عرض مشاركة واحدة
  #1174  
قديم 24-07-2025, 11:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الصافات
الحلقة (1174)
صــ 61 لى صــ 70





* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ) قال: أنجاه الله ومن معه في السفينة، وأغرق بقية قومه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) }
يقول تعالى ذكره: وإن من أشياع نوح على منهاجه وملته والله لإبراهيمَ خليل الرحمن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ) يقول: من أهل دينه.
حدثني ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزّة، عن مجاهد، في قوله (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ) قال: على منهاج نوح وسنته.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ) قال: على مِنهاجه وسنته.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ) قال: على دينه وملته.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ) قال: من أهل دينه.
وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك: وإن من شيعة محمد لإبراهيم، وقال: ذلك مثل قوله (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ) بمعنى: أنا حملنا ذرية من هم منه، فجعلها ذرية لهم، وقد سبقتهم.
وقوله (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) يقول تعالى ذكره: إذ جاء إبراهيم ربه بقلب سليم من الشرك، مخلص له التوحيد.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) والله من الشرك.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال: سليم من الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال: لا شك فيه. وقال آخرون في ذلك بما حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عَثَّام بن عليّ، قال: ثنا هشام، عن أبيه، قال: يا بني لا تكونوا لعانين، ألم تروا إلى إبراهيم لم يلعن شيئا قطّ، فقال الله: (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
وقوله (إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ) يقول حين قال: يعني إبراهيم لأبيه وقومه: أي شيء تعبدون.
وقوله (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) يقول: أكذبا معبودا غير الله تريدون.
القول في تأويل قوله تعالى: فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92)
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ؟ يقول: فأي شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فما ظنكم برب العالمين) يقول: إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.
وقوله (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) ذكر أن قومه كانوا أهل تنجيم، فرأى نجما قد طلع، فعصب رأسه وقال: إني مَطْعُون، وكان قومه يهربون من الطاعون، فأراد أن يتركوه في بيت آلهتهم، ويخرجوا عنه، ليخالفهم إليها فيكسرها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) رأى نجما طلع.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عليه، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) رأى نجما طلع.
حدثنا بشر، قال: كَايَدَ نبي الله عن دينه، فقال: إني سقيم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) قالوا لإبراهيم وهو في بيت آلهتهم: أخرج معنا، فقال لهم: إني مطعون، فتركوه مخافة أن يعديهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، عن أبيه،
في قول الله: (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) قال: أرسل إليه ملكهم، فقال: إن غدا عيدنا، فاحضر معنا، قال: فنظر إلى نجم فقال: إن ذلك النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي، فقال: (إِنِّي سَقِيمٌ)
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) يقول الله: (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ)
وقوله (إِنِّي سَقِيمٌ) : أي طعين، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به، وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه، ليبلغ من أصنامهم الذي يريد.
واختلف في وجه قيل إبراهيم لقومه: (إِنِّي سَقِيمٌ) وهو صحيح، فروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إلا ثَلاثَ كَذَبَاتٍ" .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثني هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: "وَلَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ غَيْرَ ثَلاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ الله، قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) وقَوْلِهِ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) ، وقَوْلِهِ فِي سارَة: هِي أُخْتِي" .
حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إلا فِي ثَلاثٍ" ثم ذكر نحوه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن المسيب بن رافع، عن أبي هريرة، قال: "ما كذب إبراهيم غير ثلاث كذبات، قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) ، وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) ، وإنما قاله موعظة، وقوله حين سأله الملك، فقال أختي لسارَة، وكانت امرأته" .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أيوب، عن محمد، قالَ: "إن إبراهيم ما كذب إلا ثلاث كذبات، ثنتان في الله، وواحدة في ذات نفسه; فأما الثنتان فقوله (إِنِّي سَقِيمٌ) ، وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) وقصته في سارَة، وذكر قصتها وقصة الملك" .
وقال آخرون: إن قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) كلمة فيها مِعْراض، ومعناها أن كل من كان في عقبة الموت فهو سقيم، وإن لم يكن به حين قالها سقم ظاهر، والخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف هذا القول، وقول رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الحقّ دون غيره. قوله (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) يقول: فتولوا عن إبراهيم مدبرين عنه، خوفا من أن يعدِيَهُمْ السقم الذي ذكر أنه به.
كما حُدثت عن يحيى بن زكريا، عن بعض أصحابه، عن حكيم بن جُبَير، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (إِنِّي سَقِيمٌ) يقول: مطعون فتولَّوا عنه مدبرين، قال سعيد: إن كان الفرار من الطاعون لقديما.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة (فَتَوَلَّوْا) فنكصوا عنه (مُدْبِرِينَ) منطلقين.
وقوله (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ) يقول تعالى ذكره: فمال إلى آلهتهم بعد ما خرجوا عنه وأدبروا; وأرى أن أصل ذلك من قولهم: راغ فلان عن فلان: إذا حاد عنه، فيكون معناه إذا كان كذلك: فراغ عن قومه والخروج معهم إلى آلهتهم; كما قال عدي بن زيد:
حِينَ لا يَنْفَعُ الرَّوَاغُ وَلا يَنْ ... فَعُ إلا المُصَادِقُ النِّحْرِيرُ (1)
(1)
البيت نسبه المؤلف لعدي بن زيد العبادي، ولم أجده في ترجمته في الأغاني ولا في شعره في شعراء النصرانية. ولعله من قصيدته التي مطلعها "أرواح مودع أم بكور" . واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى: "فراغ عليهم ضربا باليمين" على أن معنى راغ: حاد. وفسره بعضهم بمال. "وفي اللسان: روغ" راغ يروغ روغا وروغانا: حاد. وراغ إلى كذا أي مال إليه سرا وحاد.

وقوله تعالى "فراغ عليهم ضربا" أي مال وأقبل.اهـ. وفي (اللسان: نحر) : والنحر (بكسر النون) والنحرير: الحاذق الماهر العاقل المجرب. وقيل: النحرير: الرجل: الطبن الفطن المتقن البصير في كل شيء. وجمعه: النحارير. اهـ.
وقال الفرّاء في معاني القرآن 273: "فراغ عليهم ضربا باليمين" : أي مال عليهم ضربا، واغتنم خلوتهم من أهل دينهم. وفي قراءة عبد الله (أي ابن مسعود) : "فراغ عليهم صفقا باليمين" .
يعني بقوله "لا ينفع الرّوَاغ" : الحِياد. أما أهل التأويل فإنهم فسَّروه بمعنى فَمَال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ) : أي فمال إلى آلهتهم، قال: ذهب.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ قوله (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ) قال: ذهب.
وقوله (فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) هذا خبر من الله عن قيل إبراهيم للآلهة; وفي الكلام محذوف استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو: فقرّب إليها الطعام فلم يرها تأكل، فقال لها: (أَلا تَأْكُلُونَ) فلما لم يرها تأكل قال لها: ما لكم لا تأكلون، فلم يرها تنطق، فقال لها: (مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) مستهزئا بها، وكذلك ذكر أنه فعل بها، وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما مضى قبلُ.
وقال قتادة في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) يستنطقهم (مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) ؟
القول في تأويل قوله تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) }
يقول تعالى ذكره: فمال على آلهة قومه ضربا لها باليمين بفأس في يده يكسرهن.
كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما خلا جعل يضرب آلهتهم باليمين
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، فذكر مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) فأقبل عليهم يكسرهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ثم أقبل عليهم كما قال الله ضربا باليمين، ثم جعل يكسرهنّ بفأس في يده
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى: فراغ عليهم ضربا بالقوّة والقدرة، ويقول: اليمين في هذا الموضع: القوّة: وبعضهم كان يتأوّل اليمين في هذا الموضع: الحلف، ويقول: جعل يضربهنّ باليمين التي حلف بها بقوله (وَتَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: "فراغ عليهم صفقا باليمين" . ورُوي نحو ذلك عن الحسن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا خالد بن عبد الله الجُشَمِي، قال: سمعت الحسن قرأ: "فَرَاغَ عَلَيْهِمْ صَفْقًا بِالْيَمِينِ" : أي ضربا باليمين.
وقوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة: (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) بفتح الياء وتشديد الفاء من قولهم: زَفَّتِ النعامة، وذلك أوّل عدوها، وآخر مشيها; ومنه قول الفرزدق:
وَجَاءَ قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبْلَ إِفَالِهَا ... يَزِفُّ وَجَاءَتْ خَلْفَهُ وَهِيَ زُفَّفُ (1) .
وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: "يُزِفُّونَ" بضم الياء وتشديد الفاء من أزف فهو يزف. وكان الفرّاء يزعم أنه لم يسمع في ذلك إلا زَفَفْت، ويقول: لعلّ قراءة من قرأه: "يُزِفُّونَ" بضم الياء من قول العرب: أطْرَدْتُ الرجل: أي صيرته طريدا، وطردته: إذا أنت خسئته إذا قلت: اذهب عنا; فيكون يزفون: أي جاءوا على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة على هذه الحالة، فتدخل الألف. كما تقول: أحمدت الرجل: إذا أظهرت حمده، وهو محمد: إذا رأيت أمره إلى الحمد، ولم تنشر حمده; قال: وأنشدني المفضَّل:
تَمَنَّى حُصَيْنٌ أنْ يَسُودَ جِذَاعَةُ ... فأَمْسَى حُصَيْنٌ قَدْ أذَلَّ وَأَقْهَرا (2)
(1)
البيت للفرزدق (ديوانه طبعة الصاوي 558) من قصيدته التي مطلعها: "عزفت بأعشاش وما كدت تعزف" . (وفي اللسان: قرع) : القريع من الإبل الذي يأخذ بذراع الناقة فينيخها. وقيل سمي قريعا لأنه يقرع الناقة، قال الفرزدق (وأنشد بيت الشاهد) . والإفال: جمع أفيل وأفيلة، وهو الفصيل. وقال أبو عبيد: الإفال بنات المخاض. وفي (اللسان: زفف) الزفيف: سرعة المشي مع تقارب وسكون. وقيل: هو أول عدو النعام: زف يزف زفا، وزفيفا وزفوفا، وأزف عن الأعرابي. قال الفرّاء في معاني القرآن: والناس يزفون بفتح الياء، أي يسرعون. وقرأها الأعمش يزفون (بضم الياء) أي يجيئون على هيئة الزفيف، بمنزلة المزفوفة على هذه الحال. وقال الزجاج: يزفون: يسرعون. وأصله من زفيف النعامة، وهو ابتداء عدوها.اهـ.

(2)
البيت للمخبل السعدي يهجو الزبرقان. واستشهد به الفرّاء في معاني القرآن (مصورة الجامعة 273) لتخريج قراءة الأعمش قوله تعالى: "فأقبلوا إليه يزفون" بضم الياء. قال كأنها من أزفت، ولم نسمعها إلا زففت تقول للرجل: جاءنا يزف (بفتح الياء) . ولعل قراءة الأعمش من قول العرب: قد أطردت الرجل: أي صيرته طريدا، طردته إذا أنت قلت له: اذهب عنا. "يزفون" : أي جاءوا على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة. على هذه الحال، فتدخل الألف، كما تقول للرجلك هو محمود: إذا أظهرت حمده، وهو محمد: إذا رأيت أمره إلى الحمد؛ ولم تنشر حمده. قال: وأنشدني المفضل: "تمنى حصين ... البيت" فقال: اقهر: أي صار إلى القهر، وإنما هو قهر. وقرأ الناس بعد "يزفون" بفتح الياء وكسر الزاي. وقد قرأ بعض القراء: "يزفون" بالتخفيف كأنها من وزف يزف. وزعم الكسائي أنه لا يعرفها. وقال الفرّاء: لا أعرفها أيضا، إلا أن تكون لم تقع إلينا. وفي اللسان إلينا. وفي اللسان والمحكم: جذع: (وجذاع الرجل: قومه، لا واحد لها) . قال المخبل يهجو الزبرقان: "تمنى ... البيت" . أي قد صار أصحابه أذلاء مقهورين ورواه الأصمعي: قد أذل وأقهرا (بالبناء للمجهول) . أو يكون "أقهر" وجد مقهورا. وخص أبو عبيدة بالجذاع رهط الزبرقان.

فقال: أقهر، وإنما هو قُهِر، ولكنه أراد صار إلى حال قهر. وقرأ ذلك بعضهم.
"يَزِفُونَ" بفتح الياء وتخفيف الفاء من وَزَفَ يَزِفُ وذُكر عن الكسائي أنه لا يعرفها، وقال الفرّاء: لا أعرفها إلا أن تكون لغة لم أسمعها. وذُكر عن مجاهد أنه كان يقول: الوَزْف: النَّسَلان.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (إليه يزفون) قال: الوزيف: النسلان.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه بفتح الياء وتشديد الفاء، لأن ذلك هو الصحيح المعروف من كلام العرب، والذي عليه قراءة الفصحاء من القرّاء.
وقد اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: معناه: فأقبل قوم إبراهيم إلى إبراهيم يَجْرُون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) : فأقبلوا إليه يجرون.
وقال آخرون: أقبلوا إليه يَمْشُون.
* ذكر من قال ذلك:
محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) قال: يَمْشُون.
وقال آخرون: معناه: فأقبلوا يستعجلون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، عن أبيه (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) قال: يستعجلون، قال: يَزِفّ: يستعجل.
وقوله (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أتعبدون أيها القوم ما تنحتون بأيديكم من الأصنام.
كما حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) الأصنام.
وقوله (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لقومه: والله خلقكم أيها القوم وما تعملون. وفي قوله (وَمَا تَعْمَلُونَ) وجهان: أحدهما: أن يكون قوله "ما" بمعنى المصدر، فيكون معنى الكلام حينئذ: والله خلقكم وعملكم.
والآخر أن يكون بمعنى "الذي" ، فيكون معنى الكلام عند ذلك: والله خلقكم والذي تعملونه: أي والذي تعملون منه الأصنام، وهو الخشب والنحاس والأشياء التي كانوا ينحتون منها أصنامهم.
وهذا المعنى الثاني قصد إن شاء الله قتادةُ بقوله: الذي حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) : بِأَيْدِكُمْ
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) }
يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم لما قال لهم إبراهيم: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ابنوا لإبراهيم بنيانا; ذكر أنهم بنوا له بنيانا يشبه التنور، ثم نقلوا إليه الحطب، وأوقدوا عليه (فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) والجحيم عند العرب: جمر النار بعضُه على بعض، والنار على النار.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]