عرض مشاركة واحدة
  #1251  
قديم 26-07-2025, 12:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,603
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ محمد
الحلقة (1251)
صــ 181 الى صــ 190





حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ) ... إلى (إِسْرَارَهُمْ) هم أهل النفاق. وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا، أشبه منها بصفة أهل الكتاب، وذلك أن الله عزّ وجلّ أخبر أن ردّتهم كانت بقيلهم (لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ) ولو كانت من صفة أهل الكتاب، لكان في وصفهم بتكذيب محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدّوا من أجل قيلهم ما قالوا.
وقوله (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) يقول تعالى ذكره: الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبين لهم الهدى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) يقول: زين لهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (سَوَّلَ لَهُمْ) يقول: زين لهم.
وقوله (وَأَمْلَى لَهُمْ) يقول: ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سوّل لهم، والله أملى لهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة (وَأَمْلَى لَهُمْ) بفتح الألف منها بمعنى: وأملى الله لهم. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة (وَأُمْلِيَ لَهُمْ) على وجه ما لم يسمّ فاعله. وقرأ مجاهد فيما ذُكر عنه (وَأُمْلِي) بضم الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من الله جلّ ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم.
وأولى هذه القراءات بالصواب، التي عليها عامة قرّاء الحجاز والكوفة من
فتح الألف في ذلك، لأنها القراءة المستفيضة في قراءة الأمصار، وإن كان يجمعها مذهب تتقارب معانيها فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) }
يقول تعالى ذكره: أملى الله لهؤلاء المنافقين وتركهم، والشيطان سول لهم، فلم يوفقهم للهدى من أجل أنهم (قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ) من الأمر بقتال أهل الشرك به من المنافقين: (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ) الذي هو خلاف لأمر الله تبارك وتعالى، وأمر رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ) فهؤلاء المنافقون (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) يقول تعالى ذكره: والله يعلم إسرار هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النفاق، على خلاف أمر الله وأمر رسوله، إذ يتسارّون فيما بينهم بالكفر بالله ومعصية الرسول، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلها.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة (أَسْرَارَهُمْ) بفتح الألف من أسرارهم على وجه جماع سرّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (إِسْرَارَهُمْ) بكسر الألف على أنه مصدر من أسررت إسرارا.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
القول في تأويل قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ
اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
يقول تعالى ذكره: والله يعلم إسرار هؤلاء المنافقين، فكيف لا يعلم حالهم إذا توفتهم الملائكة، وهم يضربون وجوههم وأدبارهم، يقول: فحالهم أيضا لا يخفى عليه في ذلك الوقت ويعني بالأدبار: الأعجاز، وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى قبل.
وقوله (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ) يقول تعالى ذكره: تفعل الملائكة هذا الذي وصفت بهؤلاء المنافقين من أجل أنهم اتبعوا ما أسخط الله، فأغضبه عليهم من طاعة الشيطان (وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ) يقول: وكرهوا ما يرضيه عنهم من قتال الكفار به، بعد ما افترضه عليهم.
وقوله (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) يقول: فأبطل الله ثواب أعمالهم وأذهبه، لأنها عملت في غير رضاه ولا محبته، فبطلت، ولم تنفع عاملها.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) }
يقول تعالى ذكره: أحسب هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شكّ في دينهم، وضعف في يقينهم، فهم حيارى في معرفة الحقّ أن لن يُخرج الله ما في قلوبهم من الأضغان على المؤمنين، فيبديه لهم ويظهره، حتى يعرفوا نفاقهم، وحيرتهم في دينهم (وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ) يقول تعالى: ولو نشاء يا محمد لعرّفناك هؤلاء المنافقين حتى تعرفهم من قول القائل: سأريك ما أصنع، بمعنى سأعلمك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وقوله: (فلعرفتهم بسيماهم) يقول: فلتعرفهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم وظاهر أفعالهم ثم إن الله تعالى ذكره عرفه إياهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) ... إلى آخر الآية، قال: هم أهل النفاق، وقد عرّفه إياهم في براءة، فقال: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) ، وقال: (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ... الآية، هم أهل النفاق (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) فعرّفه الله إياهم في سوره براءة، فقال: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) ، وقال (قل لهم لن تَنْفِرُوا (1) معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) قال: هؤلاء المنافقون، قال: والذي أسروا من النفاق هو الكفر.
قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) قال: هؤلاء المنافقون، قال: وقد أراه الله إياهم، وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد، قال: فأبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله; فلما أبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا إلله حُقِنت دماؤهم، ونكحوا ونوكحوا بها.
(1)
التلاوة "لن تخرجوا"

وقوله (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) يقول: ولتعرفنّ هؤلاء المنافقين في معنى قولهم نحوه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) قال قولهم: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) لا يخفى عليه العامل منكم بطاعته، والمخالف ذلك، وهو مجازي جميعكم عليها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) }
يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أيها المؤمنون بالقتل، وجهاد أعداء الله (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ) يقول: حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم، وأهل الصبر على قتال أعدائه، فيظهر ذلك لهم، ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشكّ والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النفاق ونبلو أخباركم، فنعرف الصادق منكم من الكاذب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) ، وقوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) ونحو هذا قال: أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشَّرهم فقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه، وصفوته لتطيب أنفسهم،
فقال: (مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) فالبأساء: الفقر، والضّراء: السقم، وزُلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) قال: نختبركم، البلوى: الاختبار. وقرأ (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) قال: لا يختبرون (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ... الآية.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار بالنون (نبلو) و (نعلم) ، ونبلو على وجه الخبر من الله جلّ جلاله عن نفسه، سوى عاصم فإنه قرأ جميع ذلك بالياء والنون هي القراءة عندنا لإجماع الحجة من القراء عليها، وإن كان للأخرى وجه صحيح.
وقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: إن الذين جحدوا توحيد الله، وصدوا الناس عن دينه الذي ابتعث به رسله (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) يقول: وخالفوا رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فحاربوه وآذَوه من بعد ما علموا أنه نبيّ مبعوث، ورسول مرسل، وعرفوا الطريق الواضح بمعرفته، وأنه لله رسول.
وقوله (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا) لأن الله بالغ أمره، وناصر رسوله، ومُظهره على من عاداه وخالفه (وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) يقول: وسيذهب أعمالهم التي عملوها في الدنيا فلا ينفعهم بها في الدنيا ولا الآخرة، ويبطلها إلا مما يضرهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) }
يقول تعالى ذكره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في أمرهما ونهيهما (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) يقول: ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما، وكفركم بربكم ثواب أعمالكم فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ... الآية، من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيئ فليفعل، ولا قوة إلا بالله، فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها.
وقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) يقول تعالى ذكره: إن الذين أنكروا توحيد الله، وصدوا من أراد الإيمان بالله وبرسوله عن ذلك، ففتنوهم عنه، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من ذلك، ثم ماتوا وهم كفار: يقول: ثم ماتوا وهم على ذلك من كفرهم (فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) يقول: فلن يعفو الله عما صنع من ذلك، ولكنه يعاقبه عليه، ويفضحه به على رءوس الأشهاد.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) }
يقول تعالى ذكره: فلا تضعفوا أيها المؤمنون بالله عن جهاد المشركين وتجبُنوا عن قتالهم. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى;
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَلا تَهِنُوا) قال: لا تضعفوا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَلا تَهِنُوا) لا تضعف أنت.
وقوله (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) يقول: لا تضعفوا عنهم وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة، وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) يقول: والله معكم بالنصر لكم عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله (وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) فقال بعضهم: معناه: وأنتم أولى بالله منهم. وقال بعضهم: مثل الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك، وقال معنى قوله (وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) أنتم أولى بالله منهم.
حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدّث، عن قتادة، في قوله (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) قال: أي لا تكونوا أولى الطائفتين تصرع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) قال: لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت لصاحبتها، ودعتها إلى الموادعة، وأنتم أولى بالله منهم والله معكم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) قال: لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت إلى صاحبتها (وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) قال: يقول: وأنتم أولى بالله منهم ذكر من قال معنى قوله (وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) : أنتم الغالبون الأعزّ منهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى;
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد، قوله (وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) قال: الغالبون مثل يوم أُحد، تكون عليهم الدائرة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فى قوله (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) قال: هذا منسوخ، قال: نسخه القتال والجهاد، يقول: لا تضعف أنت وتدعوهم أنت إلى السلم وأنت الأعلى، قال: وهذا حين كانت العهود والهدنة فيما بينه وبين المشركين قبل أن يكون القتال، يقول: لا تهن فتضعف، فيرى أنك تدعو. إلى السلم وأنت فوقه، وأعزّ منه (وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) أنتم أعزّ منهم، ثم جاء القتال بعد فنسخ هذا أجمع، فأمره بجهادهم والغلظة عليهم. وقد قيل: عنى بقوله (وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ) وأنتم الغالبون آخر الأمر، وإن غلبوكم في بعض الأوقات، وقهروكم في بعض الحروب.
وقوله (فَلا تَهِنُوا) جزم بالنهي، وفي قوله (وَتَدْعُوا) وجهان: أحدهما الجزم على العطف على تهنوا، فيكون معنى الكلام: فلا تهنوا ولا تدعوا إلى السلم، والآخر النصب على الصرف.
وقوله (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) يقول: ولن يظلمكم أجور أعمالكم فينقصكم ثوابها، من قولهم: وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا فأخذت له مالا غصبا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله يقول (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) يقول: لن يظلمكم أجور أعمالكم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى;
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) قال: لن ينقصكم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) : أي لن يظلمكم أعمالكم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) قال: لن يظلمكم، أعمالكم ذلك يتركم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) قال: لن يظلمكم أعمالكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) }
يقول تعالى ذكره: حاضا عباده المؤمنين على جهاد أعدائه، والنفقة في سبيله، وبذل مهجتهم في قتال أهل الكفر به: قاتلوا أيها المؤمنون أعداء الله وأعداءكم من أهل الكفر، ولا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك قتالهم، فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو، إلا ما كان منها لله من عمل في سبيله، وطلب رضاه. فأما ما عدا ذلك فإنما هو لعب ولهو، يضمحلّ فيذهب ويندرس فيمرّ، أو إثم يبقى على صاحبه عاره وخزيه (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) يقول: وإن تعملوا في هذه الدنيا التي ما كان فيها مما هو لها، فلعب ولهو، فتؤمنوا به وتتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، وهو الذي يبقى لكم منها، ولا يبطل بطول اللهو واللعب، ثم يؤتكم ربكم عليه أجوركم، فيعوّضكم منه ما هو خير لكم
منه يوم فقركم، وحاجتكم إلى أعمالكم (وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ) يقول: ولا يسألكم ربكم أموالكم، ولكنه يكلفكم توحيده، وخلع ما سواه من الأنداد، وإفراد الألوهية والطاعة له (إن يسألكموها) : يقول جلّ ثناؤه: إن يسألكم ربكم أموالكم (فيحفكم) يقول: فيجهدكم بالمسألة، ويلحّ عليكم بطلبها منكم فيلحف، تبخلوا: يقول: تبخلوا بها وتمنعوها إياه، ضنا منكم بها، ولكنه علم ذلك منكم، ومن ضيق أنفسكم فلم يسألكموها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]