عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 25-07-2025, 01:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,685
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الصافات
الحلقة (1178)
صــ 101 لى صــ 110



واختلفت القرّاء في قراءة قوله (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) فقرأته عامة قرّاء مكة والبصرة والكوفة: (سَلامُ عَلى إلْياسِينَ) بكسر الألف من إلياسين، فكان بعضهم يقول: هو اسم إلياس، ويقول: إنه كان يُسمى باسمين: إلياس، وإليا سين مثل إبراهيم، وإبراهام; يُستشهد على ذلك أن ذلك كذلك بأن جميع ما في السورة من قوله (سَلامٌ) فإنه سلام على النبي الذي ذكر دون آله، فكذلك إلياسين، إنما هو سلام على إلياس دون آله. وكان بعض أهل العربية يقول: إلياس: اسم من أسماء العبرانية، كقولهم: إسماعيل وإسحاق، والألف واللام منه، ويقول: لو جعلته عربيا من الإلس، فتجعله إفعالا مثل الإخراج، والإدخال أجْري ; ويقول: قال: سلام على إلياسين، فتجعله بالنون، والعجمي من الأسماء قد تفعل به هذا العرب، تقول: ميكال وميكائيل وميكائيل، وهي في بني أسد تقول: هذا إسماعين قد جاء، وسائر العرب باللام; قال: وأنشدني بعض بني نمير لضب صاده:
يَقُولُ رَبُّ السُّوقِ لَمَّا جِيْنا ... هَذَا وَرَبّ البَيْتِ إسْرَائِينا (1)
(1)
هذان البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة ص 274) قال: وقوله: "وإن إلياس لمن المرسلين" : ذكر أنه نبي، وأن هذا الاسم اسم من أسماء العبرانية، كقولهم: إسماعيل وإسحاق، والألف واللام منه. ولو جعلته عربيا من الألف فتعجل إفعالا. مثل الإخراج والإدخال، لجرى (أي صرف) . ثم قال: "سلام على إلياسين" ، فجعله بالنون، والعجمي من الأسماء قد يفعل به هذا العرب، تقول: ميكال وميكائيل وميكائين، بالنون، وهي في بني أسد، يقولون: هذا إسماعين قد جاء، بالنون، وسائر العرب باللام. قال: وأنشدني بعض بني نمير لضب صاده بعضهم: "يقول أهل السوق.... البيتين. فهذا وجه لقوله" إلياسين "في (مجاز القرآن: مصورة الجامعة الورقة 210 - 1) قال أبو عبيدة:" سلام على إلياسين ": أي سلام على إلياس وأهله، وعلى أهل دينه جميعهم، بغير إضافة إلياء على العدد. قال الشاعر قدني من نصر الحبيبين قدي"

فجعل عبد الله بن الزبير أبا خبيب "مصغرا" ومن كان على رأيه عددا ولم يضفهما بالياء "أي لم ينسبهم إليه بياء النسب" فيقول خبيبيون وقال أبو عمر وبن العلاء: نادى مناد يوم الكلاب فقال: هلك اليزيدون. يعني يزيد بن عبد المدان، ويزيد بن هوبر، ويزيد بن مخرمة الحارثيون.
ويقال: جاءك الحارثون والأشعرون.


قال: فهذا كقوله إلياسين; قال: وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعا، فتجعل أصحابه داخلين في اسمه، كما تقول لقوم رئيسهم المهلب: قد جاءتكم المهالبة والمهلبون، فيكون بمنزلة قولهم الأشعرين بالتخفيف، والسعدين بالتخفيف وشبهه، قال الشاعر:
أنا ابْنُ سَعْدٍ سَيِّدِ السَّعْدِينَا (1)
قال: وهو في الاثنين أن يضمّ أحدهما إلى صاحبه إذا كان أشهر منه اسما كقول الشاعر:
جَزَانِي الزَّهْدَمَانِ جَزاءَ سَوْءٍ ... وكُنتُ المَرْءَ يُجْزَى بالكَرَامَةْ (2)
(1)
وهذا أيضا من شواهد الفراء في معاني القرآن، جاء بعد الشاهد الذي قبله. قال الفراء بعد كلامه السابق في أن إلياسين لغة في إلياس عند بني أسد: وإن شئت ذهبت "بإلياسين" على أن تجعله جمعا، فتجعل أصحابه داخلين في اسمه، كما تقول للقوم رئيسهم المهلب: قد جاءتكم المهالبة والمهلبون، فيكون بمنزلة قوله: الأشعرين والسعدين وشبهه. قال الشاعر: "أنا ابن سعد ..." البيت. وهذا يشبه كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن، وقد نقلناه في آخر الشاهد السابق على هذا.

(2)
هذا الشاهد الثالث على قراءة قوله تعالى "سلام على إلياسين" . نقله الفراء وأبو عبيدة في كتابيهما. قال الفراء بعد كلامه السابق: وهو في الاثنين أكثر أن يضم أحدهما إلى صاحبه، إذا كان أشهر منه اسما، كقول الشاعر: "جزاني الزهدمان ... البيت" . واسم أحدهما زهدم. وقال أبو عبيدة: وكذلك يقال في الاثنين. وأنشد البيت، ونسبه إلى قيس بن زهير. ثم قال بعده: وإنما هو زهدم وكردم العبسيان: أخوان. وقيل لعلي بن أبي طالب: نسألك سنة العمرين: يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. ثم ذكر أبو عبيدة بعد ذلك وجها آخر فقال: إن أهل المدينة يقولون: "سلام على آل ياسن" أي على أهل ياسين. فقال سعد بن أبي وقاص وأبو عمرو وأهل الشام: هم قومه ومن كان معه على دينه. وقالت الشيعة: آل محمد: أهل بيته. واحتجوا بأنك تصغر الآل، فتجعله أهيلا. اهـ. وذكر بعد كلامه السابق في الموضوع وجها آخر فقال: وقد قرأ بعضهم: "وإن إلياس" يجعل اسمه "ياسا" أدخل عليه الألف واللام. ثم يقرءون: "سلام على آل ياسين" . جاء التفسير في تفسير الكلبي: على آل ياسين: على آل محمد صلى الله عليه وسلم والأول أشبه بالصواب والله أعلم، لأن في قراءة عبد الله (يعني ابن مسعود) : "وإن إدريس لمن المرسلين" "سلام على إدراسين" . وقد يشهد على صواب هذا قوله: "وشجرة تخرج من طور سيناء" . ثم قال في موضع آخر: "وطور سينين" . وهو معنى واحد. والله أعلم.



واسم أحدهما: زهدم; وقال الآخر:
جَزَى الله فِيها الأعْوَرَيْنِ ذَمَامَةً ... وَفَرْوَةَ ثَفْرَ الثَّوْرَةِ المُتَضَاجِمِ (1)
واسم أحدهما أعور.
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة: "سَلام عَلى آل يَاسِينَ" بقطع آل من ياسين، فكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى: سلام على آل محمد. وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ قوله (وَإِنَّ إِلْيَاسَ) بترك الهمز في إلياس ويجعل الألف واللام داخلتين على "ياس" للتعريف، ويقول: إنما كان اسمه "ياس" أدخلت عليه ألف ولام ثم يقرأ على ذلك: "سلام على إلياسين" .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه: (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) بكسر ألفها على مثال إدراسين، لأن الله تعالى ذكره إنما أخبر عن كل موضع ذكر فيه نبيا من أنبيائه صلوات الله عليهم في هذه السورة بأن عليه سلاما لا على آله، فكذلك السلام في هذا الموضع ينبغي أن يكون على إلياس كسلامه على غيره من أنبيائه، لا على آله، على نحو ما بيَّنا من معنى ذلك.
فإن ظنّ ظانّ أن إلياسين غير إلياس، فإن فيما حكينا من احتجاج من احتج بأن إلياسين هو إلياس غني عن الزيادة فيه.
مع أن فيما حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) قال: إلياس.
وفي قراءة عبد الله بن مسعود: "سَلامٌ عَلى إدْرَاسِينَ" دلالة واضحة على خطأ قول من قال: عنى بذلك سلام على آل محمد، وفساد قراءة من قرأ: "وإنَّ إلياسَ" بوصل
(1)
هذا هو الشاهد الرابع في الموضوع نفسه، أنشده الفراء في معاني القرآن بعد سابقه. وأنشده صاحب اللسان في ضجم، ونسبه إلى الأخطل، وروايته فيه "ملامة" في موضع "ذمامة" . وقال: الضجم: العوج في الأنف، يميل إلى أحد شقيه. والمتضاجم: المعوج الفم قال الأخطل: "جزى الله ... البيت" . وفروة: اسم رجل. اهـ. وموضع الشاهد فيه قوله "الأعورين" كالذي قبله تماما.



النون من "إن" بالياس، وتوجيه الألف واللام فيه إلى أنهما أدخلتا تعريفا للاسم الذي هو ياس، وذلك أن عبد الله كان يقول: إلياس هو إدريس، ويقرأ: "وَإِنَّ إدْرِيسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" ، ثم يقرأ على ذلك: "سَلامٌ عَلَى إدْرَاسِينَ" ، كما قرأ الآخرون: (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) بقطع الآل من ياسين. ونظير تسمية إلياس بإل ياسين: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ) [ثم قال في موضع آخر: (وَطُورِ سِينِينَ) وهو موضع واحد سمي بذلك.
وقوله (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يقول تعالى ذكره: إنا هكذا نجزي أهل طاعتنا والمحسنين أعمالا وقوله (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) يقول: إن إلياس عبد من عبادنا الذين آمنوا، فوحَّدونا، وأطاعونا، ولم يشركوا بنا شيئا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136) }
يقول تعالى ذكره: وإن لوطا المرسل من المرسلين.
(إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) يقول: إذ نجَّينا لوطا وأهله أجمَعينَ من العذاب الذي أحللناه بقومه، فأهلكناهم به. (إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) يقول: إلا عجوزا في الباقين، وهي امرأة لوط، وقد ذكرنا خبرها فيما مضى، واختلاف المختلفين في معنى قوله (فِي الْغَابِرِينَ) ، والصواب من القول في ذلك عندنا.
وقد حُدثت عن المسيِّب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك (إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) يقول: إلا امرأته تخلَّفت فمسخت حجرا، وكانت تسمى هيشفع. (1)
(1)
في عرائس المجالس للثعالبي، طبعة الحلبي 106: وكانت تسمى هلسفع.


حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) قال: الهالكين.
وقوله (ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ) يقول: ثم قذفناهم بالحجارة من فوقهم، فأهلكناهم بذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) }
يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: وإنكم لتمرون على قوم لوط الذين دمرناهم عند إصباحكم نهارا وبالليل. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) قالوا: نعم والله صباحا ومساء يطئونها وطْئًا، من أخذ من المدينة إلى الشام، أخذ على سدوم قرية قوم لوط.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في قوله (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) قال: في أسفاركم.
وقوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) يقول: أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكَّرون، فتعلمون أن من سلك من عباد الله في الكفر به، وتكذيب رسله، مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط، نازل بهم من عقوبة الله، مثل الذي نزل بهم على كفرهم بالله، وتكذيب رسوله، فيزجركم ذلك عما أنتم عليه من الشرك بالله، وتكذيب محمد عليه الصلاة والسلام.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قال: أفلا تتفكَّرون ما أصابهم في معاصي الله أن يصيبكم ما أصابهم، قال: وذلك المرور أن يمر عليهم.
القول في تأويل قوله تعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)

إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
يقول تعالى ذكره: وإن يونس لمرسل من المرسلين إلى أقوامهم (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يقول: حين فرّ إلى الفُلك، وهو السفينة، المشحون: وهو المملوء من الحمولة المُوقَر.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) كنَّا نحدّث أنه الموقر من الفُلك.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) قال: الموقر. وقوله (فَسَاهَمَ) يقول: فَقَارَعَ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَسَاهَمَ) يقول أقْرَعَ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) قال: فاحتبست السفينة، فعلم القوم أنما احتبست من حدث أحدثوه، فتساهموا، فقُرِعَ يونس، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (فَسَاهَمَ) قال: قارع.
وقوله (فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) يعني: فكان من المسهومين المغلوبين، يقال منه: أدحض الله حجة فلان فدحضت: أي أبطلها فبطلت، والدَّحْض: أصله الزلق في الماء والطين، وقد ذُكر عنهم: دَحَض الله حجته، وهي قليلة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) يقول: من المقروعين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مِنَ الْمُدْحَضِينَ) قال: من المسهومين.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) قال: من المقرعين.
وقوله (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) يقول: فابتلعه الحوت; وهو افتعل من اللَّقْم. وقوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) يقول: وهو مكتسب اللوم، يقال: قد ألام الرجل، إذا أتى ما يُلام عليه من الأمر وإن لم يُلَم، كما يقال: أصبحت مُحْمِقا مُعْطِشا: أي عندك الحمق والعطش; ومنه قول لبيد:
سَفَها عَذَلْتَ ولُمْتَ غيرَ مُلِيمِ ... وَهَداكَ قَبلَ الْيومِ غيرُ حَكيمِ (1)
فأما الملوم فهو الذي يلام باللسان، ويعذل بالقول.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) قال: مذنب.
(1)
البيت للبيد بن ربيعة العامري. استشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 211 - 1) قال في قوله تعالى "وهو مليم" يقول العرب: ألام فلان في أمره: وذاك إذا أتى أمرا يلام عليه. وقال لبيد: "سفها ... البيت" . اهـ. واستشهد به في (اللسان: لوم) على مثل ما استشهد به أبو عبيدة. وقال: لام فلان غير مليم.


حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَهُوَ مُلِيمٌ) : أي في صنعه.
حدثني يونس، قال. أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) قال: وهو مذنب، قال: والمليم: المذنب.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) }
يقول تعالى ذكره: (فَلَوْلا أَنَّهُ) يعني يونس (كَانَ مِنَ) المُصَلِّينَ لله قبل البلاء الذي ابتُلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) يقول: لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه.
وقد اختلف أهل التأويل في وقت تسبيح يونس الذي ذكره الله به، فقال (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك، وقالوا مثل قولنا في معنى قوله (مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) كان كثير الصَّلاةِ في الرّخاء، فنجَّاه الله بذلك; قال: وقد كان يقال في الحكمة: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عَثَر، فإذا صُرع وجد متكئا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَيَّة، عن بعض أصحابه، عن قتادة،

في قوله (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) قال: كان طويل الصلاة في الرّخاء; قال: وإنّ العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، إذا صرع وجد متكئا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا أبو ضحر، أن يزيد الرَّقاشي، حدثه، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "أنَّ يُونُسَ النَّبِيّ حِينَ بَدَا لَهُ أنْ يَدْعُوَ الله بالكَلِماتِ حِينَ نَادَاهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا إلهَ إلا أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَقْبَلَتِ الدَّعْوَةُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَقَالَتِ المَلائِكَةُ: يَا رَبِّ هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ فِي بِلادٍ غَرِيبَة، قَالَ: أما تَعْرِفُونَ ذلكَ؟ قَالُوا يَا رَبّ وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ذَلكَ عَبْدِي يُونُسُ، قَالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، قَالُوا: يَا رَبّ أوَلا يُرْحَمُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيهِ مِنَ البَلاءِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ بالعَرَاءِ" .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) قال: من المصلِّين.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جُبَير (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) قال: من المصلين.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) قال: كان له عمل صالح فيما خلا.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) قال: المصلين.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا كثير بن هشام، قال: ثنا جعفر، قال: ثنا ميمون بن مهران، قال: سمعت الضحاك بن قيس يقول على منبره: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة، إن يونس كان عبدًا لله ذاكرا، فلما أصابته الشدّة دعا الله فقال الله: (لَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فذكره الله بما كان منه، وكان فرعون طاغيا باغيا فلمَّا (أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) قال الضحاك: فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة.
قال أبو جعفر: وقيل: إنما أحدث الصلاة التي أخبر الله عنه بها، فقال: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) في بطن الحوت.
وقال بعضهم: كان ذلك تسبيحا، لا صلاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا عمران القطان، قال: سمعت الحسن يقول في قوله (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) قال: فوالله ما كانت إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت; قال عمران: فذكرت ذلك لقتادة، فأنكر ذلك وقال: كان والله يكثر الصلاة في الرخاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جُبَير: (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) قال: قال (لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فلما قالها، قذفه الحوت، وهو مغرب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) : لصار له بطن الحوت قبرًا إلى يوم القيامة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]