
25-07-2025, 06:36 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,435
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ غافر
الحلقة (1208)
صــ 401 الى صــ 410
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن الفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ قول الله: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) قد كانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون، وذلك أن تلك الأمة التي تفعل ذلك بالأنبياء والمؤمنين لا تذهب حتى يبعث الله قوما فينتصر بهم لأولئك الذين قتلوا منهم. والوجه الآخر: أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين، والمراد واحد، فيكون تأويل الكلام حينئذ: إنا لننصر رسولنا محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والذين آمنوا به في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، كما بيَّنا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ الجميع، والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصا بعينه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة (وَيَوْمَ يَقُومُ) بالياء. وينفع أيضا بالياء، وقرأ ذلك بعض أهل مكة وبعض قرّاء البصرة: "تَقُومُ" بالتاء، و "تَنْفَعُ" بالتاء.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد بيَّنا فيما مضى أن العرب تذكر فعل الرجل وتؤنث إذا تقدّم بما أغنى عن إعادته.
وعني بقوله: (وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) يوم يقوم الأشهاد من الملائكة والأنبياء والمؤمنين على الأمم المكذبة رسلها بالشهادة بأن الرسل قد بلغتهم رسالات ربهم، وأن الأمم كذّبتهم. والأشهاد: جمع شهيد، كما الأشراف: جمع شريف.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتاد. (وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) من ملائكة الله وأنبيائه، والمؤمنين به.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) يوم القيامة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، في قول الله: (وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) قال الملائكة.
وقوله: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) يقول تعالى ذكره: ذلك يوم لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم لأنهم لا يعتذرون إن اعتذروا إلا بباطل، وذلك أن الله قد أعذر إليهم في الدنيا، وتابع عليهم الحجج فيها فلا حجة لهم في الآخرة إلا الاعتصام بالكذب بأن يقولوا: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) .
وقوله: (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) يقول: وللظالمين اللعنة، وهي البعد من رحمة الله (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) يقول: ولهم مع اللعنة من الله شرّ ما في الدار الآخرة، وهو العذاب الأليم.
القول في تأويل قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ (54)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ (55)
يقول تعالى ذكره (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى) البيان للحقّ الذي بعثناه به كما آتينا ذلك محمدا فكذّب به فرعون وقومه، كما كذّبت قريش محمدا (وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ) يقول: وأورثنا بني إسرائيل التوراة، فعلَّمناهموها، وأنزلنا اليهم (هُدًى) يعني بيانا لأمر دينهم، وما ألزمناهم من فرائضها، (وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ) يقول: وتذكيرا منا لأهل الحجا والعقول منهم بها.
وقوله: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فاصبر يا محمد لأمر ربك، وانفذ لما أرسلك به من الرسالة، وبلِّغ قومك ومن أمرت بإبلاغه ما أنزل إليك، وأيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك، ونصرة من صدّقك وآمن بك، على من كذّبك، وأنكر ما جئته به من عند ربك، وإن وعد الله حقّ لا خلف له وهو منجز له (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) يقول: وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) يقول: وصلّ بالشكر منك لربك (بِالْعَشِيِّ) وذلك من زوال الشمس إلى الليل (وَالإبْكَارِ) وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى، وخروج وقت الضحى، والمعروف عند العرب القول الأوّل.
واختلف أهل العربية في وجه عطف الإبكار والباء غير حسن دخولها فيه على العشيّ، والباء تحسن فيه، فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: وسبح بحمد ربك بالعشي وفي الإبكار. وقال: قد يقال: بالدار زيد، يراد: فى الدار زيد، وقال غيره: إنما قيل ذلك كذلك، لأن معنى الكلام: صل بالحمد بهذين الوقتين وفي هذين الوقتين، فإدخال الباء في واحد فيهما.
القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي
آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
يقول تعالى ذكره: إن الذين يخاصمونك يا محمد فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات (بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) يقول: بغير حجة جاءتهم من عند الله بمخاصمتك فيها (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ) يقول: ما في صدورهم إلا كبر يتكبرون من أجله عن اتباعك، وقبول الحق الذي أتيتهم به حسدا منهم على الفضل الذي آتاك الله، والكرامة التي أكرمك بها من النبوّة (مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ) يقول: الذي حسدوك عليه أمر ليسوا بُمدركيه ولا نائليه، لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس بالأمر الذي يدرك بالأمانيّ; وقد قيل: إن معناه: إن في صدورهم إلا عظمة ما هم ببالغي تلك العظمة لأن الله مذلُّهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال. ثني أبو عاصم، قال. ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ) قال: عظمة.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتاد.، قوله. (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) لم يأتهم بذاك سلطان.
وقوله: (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يقول تعالى ذكره: فاستجر بالله يا محمد من شرّ هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان، ومن الكبر أن يعرض فى قلبك منه شيء (إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يقول: إن الله هو السميع لما يقول هؤلاء المجادلون في آيات الله وغيرهم من قول البصير بما تمله
جوارحهم، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) }
يقول تعالى ذكره: لابتداع السموات والأرض وإنشاؤها من غير شيء أعظم أيها الناس عندكم إن كنتم مستعظمي خلق الناس، وإنشائهم من غير شيء من خلق الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) }
وما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا، وهو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه، فيتدبرها ويعتبر بها، فيعلم وحدانيته وقُدرته على خلق ما شاء من شيء، ويؤمن به ويصدّق. والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصره، وذلك مئل للمؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله، فيتفكَّر فيها ويتعظ، ويعلم ما دلت عليه من توحيد صانعه، وعظيم سلطانه وقُدرته على خلق ما يشاء; يقول جلّ ثناؤه: كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول جلّ ثناؤه: ولا يستوي أيضا كذلك المؤمنون بالله ورسوله، المطيعون لربهم، ولا المسيء، وهو الكافر بربه، العاصي له، المخالف أمره (قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ) يقول جل ثناؤه: قليلا ما تتذكرون أيها الناس حجج الله، فتعتبرون وتتعظون; يقول: لو تذكرتم آياته واعتبرتم، لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون من إنكاركم قدرة الله على إحيائه من فني من خلقه من بعد الفناء، وإعادتهم لحياتهم من بعد وفاتهم، وعلمتم قبح شرككم من تشركون في عبادة ربكم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (تَتَذَكَّرُونَ) فقرأت ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة: "يَتَذَكَّرُونَ" بالياء على وجه الخبر، وقرأته عامة قرّاء الكوفة: (تَتَذَكَّرُونَ) بالتاء على وجه الخطاب، والقول في ذلك أن القراءة بهما صواب.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) }
يقول تعالى ذكره: إن الساعة التي يحيي الله فيها الموتى للثواب والعقاب لجائية أيها الناس لا شكّ في مجيئها; يقول: فأيقنوا بمجيئها، وأنكم مبعوثون من بعد مماتكم، ومجازون بأعمالكم، فتوبوا إلى ربكم (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) يقول: ولكن أكثر قريش لا يصدّقون بمجيئها.
وقوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) يقول تعالى ذكره: ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني: يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان والأصنام وغير ذلك (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) يقول: أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) يقول: وحَّدوني أغفر لكم.
حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا عبد الله بن داود، عن الأعمش، عن زرّ، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ" وقرأ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) .
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، والأعمش عن زرّ، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "الدُّعاءُ هُوَ العبادَةُ، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ... الآية."
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن زرّ، عن يسيع قال أبو موسى: هكذا قال غندر، عن سعيد، عن منصور، عن زرّ، عن يسيع، عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ الدُّعاءَ هُوَ العِبَادَةُ" (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن زر، عن يسيع عن النعمان بن بشير، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بمثله.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا يوسف بن العرف الباهلي، عن الحسن بن أبي جعفر، عن محمد بن جحادة، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ عِبَادَتي دُعائي" ثُم تلا هذه الآية:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) قال: "عَنْ دُعائي" .
حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا عمارة، عن ثابت، قال: قالت لأنس: يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا بل هو العبادة كلها.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: أخبرنا منصور، عن زر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ، ثم قرأ هذه الآية (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) " .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن الأشجعي، قال: قيل لسفيان: ادع الله، قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) يقول: إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة، وإفراد الألوهة لي (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) بمعنى: صاغرين. وقد دللنا فيما مضى قبل على معنى الدخر بما أغني عن إعادته في هذا الموضع.
وقد قيل: إن معنى قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) : إن الذين يستكبرون عن دعائي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) قال: عن دعائي.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (دَاخِرِينَ) قال: صاغرين.
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) }
يقول تعالى ذكره: الله الذي لا تصلح الألوهة إلا له، ولا تنبغي العبادة لغيره، الذي صفته أنه جعل لكم أيها الناس الليل سكنا لتسكنوا فيه، فتهدءوا من التصرّف والاضطراب للمعاش، والأسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) يقول: وجعل النهار مبصرا من اضطرب فيه لمعاشه، وطلب حاجاته، نعمة منه بذلك عليكم (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) يقول: إن إلله
لمتفضل عليكم أيها الناس بما لا كفء له من الفضل (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) يقول: ولكن أكثرهم لا يشكرونه بالطاعة له، وإخلاص الألوهة والعبادة له، ولا يد تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) }
يقول تعالى ذكره: الذي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس، الله مالككم ومصلح أموركم، وهو خالقكم وخالق كلّ شيء (لا إِلَهَ إِلا هُوَ) يقول: لا معبود تصلح له العبادة غيره، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) يقول: فأي وجه تأخذون، وإلى أين تذهبون عنه، فتعبدون سواه؟.
وقوله: (كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) يقول: كذهابكم عنه أيها القوم، وانصرافكم عن الحقّ إلى الباطل، والرشد إلى الضلال، ذهب عنه الذين كانوا من قبلكم من الأمم بآيات الله، يعني: بحجج الله وأدلته يكذّبون فلا يؤمنون; يقول: فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم، وركبتم محجتهم في الضلال.
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) }
يقول تعالى ذكره: (اللهُ) الذي له الألوهة خالصة أيها الناس (الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ) التي أنتم على ظهرها سكان (قَرَارًا) تستقرون عليها، وتسكنون فوقها، (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) : بناها فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم، وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) يقول: وخلقكم فأحسن خلقكم (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) يقول: ورزقكم من حلال الرزق، ولذيذات المطاعم والمشارب. وقوله: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ) يقول تعالى ذكره: فالذي فعل هذه الأفعال، وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم، هو الله الذي لا تنبغي الألوهة إلا له، وربكم الذي لا تصلح الربوبية لغيره، لا الذي لا ينفع ولا يضر، ولا يخلق ولا يرزق (فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) يقول: فتبارك الله مالك جميع الخلق جنهم وإنسهم، وسائر أجناس الخلق غيرهم (هُوَ الْحَيُّ) يقول: هو الحي الذي لا يموت، الدائم الحياة، وكل شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها (لا إِلَهَ إِلا هُوَ) يقول: لا معبود بحق تجوز عبادته، وتصلح الألوهة له إلا الله الذي هذه الصفات صفاته، فادعوه أيها الناس مخلصين له الدين، مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهة، لا تشركوا في عبادته شيئا سواه، من وثن وصنم، ولا تجعلوا له ندا ولا عدلا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يقول: الشعر لله الذي هو مالك جميع أجناس الخلق، من ملك وجن وإنس وغيرهم، لا للآلهة والأوثان التي لا تملك شيئا، ولا تقدر على ضرّ ولا نفع، بل هو مملوك، إن ناله نائل بسوء لم يقدر له عن نفسه دفعًا.
وكان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال: لا إله إلا الله، أن يتبع ذلك: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) تأولا منهم هذه الآية، بأنها أمر من الله بقيل ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي، قال: أخبرنا الحسين بن واقد، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: من قال لا إله إلا الله، فليقل على إثرها: الحمد لله ربّ العالمين، فذلك قوله: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|