عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 25-07-2025, 08:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الشورى
الحلقة (1220)
صــ 521 الى صــ 530





القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) }
يقول تعالى ذكره: الله ذو لطف بعباده، يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقتر على من يشاء منهم. (وَهُوَ الْقَوِيُّ) الذي لا يغلبه ذو أيد لشدته، ولا يمتنع عليه إذا أراد عقابه بقدرته (العَزِيزُ) في انتقامه إذا انتقم من أهل معاصيه. (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) يقول تعالى ذكره: من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في حرثه: يقول: نزد له في عمله الحسن، فنجعل له بالواحدة عشرا، إلى ما شاء ربنا من الزيادة (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) يقول: ومن كان يريد بعمله الدنيا ولها يسعى لا للآخرة، نؤته منها ما قسمنا له منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) ... إلى (وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) قال: يقول: من كان إنما يعمل للدنيا نؤته منها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا) .... الآية، يقول: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة إلا النار، ولم نزده بذلك
من الدنيا شيئا إلا رزقا قد فرغ منه وقسم له.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) قال: من كان يريد الآخرة وعملها نزد له في عمله (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) ... إلى آخر الآية، قال: من أراد الدنيا وعملها آتيناه منها، ولم نجعل له في الآخرة من نصيب، الحرث العمل، من عمل للآخرة أعطاه الله، ومن عمل للدنيا أعطاه الله.
حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) قال: من كان يريد عمل الآخرة نزد له في عمله.
وقوله: (وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) قال: للكافر عذاب أليم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) }
يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم (شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه (وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) يقول تعالى ذكره: ولولا السابق من الله في أنه لا يعجل لهم العذاب في الدنيا، وأنه مضى من قيله إنهم مؤخرون بالعقوبة إلى قيام الساعة، لفرغ من الحكم بينكم وبينهم بتعجيله العذاب لهم في الدنيا، ولكن لهم في الآخرة من العذاب الأليم، كما قال جلّ ثناؤه: (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يقول: وإن الكافرين بالله لهم يوم القيامة عذاب مؤلم مُوجع.
القول في تأويل قوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة (مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) يقول: وَجِلين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة. (وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ) يقول: والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم، وهم ذائقوه لا محالة.
وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ) يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الآخرة. ويعني بالروضات: جمع روضة، وهي المكان الذي يكثر نبته، ولا تقول العرب لمواضع الأشجار رياض; ومنه قول أبي النجم.
والنَّغضَ مِثْلَ الأجْرَبِ المُدَّجَّلِ ... حَدائِقَ الرَّوْضِ التي لَمْ تُحْلَلِ (1)
يعني بالروض: جمع روضة. وإنما عنى جل ثناؤه بذلك: الخبر عما هم
(1)
هذان بيتان من مشطور الرجز، لأبي النجم الفضل بن قدامة العجلي والأرجوزة بتمامها في مجلة المجمع العلمي (مجلد 8: 472) وروى البيت الأول منهما وفسره ابن قتيبة في كتابه (المعاني الكبير، طبع الهند 332 - 333) والنغض من أسماء الظليم، لأنه يحرك رأسه إذا عدا. والمدجل: المهنوء بالقطران. وشبهه بالأجرب، لأنه قد أسن وذهب ريشه من أرفاغه. وفي (اللسان: دجل) : شدة طلي الجرب بالقطران. والمدجل: المهنوء بالقطران. ونغض برأسه ينغض نغضا: حركه. وإنما سمي الظليم نغضا، لأنه إذا عجل في مشيته ارتفع وانخفض. اهـ. والنغض منصوب بالفعل "راعت" في البيت قبله، أي راقبته ونظرت إليه. والحدائق: جمع حديقة، وهي القطعة من الزرع؛ وكل بستان كان عليه حائط فهو حديقة. وما لم يكن عليه حائط، لم يقل له حديقة. وقال الزجاج: الحدائق البساتين والشجر الملتف. وحدائق الروض: ما أعشب منه والتف. يقال: روضة بني فلان ما هي إلا حديقة. وإذا لم يكن فيها عشب فهي روضة (اللسان: حدق) ونصب قوله حدائق بقوله "تبقلت من أول التبقل" وهو بيت في أول الأرجوزة. والتي لم تحال: التي لم توطأ ولم ترعها الحيوانات، فيقل نبتها.

فيه من السرور والنعيم.
كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ) إلى آخر الآية. قال في رياض الجنة ونعيمها.
وقوله: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الآخرة ما تشتهيه أنفسهم، وتلذّه أعينهم، ذلك هوالفوز الكبير، يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطاهم الله من هذا النعيم، وهذه الكرامة في الآخرة: هو الفضل من الله عليهم، الكبير الذي يفضل كلّ نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) }
يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس أني أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة من النعيم والكرامة، البشرى التي يبشر الله عباده الذين آمنوا به في الدنيا، وعملوا بطاعته فيها. (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم ثوابا وجزاء، وعوضا من موالكم تعطوننيه (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) . فقال
بعضهم: معناه: إلا أن تودّوني في قرابتي منكم، وتصلوا رحمي بيني وبينكم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس، في قوله: (لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبينهم قرابة، فقال: "قل لا أسألكم عليه أجرا أن تودّوني في القرابة التي بيني وبينكم" .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: سئل عنها ابن عباس، فقال ابن جبير: هم قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عجلت، إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيهم قرابة، قال: فنزلت (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: "إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها" .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: كان لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قرابة في جميع قريش، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال: "يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونُصرتي منكم" .
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) يعني محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال لقريش: "لا أسألكم من أموالكم شيئا، ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم، فإنكم قومي وأحقّ من أطاعني وأجابني" .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عكرمة، قال: إن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان واسطا من قريش، كان له في كلّ بطن من قريش نسب، فقال: ولا أسْألُكُمْ على ما أدْعُوكُمْ إلَيْهِ إلا أنْ تَحْفظُوني في قَرَابَتِي، قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "."
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالك، قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم واسط النسب من قريش، ليس حيّ من أحياء قريش إلا وقد ولدوه; قال: فقال الله عز وجل: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) : "إلا أن تودّوني لقرابتي منكم وتحفظوني" .
حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن أبي مالك في هذه الآية: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من بني هاشم وأمه من بني زهرة وأم أبيه من بني مخزوم، فقال: "احفظوني في قرابتي" .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمي، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرمة، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: تعرفون قرابتي، وتصدّقونني بما جئت به، وتمنعوني.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وإن الله تبارك وتعالى أمر محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة، وكلّ بطون قريش قد ولدته وبينه وبينهم قرابة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) أن تتبعوني، وتصدقوني وتصلوا رحمي.
حدثنا محمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، فى قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيهم ولادة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) يعني قريشا. يقول: إنما أنا رجل منكم، فأعينوني على عدويّ، واحفظوا قرابتي، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، أن تودّوني لقرابتي، وتعينوني على عدويّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: يقول: إلا أن تودّوني لقرابتي كما توادّون في قرابتكم وتواصلون بها، ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني، فلست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) يقول: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا، إلا أن تودّوني في قرابتي منكم، وتمنعوني من الناس.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: كل قريش كانت بينهم وبين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قرابة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لمن تبعك من المؤمنين: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودّوا قرابتي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، قال: ثنا الصباح بن يحيى المريّ، عن السديّ، عن أبي الديلم قال: لما جيء بعليّ بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا، فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قربى الفتنة، فقال له عليّ بن الحسين رضي الله عنهما: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم، قال: ما قرأت (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ؟ قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال نعم.
حدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا عبد السلام، قال: ثنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، فكأنهم فخروا، قال ابن عباس، أو العباس، شكّ عبد السلام: لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأتاهم في مجالسهم، فقال: "يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ ألَمْ تَكُونُوا أذِلَّةً فأعَزَّكُمُ الله بِي؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ألَمْ تَكُونُوا ضُلالا فَهَدَاكُمْ الله بِي؟ "قالوا: بلى يا رسول الله، قال:" أفلا تُجِيبُونِي؟ "قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال:" ألا تقولون: ألَمْ يُخْرِجْكَ قَوْمُكَ فآوَيْناكَ، أوَلَمْ يُكَذِّبُوكَ فَصَدَّقْنَاكَ، أوَلَمْ يَخْذُلُوكَ فَنَصَرْنَاكَ؟ "قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله، قال: فنزلت (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ."
حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان، عن يحيى بن كثير، عن أبي العالية، عن سعيد بن جُبير، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: هي قُربى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن خلف قالا ثنا عبيد الله قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سألت عمرو بن شعيبٍ، عن قول الله
عزّ وجلّ: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: قُربى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودّدوا إلى الله، وتتقربوا بالعمل الصالح والطاعة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود ومحمد بن داود أخوه أيضًا قالا ثنا عاصم بن عليّ، قال: ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قل لا أسألُكُمْ على ما أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنَ البَيِّنَاتِ والهُدَى أجْرًا إلا أنْ تَوَدَّدُوا الله وتَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ بطاعَتِهِ" .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنه قال في هذه الآية (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: القُربى إلى الله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف، عن الحسن، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: إلا التقرّب إلى الله، والتودّد إليه بالعمل الصالح.
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قل لا أسألكم على ما جئتكم به، وعلى هذا الكتاب أجرا، إلا المودّة في القربى، إلا أن تودّدوا إلى الله بما يقرّبكم إليه، وعمل بطاعته.
قال بشر: قال يزيد: وحدثنيه يونس، عن الحسن، حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) إلا أن توددوا إلى الله فيما يقرّبكم إليه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا أن تصلوا قرابتكم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن عبد الله بن القاسم، في قوله: (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: أمرت أن تصل قرابتك.
وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش، إلا أن تودّوني في قرابتي منكم، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم.
وإنما قلت: هذا التأويل أولى بتأويل الآية لدخول "في" في قوله: (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ، ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال: إلا أن تودوا قرابتي، أو تقربوا إلى الله، لم يكن لدخول "في" في الكلام في هذا الموضع وجه معروف، ولكان التنزيل: إلا مودّة القُربى إن عُنِي به الأمر بمودّة قرابة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، أو إلا المودّة بالقُرْبَى، أو ذا القربى إن عُنِي به التودّد والتقرب. وفي دخول "في" في الكلام أوضح الدليل على أن معناه: إلا مودّتي في قرابتي منكم، وأن الألف واللام فى المودّة أدخلتا بدلا من الإضافة، كما قيل: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) وقوله: "إلا" في هذا الموضع استثناء منقطع. ومعنى الكلام: قل لا أسألكم عليه أجرا، لكني أسألكم المودّة في القُربى، فالمودّة منصوبة على المعنى الذي ذكرت. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: هي منصوبة بمضمر من الفعل، بمعنى: إلا أن أذكر مودّة قرابتي.
وقوله: (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) يقول تعالى ذكره: ومن يعمل حسنة، وذلك أن يعمل عملا يطيع الله فيه من المؤمنين (نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) يقول: نضاعف عمله ذلك الحسن، فنجعل له مكان الواحد عشرا إلى ما شئنا من الجزاء والثواب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]