عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 25-07-2025, 03:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الزمر
الحلقة (1195)
صــ 271 لى صــ 280





يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لمشركي قومك: الله أعبد مخلصا، مفردا له طاعتي وعبادتي، لا أجعل له في ذلك شريكا، ولكني أفرده بالألوهة، وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة، فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام، وغير ذلك مما تعبدون من سائر خلقه، فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لمشركي قومك: الله أعبد مخلصا، مفردا له طاعتي وعبادتي، لا أجعل له في ذلك شريكا، ولكني أفرده بالألوهة، وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة، فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام، وغير ذلك مما تعبدون من سائر خلقه، فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم.
وقوله: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم: إن الهالكين الذين غَبَنوا أنفسهم، وهلكت بعذاب الله أهلوهم مع أنفسهم، فلم يكن لهم إذ دخلوا النار فيها أهل، وقد كان لهم في الدنيا أهلون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال: هم الكفار الذين خلقهم الله للنار، وخلق النار لهم، فزالت عنهم الدنيا، وحرمت عليهم الجنة، قال الله: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال: هؤلاء أهل النار، خسروا أنفسهم في الدنيا، وخسروا الأهلين، فلم يجدوا في النار أهلا وقد كان لهم في الدنيا أهل.
حُدثت عن ابن أبي زائدة، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم، قال: يخسرون أهليهم، فلا يكون لهم أهل يرجعون إليهم، ويخسرون أنفسهم، فيهلكون في النار، فيموتون وهم أحياء فيخسرونهما.
وقوله: (أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) يقول تعالى ذكره: ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك هلاكها هو الخسران المبين، يقول تعالى ذكره: هو الهلاك الذي يبين لمن عاينه وعلمه أنه الخسران.
القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ (18) }
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الخاسرين يوم القيامو في جهنم: (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) وذلك كهيئة الظلل المبنية من النار (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) يقول: ومن تحتهم من النار ما يعلوهم، حتى يصير ما يعلوهم منها من تحتهم ظللا وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه لَهُمْ: (مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ) يغشاهم مما تحتهم فيها من المهاد.
وقوله: (ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس به، مما للخاسرين يوم القيامة من العذاب، تخويف من ربكم لكم، يخوفكم به لتحذروه، فتجتنبوا معاصيه، وتنيبوا من كفركم إلى الإيمان به، وتصديق رسوله، واتباع أمره ونهيه، فتنجوا من عذابه في الآخرة (فَاتَّقُونِ) يقول: فاتقوني بأداء فرائضي عليكم، واجتناب معاصيّ، لتنجوا من عذابي وسخطي.
وقوله: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) : أي اجتنبوا عبادة كلّ ما عبد من دون الله من شيء. وقد بيَّنا معنى الطاغوت فيما مضى قبل بشواهد ذلك، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وذكرنا أنه في
هذا الموضع: الشيطان، وهو في هذا الموضع وغيره بمعنى واحد عندنا.
ذكر من قال ما ذكرنا في هذا الموضع:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) قال: الشيطان.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا) قال: الشيطان.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا) قال: الشيطان هو ها هنا واحد وهي جماعة.
والطاغوت على قول ابن زيد هذا واحد مؤنث، ولذلك قيل: أن يعبدوها. وقيل: إنما أُنثت لأنها في معنى جماعة.
وقوله: (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ) يقول: وتابوا إلى الله ورجعوا إلى الإقرار بتوحيده، والعمل بطاعته، والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ) : وأقبلوا إلى الله.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ) قال: أجابوا إليه.
وقوله: (لَهُمُ الْبُشْرَى) يقول: لهم البشرى في الدنيا بالجنة في الآخرة (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين، فيتبعون أرشده وأهداه، وأدله على توحيد الله، والعمل بطاعته، ويتركون ما سوى ذلك من
القول الذي لا يدل على رشاد، ولا يهدي إلى سداد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وأحسنه طاعة الله.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) قال: أحسن ما يؤمرون به فيعلمون به.
وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ) يقول تعالى ذكره: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، الذين هداهم الله، يقول: وفقهم الله للرشاد وإصابة الصواب، لا الذين يعرضون عن سماع الحقّ، ويعبدون ما لا يضرّ، ولا ينفع. وقوله: (أُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) يعني: أولو العقول والحجا.
وذُكر أن هذه الآية نزلت في رهط معروفين وحَّدوا الله، وبرئوا من عبادة كل ما دون الله قبل أن يُبعث نبيّ الله، فأنزل الله هذه الآية على نبيه يمدحهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ... ) الآيتين، حدثني أبي أن هاتين الآيتين نزلتا في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله: زيد بن عمرو، وأبي ذرّ الغفاري، وسلمان الفارسيّ، نزل فيهم: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا) في جاهليتهم (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) لا إله إلا الله، أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي (وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) .
القول في تأويل قوله تعالى: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ
أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
يعني تعالى ذكره بقوله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) : أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره به.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) بكفره.
وقوله: (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أفأنت تنقذ يا محمد من هو في النار من حق عليه كلمة العذاب، فأنت تنقذه، فاستغنى بقوله: (تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) عن هذا. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هذا مما يراد به استفهام واحد، فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه، فيرد الاستفهام إلى موضعه الذي هو له. وإنما المعنى والله أعلم: أفأنت تنقذ من في النار من حقَّت عليه كلمة العذاب. قال: ومثله من غير الاستفهام: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) فردد "أنكم" مرتين. والمعنى والله أعلم: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم، ومثله قوله: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) وكان بعضهم يستخطئ القول الذي حكيناه عن البصريين، ويقول: لا تكون في قوله: (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) كناية عمن تقدّم، لا يقال: القوم ضربت من قام، يقول: المعنى: ألتجزئة أفأنت تُنْقذ من في النار منهم. وإنما معنى الكلمة: أفأنت تهدي يا محمد من قد سبق له في علم الله أنه من أهل النار إلى الإيمان، فتنقذه من النار بالإيمان؟ لست على ذلك بقادر.
وقوله: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّة) يقول تعالى ذكره: لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب محارمه، لهم في الجنة غرف من فوقها
غرف مبنية علاليّ بعضها فوق بعض (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) يقول تعالى ذكره: تجري من تحت أشجار جناتها الأنهار.
وقوله: (وَعَدَ اللَّهُ) يقول جل ثناؤه: وعدنا هذه الغرف التي من فوقها غرف مبنية في الجنة، هؤلاء المتقين (لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) يقول جل ثناؤه: والله لا يخلفهم وعده، ولكنه يوفي بوعده.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ (21) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أَلَمْ تَرَ) يا محمد (أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وهو المطر (فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ) يقول: فأجراه عيونا في الأرض، وأحدها ينبوع، وهو ما جاش من الأرض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن الشعبيّ، في قوله: (فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ) قال: كلّ ندى وماء في الأرض من السماء نزل.
قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن الحسن بن مسلم بن بيان، قال: ثم أنبت بذلك الماء الذي أنزله من السماء فجعله في الأرض عيونا زرعا (مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) يعني: أنواعا مختلفة من بين حنطة وشعير وسمسم وأرز، ونحو ذلك من الأنواع المختلفة (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا) يقول: ثم ييبس ذلك الزوع من بعد خُضرته، يقال للأرض إذا يبس ما فيها من الخضر وذوى: هاجت
الأرض، وهاج الزرع.
وقوله: (فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا) يقول: فتراه من بعد خُضرته ورطوبته قد يبس فصار أصفر، وكذلك الزرع إذا يبس اصفرّ (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا) والحطام: فتات التبن والحشيش، يقول: ثم يجعل ذلك الزرع بعد ما صار يابسا فُتاتا متكسرا.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ) يقول تعالى ذكره: إن في فعل الله ذلك كالذي وصف لذكرى وموعظة لأهل العقول والحجا يتذكرون به، فيعلمون أن من فعل ذلك فلن يتعذر عليه إحداث ما شاء من الأشياء، وإنشاء ما أراد من الأجسام والأعراض، وإحياء من هلك من خلقه من بعد مماته وإعادته من بعد فنائه، كهيئته قبل فنائه، كالذي فعل بالأرض التي أنزل عليها من بعد موتها الماء، فأنبت بها الزرع المختلف الألوان بقدرته.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) }
يقول تعالى ذكره: أفمن فسح الله قلبه لمعرفته، والإقرار بوحدانيته، والإذعان لربوبيته، والخضوع لطاعته (فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) يقول: فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين، بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك لأمر الله متبع، وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه، كمن أقسى الله قلبه، وأخلاه من ذكره، وضيقه عن استماع الحق، واتباع الهدى، والعمل بالصواب؟ وترك ذكر الذي أقسى الله قلبه، وجواب الاستفهام اجتزاء بمعرفة السامعين المراد من الكلام، إذ ذكر أحد الصنفين، وجعل مكان ذكر الصنف الآخر الخبر عنه بقوله: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) يعني: كتاب الله، هو المؤمن به يأخذ، وإليه ينتهي.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ) قال: وسع صدره للإسلام، والنور: الهدى.
حُدثت عن ابن أبي زائدة عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ) قال: ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه.
قوله: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت، يعني عن القرآن الذي أنزله تعالى ذكره، مذكرا به عباده، فلم يؤمن به، ولم يصدّق بما فيه. وقيل: (مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) والمعنى: عن ذكر الله، فوضعت "من" مكان "عن" ، كما يقال في الكلام: أتخمت من طعام أكلته، وعن طعام أكلته بمعنى واحد.
وقوله: (أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله في ضلال مبين، لمن تأمله وتدبره بفهم أنه في ضلال عن الحق جائر.
القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) }
يقول تعالى ذكره: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا) يعني به القرآن (مُتَشَابِهًا) يقول: يشبه بعضه بعضا، لا اختلاف فيه، ولا تضادّ.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا) الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف.
حدثنا محمَّد قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (كِتَابًا مُتَشَابِهًا) قال: المتشابه: يشبه بعضه بعضا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَير، في قوله: (كِتَابًا مُتَشَابِهًا) قال: يشبه بعضه بعضا، ويصدّق بعضه بعضا، ويدلّ بعضه على بعض.
وقوله: (مَثَانِيَ) يقول: تُثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ) قال: ثنى الله فيه القضاء، تكون السورة فيها الآية في سورة أخرى آية تشبهها، وسئل عنها عكرمة (1) .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ) قال: في القرآن كله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَثَانِيَ) قال:
(1)
الذي في الدر: وسئل عنها عكرمة، فقال: ثنى الله فيه القضاء.

ثَنَى الله فيه الفرائض، والقضاء، والحدود.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مَثَانِيَ) قال: كتاب الله مثاني، ثنى فيه الأمر مرارا.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، فى قوله: (مَثَانِيَ) قال: كتاب الله مثاني، ثَنى فيه الأمر مرارا.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: (مَثَانِيَ) ثنى في غير مكان.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (مَثَانِيَ) مردّد، رُدِّد موسى في القرآن وصالح وهود والأنبياء في أمكنة كثيرة.
وقوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) يقول تعالى ذكره: تقشعرّ من سَماعه إذا تلي عليهم جلود الذين يخافون ربهم (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) يعني إلى العمل بما في كتاب الله، والتصديق به.
وذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أجل أن أصحابه سألوه الحديث.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا حكام بن سلم، عن أيوب بن موسى، عن عمرو الملئي عن ابن عباس، قالوا: يا رسول الله لو حدثتنا؟ قال: فنزلت: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، قال: قالوا: يا نبي الله، فذكر مثله.
(ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم،




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]