
24-07-2025, 12:52 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ العنكبوت
الحلقة (1117)
صــ 40 لى صــ 50
الأشباه والنظائر (نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ) يقول: نمثلها ونشبهها ونحتجّ بها للناس، كما قال الأعشى:
هَلْ تَذْكُرُ العَهْدَ مِنْ تَنَمَّصَ إذْ ... تَضْرِبُ لي قاعِدًا بِها مَثَلا (1)
(وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ) يقول تعالى ذكره: وما يعقل أنه أصيب بهذه الأمثال التي نضربها للناس منهم الصواب والحقّ فيما ضربت له مثلا (إلا الْعَالِمُونَ) بالله وآياته.
القول في تأويل قوله تعالى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: خلق الله يا محمد، السموات والأرض وحده منفردا بخلقها، لا يشركه في خلقها شريك (إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) يقول: إن في خلقه ذلك لحجة لمن صدق بالحجج إذا عاينها، والآيات إذا رآها.
القول في تأويل قوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (اتْلُ) يعني: اقرأ (مَا أُوحِيَ إلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ) يعني: ما أنزل إليك من هذا القرآن (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) يعني: وأدّ الصلاة التي فرضها الله عليك بحدودها (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) اختلف أهل التأويل في معنى الصلاة التي ذُكرت في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بها القرآن الذي يقرأ في موضع الصلاة، أو في الصلاة.
(1) البيت لأعشى بني قيس قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ص 237) وفيه "في" في موضع "من" و "في" أوجه. وتنمص، بفتح أوله وثانيه، بعده ميم مشددة مضمومة. وصاد مهملة: موضع. هكذا ذكره أبو حاتم، وأنشد للأعشى: هل تعرف الدر في تنمص إذ ... تضرب لي قاعدًا بها مثلا
وتنمص في ديار حمير، لأنه مدح بها ذا فائش الحميري، وزعم أنه قال له: ما لك لا تمدحني، وضرب له مثلا. (انظر معجم ما استعجم للبكري. ترتيب مصطفى السقا ص 322) . والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (185 - أ) وروايته: هل تذكر العهد في تنمص. والمؤلف استشهد به عند قوله تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس) . قال أبو عبيدة: مجازه: هذه الأشباه والنظائر نحتج بها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أبي الوفاء، عن أبيه، عن ابن عمر (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) قال: القرآن الذي يقرأ في المساجد.
وقال آخرون: بل عنى بها الصلاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) يقول: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن العلاء بن المسيب، عمن ذكره، عن ابن عباس، في قول الله: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بُعدا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا خالد، قال: قال العلاء بن المسيب، عن سمرة بن عطية، قال: قيل لابن مسعود: إن فلانا كثير الصلاة، قال: فإنها لا تنفع إلا من أطاعها.
قال ثنا الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، قال: من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهه عن المنكر، لم يزدد بها من الله إلا بعدا.
قال ثنا الحسين، قال: ثنا عليّ بن هاشم بن البريد، عن جُوَيبر، عن الضحاك، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صَلاةَ لِمَن لَمْ يُطِعِ الصَّلاةَ، وَطاعَةُ الصَّلاةِ أنْ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنكَرِ" قال: قال سفيان: (قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) قال: فقال سفيان: إي والله، تأمره وتنهاه.
قال علي: وحدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلى صَلاةً لَمْ تَنْهَهُ عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِها مِنَ اللهِ إلا بُعْدًا" .
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: الصلاة إذا لم تنه عن الفحشاء والمنكر، قال: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد
من الله إلا بعدا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة والحسن، قالا من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بعدا.
والصواب من القول في ذلك أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال ابن عباس وابن مسعود، فإن قال قائل: وكيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر إن لم يكن معنيا بها ما يتلى فيها؟ قيل: تنهى من كان فيها، فتحول بينه وبين إتيان الفواحش، لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر، ولذلك قال ابن مسعود: من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلا بعدا. وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر.
حدثنا أبو حميد الحمصي، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، قال: ثنا أرطاة، عن ابن عون، في قول الله (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) قال: إذا كنت في صلاة، فأنت في معروف، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر، و (الفَحْشَاءِ) : هو الزنا، و (المُنْكَر) : معاصي الله، ومن أتى فاحشة أو عَصَى الله في صلاته بما يفسد صلاته، فلا شكّ أنه لا صلاة له.
وقوله: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة، قال: قال لي ابن عباس: هل تدري ما قوله: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: قلت: نعم، قال: فما هو؟ قال: قلت: التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة، وقراءة القرآن ونحو ذلك، قال: لقد قلت قولا عجبا وما هو كذلك، ولكنه إنما يقول: ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه، إذا ذكرتموه (أَكْبَرُ) من ذكركم إياه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن ابن ربيعة، عن ابن عباس قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن ربيعة، قال: سألني ابن عباس، عن قول الله: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) فقلت: ذكره بالتسبيح والتكبير
والقرآن حسن، وذكره عند المحارم فيحتجز عنها. فقال: لقد قلت قولا عجيبا وما هو كما قلت، ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة، عن ابن عباس (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه.
حدثنا محمد بن المثنى وابن وكيع، قال ابن المثنى: ثني عبد الأعلى وقال ابن وكيع: ثنا عبد الأعلى قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، قال: كنت قاعدا عند ابن عباس، فجاءه رجل، فسأل ابن عباس عن ذكر الله أكبر، فقال ابن عباس: الصلاة والصوم، قال: ذاك ذكر الله، قال رجل: إني تركت رجلا في رحلي يقول غير هذا، قال: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: ذكر الله العباد أكبر من ذكر العباد إياه، فقال ابن عباس: صدق والله صاحبك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَير، قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: حدثني عن قول الله (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن داود، عن عكرمة (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه.
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: هو قوله: (فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ) وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَلَذِكْرُ اللهِ) لعباده إذا ذكروه (أكْبَرُ) من ذكركم إياه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ) قال: ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه في الصلاة أو غيرها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى، عن ابن عباس، قال: ذكر الله إياكم، إذا ذكرتموه، أكبر من
ذكركم إياه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تُمَيْلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عامر، عن أبي قرة، عن سلمان، مثله.
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثني عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عَريب، عن كثير بن مرّة الحضرميّ، قال: سمعت أبا الدرداء يقول: ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير من أن تغزوا عدوّكم، فتضربوا أعناقهم، وخير من إعطاء الدنانير والدراهم؟ قالوا: ما هو؟ قال: ذكركم ربكم، وذكر الله أكبر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان، عن جابر، عن عامر، عن أبي قرة، عن سلمان (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: قال ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
قال: ثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: سألت أبا قرة، عن قوله: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
قال: ثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عطية، عن ابن عباس قال: هو كقوله: (اذْكُرُونِي أذْكرْكُمْ) فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
قال: ثنا حسن بن عليّ، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لربه.
قال: ثنا أبو يزيد الرازي، عن يعقوب، عن جعفر، عن شعبة، قال: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولذكركم الله أفضل من كلّ شيء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عمر بن أبي زائدة، عن العيزار بن حريث، عن رجل، عن سلمان أنه سئل: أيّ العمل أفضل؟ قال: أما تقرأ القرآن (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) : لا شيء أفضل من ذكر الله.
حدثنا ابن حميد أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا عليّ بن عياش، قال: ثنا
الليث، قال: ثني معاوية، عن ربيعة بن يزيد، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أمّ الدرداء، أنها قالت: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) فإن صليت فهو من ذكر الله، وإن صمت فهو من ذكر الله، وكلّ خير تعمله فهو من ذكر الله، وكل شرّ تجتنبه فهو من ذكر الله، وأفضل ذلك تسبيحُ الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: لا شيء أكبر من ذكر الله، قال: أكبر الأشياء كلها، وقرأ (أقِمِ الصلاةَ لِذِكْرِي) قال: لذكر الله وإنه لم يصفه عند القتال إلا أنه أكبر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، قال: قال رجل لسلمان: أي العمل أفضل،؟ قال: ذكر الله.
وقال آخرون: هو محتمل للوجهين جميعا، يعنون القول الأوّل الذي ذكرناه والثاني.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرِمة، عن ابن عباس في قوله: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: لها وجهان: ذكر الله أكبر مما سواه، وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا خالد الحذّاء، عن عكرِمة، عن ابن عباس في قوله: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: لها وجهان: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، وذكر الله عند ما حُرم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لذكر الله العبد في الصلاة، أكبر من الصلاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السُّدِّي، عن أبي مالك في قوله: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) قال: ذكر الله العبد في الصلاة، أكبر من الصلاة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللصلاة التي أتيت أنت بها، وذكرك الله فيها، أكبر مما نهتك الصلاة من الفحشاء والمنكر.
حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، قال: ثنا أرطاة، عن ابن عون، في قول الله (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) والذي
أنت فيه من ذكر الله أكبر.
قال أبو جعفر: وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، قول من قال: ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه.
وقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) يقول: والله يعلم ما تصنعون أيها الناس في صلاتكم، من إقامة حدودها، وترك ذلك وغيره من أموركم، وهو مجازيكم على ذلك، يقول: فاتقوا أن تضيعوا شيئا من حدودها، والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) }
يقول تعالى ذكره: (وَلا تُجَادِلُوا) أيها المؤمنون بالله وبرسوله اليهود والنصارى، وهم (أَهْلَ الكِتابِ إلا بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يقول: إلا بالجميل من القول، وهو الدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حُججه.
وقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: إلا الذين أبوا أن يقرّوا لكم بإعطاء الجزية، ونصبوا دون ذلك لكم حربا، فإنهم ظلمة، فأولئك جادلوهم بالسيف حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن سهل، قال: ثنا يزيد، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد في قوله: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) قال: من قاتل ولم يُعط الجزية.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، بنحوه. إلا أنه قال: من قاتلك ولم يعطك الجزية.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال: إن قالوا شرّا؛ فقولوا خيرا، (إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فانتصروا منهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) قال: قالوا: مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمدا صلى الله عليه وسلم، قال: هم أهل الكتاب.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) قال: أهل الحرب، من لا عهد له جادله بالسيف.
وقال آخرون: معنى ذلك: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتابِ) الذين قد آمنوا به، واتبعوا رسوله فيما أخبروكم عنه مما في كتبهم (إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فأقاموا على كفرهم، وقالوا: هذه الآية محكمة، وليست بمنسوخة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال: ليست بمنسوخة، لا ينبغي أن تجادل من آمن منهم، لعلهم يحسنون شيئا في كتاب الله، لا تعلمه أنت فلا تجادله، ولا ينبغي أن تجادل إلا الذين ظلموا، المقيمَ منهم على دينه. فقال: هو الذي يُجادَلُ، ويقال له بالسيف (1) قال: وهؤلاء يهود. قال: ولم يكن بدار الهجرة من النصارى أحد، إنما كانوا يهودا هم الذي كلَّموا وحالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدرت النضير يوم أُحد، وغدرت قُريظة يوم الأحزاب.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالقتال، وقالوا: هي منسوخة، نسخها قوله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَلا تُجَادِلُوا
(1) يقال له بالسيف: أي يرفع عليه السيف. قال في (اللسان: قول) : والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول: قال بيده: أي أخذ، وقال برجله: أي مشى. وقال الشاعر وقالت له العينان سمعًا وطاعةً
أي أومأت. وقال بثوب: أي رفعه. وكل ذلك على المجاز والاتساع. وفي الأصل: و "يقال له: السبت" تحريف من الناسخ.
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ثم نسخ بعد ذلك، فأمر بقتالهم في سورة براءة، ولا مجادلة أشدّ من السيف، أن يقاتلوا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقرّوا بالخراج.
وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: عني بقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) : إلا الذين امتنعوا من أداء الجزية، ونصبوا دونها الحرب.
فإن قال قائل: أو غير ظالم من أهل الكتاب إلا من لم يؤدّ الجزية؟ قيل: إن جميعهم، وإن كانوا لأنفسهم بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ظلمة، فإنه لم يعن بقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) . ظلم أنفسهم. وإنما عنى به: إلا الذين ظلموا منهم أهل الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أولئك جادلوهم بالقتال.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لأن الله تعالى ذكره أذن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب، بغير الذي هو أحسن بقوله: (إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فمعلوم إذ كان قد أذن لهم في جدالهم، أن الذين لم يؤذن لهم في جدالهم إلا بالتي هي أحسن، غير الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمن؛ لأن المؤمن منهم غير جائز جداله إلا في غير الحقّ، لأنه إذا جاء بغير الحق، فقد صار في معنى الظلمة في الذي خالف فيه الحقّ، فإذ كان ذلك كذلك، تبين أن ألا معنى لقول من قال: عنى بقوله: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ) أهل الإيمان منهم، وكذلك لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وزعم أنها منسوخة؛ لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل.
وقد بيَّنا في غير موضع من كتابنا، أنه لا يجوز أن يحكم على حكم الله في كتابه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر أو عقل.
وقوله: (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن: إذا حدثكم أهل الكتاب أيها القوم عن كتبهم، وأخبروكم عنها بما يمكن ويجوز أن يكونوا فيه صادقين، وأن يكونوا فيه كاذبين، ولم تعلموا أمرهم وحالهم في ذلك، فقولوا لهم (آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ) مما في التوراة والإنجيل، (وَإِلَهُنَا
وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ) يقول: ومعبودنا ومعبودكم واحد (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) يقول: ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا ونهانا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا عليّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتابِ وَلا تُكَذّبُوُهْم، (وَقُولُوا آمَنَّا بالَّذِي أُنزلَ إلَيْنا وأُنزلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) " .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار قال: كان ناس من اليهود يحدثون ناسا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذّبُوهُمْ، (وَقُولُوا آمَنَّا بالَّذِي أُنزلَ إلَيْنا وأُنزلَ إلَيْكُمْ) " .
قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن سليمان، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، عن عبد الله قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحقّ أو تصدّقوا بباطل، فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال (1) .
وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) . قال: قالوا: مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمدا، (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ) لمن لم يقل هذا من أهل الكتاب.
القول في تأويل قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ
(1) تالية اسم فاعل من تلاه يتلوه: إذا تبعه. يريد: داعية تدعوه إلى الاستمساك بدينه. وتالية المال: لعل المراد به: التابعة التي تتبع أمهاتها من صغار الإبل ونحوها.
وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ (47)
يقول تعالى ذكر: كما أنزلنا الكتب على مَن قبلك يا محمد من الرسل (كَذلكَ أنزلْنَا إلَيْكَ) هذا (الكِتابَ فالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ) من قبلك من بني إسرائيل (يُؤْمِنُون بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يقول: ومن هؤلاء الذين هم بين ظهرانيك اليوم، من يؤمن به، كعبد الله بن سلام، ومن آمن برسوله من بني إسرائيل.
وقوله: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ) يقول تعالى ذكره: وما يجحد بأدلتنا وحججنا إلا الذي يجحد نعمنا عليه، وينكر توحيدنا وربوبيتنا على علم منه عنادا لنا.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ) قال: إنما يكون الجحود بعد المعرفة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) }
يقول تعالى ذكره: (وَما كُنْتَ) يا محمد (تَتْلُوا) يعني: تقرأ (مِنْ قَبْلِهِ) يعني: من قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك (مِنْ كِتَابٍ وَلا تخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) يقول: ولم تكن تكتب بيمينك، ولكنك كنت أمِّيًّا (إذًا لارْتابَ المُبْطِلَونَ) يقول: ولو كنت من قبل أن يُوحَى إليك تقرأ الكتاب، أو تخطه بيمينك، (إذًا لارْتَابَ) يقول: إذن لشكّ -بسبب ذلك في أمرك، وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الذي تتلوه عليهم- المبطلون القائلون إنه سجع وكهانة، وإنه أساطير الأوّلين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) قال: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أمِّيا؛ لا يقرأ شيئا ولا يكتب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) قال: كان نبيّ الله لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه، قال: كان أُمِّيا، والأمّي: الذي لا يكتب.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|