عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 25-07-2025, 09:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الزخرف
الحلقة (1226)
صــ 581 الى صــ 590





واختلف القرّاء في قراءة قوله: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين "أوْ مَنْ يَنْشَأُ" بفتح الياء والتخفيف من نَشَأَ ينشأ. وقرأته عامة قرّاء الكوفة (يُنَشَّأُ) بضم الياء وتشديد الشين من نَشَّأْتُهُ فهو يُنَشَّأُ. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، لأن المُنَشَّأ من الإنشاء ناشئ، والناشئ منشأ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله "أوَ مَنْ لا يُنشَّأُ إلا فِي الحلْية" ، وفي "من" وجوه من الإعراب الرفع على الاستئناف والنصب على إضمار يجعلون كأنه قيل: أو من ينشأ في الحلية يجعلون بنات الله. وقد يجوز النصب فيه أيضا على الردّ على قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات أو من ينشأ في الحلية، فيردّ "من" على البنات، والخفض على الردّ على "ما" التي في قوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) }
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة "الذين هم عند الرحمن" بالنون، فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله جلّ ثناؤه: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ) فتأويل الكلام على هذه القراءة: وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا، فقالوا: هم بنات الله جهلا منهم بحق الله، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة
(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا) بمعنى: جمع عبد. فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء: وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده.
واختلفوا أيضًا في قراءة قوله: (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة "أشهدوا خلقهم" بضم الألف، على وجه ما لم يسمّ فاعله، بمعنى: أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا، خلق ملائكته الذين هم عنده، فعلموا ما هم، وأنهم إناث، فوصفوهم بذلك، لعلمهم بهم، وبرؤيتهم إياهم، ثم رد ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله.
وقرئ بفتح الألف، بمعنى: أشهدوا هم ذلك فعلموه؟ والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ) يقول تعالى ذكره: ستكتب شهادة هؤلاء القائلين: الملائكة بنات الله في الدنيا، بما شهدوا به عليهم، ويسألون عن شهادتهم تلك في الآخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) }
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قريش: لو شاء الرحمن ما عبدنا أوثاننا التي نعبدها من دونه، وإنما لم يحلّ بنا عقوبة على عبادتنا إياها
لرضاه منا بعبادتناها.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) للأوثان يقول الله عزّ وجلّ. (مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ) يقول: ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم، وإنما يقولونه تخرّصا وتكذّبا، لأنهم لا خبر عندهم مني بذلك ولا بُرْهان. وإنما يقولونه ظنا وحسبانا. (إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) يقول: ما هم إلا متخرّصون هذا القول الذي قالوه، وذلك قولهم (لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) .
وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك، ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) ما يعلمون قُدرة الله على ذلك.
وقوله: (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ) يقول تعالى ذكره ما (1) آتينا هؤلاء المتخرّصين القائلين لو شاء الرحمن ما عبدنا الآلهة كتابا بحقيقة ما يقولون من ذلك، من قبل هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد. (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) يقول: فهم بذلك الكتاب الذي جاءهم من عندي من قبل هذا القرآن، مستمسكون يعملون به، ويدينون بما فيه، ويحتجون به عليك.
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) }
يقول تعالى ذكره: ما آتينا هؤلاء القائلين: لو شاء الرحمن ما عبدنا هؤلاء
(1)
ما: ساقطة من المطبوعة.

الأوثان بالأمر بعبادتها، كتابا من عندنا، ولكنهم قالوا: وجدنا آباءنا الذين كانوا قبلنا يعبدونها، فنحن نعبدها كما كانوا يعبدونها; وعنى جلّ ثناؤه بقوله: (بَلْ (1) وَجَدْنَا آباءنَا على أُمَّةٍ) . بل وجدنا آباءنا على دين وملة، وذلك هو عبادتهم الأوثان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (عَلَى أُمَّةٍ) : مِلَّة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) يقول: وجدنا آباءنا على دين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) قال: قد قال ذلك مشركو قريش: إنا وجدنا آباءنا على دين.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط عن السديّ (قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) قال: على دين.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (عَلَى أُمَّةٍ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار (عَلَى أُمَّةٍ) بضم الألف بالمعنى الذي وصفت من الدين والملة والسنة. وذُكر عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز أنهما قرأاه "على إمَّةٍ" بكسر الألف. وقد اختلف في معناها إذا كسرت ألفها، فكان بعضهم يوجه تأويلها إذا كسرت على أنها الطريقة وأنها مصدر من قول القائل: أممت القوم فأنا أؤمهم إمَّة. وذُكر عن العرب سماعا:
(1)
التلاوة: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) .

ما أحسن عمته وإمته وجلسته إذا كان مصدرا. ووجهه بعضهم إذا كُسرت ألفها إلى أنها الإمة التي بمعنى النعيم والمُلك، كما قال عدي بن زيد. ثُمَّ بَعْدَ الفَلاحِ والمُلْكِ والإم ... ة وَارَتهُمْ هُناكَ القُبور (1)
وقال: أراد إمامة الملك ونعيمه. وقال بعضهم: (الأمَّة بالضم، والإمَّة بالكسر بمعنى واحد) .
والصواب من القراءة في ذلك الذي لا أستجيز غيره: الضم في الألف لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وأما الذين كسروها فإني لا أراهم قصدوا بكسرها إلا معنى الطريقة والمنهاج، على ما ذكرناه قبل، لا النعمة والملك، لأنه لا وجه لأن يقال: إنا وجدنا آباءنا على نعمة ونحن لهم متبعون في ذلك، لأن الاتباع إنما يكون في الملل والأديان وما أشبه ذلك لا في الملك والنعمة، لأن الاتباع في الملك ليس بالأمر الذي يصل إليه كلّ من أراده.
وقوله: (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) يقول: وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون، يعني: لهم متبعون على منهاجهم.
كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) يقول: وإنا على دينهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّا عَلَى
(1)
البيت لعدي بن زيد العبادي (اللسان: أمم) وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن، عند قوله تعالى (إنا وجدنا آباءنا على أمة) (الورقة 294) قال: قرأها القراء بضم الألف من "أمة" ، وكسرها مجاهد، وعمر بن عبد العزيز. وكأن الإمة: الطريقة، والمصدر من أممت القوم؛ فإن العرب تقول: ما أحسن إمته وعمته وجلسته، إذا كان مصدرا. والأمة أيضا: الملك والنعيم. قال عدي: "ثم بعد الفلاج ..." البيت. فكأنه أراد إمامة الملك ونعيمه. اهـ. وفي اللسان: والأمة (بالضم) والكسر الدين. والأمة (بالكسر) لغة في الأمة (بالضم) وهي الطريقة والدين. اهـ.

آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) يقول: وإنا متبعوهم على ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) }
يقول تعالى ذكره: وهكذا كما فعل هؤلاء المشركون من قريش فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله، وقالوا مثل قولهم، لم نرسل من قبلك يا محمد في قرية، يعني إلى أهلها رسلا تنذرهم عقابنا على كفرهم بنا فأنذروهم وحذروهم سخطنا، وحلول عقوبتنا بهم (إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا) ، وهم رؤساؤهم وكبراؤهم.
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا) قال: رؤساؤهم وأشرافهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا) قادتهم ورءوسهم فى الشرك.
وقوله: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) يقول: قالوا: إنا وجدنا آباءنا على ملة ودين (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ) يعني: وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون بفعلهم نفعل كالذي فعلوا، ونعبد ما كانوا يعبدون; يقول جلّ ثناؤه لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فإنما سلك مشركو قومك منهاج من قبلهم من إخوانهم من أهل الشرك بالله في إجابتهم إياك بما أجابوك به، وردّهم ما ردّوا عليك من النصيحة، واحتجاجهم بما احتجوا به لمُقامهم على دينهم الباطل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) قال بفعلهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) فاتبعوهم على ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك، القائلين إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) أيها القوم من عند ربكم (بِأَهْدَى) إلى طريق الحق، وأدل لكم على سبيل الرشاد (مِمَّا وَجَدْتُمْ) أنتم عليه آبائكم من الدين والمِلَّة. (قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) يقول: فقال ذلك لهم، فأجابوه بأن قالوا له كما قال الذين من قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها لأنبيائها: إنا بما أرسلتم به يا أيها القوم كافرون، يعني: جاحدون منكرون.
وقرأ ذلك قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر "قل أولو جئتكم" بالتاء. وذُكر عن أبي جعفر القارئ أنه قرأه "قُلْ أوَ لَوْ جِئْنَاكُمْ" بالنون والألف.
والقراءة عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) }
يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من هؤلاء المكذّبة رسلها من الأمم الكافرة بربها، بإحلالنا العقوبة بهم، فانظر يا محمد كيف كان عقبى أمرهم، إذ كذّبوا بآيات الله. ويعني بقوله: (عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) آخر أمر الذين كذبوا رسل الله إلام صار، يقول: ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم؟
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) قال: شر والله، أخذهم بخسف وغرق، ثم أهلكهم فأدخلهم النار.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) }
يقول تعالى ذكره: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ) الذين كانوا يعبدون ما يعبده مشركو قومك يا محمد (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) من دون الله، فكذّبوه، فانتقمنا منهم كما انتقمنا ممن قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها. وقيل: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) فوضع البراء وهو مصدر موضع النعت، والعرب لا تثني البراء ولا تجمع ولا تؤنث، فتقول: نحن البراء والخلاء: لِما ذكرت أنه مصدر، وإذا قالوا: هو بريء منك ثنوا وجمعوا وأنَّثوا، فقالوا: هما بريئان منك، وهم بريئون منك. وذُكر أنها في قراءة عبد الله: "إنَّنِي بَرِيءٌ" بالياء، وقد يجمع برئ: براء وأبراء. (إِلا الَّذِي فَطَرَنِي) يقول: إني بريء مما تعبدون من شيء إلا من الذي فطرني، يعني الذي خلقني (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) يقول: فإنه سيقومني للدين الحقّ، ويوفقني لاتباع سبيل الرشد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ) ... الآية، قال: كايدهم، كانوا يقولون: إن الله ربنا (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) فلم يبرأ من ربه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) يقول: إنني بريء مما تعبدون "إلا الذي خلقني" .
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (إِلا الَّذِي فَطَرَنِي) قال: خلقني. وقوله: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي) وهو قول: لا إله إلا الله، كلمة باقية في عقبه، وهم ذريّته، فلم يزل فى ذريّته من يقول ذلك من بعده.
واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه، فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) قال: لا إله إلا الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً) قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والتوحيد لم يزل في ذريته من يقولها من بعده.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) قال: التوحيد والإخلاص، ولا يزال في ذريّته من يوحد الله ويعبده.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) قال: لا إله إلا الله.
وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم
الإسلام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فى قوله: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) فقرأ (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: جعل هذه باقية في عقبه، قال: الإسلام، وقرأ (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) فقرأ (وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)
وبنحو ما قلنا في معنى العقب قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فِي عَقِبِهِ) قال: ولده.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) قال: يعني من خلَفه.
حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (فِي عَقِبِهِ) قال: في عقب إبراهيم آل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب أنه كان يقول: العقب: الولد، وولد الولد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد (فِي عَقِبِهِ) قال: عقبه: ذرّيته.
وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم، ويثوبوا إلى عبادته، ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]