
25-07-2025, 03:51 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الزمر
الحلقة (1198)
صــ 301 الى صــ 310
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ) : أي نفرت قلوبهم واستكبرت (وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) الآلهة (إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (اشْمَأَزَّتْ) قال: انقبضت، قال: وذلك يوم قرأ عليهم "النجم" عند باب الكعبة.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ قوله: (اشْمَأَزَّتْ) قال: نفرت (وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أوثانهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد، الله خالق السموات والأرض (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) الذي لا تراه الأبصار، ولا تحسه العيون والشهادة الذي تشهده أبصار خلقه، وتراه أعينهم (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ) فتفصل بينهم بالحق يوم تجمعهم لفصل القضاء بينهم (فِيمَا كَانُوا فِيهِ) في الدنيا (يَخْتَلِفُونَ) من القول فيك، وفي عظمتك وسلطانك، وغير ذلك من اختلافهم بينهم، فتقضي يومئذ بيننا وبين هؤلاء المشركين الذين إذا ذكرت وحدك اشمأزّت قلوبهم، إذا ذكر مَنْ دونك استبشروا بالحقّ.
وبنحو ذلك قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) فاطر: قال خالق. وفي قوله (عَالِمُ الْغَيْبِ) قال: ما غاب عن العباد فهو يعلمه، (وَالشَّهَادَةِ) : ما عرف العباد وشهدوا، فهو يعلمه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) }
يقول تعالى ذكره: ولو أن لهؤلاء المشركين بالله يوم القيامة، وهم الذين ظلموا أنفسهم (مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا) في الدنيا من أموالها وزينتها (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) مضاعفا، فقبل ذلك منهم عوضا من أنفسهم، لفدوا بذلك كله أنفسهم عوضا منها، لينجو من سوء عذاب الله، الذي هو معذّبهم به يومئذ (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ) يقول: وظهر لهم يومئذ من أمر الله وعذابه، الذي كان أعدّه لهم، ما لم يكونوا قبل ذلك يحتسبون أنه أعدّه لهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) }
يقول تعالى ذكره: وظهر لهؤلاء المشركين يوم القيامة (سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) من الأعمال في الدنيا، إذ أعطوا كتبهم بشمائلهم (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ووجب عليهم حينئذ، فلزمهم عذاب الله الذي كان نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في الدنيا يعدهم على كفرهم بربهم، فكانوا به يسخرون، إنكارا أن يصيبهم ذلك، أو ينالهم تكذيبا منهم به، وأحاط ذلك بهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) }
يقول تعالى ذكره: فإذا أصاب الإنسان بؤس وشدّة دعانا مستغيثا بنا من جهة ما أصابه من الضرّ، (ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا) يقول: ثم إذا أعطيناه فرجا مما كان فيه من الضرّ، بأن أبدلناه بالضرّ رخاء وسعة، وبالسقم صحة وعافية، فقال: إنما أعطيت الذي أعطيت من الرخاء والسعة في المعيشة، والصحة في البدن والعافية، على علم عندي (1) يعني على علم من الله بأني له أهل لشرفي ورضاه بعملي (عندي) يعني: فيما عندي، كما يقال: أنت محسن في هذا الأمر عندي: أي فيما أظنّ وأحسب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا) حتى بلغ (عَلَى عِلْمٍ) عندي (2) أي على خير عندي.
حدّثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا) قال: أعطيناه.
(1) قوله (عندي) : أضافه المؤلف إلى معنى الآية، لمجيئه في حديث قتادة بعده بقليل. وليس في الآية في هذا الموضع لفظة "عندي" ، وإنما هي في آية القصص، إذ جاء على لسان قارون: (قال إنما أوتيته على علم عندي) .
(2) قوله (عندي) : أضافه المؤلف إلى معنى الآية، لمجيئه في حديث قتادة بعده بقليل. وليس في الآية في هذا الموضع لفظة "عندي" ، وإنما هي في آية القصص، إذ جاء على لسان قارون: (قال إنما أوتيته على علم عندي) .
وقوله: (أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ) : أي على شرف أعطانيه.
وقوله: (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) يقول تعالى ذكره: بل عطيتنا إياهم تلك النعمة من بعد الضرّ الذي كانوا فيه فتنة لهم، يعني بلاء ابتليناهم به، واختبارا اختبرناهم به (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) لجهلهم، وسوء رأيهم (لا يَعْلَمُونَ) لأي سبب أعطوا ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يريد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) : أي بلاء.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) }
يقول تعالى ذكره: قد قال هذه المقالة يعني قولهم: لنعمة الله التي خولهم وهم مشركون: أوتيناه على علم عندنا (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني: الذي من قبل مشركي قريش من الأمم الخالية لرسلها، تكذيبا منهم لهم، واستهزاء بهم. وقوله. (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) يقول: فلم يغن عنهم حين أتاهم بأس الله على تكذيبهم رسل الله واستهزائهم بهم ما كانوا يكسبون من الأعمال، وذلك عبادتهم الأوثان. يقول: لم تنفعهم خدمتهم إياها، ولم تشفع آلهتهم لهم عند الله حينئذ، ولكنها أسلمتهم وتبرأت منهم. وقوله: (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) يقول: فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية، وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال، فعوجلوا بالخزي في دار الدنيا، وذلك كقارون الذي قال حين وعظ (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) فخسف الله به وبداره الأرض (فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) يقول الله عز وجل ثناؤه: (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ) يقول لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: والذين كفروا بالله يا محمد من قومك، وظلموا أنفسهم وقالوا هذه المقالة سيصيبهم أيضا وبال (سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) كما أصاب الذين من قبلهم بقيلهموها (وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) يقول: وما يفوتون ربهم ولا يسبقونه هربا في الأرض من عذابه إذا نزل بهم، ولكنه يصيبهم (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) ففعل ذلك بهم، فأحلّ بهم خزيه في عاجل الدنيا فقتلهم بالسيف يوم بدر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الأمم الماضية (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا) من هؤلاء، قال: من أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) }
يقول تعالى ذكره: أولم يعلم يا محمد هؤلاء الذين كشفنا عنهم ضرهم، فقالوا: إنما أوتيناه على علم منا، أن الشدة والرخاء والسعة والضيق والبلاء بيد الله، دون كل من سواه، يبسط الرزق لمن يشاء، فيوسعه عليه، ويقدر ذلك على من يشاء من عباده، فيضيقه، وأن ذلك من حجج الله على عباده، ليعتبروا به ويتذكروا، ويعلموا أن الرغبة إليه والرهبة دون الآلهة والأنداد. (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ) يقول: إن في بسط الله الرزق لمن يشاء، وتقتيره على من أراد لآيات،
يعني: دلالات وعلامات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يعني: يصدقون بالحقّ، فيقرّون به إذا تبينوه وعلموا حقيقته أن الذي يفعل ذلك هو الله دون كل ما سواه.
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }
اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك، قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا، وقتلنا النفس التي حرّم الله، والله يعد فاعل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان، فنزلت هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
محمد بن سعد، قال ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) وذلك أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أنه من عبد الأوثان، ودعا مع الله إلها آخر، وقتل النفس التي حرّم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم، وقد عبدنا الآلهة، وقتلنا النفس التي حرم الله ونحن أهل الشرك؟ فأنزل الله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) يقول: لا تيأسوا من رحمتي، إن الله يغفر الذنوب جميعا وقال: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) وإنما يعاتب الله أولي الألباب وإنما الحلال والحرام لأهل الإيمان، فإياهم عاتب، وإياهم أمر إن أسرف أحدهم على نفسه، أن لا يقنط من رحمة الله، وأن ينيب ولا يبطئ بالتوبة من ذلك الإسراف، والذنب الذي عمل، وقد ذر الله في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا الله المغفرة، فقالوا: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) فينبغي أن يعلم أنهم قد كانوا يصيبون الإسراف، فأمرهم بالتوبة من إسرافهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) قال: قتل النفس في الجاهلية.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت هذه الآيات الثلاث بالمدينة في وحشيّ (1) وأصحابه (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) إلى قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، قال: قال زيد بن أسلم، في قوله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) قال: إنما هي للمشركين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) حتى بلغ (الذُّنُوبَ جَمِيعًا) قال: ذكر لنا أن أناسا أصابوا ذنوبا عظاما في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أشفقوا أن لا يتاب عليهم، فدعاهم الله بهذه الآية: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) .
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في قوله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) قال: هؤلاء المشركون من أهل مكة، قالوا: كيف نجيبك وأنت تزعم أنه من زنى، أو قتل، أو أشرك بالرحمن كان هالكا من أهل النار؟ فكلّ هذه الأعمال قد عملناها، فأنزلت فيهم هذه الآية: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
(1) هو وحشي بن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم، وهو قاتل حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، وكان فاتكا يشرب الخمر ثم أسلم بعد. (انظر خلاصة الخزرجي) .
(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) ... الآية قال: كان قوم مسخوطين في أهل الجاهلية، فلما بعث الله نبيه قالوا: لو أتينا محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأمنا به واتبعناه، فقال بعضهم لبعض: كيف يقبلكم الله ورسوله فى دينه؟ فقالوا: ألا نبعث إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم رجلا؟ فلما بعثوا، نزل القرآن: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) فقرأ حتى بلغ: (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي، قال: تجالس شتير بن شكل ومسروق فقال شتير: إما أن تحدث ما سمعت من ابن مسعود فأصدّقك، وإما أن أحدّث فتصدّقني فقال مسروق: لا بل حدث فأصدّقك، فقال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أكبر آية فرجا في القرآن (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) فقال مسروق: صدقت.
وقال آخرون: بل عني بذلك أهل الإسلام، وقالوا: تأويل الكلام: إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء، قالوا: وهي كذلك في مصحف عبد الله، وقالوا: إنما نزلت هذه الآية في قوم صدّهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم، فأشفقوا أن لا يكون لهم توبة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال يعني عمر: كنا نقول: ما لمن افتتن من توبة، وكانوا يقولون: ما الله بقابل منا شيئا، تركنا الإسلام ببلاء أصابنا بعد معرفته، فلما قدم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المدينة أنزل الله فيهم: (يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه) ... الآية، قال عمر: فكتبتها بيدي، ثم بعثت بها إلى هشام بن العاص، قال هشام: فلما جاءتني جعلت أقرؤها ولا أفهمها، فوقع في نفسي أنها أنزلت فينا لما كنا
نقول، فجلست على بعيري، ثم لحقت بالمدينة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إنما أنزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين، كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذّبوا، فافتنوا، كنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عُذّبوه، فنزلت هؤلاء الآيات، وكان عمر بن الخطاب كاتبا، قال: فكتبها بيده ثم بعث بها إلى عَيَّاش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، إلى أولئك النفر، فأسلموا وهاجروا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا يونس، عن ابن سيرين، قال: قال عليّ رضي الله عنه: أي آية في القرآن أوسع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) . ونحوها، فقال علي: ما في القرآن آية أوسع من: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) ... إلى آخر الآية.
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، قال: دخل عبد الله المسجد، فإذا قاصّ يذكر النار والأغلال، قال: فجاء حتى قام على رأسه، فقال ما يذكر أتقنط الناس (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) ... الآية.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن القرظي أنه قال في هذه الآية: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) قال: هي للناس أجمعين.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي قنبل، قال: سمعت أبا عبد الرحمن المزني يقول: ثني أبو عبد الرحمن الجلائي، أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "ما أُحِبُّ أنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيها"
بهذه الآية: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) "... الآية، فقال رجل: يا رسول الله، ومن أشرك؟ فسكت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثم قال:" ألا وَمَنْ أشْرَكَ، ألا ومَنْ أشْرَكَ، ثلاث مرات "."
وقال آخرون: نزل ذلك في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار، فأعلمهم الله بذلك أنه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: ثنا أبو معاذ الخراساني، عن مقاتل بن حيا، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا معشر أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نرى أو نقول: إنه ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة، حتى نزلت هذه الآية (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) فلما نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر والفواحش، قال: فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا: قد هلك، حتى نزلت هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فلما نزلت هذه الآية كففنا عن القول في ذلك، فكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه، إن لم يصب منها شيئا رجونا له.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشرك، لأن الله عم بقوله (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) جميع المسرفين، فلم يخصص به مسرفا دون مسرف.
فإن قال قائل: فيغفر الله الشرك؟ قيل: نعم إذا تاب منه المشرك. وإنما عنى بقوله (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) لمن يشاء، كما قد ذكرنا قبل، أن ابن مسعود كان يقرؤه: وأن الله قد استثنى منه الشرك إذا لم يتب منه صاحبه، فقال: إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فأخبر أنه
لا يغفر الشرك إلا بعد توبة بقوله: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) . فأما ما عداه فإن صاحبه في مشيئة ربه، إن شاء تفضل عليه، فعفا له عنه، وإن شاء عدل عليه فجازاه به.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|