
24-07-2025, 07:22 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ سبأ
الحلقة (1148)
صــ 351 لى صــ 360
ربهم (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يقول جل ثناؤه: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة من ربهم لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يقول: وعيش هنيء يوم القيامة في الجنة.
كما حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) }
يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في الكتاب ليجزي المؤمنين ما وصف وليجزي الذين سعوا في آياتنا معاجزين، يقول: وكي يثيب الذين عملوا في إبطال أدلتنا وحججنا معاونين (1) يحسبون أنهم يسبقوننا بأنفسهم فلا نقدر عليهم (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ) يقول: هؤلاء لهم عذاب من شديد العذاب الأليم، ويعني بالأليم: الموجع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ) أي: لا يعجزون (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) قال: الرجز: سوء العذاب، الأليم الموجع.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله
(1) (في اللسان: عجز) : معاجزين: أي: يعاجزون الأنبياء وأولياء الله، أي يقاتلونهم ويمانعونهم، ليصيروهم إلى المعجز عن أمر الله. ويقال: فلان يعاجز عن الحق إلى الباطل، أي يميل إليه ويلجأ.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ) قال: جاهدين ليهبطوها أو يبطلوها، قال: وهم المشركون، وقرأ (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) }
يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا والذين سعوا في آياتنا ما قد بين لهم، وليرى الذين أوتوا العلم، فيرى في موضع نصب عطفًا به على قوله: يجزي في قوله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) وعنى بالذين أوتوا العلم مسلمة أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، ونظرائه الذين قد قرءوا كتب الله التي أنزلت قبل الفرقان، فقال تعالى ذكره: وليرى هؤلاء الذين أوتوا العلم بكتاب الله الذي هو التوراة الكتاب الذي أنزل إليك يا محمد من ربك هو الحق.
وقيل: عنى بالذين أوتوا العلم: أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) قال: أصحاب محمد.
وقوله (وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) يقول: ويرشد من اتبعه وعمل بما فيه إلى سبيل الله العزيز في انتقامه من أعدائه الحميد عند خلقه، فأياديه عندهم ونعمه لديهم. وإنما يعني أن الكتاب الذي أنزل على محمد يهدي إلى الإسلام.
القول في تأويل قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ
نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)
يقول تعالى ذكره: وقال الذين كفروا بالله وبرسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم متعجبين من وعده إياهم البعث بعد الممات بعضهم لبعض (هَلْ نَدُلُّكُمْ) أيها الناس (عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) يقول: يخبركم أنكم بعد تقطعكم في الأرض بلاء (1) وبعد مصيركم في التراب رفاتًا، عائدون كهيئتكم قبل الممات خلقًا جديدًا.
كما حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) قال ذلك مشركو قريش والمشركون من الناس (يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتا وعظاما وقطعتكم السباع والطير (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ستحيون وتبعثون.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ ... ) إلى (خَلْقٍ جَدِيدٍ) قال: يقول: (إِذَا مُزِّقْتُمْ) وإذا بليتم وكنتم عظاما وترابا ورفاتا، ذلك (كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) قال: ينبئكم أنكم فكسر إن ولم يعمل ينبئكم فيها ولكن ابتدأ بها ابتداء، لأن النبأ خبر وقول، فالكسر في إن لمعنى الحكاية في قوله (يُنَبِّئُكُمْ) دون لفظه، كأنه قيل: يقول لكم (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) .
(1) بلاء: بفتح الباء، ممدود: مصدر بلي، بكسر اللام. تقول بلي الثوب بلى وبلاء (اللسان) .
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين كفروا به وأنكروا البعث بعد الممات بعضهم لبعض معجبين من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في وعده إياهم ذلك: أفترى هذا الذي يعدنا أنا بعد أن نمزق كل ممزق في خلق جديد على الله كذبا، فتخلق عليه بذلك باطلا من القول وتخرص عليه قول الزور (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) يقول: أم هو مجنون فيتكلم بما لا معنى له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: قالوا تكذيبا (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) قال: قالوا: إما أن يكون يكذب على الله (أَمْ ِبِه جِنَّةٌ) وإما أن يكون مجنونًا (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ... ) الآية.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: ثم قال بعضهم لبعض (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) الرجل مجنون فيتكلم بما لا يعقل فقال الله (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) .
وقوله (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما قال هؤلاء المشركون في محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وظنوا به من أنه افترى على الله كذبا، أو أن به جنة، لكن الذين لا يؤمنون بالآخرة من هؤلاء المشركين في عذاب الله في الآخرة وفي الذهاب البعيد عن طريق الحق وقصد السبيل فهم من أجل ذلك يقولون فيه ما يقولون.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد قال الله (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) وأمره أن يحلف لهم ليعتبروا وقرأ (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ ... ) الآية كلها وقرأ (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) . وقطعت الألف من قوله (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ) في القطع والوصل، ففتحت لأنها ألف استفهام. فأما الألف التي بعدها التي
هي ألف افتعل فإنها ذهبت لأنها خفيفة زائدة تسقط في اتصال الكلام، ونظيرها (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) و (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) و (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ) وما أشبه ذلك. وأما ألف (آلآن) و (آلذَّكَرَينِ) فطولت هذه، ولم تطول تلك لأن آلآن وآلذكرين كانت مفتوحة فلو أسقطت لم يكن بين الاستفهام والخبر فرق فجعل التطويل فيها فرقا بين الاستفهام والخبر، وألف الاستفهام مفتوحة فكانتا مفترقتين بذلك فأغنى ذلك دلالة على الفرق من التطويل.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) }
يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالمعاد الجاحدون البعث بعد الممات القائلون لرسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم؛ فيرتدعوا عن جهلهم وينزجروا عن تكذيبهم بآياتنا حذرًا أن نأمر الأرض فتخسف بهم أو السماء فتسقط عليه قطعًا، فإنا إن نشأ نفعل ذلك بهم فعلنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) قال: ينظرون عن أيمانهم وعن شمائلهم كيف السماء قد أحاطت بهم (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ) كما خسفنا بمن كان قبلهم (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ) أي: قطعًا من السماء.
وقوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) يقول تعالى ذكره: إن في إحاطة السماء والأرض بعباد الله لآية: يقول: لدلالة لكل عبد منيب: يقول لكل عبد أناب إلى ربه بالتوبة، ورجع إلى معرفة توحيده والإقرار بربوبيته والاعتراف بوحدانيته والإذعان لطاعته على أن فاعل ذلك لا يمتنع عليه فعل شيء أراد فعله ولا يتعذر عليه فعل شيء شاءه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ثنا سعيد عن قتادة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) والمنيب: المقبل التائب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) }
يقول تعالى ذكره: ولقد أعطينا داود منا فضلا وقلنا للجبال (أَوِّبِي مَعَهُ) : سبحي معه إذا سبح. والتأويب عند العرب: الرجوع ومبيت الرجل في منزله وأهله، ومنه قول الشاعر:
يَوْمَانِ يَومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويومُ سَيرٍ إلَى الأعْدَاءِ تَأْوِيبِ (1)
(1) البيت لسلامة بن جندل. قاله أبو عبيدة في (مجاز القرآن، مصورة الجامعة رقم 26059 ص 197 - ب) وانظره في المفضليات طبع القاهرة سنة 1926 والتأويب أن يبيت في أهله. قال سلامة بن جندل: (يومان ... البيت) . استشهد به (اللسان: أوب) ونسبه لسلامة وقال: التأويب أن يسير النهار أجمع، وينزل الليل. وقيل: هو تباري الركاب في السير. قال: سلامة ... البيت. ثم قال التأويب في كلام العرب: سير النهار كله إلى الليل. يقال: أوب القوم تأويبا: أي ساروا بالنهار. و (في اللسان: أوب) : والتأويب: الرجوع. وقوله عز وجل: (يا جبال أوبي معه) ويقرأ: (أوبي معه) أي بضم الهمزة. فمن قرأ أوبي معه (بفتح الهمزة، وشد الواو المكسورة) فمعناه: يا جبال سبحي معه، ورجعة التسبح لأنه قال: سخرنا الجبال معه يسبحن. ومن قرأ (أوبي معه) أي بضم الهمزة، فمعناه: عودي معه في التسبيح كلما عاد فيه.
أي رجوع وقد كان بعضهم يقرؤه (أُوْبِي مَعَهُ) من آب يئوب، بمعنى تصرفي معه، وتلك قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءة الحجة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال ثني محمد بن الصلت قال ثنا أَبو كدينة، وحدثنا محمد بن سنان القزاز قال ثنا الحسن بن الحسن الأشقر قال ثنا أَبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه.
حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يقول: سبحي معه.
حدثنا أَبو عبد الرحمن العلائي قال ثنا مِسْعر عن أَبي حصين عن أَبي عبد الرحمن (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يقول: سبحي.
حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عن أَبي إسحاق عن أَبي ميسرة (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي بلسان الحبشة.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال: ثنا فضيل عن منصور عن مجاهد في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي.
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) أي: سبحي معه إذا سبح.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي معه، قال: والطيرُ أيضًا.
حُدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قال: سبحي.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ثنا مروان بن معاوية عن جويبر عن الضحاك قوله (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سبحي معه.
وقوله (وَالطَّيْرَ) وفي نصب الطير وجهان: أحدهما على ما قاله ابن زيد من أن الطير نوديت كما نوديت الجبال فتكون منصوبة من أجل أنها معطوفة على مرفوع بما لا يحسن إعادة رافعه عليه فيكون كالمصدر (1) عن جهته، والآخر: فعل ضمير متروك استغني بدلالة الكلام عليه، فيكون معنى الكلام: فقلنا يا جبال أوبي معه وسخرنا له الطير. وإن رفع ردا على ما في قوله: سبحي من ذكر الجبال كان جائزًا، وقد يجوز رفع الطير وهو معطوف على الجبال، وإن لم يحسن نداؤها بالذي نوديت به الجبال، فيكون ذلك كما قال الشاعر:
ألا يا عمرُو والضحاكَ سِيرا ... فقد جاوزتما خَمَرَ الطريقِ (2)
(1) لعله كالمصروف عن جهته.
(2) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 261) قال في قوله تعالى: (يا جبال أوبي معه والطير) : منصوبة على جهتين: إحداهما أن تنصبهما بالفعل، بقوله: (ولقد آتينا داود منا فضلا) وسخرنا له الطير، فيكون مثل قوله: أطعمته طعاما وما تريد، وسقيته ماء. فيجوز ذلك. والوجه الآخر بالنداء، لأنك إذا قلت: يا عمرو والصلت أقبلا، نصبت: الصلت بدعائهما، فإذا فقدت كان كالمعدول عن جهته، فنصب، وقد يجوز رفعه، على أن يتبع ما قبله. ويجوز رفعه على أوبي أنت والطير. وأنشدني بعض العرب النداء إذا نصب، لفقده يا أيها: (ألا يا عمرو والضحاك) والخمر بالتحريك: ما سترك من الشجر وغيرها، فيجوز نصب الضحاك ورفعه. وقال الآخر: يا طلحة الكامل وابن الكامل.
وقوله (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ذكر أن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار ولا ضرب بحديد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) سخر الله له الحديد بغير نار.
حدثنا ابن بشار قال: ثنا ابن عثمة قال: ثنا سعيد بن بشير عن قتادة في قوله (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) كان يسويها بيده ولا يدخلها نارًا ولا يضربها بحديدة.
وقوله (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) يقول: وعهدنا إليه أن اعمل سابغات: وهي التوامُّ الكوامل من الدروع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) دروع وكان أول من صنعها داود، إنما كان قبل ذلك صفائح.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) قال: السابغات دروع الحديد.
وقوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) اختلف أهل التأويل في السرد؛ فقال بعضهم: السرد هو مسمار حلق الدرع.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (وَقَدِّرْ فِي السرْدِ) قال: كان يجعلها بغير نار، ولا يقرعها بحديد، ثم يسردها. والسرد: المسامير التي في الحلق.
وقال آخرون: هو الحلق بعينها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال: السرد حلقه، أي: قدر تلك الحلق، قال: وقال الشاعر:
أجادَ المُسَدِّي سَرْدَهَا وَأَذَالَهَا (1)
قال: يقول وسعها وأجاد حلقها.
حدثنا محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يعني بالسرد: ثقب الدروع فيسد قتيرها. وقال بعض أهل العلم بكلام العرب: يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق، واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر:
وَعَلَيهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاودُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ (2)
(1) البيت لكثير عزة بن عبد الرحمن الخزاعي (اللسان: ذيل) وصدره: على ابن أَبي العاص دلاص حصينة ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال: وذيل فلان ثوبه تذييلا: إذا طوله. وملاء مذيل: طويل الذيل. ويقال: وأذال فلان ثوبه إذا أطال ذيله؛ قال كثير: على ابن أَبي العاص. . . . . ... . . . . . . . . . . . وأذالها
وسردها: سمرها بالمسامير، كما يأتي في الشواهد بعده. والمسدي: من التسديد وهي أن يجعل الدرع مضاعفة، لها سدى ولحمة. (على التشبيه بالثوب الذي له سدى ولحمة) أو السدى: أسفل الثوب والدرع، والتسديد منه توسع أسفلها حتى لا يعوق لابسه في السير إذا كان ضيقا، وهذا الشاهد في معنى الشاهد الذي بعده.
(2) البيت من شواهد أَبي عبيدة في (معاني القرآن 198 - أ) من مصورة الجامعة على أنه يقال درع مسرودة: أي مسمورة الحلق. وقال الفراء في (معاني القرآن، الورقة 261) : وقال عز وجل: (أن اعمل سابغات) : الدروع (وقدر في السرد) يقول: لا تجعل مسمار الدروع دقيقا، فيقلق، ولا غليظا، فيفصم الحلق. وفي (اللسان: قضى) : والقضاء: بمعنى العمل، ويكون بمعنى العمل، ويكون بمعنى الصنع والتقدير قال أبو ذؤيب: "وعليهما مسرودتان ... البيت" . قال ابن السيرافي: قضاهما فرغ من عملها أو قلت: ومعنى البيت أنهما جاءا وعليهما درعان سابغتان أي طويلتان محكمتا الصنع، كأنهما من صنع داود عليه السلام، أو من صنع تبع ملك اليمن العظيم
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|