عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-07-2025, 04:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأحزاب
الحلقة (1142)
صــ 301 لى صــ 310





(لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) قال: لا يحل لك أن تتزوج من المشركات إلا من سبيت فملكته يمينك منهن.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا أن تبدل بأزواجك اللواتي هن في حبالك أزواجًا غيرهن؛ بأن تطلقهن وتنكح غيرهن.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) يقول: لا يصلح لك أن تطلق شيئًا من أزواجك ليس يعجبك، فلم يكن يصلح ذلك له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا أن تبادل من أزواجك غيرك؛ بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) قال: كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم؛ يعطي هذا امرأته هذا ويأخذ امرأته؛ فقال (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت أن تبادل، فأما الحرائر فلا قال: وكان ذلك من أعمالهم في الجاهلية.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا أن تطلق أزواجك فتستبدل بهن غيرهن أزواجًا.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لما قد بيننا قبل من أن قول الذي قال معنى
قوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) لا يحل لك اليهودية أو النصرانية والكافرة، قول لا وجه له.
فإذ كان ذلك كذلك فكذلك قوله (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) كافرة لا معنى له، إذ كان من المسلمات من قد حرم عليه بقوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) الذي دللنا عليه قبل. وأما الذي قاله ابن زيد في ذلك أيضًا فقول لا معنى له، لأنه لو كان بمعنى المبادلة لكانت القراءة والتنزيل: ولا أن تبادل بهن من أزواج، أو ولا أن تُبدل بهن بضم التاء، ولكن القراءة المجمع عليها: ولا أن تَبدل بهن بفتح التاء، بمعنى: ولا أن تستبدل بهن، مع أن الذي ذكر ابن زيد من فعل الجاهلية غير معروف في أمة نعلمه من الأمم: أن يبادل الرجل آخر بامرأته الحرة، فيقال: كان ذلك من فعلهم فنهى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن فعل مثله.
فإن قال قائل: أفلم يكن لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يتزوج امرأة على نسائه اللواتي كن عنده، فيكون موجهًا تأويل قوله (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) إلى ما تأولت، أو قال: وأين ذكر أزواجه اللواتي كن عنده في هذا الموضع، فتكون الهاء من قوله (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) من ذكرهن وتوهم أن الهاء في ذلك عائدة على النساء، في قوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) ؟ قيل: قد كان لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يتزوج من شاء من النساء اللواتي كان الله أحلهن له على نسائه اللاتي كن عنده يوم نزلت هذه الآية، وإنما نهي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بهذه الآية أن يفارق من كان عنده بطلاق أراد به استبدال غيرها بها، لإعجاب حسن المستبدلة له بها إياه إذ كان الله قد جعلهن أمهات المؤمنين وخيرهن بين الحياة الدنيا والدار الآخرة، والرضا بالله ورسوله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فحرمن على غيره بذلك، ومنع من فراقهن بطلاق، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع منه، بل أحل الله له ذلك على ما بين في كتابه. وقد روي عن عائشة أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يقبض حتى أحل الله له نساء أهل الأرض.


حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى أحل له النساء، تعني: أهل الأرض.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى أحل له النساء.
حدثنا العباس بن أبي طالب، قال: ثنا معلى، قال: ثنا وهيب، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير الليثي، عن عائشة قالت: ما توفي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء.
حدثني أَبو زيد عمر بن شبة، قال: ثنا أَبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء قال: أحسب عبيد بن عمير حدثني، قال أَبو زيد وقال أَبو عاصم مرة، عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى أحل الله له النساء. قال: وقال أَبو الزبير: شهدت رجلا يحدثه عطاء.
حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا همام، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتى حل له النساء.
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت من أن الله حرم على نبيه بهذه الآية طلاق نسائه اللواتي خيرهن فاخترنه، فما وجه الخبر الذي روي عنه أنه طلق حفصة ثم راجعها، وأنه أراد طلاق سودة حتى صالحته على ترك طلاقه إياها، ووهبت يومها لعائشة؟ قيل: كان ذلك قبل نزول هذه الآية.
والدليل على صحة ما قلنا من أن ذلك كان قبل تحريم الله على نبيه طلاقهن، الرواية الواردة أن عمر دخل على حفصة معاقبها حين اعتزل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نساءه، كان من قيله لها: قد كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طلقك، فكلمته فراجعك، فوالله لئن طلقك، أو لو كان طلقك

لا كلمته فيك. وذلك لا شك قبل نزول آية التخيير، لأن آية التخيير إنما نزلت حين انقضى وقت يمين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على اعتزالهن.
وأما أمر الدلالة على أن أمر سودة كان قبل نزول هذه الآية، أن الله إنما أمر نبيه بتخيير نسائه بين فراقه والمقام معه على الرضا بأنْ لا قَسْم لهن، وأنه يرجي من يشاء منهن، ويؤوي منهن من يشاء، ويؤثر من شاء منهن على من شاء، ولذلك قال له تعالى ذكره (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) ومن المحال أن يكون الصلح بينها وبين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جرى على تركها يومها لعائشة في حال لا يوم لها منه.
وغير جائز أن يكون كان ذلك منها إلا في حال كان لها منه يوم هو لها حق كان واجبًا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أداؤه إليها، ولم يكن ذلك لهن بعد التخيير لما قد وصفت قبل فيما مضى من كتابنا هذا.
فتأويل الكلام: لا يحل لك يا محمد النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك في الآية قبل، ولا أن تطلق نساءك اللواتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فتبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسن من أردت أن تبدل به منهن، إلا ما ملكت يمينك. وأن في قوله (أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ) رفع، لأن معناها: لا يحل لك النساء من بعد، ولا الاستبدال بأزواجك، وإلا في قوله: (إلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) استثناء من النساء. ومعنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك إلا ما ملكت يمينك من الإماء، فإن لك أن تملك من أى أجناس الناس شئت من الإماء.
وقوله (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) يقول: وكان الله على كل شيء؛ ما أحل لك، وحرم عليك، وغير ذلك من الأشياء كلها، حفيظًا لا يعزب عنه علم شيء من ذلك، ولا يئوده حفظ ذلك كله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكَانَ اللَّهُ

عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) : أي حفيظًا في قول الحسن وقتادة.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) }
يقول تعالى ذكره لأصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تدخلوا بيوت نبي الله إلا أن تدعوا إلى طعام تطعمونه (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يعني: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يأني إنى وأنيا وإناء، قال الحطيئة:
وآنيتُ العَشاءَ إلَى سُهَيلٍ ... أوِ الشِّعْرَى فطال بيَ الأنَاءُ (1)
وفيه لغة أخرى يقال: قد آن لك، أي: تبين لك أينا ونال لك، وأنال لك، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
(1)
البيت للحطيئة (اللسان: أني) . وآنيت الشيء: أخرته، والاسم منه الأناء على فعال بالفتح. يريد أنه آخر عشاءه إلى طلوع سهيل أو طلوع الشعري، فطال انتظاره. قال: ورواه أبو سعيد (الأصمعي) : وأنيت، بتشديد النون. ويقال: أنيت الطعام في النار: إذا أطلعت مكثه. وأنى الشيء يأني أنيا وإني وأني: حان وأدرك. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة ص 1197) (إلى طعام غير ناظرين إناه) : أي إدراكه وبلوغه. ويقال: أنى لك يأني أنيا: أي بلغ وأدرك. تمخط المنون له بيوم ... أني ولكل حاملة تمام

.

هاجَتْ وَمِثْلِي نَوْلُهُ أن يَرْبَعا ... حمامةٌ ناختْ حَمَامًا سُجَّعًا (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله (إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) قال: متحيِّنين نضجه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يقول: غير ناظرين الطعام أن يصنع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) قال: غير متحينين طعامه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. ونصب (غير) في قوله (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) على الحال من الكاف والميم في قوله (إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) لأن الكاف والميم معرفة وغير نكرة، وهي من صفة الكاف والميم. وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: لا يجوز في (غَيْرَ) الجر على الطعام، إلا أن تقول: أنتم، ويقول: ألا ترى أنك لو قلت: أبدى لعبد الله عليَّ امرأة مبغضًا لها، لم يكن فيه إلا النصب، إلا أن تقول: مبغض لها هو، لأنك إذا أجريت صفته عليها، ولم تظهر الضمير الذي يدل على أن الصفة
(1)
البيتان: من مشطور الرجز، لرؤبة الراجز المشهور (ديوانه - طبعة ليبسج - سنة 1903 ص 87) . وفي (اللسان: نول) : أما نول فتقول: نولك أن تفعل كذا: أي ينبغي لك فعل كذا. وفي الصحاح: أي حقك أن تفعل كذا. وأصله من التناول، كأنه يقول: تناولك كذا وكذا. قال العجاج: (هاجت ... إلخ) : أي حقه أن يكف. وقيل: الرجز لرؤبة. وأصل النول مصدر ناله بالخير ينوله نوالا، ونولا، ونيلا. ويقال: أناله بخير إنالة.


له لم يكن كلامًا، لو قلت هذا رجل مع امرأة مُلازِمِها، كان لحنًا حتى ترفع فتقول: ملازمُها، أو تقول: ملازِمَها هو فتجر.
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: لو جعلت (غَيْرَ) في قوله (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) خفضًا كان صوابًا، لأن قبلها الطعام وهو نكرة، فيجعل فعلهم تابعًا للطعام، لرجوع ذكر الطعام في إناه، كما تقول العرب: رأيت زيدًا مع امرأةٍ محسنًا إليها ومحسنٍ إليها؛ فمن قال محسنًا جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قال: رأيته مع التي يحسن إليها، فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها وإن كانت فعلا لغير النكرة، كما قال الأعشى:
فقُلتُ لهُ هذهِ هاتِها ... إلينا بأدْمَاءَ مُقْتَادِها (1)
فجعل المقتاد تابعًا لإعراب (بِأدْمَاء) ، لأنه بمنزلة قولك: بأدماء تقتادها، فخفضه لأنه صلة لها، قال: وينشد: بأدماءِ مقتادِها، بخفض الأدماء
(1)
البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة ص 69) ورواية البيت فيه: فَقُلنَا لَهُ هَذِهِ هاتِها ... بأَدْماءَ فِي حَبْلِ مُقْتادِها

وهي غير رواية المؤلف التي استشهد بها. وليس في رواية الديوان شاهد للمؤلف. والشاعر يمدح بالقصيدة سلامة ذافانش من أقيال اليمن. وفي مقدمة القصيدة أبيات في الغزل والخمر، ومنها هذا البيت. وقوله "هذه" : إشارة إلى الخمر التي جاء بها الساقي يؤامر الشاعر في شربها ويساومه في ثمنها وقد رضي الشاعر بأن يشتري الخمر التي وصف، على أن يكون ثمنها ناقته الأدماء التي يقودها خادمه بحبلها، والأدمة في الإبل: البياض مع سواد المقلتين (اللسان) . هذا تفسير البيت على رواية الديوان. فأما على رواية المؤلف، فإنه جعل إعراب (مقتادها) بالجر إتباعا لأدماء، لأنها نكرة، وإن كان الاقتياد لخادمه المفهوم من المقام، فهي صفة جارية على غير صاحبها، ولم يصرح بضمير النعت إذا كان لغير المنعوت فلا بد أن يقال: مقتادها أنت أي صاحب الخمر. أو يقول: مقتادها هو: أي يقتادها الخادم. فأما إذا كان المنعوت معرفة كما في قوله تعالى: (إلا أن يؤذون لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) فيجوز في (غير) النصب على الحال من الضمير في لكم، ويجوز الجر عند الكوفيين بالإتباع على النعت، وإن لم يبرز معه الضمير. وقد أوضح المؤلف المقام توضيحا كاملا، لا يحتاج معه إلى مزيد من القول.

لإضافتها إلى المقتاد، قال: ومعناه: هاتها على يدي من اقتادها. وأنشد أيضًا:
وإنِ امرَءًا أهْدَى إلَيكِ وَدُونُهَ ... منَ الأرضِ موْمَاةٌ وَبَيْدَاءُ فَيْهَقُ
لَمَحْقُوقَةٌ أن تَستجيبي لِصوتِهِ ... وأن تعْلَمِي أنَّ المُعَانَ مُوَفَّقُ (1)
وحكي عن بعض العرب سماعًا ينشد:
أرأيت إذْ أَعطَيتكِ الودَّ كلَّه ... ولم يكُ عندي إن أبيتِ إباءُ
أمُسلِمتي للموت أنت فميِّتٌ ... وهل للنفوس المسلماتِ بقاءُ (2)
ولم يقل: فميت أنا، وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: يدك باسطها يريدون: أنت، وهو كثير في الكلام، قال: فعلى هذا يجوز خفض (غير) .
والصواب من القول في ذلك عندنا، القول بإجازة جر (غير) في (غَيْرَ نَاظِرِينَ) في الكلام، لا في القراءة لما ذكرنا من الأبيات التي حكيناها، فأما في القراءة فغير جائز في (غير) غير النصب، لإجماع الحجة من القراء على نصبها.
(1)
البيتان للأعشى. وقد سبق الاستشهاد بهما في كلام المؤلف على مثل ما استشهد بهما عليه هنا (انظر 17: 197) . والشاهد في قوله: (لمحقوقة) ، فإنه خبر عن قوله: (وإن امرءًا) . والخبر، هنا: غير المخبر عنه، لأن المبتدأ هنا مذكر، والخبر مؤنث. وقد اختلف النحاة في مثل هذا فقال البصريون كان يجب أن يقول: (لمحقوقة أنت) بإبراز الضمير، لأن تركه يحدث لبسا في الكلام ولا يعلم المراد بالمحقوقة أي شخص هو؟ وأما الكوفيون فقد جوزوا في هذه الحالة وأمثالها في الخبر والنعت اللذين لا يطابقان صاحبهما، أن يبرز الضمير، وألا يبرز، على خلاف ما قاله البصريون، واستشهدوا ببيتي الأعشى على مجيء الخبر غير مطابق لما هو له، بدون إبراز الضمير. وحمل البصريون ذلك في البيت على الاتساع والحذف. (وانظر المسألة مفصلة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف، بين البصريين والكوفيين، لأبي البركات عبد الرحمن بن الأنباري، طبع القاهرة ص 45 - 48 المسألة رقم 8) .

(2)
هذان البيتان لم أجدهما في معاني القرآن للفراء، ولا في مجاز القرآن لأبي عبيدة. والشاهد فيهما أن قوله فميت معطوف على قوله: (أمسلمتي) ، والمعطوف هنا غير المعطوف عليه في المعنى، فكان مقتضى ذلك أن يقول: فميت أنا، بإبراز الضمير على مذهب البصريين، ولكنه لم يبرز الضمير وهو موافق لمذهب الكوفيين الذين يقولون بجواز إبراز الضمير وعدم إبرازه، وهذا كثير في كلام العرب.


وقوله (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) يقول: ولكن إذا دعاكم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فادخلوا البيت الذي أذن لكم بدخوله (فإذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) يقول: فإذا أكلتم الطعام الذي دعيتم لأكله فانتشروا، يعني: فتفرقوا واخرجوا من منزله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) فقوله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) في موضع خفض عطفًا به على ناظرين، كما يقال في الكلام: أنت غير ساكت ولا ناطق. وقد يحتمل أن يقال: مستأنسين في موضع نصب عطفًا على معنى ناظرين، لأن معناه إلا أن يؤذن لكم إلى طعام لا ناظرين إناه، فيكون قوله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) نصبًا حينئذ، والعرب تفعل ذلك إذا حالت بين الأول والثاني؛ فترد أحيانًا على لفظ الأول وأحيانًا على معناه، وقد ذكر الفراء أن أبا القمقام أنشده:
أجِدكَ لستَ الدهرَ رائيَ رامَة ... ولا عاقلٍ إلا وانت جنِيبُ
ولا مُصعِدٍ في المُصعِدينَ لمنْعِجٍ ... ولا هابطًا ما عِشْتُ هَضْبَ شطيبِ (1)
فرد مصعد على أن رائي فيه باء خافضة، إذ حال بينه وبين المصعد مما حال بينهما من الكلام.
ومعنى قوله (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) : ولا متحدثين بعد فراغكم من
(1)
البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة 258) وروايته أصح من رواية المؤلف. ورامة، وعاقل ومنعج (في رواية المؤلف) ، ومنبج (في رواية الفراء) : أسماء مواضع في جزيرة العرب، إلا منبج ففي الشام، قرب حلب، والبيتان مما أنشده أبو القمقام الفراء. والشاهد في قوله: (ولا مصعد) بالجر فإنه معطوف على (رائي) والمعطوف عليه منصوب، والمعطوف مجرور على توهم زيادة الباء في خبر ليس وهو المعطوف عليه الأول. كأنه قال: لست براء ولا مصعد. وقد ساق الفراء البيتين في توجيه إعراب قوله تعالى: (ولا مستأنسين) فإنه رده عطفا على (ناظرين إناه) بالجر، أو بالنصب إتباعا لغير. قال: ولو جعلت المستأنسين في موضع نصب: تتوهم أن تتبعه بغير، لما أن حلت بينهما بكلام. كذلك. وكذلك كل معنى احتمل وجهين، ثم فرقت بينهما بكلام جاز أن يكون الآخر معربا بخلاف الأول. من ذلك قولك: ما أنت بمحسن إلى من أساء إليه ولا مجملا.


أكل الطعام إيناسًا من بعضكم لبعض به.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) بعد أن تأكلوا.
واختلف أهل العلم في السبب الذي نزلت هذه الآية فيه؛ فقال بعضهم: نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في وليمة زينب بنت جحش، ثم جلسوا يتحدثون في منزل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وبرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى أهله حاجة فمنعه الحياء من أمرهم بالخروج من منزله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: بنى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بزينب بنت جحش، فبعثت داعيًا إلى الطعام، فدعوت، فيجيء القوم يأكلون ويخرجون، ثم يجيء القوم يأكلون ويخرجون، فقلت: يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدًا أدعوه، قال: ارفعوا طعامكم، وإن زينب لجالسة في ناحية البيت، وكانت قد أعطيت جمالا وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت، وخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منطلقًا نحو حجرة عائشة، فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ" فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ قال: فأتى حجر نسائه فقالوا مثل ما قالت عائشة، فرجع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فإذا الثلاثة يتحدثون في البيت، وكان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شديد الحياء، فخرج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منطلقًا نحو حجرة عائشة، فلا أدري أخبرته، أو أخبر أن الرهط قد خرجوا، فرجع حتى وضع رجله في أسكفة داخل البيت، والأخرى خارجه، إذ أرخي الستر بيني وبينه، وأُنزلت آية الحجاب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]