
25-07-2025, 05:39 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ غافر
الحلقة (1209)
صــ 411 الى صــ 420
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري (1) قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير، قال: "إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فليقل: الحمد لله ربّ العالمين، ثم قال: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ."
حدثني محمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير أنه كان يستحب إذا قال: لا إله إلا الله، يتبعها الحمد لله، ثم قرأ هذه الآية: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن سعيد بن جبير، قال: إذا قال أحدكم لا إله إلا الله وحده، فليقل بأثرها: الحمد لله رب العالمين، ثم قرا (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لمشركي قومك من قريش (إِنِّي نُهِيتُ) أيها القوم (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) من الآلهة والأوثان (لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي) يقول: لما جاءني الآيات الواضحات من عند ربي، وذلك آيات كتاب الله الذي أنزله (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ
(1) كذا في التقريب والتهذيب. وفي الخلاصة: عبد الحميد بن بيان اليشكري، أبو الحسن العطار الواسطي توفى سنة 244 هـ.
الْعَالَمِينَ) يقول: وأمرني ربي أن أذلّ لربّ كلّ شيء، ومالك كلّ خلق بالخضوع، وأخضع له بالطاعة دون غيره من الأشياء.
القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) }
يقول تعالى ذكره آمرًا نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بتنبيه مشركي قومه على حججه عليهم في وحدانيته: قل يا محمد لقومك: أمرت أن أسلم لرب العالمين الذي صفته هذه الصفات. وهي أنه خلق أباكم آدم (مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ) خلقكم (مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) بعد أن كنتم نطفا (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا) من بطون أمهاتكم صغارا، (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) ، فتتكامل قواكم، ويتناهى شبابكم، وتمام خلقكم شيوخا (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أن يبلغ الشيخوخة (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى) يقول: ولتبلغوا ميقاتا مؤقتا لحياتكم، وأجلا محدودا لا تجاوزونه، ولا تتقدمون قبله (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يقول: وكي تعقلوا حجج الله عليكما بذلك، وتتدبروا آياته فتعرفوا بها أنه لا إله غيره فعل ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهم يا محمد: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) يقول قل لهم: ومن صفته جلّ ثناؤه أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته، ويميت من يشاء من الأحياء بعد حياته و (إِذَا قَضَى أَمْرًا)
يقول: وإذا قضى كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ) يعني للذي يريد تكوينه كن، فيكون ما أراد تكوينه موجودا بغير معاناة، ولا كلفة مؤنة.
وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) يقول لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ألم تر يا محمد هؤلاء المشركين من قومك، الذين يخاصمونك في حجج الله وآياته (أَنَّى يُصْرَفُونَ) يقول: أيّ وجه يصرفون عن الحق، ويعدلون عن الرشد.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَنَّى يُصْرَفُونَ) : أنى يكذبون ويعدلون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَنَّى يُصْرَفُونَ) قال: يُصْرَفون عن الحقّ.
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها أهل القدر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند. عن محمد بن سيرين، قال: إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية، فإني لا أدري فيمن نزلت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) إلى قوله: (لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ) .
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن داود بن أبي هند، عن ابن سيرين، قال: إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أبي الخير الزيادي، عن أبي قبيل، قال: أخبرني عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "سَيَهْلِكُ مِنْ أُمَّتِي أهْلُ الكِتَابِ، وأهْلُ اللِّينِ" فقال عقبة: يا رسول الله، وما أهل الكتاب؟ قال: "قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ كِتابَ الله يُجادلُونَ الَّذينَ آمَنُوا" ، فقال عقبة: يا رسول الله، وما أهل اللين؟ قال: "قَوْمٌ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، ويُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ" . قال أبو قبيل: لا أحسب المكذّبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا، وأما أهل اللين، فلا أحسبهم إلا أهل العمود (1) ليس عليهم إمام جماعة، ولا يعرفون شهر رمضان.
وقال آخرون: بل عنى به أهل الشرك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) قال: هؤلاء المشركون.
والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن زيد; وقد بين الله حقيقة ذلك بقوله: (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا) .
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) }
(1) كذا في الأصل، ولم أجد معنى للعمود في النهاية لابن الأثير، ولعله محرف عن (العمور) بضم العين، جمع عمر، بفتح فسكون وبضمتين، وهو من النخيل، وهو الحسوق الطويل. يريد أصحاب هذه النخل الملازمين لها، يجادلون في الدين، بلا علم ولا فقه.
يقول تعالى ذكره: ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذّبوا بكتاب الله، وهو هذا القرآن; و "الذين" الثانية في موضع خفض ردّا لها على "الذين" الأولى على وجه النعت (وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا) يقول: وكذّبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله، والبراءة مما يعبد دونه من الآلهة والأنداد، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب. وقوله: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) ، وهذا تهديد من الله المشركين به; يقول جلّ ثناؤه: فسوف يعلم هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله، المكذبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد، وصحة ما هم به اليوم مكذّبون من هذا الكتاب، حين تجعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم في جهنم. وقرأت قراءة الأمصار: والسلاسل، برفعها عطفا بها على الأغلال على المعنى الذي بينَّت. وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه "والسَّلاسِلَ يُسْحَبونَ" بنصب السلاسل في الحميم. وقد حكي أيضا عنه أنه كان يقول: إنما هو وهم في السلاسل يسحبون، ولا يجيز أهل ألعلم بالعربية خفض الاسم والخافض مضمر. وكان بعضهم يقول في ذلك: لو أن متوهما قال: إنما المعنى: إذ أعناقهم في الأغلال والسلال يسبحون. حاز الخفض في السلاسل على هذا المذهب، وقال: مثله، مما رد إلى المعنى. قول الشاعر:
قَدْ سَالَم الحَيَّاتُ مِنْهُ القَدمَا ... الأفْعُوَانَ والشُّجاعَ الأرْقَما (1)
فنصب الشُّجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة، لأن المعنى: قد سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية، جعل الفعل من القدم واقعا على
(1) البيتان من مشطور الرجز (اللسان: شجع) . قال الشجاع: الحية، وفي الحديث: "يجيء كنز أحدهم يوم القيامة شجاها أقرع" . وأنشد الأحمر: "قد سالم الحيات.... البيتين" . نصب الشجاع والأفعوان بمعنى الكلام، لأن الحيات إذا سالمت القدم، فقد سالمها القدم، فكأنه قال: سالم القدم الحيات؛ ثم جعل الأفعوان بدلا منها. اهـ. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة "289" ) نصب الشجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة، لأن المعنى قد سالمت رجله الحيات وسالمتها. فلما احتاج إلى نصب القافية، جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات. اهـ.
الحيات.
والصواب من القراءة عندنا فى ذلك ما عليه قراء الأمصار، لإجماع الحجة عليه، وهو رفع السلاسل عطفا بها على ما في قوله: (فِي أَعْنَاقِهِمْ) من ذكر الأغلال.
وقوله: (يُسَبِّحُونَ) يقول: يسحب هؤلاء الذين كذّبوا في الدنيا بالكتاب زبانية العذاب يوم القيامة في الحميم، وهو ما قد انتهى حَرُّه، وبلغ غايته.
وقوله (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) يقول: ثم في نار جهنم يحرقون، يقول: تسجر بها جهنم: أي توقد بهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (يُسْجَرُونَ) قال: يوقد بهم النار.
حدثنا محمد. قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) قال: يحرقون في النار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال. قال ابن زيد، في قوله: (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) قال: يسجرون في النار: يوقد عليهم فيها.
وقوله: (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يقول: ثم قيل: أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياها من دون الله من آلهتكم وأوثانكم حتى يغيثوكم فينقذوكم مما أنتم فيه من البلاء والعذاب، فإن المعبود يغيث من عبد وخدمه; وإنما يقال هذا لهم توبيخا وتقريعا على ما كان منهم في الدنيا من الكفر بالله وطاعة الشيطان، فأجاب المساكين عند ذلك فقالوا: ضلوا عنا: يقول: عدلوا عنا، فأخذوا غير طريقنا، وتركونا في هذا البلاء، بل ما ضلوا عنا، ولكنا لم نكن
ندعو من قبل في الدنيا شيئا: أي لم نكن نعبد شيئا; يقول الله تعالى ذكره: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ) يقول: كما أضل هؤلاء الذين ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله من الآلهة والأوثان آلهتهم وأوثانهم، كذلك يضل الله أهل الكفر به عنه، وعن رحمته وعبادته، فلا يرحمهم فينجيهم من النار، ولا يغيثهم فيخفف عنهم ما هم فيه من البلاء.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) }
يعني تعالى ذكره بقوله: (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) هذا الذي فعلنا اليوم بكم أيها القوم من تعذيبنا كم العذاب الذي أنتم فيه، بفرحكم الذي كنتم تفرحونه في الدنيا، بغير ما أذن لكم به من الباطل والمعاصي، وبمر حكم فيها، والمرح: هو الأشر والبطر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) إلى (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) قال: الفرح والمرح: الفخر والخُيَلاء، والعمل في الأرض بالخطيئة، وكان ذلك في الشرك، وهو مثل قوله لقارون: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) وذلك في الشرك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) قال: تبطرون وتأشَرُون.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: (تَمْرَحُونَ) قال: تبطرون.
وقوله: (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا) يقول تعالى ذكره لهم: ادخلوا أبواب جهنم السبعة من كل باب منها جزء مقسوم منكم (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) يقول: فبئس منزل المتكبرين في الدنيا على الله أن يوحدوه، ويؤمنوا برسله اليوم جهنم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فاصبر يا محمد على ما يجادلك به هؤلاء المشركون في آيات الله التي أنزلناها عليك، وعلى تكذيبهم إياك، فإن الله منجِز لك فيهم ما وعدك من الظفر عليهم، والعلو عليهم، وإحلال العقاب بهم، كسنتنا في موسى بن عمران ومن كذّبه (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) يقول جلّ ثناؤه: فإما نرينك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب والنقمة أن يحل بهم (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل أن يَحِلَّ ذلك بهم (فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) يقول: فإلينا مصيرك ومصيرهم، فنحكم عند ذلك بينك وبينهم بالحقّ بتخليدناهم في النار، وإكرامناك بجوارنا في جنات النعيم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا) يا محمد (رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ) إلى أممها (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ) يقول: من أولئك الذين أرسلنا إلى أممهم من قصصنا عليك نبأهم (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) نبأهم.
وذُكر عن أنس أنهم ثمانية آلاف.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا عليّ بن شعيب السمسار، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: ثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار، عن محمد بن المنكدر، عن يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك، قال: بعث النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل.
حدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا يونس، عن عتبة بن عتيبة البصريّ العبدي، عن أبي سهل عن وهب بن عبد الله بن كعب بن سور الأزديّ، عن سلمان، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "بعث الله أربعة آلاف نبيّ" .
حدثني أحمد بن الحسين الترمذي، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن ابن عبد الله بن يحيى، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، في قوله: (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) قال: بعث الله عبدا حبشيا نبيا، فهو الذي لم نقصص عليك.
وقوله: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّه) يقول تعالى ذكره: وما جعلنا لرسول ممن أرسلناه من قبلك الذين قصصناهم عليك، والذين لم نقصصهم عليك إلى أممها أن يأتي قومه بآية فاصلة بينه وبينهم، إلا بإذن الله له بذلك، فيأتيهم بها; يقول جلّ ثناؤه لنبيه: فلذلك لم يجعل لك أن تأتي قومك بما يسألونك من الآيات دون إذننا لك بذلك، كما لم نجعل لمن قبلك من رسلنا إلا أن نأذن له به (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) يعني بالعدل، وهو أن ينجي رسله والذين آمنوا معهم (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) يقول: وهلك
هنالك الذين أبطلوا في قيلهم الكذب، وافترائهم على الله وادعائهم له شريكا.
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) }
يقول تعالى ذكره: (اللهُ) الذي لا تصلح الألوهة إلا له أيها المشركون به من قريش (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ) من الإبل والبقر والغنم والخيل، وغير ذلك من البهائم التي يقتنيها أهل الإسلام لمركب أو لمطعم (لِتَرْكَبُوا مِنْهَا) يعني: الخيل والحمير (وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) يعني الإبل والبقر والغنم. وقال: (لِتَرْكَبُوا مِنْهَا) ومعناه: لتركبوا منها بعضا ومنها بعضا تأكلون، فحذف استغناء بدلالة الكلام على ما حذف.
وقوله: (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) وذلك أن جعل لكم من جلودها بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم، ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين.
وقوله: (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) يقول: ولتبلغوا بالحمولة على بعضها، وذلك الإبل حاجة في صدروكم لم تكونوا بالغيها لولا هي، إلا بشق أنفسكم، كما قال جلّ ثناؤه: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلِتَبْلُغُوا
عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) يعني الإبل تحمل أثقالكم إلى بلد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|