عرض مشاركة واحدة
  #1233  
قديم 25-07-2025, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الدخان
الحلقة (1233)
صــ 1 الى صــ 12





وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى: (إنْ) الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السديّ، وذلك أن "إن" لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين: إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء، أو تكون بمعنى الجحد، وهب إذا وجهت إلى الجحد لم يكن للكلام كبير معنى، لأنه يصير بمعنى: قل ما كان للرحمن ولد، وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفى بذلك عن الله عزّ وجلّ أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات، ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن، مع أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيَّهُ محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقول لهم: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين أن يقولوا له صدقت، وهو كما قلت، ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد. وإنما قلنا: لم يكن له ولد، ثم خلق الجنّ فصاهرهم، فحدث له منهم ولد، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه، ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتجّ لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعلى مكذبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن فيه، وإذ كان في توجيهنا "إن" إلى معنى الجحد ما ذكرنا، فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط. وإذ كان ذلك كذلك، فبينة صحة ما نقول من أن معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم، ولكنه لا ولد له، فأنا أعبده بأنه لا ولد له، ولا ينبغي أن يكون له.
وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشكّ، ولكن على وجه الإلطاف من الكلام وحسن الخطاب، كما قال جلّ ثناؤه (قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .
وقد علم أن الحقّ معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين.
وقوله: (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول تعالى ذكره تبرئة وتنزيها
لمالك السموات والأرض ومالك العرش المحيط بذلك كله، وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب، ويضيفون إليه من الولد وغير ذلك من الأشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) : أي يكذّبون.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) }
يقول تعالى ذكره: فذر يا محمد هؤلاء المفترين على الله، الواصفة بأن له ولدا يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وذلك يوم يصليهم الله بفريتهم عليه جهنم، وهو يوم القيامة.
كما حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) قال: يوم القيامة.
وقوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ) يقول تعالى ذكره: والله الذي له الألوهة في السماء معبود، وفي الأرض معبود كما هو في السماء معبود، لا شيء سواه تصلح عبادته; يقول تعالى ذكره: فأفردوا لمن هذه صفته العبادة، ولا تشركوا به شيئا غيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ) قال: يُعبد في السماء، ويُعبد في الأرض.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ) أي يُعبد في السماء وفي الأرض.
وقوله: (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) يقول: وهو الحكيم في تدبير خلقه، وتسخيرهم لما يشاء، العليم بمصالحهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) }
يقول تعالى ذكره، وتبارك الذي له سلطان السموات السبع والأرض، وما بينهما من الأشياء كلها، جار على جميع ذلك حكمه، ماض فيهم قضاؤه. يقول: فكيف يكون له شريكا من كان في سلطانه وحكمه فيه نافذ. (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) يقول: وعنده علم الساعة التي تقوم فيها القيامة، ويُحشر فيها الخلق من قبورهم لموقف الحساب.
قوله: (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يقول: وإليه أيها الناس تردّون من بعد مماتكم، فتصيرون إليه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) }
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا يملك عيسى وعُزير والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركون بالساعة، الشفاعة عند الله لأحد، إلا من شهد بالحقّ، فوحد الله وأطاعه، بتوحيد علم منه وصحة بما جاءت به رسله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ) قال: عيسى، وعُزير، والملائكة.
قوله: (إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) قال: كلمة الإخلاص، وهم يعلمون أن الله حقّ، وعيسى وعُزير والملائكة يقول: لا يشفع عيسى وعُزير والملائكة إلا من شهد بالحقّ، وهو يعلم الحقّ.
وقال آخرون: عني بذلك: ولا تملك الآلهة التي يدعوها المشركون ويعبدونها من دون الله الشفاعة إلا عيسى وعُزير وذووهما، والملائكة الذين شهدوا بالحقّ، فأقروا به وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) : الملائكة وعيسى وعُزير، قد عُبِدوا من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) قال: الملائكة وعيسى ابن مريم وعُزير، فإن لهم عند الله شهادة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لأحد، إلا من شهد
بالحقّ، وشهادته بالحقّ: هو إقراره بتوحيد الله، يعني بذلك: إلا من آمن بالله، وهم يعلمون حقيقة توحيده، ولم يخصص بأن الذي لا يملك ملك الشفاعة منهم بعض من كان يعبد من دون الله، فذلك على جميع من كان تعبد قريش من دون الله يوم نزلت هذه الآية وغيرهم، وقد كان فيهم من يعبد من دون الله الآلهة، وكان فيهم من يعبد من دونه الملائكة وغيرهم، فجميع أولئك داخلون في قوله: ولا يملك الذين يدعو قريش وسائر العرب من دون الله الشفاعة عند الله. ثم استثنى جلّ ثناؤه بقوله: (إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وهم الذين يشهدون شهادة الحقّ فيوحدون الله، ويخلصون له الوحدانية، على علم منهم ويقين بذلك، أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها، كما قال جلّ ثناؤه: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى) فأثبت جلّ ثناؤه للملائكة وعيسى وعُزير ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان باستثنائه الذي استثناه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) }
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولنّ: الله خلقنا.
(فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم، ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته.
وقوله: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله:
(وَقِيلِهِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة "وَقِيلَهُ" بالنصب. وإذا قرئ كذلك ذلك، كان له وجهان في التأويل: أحدهما العطف على قوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) ونسمع قيله يا رب. والثاني: أن يضمر له ناصب، فيكون معناه حينئذ: وقال قوله: (يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا
يُؤْمِنُونَ) وشكا محمد شكواه إلى ربه. وقرأته عامة قرّاء الكوفة (وقِيلِهِ) بالخفض على معنى: وعنده علم الساعة، وعلم قيله.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فتأويل الكلام إذن: وقال محمد قيله شاكيا إلى ربه تبارك وتعالى قومه الذين كذّبوه، وما يلقى منهم: يا ربّ إن هؤلاء الذين أمرتني بإنذارهم وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك، قوم لا يؤمنون.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) قال: فأبرّ الله عزّ وجلّ قول محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) قال: هذا قول نبيكم عليه الصلاة والسلام يشكو قومه إلى ربه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَقِيلِهِ يَارَبِّ) قال: هو قول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، جوابا له عن دعائه إياه إذ قال: "يا ربّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون" (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) يا محمد، وأعرض عن أذاهم (وَقُلْ) لهم (سَلام) عليكم ورفع سلام بضمير عليكم أو لكم.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء
المدينة "فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" بالتاء على وجه الخطاب، بمعنى: أمر الله عزّ وجلّ نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقول ذلك للمشركين، مع قوله: (سَلام) وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء مكة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) بالياء على وجه الخبر، وأنه وعيد من الله للمشركين، فتأويله على هذه القراءة: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) يا محمد (وَقُلْ سَلام) . ثم ابتدأ تعالى ذكره الوعيد لهم، فقال (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ما يلقون من البلاء والنكال والعذاب على كفرهم، ثم نسخ الله جلّ ثناؤه هذه الآية، وأمر نبيَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقتالهم.
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) قال: اصفح عنهم، ثم أمره بقتالهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله تبارك وتعالى يعزّي نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) .
آخر تفسير سورة الزخرف


سورة الدخان

القول في تأويل قوله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) }

قد تقدم بياننا في معنى قوله (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) وقوله (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) أقسم جلّ ثناؤه بهذا الكتاب، أنه أنزله في ليلة مباركة.

واختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أيّ ليلة من ليالي السنة هي؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) : ليلة القدر، ونزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان، ونزلت التوراة لستّ ليال مضت من رمضان، ونزل الزَّبور لستّ عشرة مضت من رمضان، ونزل الإنجيل لثمان عشرة مضت من رمضان، ونزل الفُرقَان لأربع وعشرين مضت من رمضان.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) قال: هي ليلة القدر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله عزّ وجلّ (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) قال: تلك الليلة ليلة القدر، أنزل الله هذا القرآن من أمّ الكتاب في ليلة القدر، ثم أنزله على الأنبياء (1) في الليالي والأيام، وفي غير ليلة القدر.

وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان.

والصواب من القول في ذلك قول من قال: عنى بها ليلة القدر، لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) خلَقْنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلّ بمن كفر منهم، فلم ينب إلى توحيدنا، وإفراد الألوهة لنا.

وقوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم، نحو اختلافهم في الليلة المباركة، وذلك أن الهاء التي في قوله (فِيهَا) عائدة على الليلة المباركة، فقال بعضهم: هي ليلة القدر، يقضي فيها أمر السنة كلها من يموت، ومن يولد، ومن يعزّ، ومن يذل، وسائر أمور السنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ربيعة بن كلثوم، قال: كنت عند الحسن، فقال له رجل: يا أبا سعيد، ليلة القدر في كلّ رمضان؟ قال: إي والله، إنها لفي كلّ رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر، أفي كل رمضان هي؟ قال:

(1)
في فتح القدير للشوكاني (4: 554) : "وقال قتادة: أنزل القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب، وهو اللوح المحفوظ، إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ثم أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام، في ثلاث وعشرين سنة" .

نعم والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي كل رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، يقضي الله كلّ أجل وخلق ورزق إلى مثلها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الحميد بن سالم، عن عمر مولى غفرة، قال: يقال: ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها، وذلك لأن الله عزّ وجلّ يقول: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وقال (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: فتجد الرجل ينكح النساء، ويغرس الغرس واسمه في الأموات.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة، عن أبي مالك، في قوله: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: أمر السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو أجل أو مصيبة، أو نحو هذا.

قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن هلال بن يساف، قال: كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان.

حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن في قوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: يدبر أمر السنة في ليلة القدر.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ليلة القدر (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) كُنَّا نُحدَّثُ أنه يُفْرق فيها أمر السنة إلى السنة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هي ليلة القدر فيها يُقضى ما يكون من السنة إلى السنة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: سألت مجاهدا فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهمّ إن كان اسمي في السعداء، فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم، واجعله بالسعداء، فقال: حسن، ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك، فسألته عن هذا الدعاء، قال: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدّم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير.

وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الفضل بن الصباح، والحسن بن عرفة، قالا ثنا الحسن بن إسماعيل البجلي، عن محمد بن سوقة، عن عكرمة في قول الله تبارك وتعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: في ليلة النصف من شعبان، يبرم فيه أمر السنة، وتنسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.

حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الليث، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن المُغيرة بن الأخنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُقْطَعُ الآجالُ مِنْ شَعْبان إلى شَعْبانَ حتى إن الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهْ وَقَدْ خَرَجَ اسمُهُ فِي المَوْتَى" .

حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا عثمان بن حكيم، قال: ثنا سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات، قال: ثم قرأ هذه الآية (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: ثم قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر لما قد

تقدّم من بياننا عن أن المعني بقوله (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ليلة القدر، والهاء في قوله (فِيهَا) من ذكر الليلة المباركة.

وعنى بقوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) في هذه الليلة المباركة يُقْضَى ويُفْصَل كلّ أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى، ووضع حكيم موضع محكم، كما قال: (الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) يعني: المحكم.

وقوله (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يقول تعالى ذكره: في هذه الليلة المباركة يُفْرق كلّ أمر حكيم، أمرا من عندنا.

واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (أمْرًا) فقال بعض نحويي (1) الكوفة: نصب على (2) إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال. وقال بعض نحويي (3) البصرة: نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا. قال: وكذلك قوله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال: ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، فجعل الرحمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يقول تعالى ذكره: إنا كنا مرسلي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يقول: إن الله تبارك وتعالى هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا، وأرسلنا من رسلنا إليهم، وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم، العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم.

القول في تأويل قوله تعالى: رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ

(1)
في الأصل بدون نقطتين.

(2)
كذا في الأصل. ولعل لفظة "على" زيادة من الناسخ.

(3)
في الأصل بدون نقطتين.

رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)

اختلف القرّاء في قراءة قوله (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة "رَبُّ السَّمَوَاتِ" بالرفع على إتباع إعراب الربّ إعراب السميع العليم. وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين "ربَّ السمَوَاتِ" خفضا ردّ على الرب في قوله جلّ جلاله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

ويعني بقوله (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) يقول تعالى ذكره الذي أنزل هذا الكتاب يا محمد عليك، وأرسلك إلى هؤلاء المشركين رحمة من ربك، مالك السموات السبع والأرض وما بينهما من الأشياء كلها.

وقوله (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) يقول: إن كنتم توقنون بحقيقة ما أخبرتكم من أن ربكم ربّ السموات والأرض، فإن الذي أخبرتكم أن الله هو الذي هذه الصفات صفاته، وأن هذا القرآن تنزيله، ومحمدا صلى الله عليه وسلم رسوله حق يقين، فأيقنوا به كما أيقنتم بما توقنون من حقائق الأشياء غيره.

وقوله (لا إِلَهَ إِلا هُوَ) يقول: لا معبود لكم أيها الناس غير ربّ السموات والأرض وما بينهما، فلا تعبدوا غيره، فإنه لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي لشيء سواه، يحيي ويميت، يقول: هو الذي يحيي ما يشاء، ويميت ما يشاء مما كان حيا.

وقوله (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ) يقول: هو مالككم ومالك من مضى قبلكم من آبائكم الأوّلين، يقول: فهذا الذي هذه صفته، هو الربّ فاعبدوه دون آلهتكم التي لا تقدر على ضرّ ولا نفع.

وقوله (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) يقول تعالى ذكره ما هم بموقنين بحقيقة ما يقال لهم ويخبرون من هذه الأخبار، يعني بذلك مشركي قريش، ولكنهم في شكّ منه، فهم يلهون بشكهم في الذي يخبرون به من ذلك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]