
25-07-2025, 09:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,492
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الدخان
الحلقة (1235)
صــ 21 الى صــ 30
عَائِدُونَ) يقول: إنكم أيها المشركون إذا كَشَفْتُ عنكم ما بكم من ضرّ لم تفوا بما تعدون وتعاهدون عليه ربكم من الإيمان، ولكنكم تعودون في ضلالتكم وغيكم، وما كنتم قبل أن يكشف عنكم.
وكان قتادة يقول: معناه: إنكم عائدون في عذاب الله.
حدثنا بذلك ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عنه. وأما الذين قالوا: عنى بقوله: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) الدخان نفسه، فإنهم قالوا في هذا الموضع: عنى بالعذاب الذي قال (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ) : الدخان.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا) يعني الدخان.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا) قال: قد فعل، كشف الدخان حين كان.
قوله (إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) قال: كُشِف عنهم فعادوا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) إلى عذاب الله.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) }
يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المشركون إن كشفت عنكم العذاب النازل بكم، والضرّ الحالّ بكم، ثم عدتم في كفركم، ونقضتم عهدكم الذي عاهدتم
ربكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل الدنيا، فأهلككم، وكشف الله عنهم، فعادوا، فبطش بهم جلّ ثناؤه بطشته الكبرى في الدنيا، فأهلكهم قتلا بالسيف.
وقد اختلف أهل التأويل في البطشة الكبرى، فقال بعضهم: هي بطشة الله بمشركي قريش يوم بدر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود، أنه قال: البطشة الكبرى: يوم بدر.
حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: يوم بدر، البطشة الكبرى.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد، قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) يوم بدر.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يوم بدر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يوم بدر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف قال: سمعت أبا العالية في هذه الآية (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يوم بدر.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يعني يوم بدر.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام بن عليّ، عن الأعمش، عن إبراهيم،
قال: قلت: ما البطشة الكبرى؟ فقال: يوم القيامة، فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر; قال. فبلغني أنه سُئل بعد ذلك فقال: يوم بدر.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب قالا ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، بنحوه.
حدثنا بشر، ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن مجاهد، عن أبيّ بن كعب، قال: يوم بدر.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) يوم بدر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فى قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: هذا يوم بدر.
وقال آخرون: بل هي بطشة الله بأعدائه يوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا خالد الحذّاء، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، قال: مرّ بي عكرمة، فسألته عن البطشة الكبرى فقال: يوم القيامة; قال: قلت: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: يوم بدر، وأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال قتادة عن الحسن: إنه يوم القيامة.
وقد بينَّا الصواب في ذلك فيما مضى، والعلة التي من أجلها اخترنا ما اخترنا من القول فيه.
وقوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) يعني تعالى ذكره: ولقد اختبرنا وابتلينا يا محمد قبل مشركي قومك مثال هؤلاء قوم فرعون من القبط (وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) يقول: وجاءهم رسول من عندنا أرسلناه إليهم، وهو موسى بن عمران صلوات الله عليه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) يعني موسى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (رَسُولٌ كَرِيمٌ) قال: موسى عليه السلام، ووصفه جل ثناؤه بالكرم، لأنه كان كريما عليه، رفيعا عنده مكانه، وقد يجوز أن يكون وصفه بذلك، لأنه كان في قومه شريفا وسيطا.
وقوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: وجاء قوم فرعون رسول من الله كريم عليه بأن ادفعوا إليّ، ومعنى "أدوا" : ادفعوا إليّ فأرسلوا معي واتبعون، وهو نحو قوله (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) فأن في قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ) نصب، وعباد الله نصب بقوله (أَدُّوا) وقد تأوله قوم: أن أدّوا إليّ يا عباد الله، فعلى هذا التأويل عباد الله نصب على النداء.
وبنحو الذي قلنا في تأويل (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) قال: يقول: اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق.
حدثني محمد بن عمرو، قال: يقول: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: أرسلوا معي بني إسرائيل.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: بني إسرائيل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) يعني به بني إسرائيل، قال لفرعون: علام تحبس هؤلاء القوم، قوما أحرارا اتخذتهم عبيدا، خلّ سبيلهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: يقول: أرسل عباد الله معي، يعني بني إسرائيل، وقرأ (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) قال: ذلك قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: ردّهم إلينا.
وقوله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) يقول: إني لكم أيها القوم رسول من الله أرسلني إليكم لا يدرككم بأسه على كفركم به، (أمين) : يقول: أمين على وحيه ورسالته التي أوعدنيها إليكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) }
يقول تعالى ذكره: وجاءهم رسول كريم، أن أدّوا إلي عباد الله، وبأن لا تعلوا على الله.
وعنى بقوله (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ) أن لا تطغوا وتبغوا على ربكم، فتكفروا به وتعصوه، فتخالفوا أمره (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) يقول: إني آتيكم بحجة على حقيقة ما أدعوكم إليه، وبرهان على صحته، مبين لمن تأملها وتدبرها أنها حجة لي على صحة ما أقول لكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ) : أي لا تبغوا على الله (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) : أي بعذر مبين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ) يقول: لا تفتروا على الله.
وقوله (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) يقول: وإني اعتصمت بربي وربكم، واستجرت به منكم أن ترجمون.
واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ موسى نبيّ الله عليه السلام بربه منه، فقال بعضهم: هو الشتم باللسان.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: يعني رجم القول.
حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: الرجم: بالقول.
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: أن تقولوا هو ساحر.
وقال آخرون: بل هو الرجم بالحجارة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) : أي أن ترجمون بالحجارة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: أن ترجمون بالحجارة.
وقال آخرون: بل عنى بقوله (أَنْ تَرْجُمُونِ) : أن تقتلوني.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما دلّ عليه ظاهر الكلام، وهو أن موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجُمه فرعون وقومه، والرجم قد يكون قولا باللسان، وفعلا باليد. والصواب أن يقال: استعاذ موسى بربه من كل معاني رجمهم الذي يصل منه إلى المرجوم أذًى ومكروه، شتما كان ذلك باللسان، أو رجما بالحجارة باليد.
وقوله (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى عليه السلام لفرعون وقومه: وإن أنتم أيها القوم لم تصدّقوني على ما جئتكم به من عند ربي، فاعتزلون: يقول: فخلوا سبيلي غير مرجوم باللسان ولا باليد.
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) : أي فخلُّوا سبيلي.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) }
يقول تعالى ذكره: فدعا موسى ربه إذ كذّبوه ولم يؤمنوا به، ولم يؤدّ
إليه عباد الله، وهموا بقتله بأن هؤلاء، يعني فرعون وقومه (قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) يعني: أنهم مشركون بالله كافرون.
وقوله (فَأَسْرِ بِعِبَادِي) وَفِي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذُكر عليه منه، وهو: فأجابه ربه بأن قال له: فأسر إذ كان الأمر كذلك بعبادي، وهم بنو إسرائيل، وإنما معنى الكلام: فأسر بعبادي الذين صدّقوك وآمنوا بك، واتبعوك دون الذين كذّبوك منهم، وأبَوْا قبول ما جئتهم به من النصيحة منك، وكان الذين كانوا بهذه الصِّفَة يومئذ بني إسرائيل. وقال: (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا) لأن معنى ذلك: سر بهم بليل قبل الصباح.
وقوله (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) يقول: إن فرعون وقومه من القبط متبعوكم إذا شخصتم عن بلدهم وأرضهم في آثاركم.
وقوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) يقول: وإذا قطعت البحر أنت وأصحابُك، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته. وقيل: إن الله تعالى ذكره قال لموسى هذا القول بعد ما قطع البحر ببني إسرائيل فإذ كان ذلك كذلك، ففي الكلام محذوف، وهو: فسرَى موسى بعبادي ليلا وقطع بهم البحر، فقلنا له بعد ما قطعه، وأراد ردّ البحر إلى هيئته التي كان عليها قبل انفلاقه: اتركْه رَهْوًا.
* ذكر من قال ما ذكرنا من أن الله عزّ وجلّ قال لموسى صلى الله عليه وسلم هذا القول بعد ما قطع البحر بقومه:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) حتى بلغ (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) قال: لما خرج آخر بني إسرائيل أراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب البحر بعصاه، حتى يعود كما كان مخافة آل فرعون أن يدركوهم، فقيل له (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال:
لما قطع البحر، عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده، فقيل له: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) كما هو (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الرهْو، فقال بعضهم: معناه: اتركه على هيئته وحاله التي كان عليها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) يقول: سَمْتا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) قال: الرهو: أن يترك كما كان، فإنهم لن يخلُصوا من ورائه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا حميد، عن إسحاق، عن عبد الله بن الحارث، عن أبيه، أن ابن عباس سأل كعبا عن قول الله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: طريقا.
وقال آخرون: بل معناه: اتركه سَهْلا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: سهلا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: يقال: الرهو: السهل.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرميّ بن عُمارة قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن الضحاك بن مُزاحم، فى قول الله عزّ وجلّ (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: دَمثا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: سهلا دمثا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: هو السهل.
وقال آخرون: بل معناه: واتركه يبسا جددا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبيد الله بن معاذ، قال: ثني أبي، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة، في قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: جددا.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة في قوله (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) قال: يابسا كهيئته بعد أن ضربه، يقول: لا تأمره يرجع، اتركه حتى يدخل آخرهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (رَهوًا) قال: طريقا يَبَسا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) كما هو طريقا يابسا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه: اتركه على هيئته كما هو على الحال التي كان عليها حين سلَكْته، وذلك أن الرهو في كلام العرب: السكون، كما قال الشاعر:
كأنَّما أهْلُ حُجْرٍ يَنْظُرُونَ مَتَى ... يَرَوْنَنِي خارِجا طَيْرٌ يَنَادِيد ... طَيرٌ رأَتْ بازِيا نَضْحُ الدّماءِ بِهِ ... وأُمُّهُ خَرَجَتْ رَهْوًا إلى عِيد (1)
(1) هذا بيت من قصيدة للراعي، مدح بها سعد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، عدتها سبعة وخمسون بيتا. وقوله "ذات آثارة" أي رب ناقة ذات سمن. والأثارة، بفتح الهمزة: شحم متصل بشحم آخر، ويقال هي بقية من الشحم العتيق، يقال: سمنت الناقة على أثارة، أي على بقية شحم. وأكمته: غلفه، جمع كمام، وهو جمع كم بكسر الكاف، وهو غطاء النور وغلافه. وقفارًا وقفارة: وصف للنبات: أي رعته خاليًا لها من مزاحمة غيرها في رعيه. وأصله من قولهم طعام قفار: أي أكل بلا إدام. (انظر خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 4: 251) واستشهد بالبيت أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 222) . عند قوله تعالى: "أو أثارة من علم" أي بقية من شحم أكلت عليه. ومن قال: "أثرة" فهو مصدر أثره يأثره: يذكره. وفي (اللسان: أثر) : وأثرة العلم وأثرته وأثارته، بقية منه تؤثر فتذكر. وقال الزجاج أثاره: في معنى علامة. ويجوز أن يكون على معنى بقية من علم ونسب البيت للشماخ.
يعني على سكون، وإذا كان ذلك معناه كان لا شكّ أنه متروك سهلا دَمِثا، وطريقا يَبَسا لأن بني إسرائيل قطعوه حين قطعوه، وهو كذلك، فإذا ترك البحر رهوا كما كان حين قطعه موسى ساكنا لم يُهج كان لا شكّ أنه بالصفة التي وصفت.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|