
26-07-2025, 12:27 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ محمد
الحلقة (1249)
صــ 161 الى صــ 170
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) }
يقول تعالى ذكره: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله، فجحدوا توحيده (فَتَعْسًا لَهُمْ) يقول: فخزيا لهم وشقاء وبلاء.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ) قال: شقاء لهم.
وقوله (وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) يقول وجعل أعمالهم معمولة على غير هدى ولا استقامة، لأنها عملت في طاعة الشيطان، لا في طاعة الرحمن.
وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) قال: الضلالة التي أضلهم الله لم يهدهم كما هَدى الآخرين، فإن الضلالة التي أخبرك الله: يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء; قال: وهؤلاء ممن جعل عمله ضلالا وردّ قوله (وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) على قوله (فَتَعْسًا لَهُمْ) وهو فعل ماض، والتعس اسم، لأن التعس وإن كان اسما ففي معنى الفعل لما فيه من معنى الدعاء، فهو بمعنى: أتعسهم الله، فلذلك صلح ردّ أضلّ عليه، لأن الدعاء يجري مجرى الأمر والنهي، وكذلك قوله (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا
الْوَثَاقَ) مردودة على أمر مضمر ناصب لضرب.
وقوله (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ) يقول يعالي ذكره: هذا الذي فعلنا بهم من الإتعاس وإضلال الأعمال من أجل أنهم كرهوا كتابنا الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وسخطوه، فكذّبوا به، وقالوا: هو سحر مبين.
وقوله (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) يقول: فأبطل أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وذلك عبادتهم الآلهة، لم ينفعهم الله بها في الدنيا ولا في الآخرة، بل أوبقهم بها، فأصلاهم سعيرا، وهذا حكم الله جلّ جلاله في جميع من كفر به من أجناس الأمم، كما قال قتادة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله (فَتَعْسًا لَهُمْ) قال: هي عامة للكفار.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) }
يقول تعالى ذكره: أفلم يَسِر هؤلاء المكذّبون محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المنكرو ما أنزلنا عليه من الكتاب في الأرض سفرا، وإنما هذا توبيخ من الله لهم، لأنهم قد كانوا يسافرون إلى الشام، فيرون نقمة الله التي أحلَّها بأهل حجر ثمود، ويرون في سفرهم إلى اليمن ما أحلّ الله بسَبَأ، فقال لنبيه عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين به: أفلم يسِر هؤلاء المشركون سفرا في البلاد فينظروا كيف كان عاقبة تكذيب الذين من قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها الرّادّة نصائحها ألم نهلكها فندمِّر عليها منازلها ونخرِّبها، فيتعظوا بذلك، ويحذروا أن يفعل الله ذلك بهم في تكذيبهم إياه، فينيبوا إلى طاعة الله في تصديقك، ثم توعَّدهم جل ثناؤه، وأخبرهم إن هم أقاموا على تكذيبهم رسوله، أنه مُحِلّ
بهم من العذاب ما أحلّ بالذين كانوا من قبلهم من الأمم، فقال: (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) يقول: وللكافرين من قريش المكذبي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من العذاب العاجل، أمثال عاقبة تكذيب الأمم الذين كانوا من قبلهم رسلهم على تكذيبهم رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) قال: مثل ما دُمَرت به القرون الأولى وعيد من الله لهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (11) }
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) }
يقول تعالى ذكره: هذا الفعل الذي فعلنا بهذين الفريقين: فريق الإيمان، وفريق الكفر، من نُصرتنا فريق الإيمان بالله، وتثبيتنا أقدامهم، وتدميرنا على فريق الكفر (بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يقول: من أجل أن الله وليّ من آمن به، وأطاع رسوله.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) قال: وليهم.
وقد ذُكر لنا أن ذلك في قراءة عبد الله (ذلك بأنَّ الله ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا)
و "أن" التي في المائدة التي هي في مصاحفنا (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (إنَّمَا مَوْلاكُمْ اللَّهُ) في قراءته.
وقوله (وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) يقول: وبأن الكافرين بالله لا وليّ لهم، ولا ناصر.
وقوله (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) يقول تعالى ذكره: إن الله له الألوهة التي لا تنبغي لغيره، يُدخل الذين آمنوا بالله وبرسوله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار، يفعل ذلك بهم تكرمة على إيمانهم به وبرسوله.
وقوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ) يقول جل ثناؤه: والذين جحدوا توحيد الله، وكذّبوا رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتمتعون في هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية الدارسة، ويأكلون فيها غير مفكِّرين في المعاد، ولا معتبرين بما وضع الله لخلقه من الحجج المؤدّية لهم إلى علم توحيد الله ومعرفة صدق رسله، فمثلهم في أكلهم ما يأكلون فيها من غير علم منهم بذلك، وغير معرفة، مثل الأنعام من البهائم المسخرة التي لا همة لها إلا في الاعتلاف دون غيره (وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) يقول جلّ ثناؤه: والنار نار جهنم مسكن لهم، ومأوى، إليها يصيرون من بعد مماتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ (13) }
يقول تعالى ذكره: وكم يا محمد من قرية هي أشد قوة من قريتك، يقول أهلها أشدّ بأسا، وأكثر جمعا، وأعدّ عديدا من أهل قريتك، وهي مكة، وأخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ) قال: هي مكة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ) قال: قريته مكة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حبيش، عن عكرمة، عن ابن عباس "أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، لما خرج من مكة إلى الغار، أراه قال: التفت إلى مكة، فقال: أَنْتِ أحَبُّ بِلادِ الله إلى الله، وأنْتِ أحَبُّ بِلادِ الله إليَّ، فَلَوْ أنَّ المُشْركِينَ لَمْ يُخْرِجُوني لَمْ أخْرُجْ مِنْكِ، فَأعْتَى الأعْداءِ مَنْ عَتا على الله في حَرَمِهِ، أوْ قَتَلَ غيرَ قاتِلِهِ، أوْ قَتَلَ بذُحُول الجاهِلِيَّةِ" ، فأنزل الله تبارك وتعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ) وقال جل ثناؤه: أخرجتك، فأخرج الخبر عن القرية، فلذلك أُنِّث، ثم قال: أهلكناهم، لأن المعنى في قوله أخرجتك، ما وصفت من أنه أريد به أهل القرية، فأخرج الخبر مرّة على اللفظ، ومرّة على المعنى.
وقوله (فَلا نَاصِرَ لَهُمْ) فيه وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون معناه، وإن كان قد نصب الناصر بالتبرئة، فلم يكن لهم ناصر، وذلك أن العرب قد تضمر كان أحيانا في مثل هذا. والآخر أن يكون معناه: فلا ناصر لهم الآن من عذاب الله ينصرهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) }
يقول تعالى ذكره: (أَفَمَنْ كَانَ) على برهان وحجة وبيان (مِنْ) أمر
(رَبِّهِ) والعلم بوحدانيته، فهو يعبده على بصيرة منه، بأن له رَبًّا يجازيه على طاعته إياه الجنة، وعلى إساءته ومعصيته إياه النار، (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) يقول: كمن حسَّن له الشيطان قبيح عمله وسيئه، فأراه جميلا فهو على العمل به مقيم (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يقول: واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم من معصية الله، وعبادة الأوثان من غير أن يكون عندهم بما يعملون من ذلك برهان وحجة. وقيل: إن الذي عني بقوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن الذي عُنِي بقوله: (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) هم المشركون.
القول في تأويل قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) }
يقول تعالى ذكره: صفة الجنة التي وعدها المتقون، وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) يقول تعالى ذكره في هذه الجنة التي: ذكرها أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه: قد أسن ماء هذه البئر: إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت، فهو يأسَن أسَنًا، وكذلك يُقال للرجل إذا أصابته ريح منتنة: قد أَسِن فهو يأْسَن. وأما إذا أَجَنَ الماء وتغير، فإنه يقال له: أسِن فهو يأسَن، ويأسن أسونا، وماء أسن.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن
ابن عباس، في قوله (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) يقول: غير متغير.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قال: من ماء غير مُنْتن.
حدثني عيسى بن عمرو، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: ثنا مصعب بن سلام، عن سعد بن طريف، قال: سألت أبا إسحاق عن (مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قال: سألت عنها الحارث، فحدثني أن الماء الذي غير آسن تسنيم، قال: بلغني أنه لا تمسه يد، وأنه يجيء الماء هكذا حتى يدخل فى فيه. وقوله (وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) يقول تعالى ذكره: وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع، ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار، فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه.
وقوله (وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) يقول: وفيها أنهار من خمر لذة للشاربين يلتذّون بشربها.
كما حدثني عيسى، قال: ثنا إبراهيم بن محمد، قال: ثنا مصعب، عن سعد بن طريف، قال: سألت عنها الحارث، فقال: لم تدسه المجوس، ولم ينفخ فيه الشيطان، ولم تؤذها شمس، ولكنها فوحاء (1) قال: قلت لعكرمة: ما الفوحاء: قال: الصفراء.
وكما حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله (مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) قال: لم يحلب، وخُفِضت اللذة على النعت للخمر، ولو جاءت رفعا على النعت للأنهار جاز، أو نصبا على يتلذّذ بها لذة، كما يقال: هذا لك هبة. كان جائزا ; فأما القراءة فلا أستجيزها فيها إلا خفضا لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
(1) في اللسان: الفوح: وجدانك الريح الطيبة. فاحت ريح المسك تفوح وتفيح، فوحا وفيحا. وفوحانا فيحانا: انتشرت رائحته.
وقوله (وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) يقول: وفيها أنهار من عسل قد صُفِّي من القَذى، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، إنما أعلم تعالى ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلا جاريا سيل الماء واللبن المخلوقين فيها، فهو من أجل ذلك مصفًّى، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية، لأنه كان في شمع فصُفي منه.
وقوله (وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة من هذه الأنهار التي ذكرنا من جميع الثمرات التي تكون على الأشجار (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) يقول: وعفو من الله لهم عن ذنوبهم التي أذنبوها في الدنيا، ثم تابوا منها، وصَفْحٌ منه لهم عن العقوبة عليها.
وقوله (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ) يقول تعالى ذكره: أمَّن هو في هذه الجنة التي صفتها ما وصفنا، كمن هو خالد في النار. وابتُدئ الكلام بصفة الجنة، فقيل: مثل الجنة التي وعد المتقون، ولم يقل: أمَّن هو في الجنة. ثم قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنة وصفتها (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ) . وإنما قيل ذلك كذلك، استغناء بمعرفة السامع معنى الكلام، ولدلالة قوله (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ) على معنى قوله (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) .
وقوله (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا) يقول تعالى ذكره: وسُقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حرّه فقطع ذلك الماء من شدّة حرّه أمعاءهم.
كما حدثني محمد بن خلف العَسْقلانيّ، قال: ثنا حَيْوة بن شُريح الحِمصِيّ، قال: ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، قال: ثني عبيد الله بن بشر، عن أبي أُمامة الباهلي، عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقوله (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ) قال: يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فإذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رأْسِهِ، فإذَا شَرِبَ قَطَّعَ أمْعاءَهُ حتى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ. قال: يقول الله (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) يقول الله عزّ وجلّ (يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) }
يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء الكفار يا محمد (مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وهو المنافِق، فيستمع ما تقول فلا يعيه ولا يفهمه، تهاونا منه بما تتلو عليه من كتاب ربك، تغافلا عما تقوله، وتدعو إليه من الإيمان، (حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) قالوا إعلاما منهم لمن حضر معهم مجلسك من أهل العلم بكتاب الله، وتلاوتك عليهم ما تلوت، وقيلك لهم ما قلت إنهم لن يُصْغوا أسماعهم لقولك وتلاوتك (مَاذَا قَالَ) لنا محمد (آنِفًا) ؟ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) هؤلاء المنافقون، دخل رجلان: رجل ممن عقل عن الله وانتفع بما سمع ورجل لم يعقل عن الله، فلم ينتفع بما سمع، كان يقال: الناس ثلاثة: فسامع عامل، وسامع غافل، وسامع تارك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) قال: هم المنافقون. وكان يقال: الناس ثلاثة: سامع فعامل، وسامع فغافل، وسامع فتارك.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا شريك، عن عثمان أبي اليقظان، عن يحيى بن الجزّار، أو سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله (حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا) قال ابن عباس: أنا منهم، وقد سُئِلت فيمن سُئِل.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) ... إلى آخر الآية، قال: هؤلاء المنافقون، والذين أُوتُوا العلم: الصحابة رضي الله عنهم.
وقوله (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم القوم الذين ختم الله على قلوبهم، فهم لا يهتدون للحقّ الذي بعث الله به رسوله عليه الصلاة والسلام (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يقول: ورفضوا أمر الله، واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم، فهم لا يرجعون مما هم عليه إلى حقيقة ولا برهان، وسوّى جلّ ثناؤه بين صفة هؤلاء المنافقين وبين المشركين، في أن جميعهم إنما يتبعون فيما هم عليه من فراقهم دين الله، الذي ابتعث به محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أهواءهم، فقال في هؤلاء المنافقين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) وقال في أهل الكفر به من أهل الشرك، (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) }
يقول تعالى ذكره: وأما الذين وفَّقهم الله لاتباع الحقّ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد، فإن ما تلوته عليهم، وسمعوه منك (زَادَهُمْ هُدًى) يقول: زادهم الله بذلك إيمانا إلى إيمانهم، وبيانا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم. وقد ذُكر أن الذي تلا عليهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من القرآن، فقال أهل النفاق منهم لأهل الإيمان، ماذا قال آنفا، وزاد الله أهل الهدى منهم هدى، كان بعض ما أنزل الله من القرآن ينسخ بعض ما قد كان الحكم مضى به قبل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني
أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) قال: لما أنزل الله القرآن آمنوا به، فكان هدى، فلما تبين الناسخ والمنسوخ زادهم هدى.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|