لعظم سلطانه وقدرته، حكيم في تدبيره خلقه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا (9) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ) يا محمد (شَاهِدًا) على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه، مما أرسلتك به إليهم من الرسالة، ومبشرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيم، ونذيرا لهم عذاب الله إن هم تولَّوْا عما جئتهم به من عند ربك.
ثم اختلفت القرّاء في قراءة قوله (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) فقرأ جميع ذلك عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي
عمرو بن العلاء بالتاء (لِتُؤْمِنُوا - وَتُعَزِّرُوهُ - وَتُوَقِّرُوهُ - وَتُسَبِّحُوهُ) بمعنى: لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء (لِيُؤْمِنُوا - وَيُعَزِّرُوهُ - وَيُوَقِّرُوهُ - وَيُسَبِّحُوهُ) بمعنى: إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزّروه.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) يقول: شاهدا على أمته على أنه قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله، ونذيرا من النار.
وقوله (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: تجلوه، وتعظموه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَتُعَزِّرُوهُ) يعني: الإجلال (وَتُوَقِّرُوهُ) يعني: التعظيم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) كل هذا تعظيم وإجلال.
وقال آخرون: معنى قوله (وَتُعَزِّرُوهُ) : وينصروه، ومعنى (وَتُوَقِّرُوهُ) ويفخموه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَتُعَزِّرُوهُ) :
ينصروه (وَتُوَقِّرُوهُ ) ) أمر الله بتسويده وتفخيمه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (وَتُعَزِّرُوهُ) قال: ينصروه، ويوقروه: أي ليعظموه.
حدثني أبو هريرة الضُّبَعيّ، قال: ثنا حرميّ، عن شعبة، عن أبي بشر، جعفر بن أبي وحشية، عن عكرِمة (وَتُعَزِّرُوهُ) قال: يقاتلون معه بالسيف.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني هشيم، عن أبي بشر، عن عكرِمة، مثله.
حدثني أحمد بن الوليد، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن سعيد، عن أبي بشر، عن عكرمة، بنحوه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى ومحمد بن جعفر، قالا ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن عكرِمة، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: ويعظموه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) قال: الطاعة لله.
وهذه الأقوال متقاربات المعنى، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها. ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنُّصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال.
وقد بيَّنا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
فأما التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم.
وقوله (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) يقول: وتصلوا له يعني لله بالغدوات
والعشيات.
والهاء في قوله (وَتُسَبِّحُوهُ) من ذكر الله وحده دون الرسول. وقد ذُكر أن ذلك في بعض القراءات: (وَيُسَبِحُوا الله بُكْرَةً وَأَصِيلا) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) في بعض القراءة (ويسبحوا الله بكرة وأصيلا) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في بعض الحروف (وَيُسَبِحُوا الله بُكْرَةً وَأَصِيلا) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) يقول: يسبحون الله رجع إلى نفسه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ) بالحديبية من أصحابك على أن لا يفرّوا عند لقاء العدوّ، ولا يولُّوهم الأدبار (إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) يقول: إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله، لأن الله ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ) قال: يوم الحديبية.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) وهم الذين بايعوا يوم الحديبية.
وفي قوله (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وجهان من التأويل: أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة، لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ; والآخر: قوّة الله فوق قوّتهم في نصرة رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، لأنهم إنما بايعوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على نُصرته على العدو.
وقوله (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) يقول تعالى ذكره: فمن نكث بيعته إياك يا محمد، ونقضها فلم ينصرك على أعدائك، وخالف ما وعد ربه (فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) يقول: فإنما ينقض بيعته، لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الحنة بوفائه بالبيعة، فلم يضرّ بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها، فأما رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه، نكث الناكث منهم، أو وفى ببيعته.
وقوله (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ) ... الآية، يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدوّ في سبيل الله ونُصرة نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على أعدائه (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) يقول: فسيعطيه الله ثوابا عظيما، وذلك أن يُدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الأيمان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) وهي الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) }




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]