
25-07-2025, 09:39 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الزخرف
الحلقة (1232)
صــ 641 الى صــ 650
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن عبد الله بن عمرو، قال: "ما أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام، كلّ غلام على عمل ما عليه صاحبه" .
وقوله: (وَأَكْوَابٍ) وهي جمع كوب، والكوب: الإبريق المستدير الرأس، الذي لا أذن له ولا خرطوم، وإياه عنى الأعشى بقوله?
صَرِيفِيَّةٌ طَيِّبٌ طَعْمُهَا ... لَهَا زَبَدٌ بَيْنَ كُوب وَدَنّ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد، قال حدثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَأَكْوَابٍ) قال: الأكواب التي ليست لها آذان.
ومعنى الكلام: يطاف عليهم فيها بالطعام في صحاف من ذهب، وبالشرب في أكواب من ذهب، فاستغنى بذكر الصحاف والأكواب من ذكر الطعام والشراب، الذي يكون فيها لمعرفة السامعين بمعناه "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي (2) الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ" يقول تعالى ذكره:
(1) البيت لأعشى بن قيس بني ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة ص 17) وصريفية، منسوبة إلى صريفون: موضع بالعراق مشهور بجودة خمره. وقيل نسبت إلى الصريف وهو اللبن ساعة يحلب جعلها صريفية لأنها أخذت من الدن ساعتئذ أحضرت، كأنها أخذت قبل أن تمزج. والزبد. ما يعلوها عند تحريكها من الدن إلى الكوب من الفقاقيع. والكوب: الكوز الذي لا عروة له. أو هو الكوز المستدير الرأس الذي لا أذن له.
(2) قراءة مشهورة متواترة بحذف الهاء.
لكم في الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون، وتلذّ أعينكم (وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يقول: وأنتم فيها ماكثون، لا تخرجون منها أبدا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن سابط أن رجلا قال: يا رسول الله إني أُحِبُّ الخَيْلَ، فهل في الجنة خيل؟ فقال: "إنْ يُدْخِلْكَ الجَنَّةَ إنْ شاءَ، فَلا تَشاءُ أنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ تَطيرُ بِكَ فِي أيّ الجَنَّة شِئْتَ إلا فَعَلَتْ" ، فقال أعرابيّ: يا رسول الله إني أحبّ الإبلَ، فهل في الجنة إبل؟ فقال: "يا أعرابيّ إنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الجَنَّةَ إنْ شاءَ اللهُ، فَفِيها ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنَاك" .
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن أبي ظبية السلفي، قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة، قال: فتقول: ما أُمْطِرُكُمْ؟ قال: فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أمطرتهم، حتى إن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا.
حدثنا ابن عرفة، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن عليّ بن أبي الوليد، قال: قيل لمجاهد في الجنة سماع؟ قال: إن فيها لشجرا يقال له العيص، له سماع لم يسمع السامعون إلى مثله.
حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: أخبرنا معاوية بن صالح، قال: ثني سليمان بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة، يقول: "إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير، فيقع متفلقا نضيجا في كفه، فيأكل منه حتى تنتهي نفسه، ثم يطير، ويشتهي الشراب، فيقع الإبريق في يده، ويشرب منه ما يريد، ثم يرجع إلى مكانه."
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام: (مَا تَشْتَهِيهِ) بزيادة هاء، وكذلك ذلك في مصاحفهم. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق "تَشْتَهِي" بغير هاء، وكذلك هو في مصاحفهم.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان بمعنى واحد،
فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) }
يقول تعالى ذكره: يقال لهم: وهذه الجنة التي أورثكموها الله عن أهل النار الذين أدخلهم جهنم بما كنتم في الدنيا تعملون من الخيرات.
(لَكُمْ فِيهَا) يقول: لكم في الجنة فاكهة كثيرة من كلّ نوع (مِنْهَا تَأْكُلُونَ) يقول: من الفاكهة تأكلون ما اشتهيتم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) }
يقول تعالى ذكره (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر بالله، فاجترموا به في الآخرة (فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) يقول: هم فيه ماكثون.
لا يفتر عنهم، يقول: لا يخفف عنهم العذاب وأصل الفتور: الضعف (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) يقول: وهم في عذاب جهنم مبلسون، والهاء في فيه من ذكر العذاب. ويذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: "وَهُمْ فِيهَا مُبْلِسُونَ" والمعنى: وهم في جهنم مبلسون، والمبلس في هذا الموضع: هو الآيس من النجاة الذي قد قنط فاستسلم للعذاب والبلاء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) : أي مستسلمون.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) قال: آيسون.
وقال آخرون بما حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) متغير حالهم.
وقد بينَّا فيما مضى معنى الإبلاس بشواهده، وذكر المختلفين فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) يقول تعالى ذكره: وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بفعلنا بهم ما أخبرناكم أيها الناس أنا فعلنا بهم من التعذيب بعذاب جهنم (وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) بعبادتهم في الدنيا غير من كان عليهم عبادته، وكفرهم بالله، وجحودهم توحيده.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) }
يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم، فنالهم فيها من البلاء ما نالهم، مالكا خازن جهنم (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قال: ليمتنا ربك، فيفرغ من إماتتنا، فذكر أن مالكا لا يجيبهم في وقت قيلهم له ذلك، ويدعهم ألف عام بعد ذلك، ثم يجيبهم، فيقول لهم: (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي الحسن، عن ابن عباس (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) فأجابهم بعد ألف سنة (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن رجل من جيرانه يقال له الحسن، عن نوف في قوله: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قال: يتركهم مئة سنة مما تعدون، ثم يناديهم فيقول: يا أهل النار إنكم ماكثون.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو، قال: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قال: فخلى عنهم أربعين عاما لا يجيبهم، ثم أجابهم: (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) : قالوا (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) فخلى عنهم مثلي الدنيا، ثم أجابهم: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) قال: فوالله ما نبس القوم بعد الكلمة، إن كان إلا الزفيرُ والشهيق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم، ثم يقول: (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) ، ثم ينادون ربهم (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) فيدعهم أو يخلي عنهم مثل الدنيا، ثم يردّ عليهم (اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) قال: فما نبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق في نار جهنم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن الحسن، عن نوف (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قال: يتركهم مئة سنة مما تعدّون، ثم ناداهم فاستجابوا له، فقال: إنكم ماكثون.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط عن السديّ، في قوله: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قال: مالك خازن النار، قال: فمكثوا ألف سنة مما تعدون، قال: فأجابهم بعد ألف عام: إنكم ماكثون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله تعالى ذكره: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قال: يميتنا، القضاء ههنا الموت، فأجابهم (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) .
وقوله: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ) يقول: لقد أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا محمدا بالحق.
كما حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ) ، قال: الذي جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثرهم لما جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الحق كارهون.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) }
يقول تعالى ذكره: أم أبرم هؤلاء المشركون من قريش أمرا فأحكموه، يكيدون به الحقّ الذي جئناهم به، فإنا محكمون لهم ما يخزيهم، ويذلهم من النكال.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) قال: مجمعون: إن كادوا شرّا كدنا مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) قال: أم أجمعوا أمرا فإنا مجمعون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) قال: أم أحكموا أمرا فإنا محكمون لأمرنا.
وقوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) يقول: أم يظنّ هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما أخفوا عن الناس من منطقهم، وتشاوروا بينهم وتناجوا به دون غيرهم، فلا نعاقبهم عليه لخفائه علينا.
وقوله: (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) يقول تعالى ذكره: بل نحن نعلم ما تناجوا به بينهم، وأخفوه عن الناس من سرّ كلامهم، وحفظتنا لديهم، يعني عندهم يكتبون ما نطقوا به من منطق، وتكلموا به من كلامهم.
وذكر أن هذه الآية نزلت في نفر ثلاثة تدارءوا في سماع الله تبارك وتعالى كلام عباده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشيّ، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا عاصم بن محمد العمريّ، عن محمد بن كعب القرظي، قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها، قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشيّ، فقال واحد من الثلاثة: أترون الله يسمع كلامنا؟ فقال الأول: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع، قال الثاني: إن كان يسمع إذا أعلنتم، فإنه يسمع إذا أسررتم، قال: فنزلت (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) قال: الحفَظة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد. عن قتادة (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) : أي عندهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) فقال بعضهم: في معنى ذلك: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم أيها المشركون، فأنا أوّل المؤمنين بالله في تكذيبكم، والجاحدين ما قلتم من أن له ولدا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) كما تقولون (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) المؤمنين بالله، فقولوا ما شئتم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) قال: قل إن كان لله ولد في قولكم، فأنا أول من عبد الله ووحده وكذّبكم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين له بذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك نفي، ومعنى إن الجحد، وتأويل ذلك ما كان ذلك، ولا ينبغي أن يكون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) : أي إن ذلك لم يكن، ولا ينبغي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) قال: هذا الإنكاف (1) ما كان للرحمن ولد، نكف الله أن يكون له ولد، وإن مثل "ما" إنما هي: ما كان للرحمن ولد، ليس للرحمن ولد، مثل قوله: (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) إنما هي: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، فالذي أنزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال، و "إن" هي "ما" إن كان ما كان تقول العرب: إن كان، وما كان الذي تقول. وفي قوله: (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) أول من يعبد الله بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد الله.
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت ابن محمد، عن قول الله: (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) قال: ما كان.
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قول الله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) قال: هذا قول العرب معروف، إن كان: ما كان، إن كان هذا الأمر قط، ثم قال: وقوله: وإن كان: ما كان.
وقال آخرون: معنى "إن" في هذا الموضع معنى المجازاة، قالوا: وتأويل الكلام: لو كان للرحمن ولد، كنت أوّل من عبده بذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (قُلْ إِنْ كَانَ
(1) في النهاية لابن الأثير: إنكاف الله من سوء: أي تنزيهه وتقديسه. وأنكفته: نزهته.
لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) قال: لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولدا، ولكن لا ولد له.
وقال آخرون: معنى ذلك: قل إن كان للرحمن ولد، فأنا أوّل الآنفين ذلك، ووجهوا معنى العابدين إلى المنكرين الآبين، من قول العرب: قد عبِد فلان من هذا الأمر إذا أنف منه وغضب وأباه، فهو يعبد عبدا، كما قال الشاعر?
ألا هَوِيَتْ أُمُّ الوَلِيدِ وأصْبَحَتْ ... لِمَا أبْصَرَتْ فِي الرأس مِنِّي تَعَبَّدُ (1)
وكما قال الآخر?
مَتى ما يَشأْ ذُو الودّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ ... وَيَعْبَدْ عَلَيْهْ لا محَالَةَ ظالِمَا (2)
وقد حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، ثني قال: ابن أبي ذئب، عن أبي قسيط، عن بعجة بن زيد الجهني، أن امرأة منهم دخلت على زوجها، وهو رجل منهم أيضا، فولدت له في ستة أشهر، فذكر ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه فأمر بها أن تُرجم، فدخل عليه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وَحَمْلُهُ
(1) هذا شاهد لم أقف على قائله. استشهد به المؤلف عند قوله تعالى: (فأنا أول العابدين) . قال أبو عبيدة في تفسير الآية (مجاز القرآن الورقة 221) : مجازها إن كان للرحمن ولد: إن في موضع (ما) في قول بعضهم: ما كان للرحمن ولد. والفاء: مجازها مجاز الواو. يريد: ما كان وأنا أول العابدين. وقال آخرون: مجازها: إن كان في قولكم للرحمن ولد، فأنا أول العابدين: أي الكافرين بذاك، والجاحدين لما قلتم. وهو من عبدت تعبد. اهـ. أي من باب علم يعلم. بمعنى أنف أو غضب أو كره الشيء. وتعبد في البيت: بمعنى تأنف أو تغضب، وهو كعبد بمعنى أنف وغضب قال في (اللسان: عبد) : وتعبد: كعبد.
(2) وهذا الشاهد أيضا لم أقف على قائله، وهو بمعنى الشاهد الذي قبله، استشهد به المؤلف على الآية نفسها، يريد أن قول الشاعر: يعبد عليه هو مضارع عبد عليه كعلم: إذا غضب عليه. وفي (اللسان: عبد) والعبد (كسبب) طول الغضب. قال الفراء: عبد عليه، وأحن عليه، أي غضب. وقال الغنوي: العبد: الحزن والوجد. قال الفرزدق. أولَئِكَ قَوْمِي إنْ هَجَوْتِي هَجَوْتُهُم ... وَأَعْبَدُ أنْ أهْجُو كُلَيْبا بِدَارِمِ
أعبد: أي آنف. اهـ.
وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) وقال: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) قال: فوالله ما عبِد عثمان أن بعث إليها تردّ. قال يونس، قال ابن وهب: عبد: استنكف.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|